غُسل الجنابة \ موجبات الجنابة - الموجب الأوّل : الإنزال 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 14300


 فصل

في غسل الجنابة

    وهي تحصل بأمرين : الأوّل : خروج المني ولو في حال النوم (1) أو الاضطرار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فظاهر ، وأما عند تركه الزيارة فلأجل تركه أحد المنذورين بذاته وهو الزيارة وتركه الآخر بقيده وهو الغسل ، لأنّ الواجب هو الغسل المقيد بتعقبه بالزيارة والمفروض أنه لم يأت بالزيارة . فتحصل : أن الصور المتصورة غير مختصّة بالصور الخمسة المذكورة في المتن ، بل الصور المتصورة بالغة إلى التسع ، ويختلف الحكم بوجوب الكفارة باختلافها . ولا وجه للإشكال في صحّة النذر المتعلق بالزيارة مع الغسل لعدم رجوعه إلى النفي وعدم الإتيان بالأفراد الاُخر ، وإنما معناه نذر خصوص الفرد الراجح ولا مانع من صحّة نذره كما مرّ

 فصل في غسل الجنابة

    (1) ما أفاده (قدس سره) مما لا إشـكال فيه ، وذلك لإطلاقات الأخـبار (1) وتصريح بعضها بعدم الفرق بين اليقظة والمنام . وإنما الكلام كله في أن وجوب غسل الجنابة بالإنزال هل هو خاص بالرجال أو أنه لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء ؟ مقتضى جملة من الأخبار عدم الفرق في ذلك بين المرأة والرجل وأن خروج الماء المعبر عنه بالإنزال والإمناء يوجب الغسل مطلقا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 173 / أبواب الجنابة ب 1 ، 7 .

ــ[240]ــ

   فمنها : ما رواه في الكافي عن إسماعيل بن سعد الأشعري ، قال : «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تُنِزلَ الماء من غير أن يباشر يعبث بها بيده حتى تنزل ، قال : إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل»(1) .

   ومنها : صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل المرأة هل عليها الغسل ؟ قال : نعم» (2) .

   ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرّجل ، قال : إن أنزلت فعليها الغسل»(3) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم الفرق بين المرأة والرّجل وأن المرأة أيضاً إذا أنزلت وجب عليها الغسل .

   وفي قبالها عدّة كثيرة من الأخبار وفيها الصحاح وغيرها قد دلّت على أن المرأة لا يجب عليها الغسل بانزالها .

   فمنها : ما عن عبيد بن زرارة ، قال «قلت له : هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل ؟ قال : لا ، وأيّكم يرضى أن يرى أو يصبر على ذلك أن يرى ابنته أو اُخته أو اُمه أو زوجته أو أحداً من قرابته قائمة تغتسل فيقول مالك ؟ فتقول احتلمت وليس لها بعل ، ثمّ قال : لا ، ليس عليهن ذلك ، وقد وضع الله ذلك عليكم وقال : (وإنْ كُنَتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ولم يقل ذلك لهنّ» (4) .

   ومنها : صحيحة عمر بن يزيد ، قال : «اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست ثيابي وتطيبت فمرت بي وصيفة لي ففخذت لها فأمذيت أنا وأمنت هي فدخلني من ذاك ضيق ، فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذلك ، فقال : ليس عليك وضوء وليس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 186 / أبواب الجنابة ب 7 ح 2 .

(2) الوسائل 2 : 186 / أبواب الجنابة ب 7 ح 3 .

(3) الوسائل 2 : 187 / أبواب الجنابة ب 7 ح 5 .

(4) الوسائل 2 : 192 / أبواب الجنابة ب 7 ح 22 .

 
 

ــ[241]ــ

عليها غسل» (1) .

   ومنها : صحيحة عمر بن اُذينة ، قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم ، قال : ليس عليها غسل»(2) .

   ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم أن الرجل يجامعها في فرجها الغسل ، ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت ؟ قال : لأنها رأت في منامها أن الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل والآخر إنما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنه لم يدخله ، ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل ، أمنت أو لم تمن» (3) . وملخص هذه الرواية أن محمّد بن مسلم قد سلم الحكمين أعني الحكم بوجوب الغسل على المرأة فيما إذا رأت في المنام أن الرجل يواقعها وإن لم تنزل والحكم بعدم وجوب الغسل عليها فيما إذا أمنت في اليقظة من غير المجامعة وسأل عن وجهه وقد أجابه (عليه السلام) بما حاصله أن وجوب الغسل حكم مترتب على المواقعة والجماع من غير فرق بين تحققهما في الخارج وبين تحققهما في المنام ولم يترتب على الإنزال لا في اليقظة ولا في المنام ، فقد جعلت المناط مجرّد المواقعة دون الإنزال . إلى غير ذلك من الأخبار (4) .

   وهذه الطائفة معارضة مع الطائفة المتقدّمة . والكلام في وجه المعالجة بينهما ، فان بنينا على ما بنى عليه المشهور من أن الرواية بلغت من الصحّة ما بلغت إذا أعرض عنها المشهور سقطت عن الاعتبار ، فلا مناص من الأخذ بالطائفة الاُولى الدالّة على عدم الفرق في وجوب الغسل بالإنزال بين المرأة والرجل ، وذلك لإعراض الأصحاب عن الطائفة الثانية ، ولم ينسب العمل بها إلى أحد من أصحابنا ، وحيث إن الإعراض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 191 / أبواب الجنابة ب 7 ح 20 .

(2) الوسائل 2 : 191 / أبواب الجنابة ب 7 ح 21 .

(3) الوسائل 2 : 191 / أبواب الجنابة ب 7 ح 19 .

(4) كصحيحة عمر بن يزيد : الوسائل 2 : 190 / أبواب الجنابة ب 7 ح 18 .

ــ[242]ــ

يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار فتبقى الطائفة الاُولى من غير معارض .

   وأمّا إذا بنينا على ما سلكناه من أن إعراض المشهور عن رواية صحيحة لا يوجب سقوطها عن الاعتبار فأيضاً لا بدّ من تقديم الطائفة الاُولى على الثانية وذلك إمّا لأن الطائفة الثانية موافقة للعامة على ما نسبه إليهم في الوسائل ولو في زمان صدور الرواية ، لاحتمال أن يكون العامّة في تلك الأزمنة قائلين بعدم وجوب الغسل على المرأة بالإنزال . وإما لأنها أشبه بفتاواهم ، فإن قوله (عليه السلام) في رواية عبيد ابن زرارة : إن الله وضع الاغتسال من الجنابة على الرجال ، وقال : (وإنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ، ولم يقل ذلك لهنّ . ممّا لا يمكن إسناده إلى الإمام ، كيف وجميع الأحكام والخطابات الواردة في الكتاب أو أغلبها متوجهة إلى الرِّجال ، ولازم ذلك عدم تكليفهنّ بشيء مما كلف به الرجال .

   على أنها فرضت أن المرأة تجنب بالإمناء حيث قال : «على المرأة غسل من جنابتها» وإنما دلّت على عدم وجوب الغسل في حقها ، وهو كما ترى مما لا يمكن التفوه به ، إذ كيف تكون المرأة جنباً ولا يجب عليها الغسل ؟ وكذلك تعليله (عليه السلام) في صحيحة محمّد بن مسلم من أن الغسل إنما يجب بالمواقعة سواء كانت في الخارج أم في المنام ، فان الغسل وإن كان يجب بالمواقعة إلاّ أنها إنما تسببه فيما إذا تحققت في الخارج ، وأمّا تخيّل المواقعة في المنام فلا تكون موجبة للغسل أبداً . وهل ترى أن من رأى في المنام أنه قتل أحداً يجب أن يعطي الدية ويقتص منه ؟ وكذا إذا رأت في المنام أنها حاضت حيث لا يجب عليها الغسل بذلك ، فهذا أشبه بفتاوى الناس ، وما اشبه بأحكامهم فهو مردود وغير مقبول ، لأن ما أشبه قول الناس ففيه التقيّة كما في الخبر (1) .

   ثمّ لو أغمضنا عن ذلك فالطائفتان متعارضتان ، لمنافاة وجوب الغسل على المرأة مع عدم وجوبه عليها فلا بدّ من الحكم بتساقطها والرجوع إلى المطلقات ، وهي تدلّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ما رواه عبيد بن زرارة ، الوسائل 27 : 123 /  أبواب صفات القاضي ب 9 ح 46 .

ــ[243]ــ

وإن كان بمقدار رأس اُبرة (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على أنّ غسل الجنابة إنما يجب بخروج الماء الأكبر أو الأعظم (1) ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك بين الرجال والنساء .

   ودعوى أن الطائفة الثانية صريحة في عدم وجوب غسل الجنابة على المرأة بالإنزال وظاهرة في حرمته عليها كما أن الطائفة الاُولى صريحة في استحباب الغسل عليها بالإنزال وظاهرة في وجوبه عليها فترفع اليد عن ظهور كل منهما بصريح الآخر ونتيجته الحكم باستحباب الغسل عليها بإنزالها فلا تصل النوبة إلى التساقط والرجوع إلى الإطلاقات .  مندفعة : بأن الجمع بين المتعارضين بذلك مخصوص بالأحكام التكليفية ولا يأتي في الأوامر والنواهي الإرشاديتين والأمر في المقام كذلك ، لأن الأمر بغسلها إرشاد إلى مانعية جنابتها عن الصلاة كما أن النهي عنه إرشاد إلى عدم مانعية جنابتها عن الصلاة ، ومن الظاهر أن كون الجنابة مانعة وغير مانعة أمران متنافيان ومعه لا بدّ من الحكم بتساقطهما والرجوع إلى المطلقات كما ذكرناه .

    عدم الفرق في خروج المني بين قلّته وكثرته

   (1) لا فرق في خروج المني الموجب لغسل الجنابة بين قلّته وكثرته ، وذلك لإطلاقات الأخبار حيث دلّت على أن المدار في وجوب غسل الجنابة على خروج الماء الأكبر أو الأعظم أو الإنزال أو الإمناء ، فكلّما صدق شيء من هذه العناوين وجب الغسل قليلاً  كان الخارج أم كثيرا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في موثقتي عنبسة الوسائل 2 : 187 / أبواب الجنابة ب 7 ح 6 ، 11 . وموثقة الحسين بن أبي العلاء الوسائل 2 / 196 ب 9 ح 1 ففيها ورد : الماء الأكبر . وتقدّمت قريباً صحيحة عمر بن اُذينة الدالّة على عدم وجوب الغسل على المرأة وفيها ورد : الماء الأعظم .

ــ[244]ــ

سواء كان بالوطء أو بغيره (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وقد يقال : إن صحيحة معاوية بن عمّار تدلّ على عدم وجوب الغسل عند قلّة الخارج من المني حيث قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللاً قليلاً ، قال (عليه السلام) : ليس بشيء إلاّ أن يكون مريضاً فإنه يضعف فعليه الغسل» (1) وهي كالصريح في أن البلل القليل الذي وجده المحتلم ليس بشيء موجب للغسل .

   وفيه : أنّ الصحيحة لا دلالة لها على المدعى ، لأن الحلم بمعنى النوم ، فالمراد من أنه احتلم أنه رأى في منامه شيئاً بأن رأى أنه يواقع زوجته أو امرأة اُخرى ، وليس بالمعنى المصطلح عليه عندنا أعني خروج المني منه وهو في المنام أو غيره ، وعليه فليس في الصحيحة ما يدلّ على أن المني القليل غير موجب لشيء وإنما هي واردة في البلل المشتبه ، وقد دلّت على أن البلل المشتبه إذا كان قليلاً لا يوجب الاغتسال لأن قلّته كالقرينة على عدم كونه منياً ، حيث إنه لو كان منياً لخرج على النمط المتعارف لا على وجه القلّة إلاّ في المريض ، لأنه لضعفه قد يخرج منه شيء قليل من المني فيجب عليه الاغتسال. ولولا ذكر أن المريض يضعف لم يكن يحتمل التفصيل في خروج البلل القليل بين السليم والمريض بالحكم بعدم وجوب الغسل في الأوّل ووجوبه في الثاني إلاّ أن ذكر الضعف قرينة على المراد وأن المريض لمكان ضعفه قد يخرج عنه المني القليل وأنه ليس كالسليم . فالمتحصل أنه لا فرق في وجوب الغسل بخروج المني بين قلّته وكثرته .

    خروج المني بالوطء أو بغيره سيّان

   (1) لأنّ المدار على صدق الإنزال والإمناء وخروج الماء الأكبر فيجب الغسل عند صدق أحد هذه العناوين كما عرفت ، سواء كان بالوطء أو بغيره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 194 / أبواب الجنابة ب 8 ح 2 .

ــ[245]ــ

مع الشهوة أو بدونها ((1)) (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   كان الخروج مع الشهوة أم بدونها

   (1) الكلام في اعتبار الشهوة في وجوب الغسل بخروج المني تارة يقع في الرجال واُخرى في النساء . أما بالإضافة إلى الرجال فقد ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) على ما رواه الشيخ (قدس سره) أنه «سأله عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبِّلها فيخرج منه المني فما عليه ؟ قال : إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل ، وإن كان إنما هو شيء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس»(2) وهي كما ترى قيّدت وجوب الغسل على الرجل بما إذا خرج منه المني عن شهوة . وقد حملها صاحب الحدائق(3) وكذا صاحب الوسائل (قدس سرهما) على التقيّة لموافقتهما لمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد(4) وهم من أشهر فقائهم .

   وفيه : أن الحمل على التقيّة يتوقف على وجود المعارض للرواية حيث إن مخالفة العامّة من المرجحات ، وأما الرواية المعتبرة من غير أن يكون لها معارض فمما لا يمكن رفع اليد عنها بحملها على التقيّة والأمر في المقام كذلك ، لأن الصحيحة غير معارضة بشيء ، حيث لم يرد في شيء من رواياتنا أن الرجل إذا خرج منه المني عن غير شهوة أيضاً يوجب الجنابة وغسلها ، وليس في البين سوى الإطلاقات وأن الغسل من الماء الأكبر (5) ومقتضى القاعدة تخصيص المطلقات بالصحيحة ولا موجب لحملها على التقيّة أبدا .

   وعن صاحب المنتقى أن المني في الصحيحة إنما اُطلق على البلل المشتبه الذي ظنّه السائل منياً فأطلق المني على ما ظنّ أنه مني ، فهو استعمال على طبق خياله وعقيدته

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في تحقق الجنابة بخروج المني من المرأة بغير شهوة إشكال ، فالاحتياط لا يترك .

(2) الوسائل 2 : 194 / أبواب الجنابة ب 8 ح 1 .

(3) الحدائق 3 : 20 .

(4) المبسوط 1 : 67 ، بدائع الصنائع 1 : 37 ، المغني لابن قدامة 1 : 231 .

(5) مرّ في ذيل ص 243 .

ــ[246]ــ

لا أن الخارج كان منياً يقيناً (1) ، وعليه فالصحيحة خارجة عن محل الكلام وناظرة إلى أن البلل المشتبه إنما يوجب الغسل ، ويحمل على كونه منياً فيما إذا خرج عن شهوة ، فهو كالقرينة على أن البلل مني لا أن ما علمنا بكونه منياً لا يوجب الغسل إلاّ إذا خرج عن شهوة .

   ويدفعه : أن حمل لفظة المني على خلاف ظاهرها يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه فلا مناص من حملها على ما هو ظاهرها أعني المني دون البلل ، وعليه فمقتضى القاعدة الالتزام بمفاد الصحيحة وتخصيص المطلقات بها. والذي يسهل الخطب أن الموجود في الصحيحة على رواية قرب الأسناد(2) وكتاب علي بن جعفر(3) على ما رواه صاحب الوسائل (قدس سره) كلمة «الشيء» بدل «المني» وعليه فالصحيحة واردة في البلل المشتبه دون المني ، ورواية قرب الأسناد وكتاب علي بن جعفر لو لم تكن هي الصحيحة لأجل وقوع الاشتباه في روايات الشيخ على ما شاهدنا كثيراً فلا أقل من عدم ثبوت رواية الشيخ ، وعليه فمقتضى الإطلاقات وجوب الغسل بخروج الماء الأكبر مطلقاً سواء خرج مع الشهوة أم بدونها . هذا كله في الرجال .

   وأمّا في النساء فقد ورد في جملة من الأخبار تقييد وجوب الغسل عليها بالإنزال والإمناء بما إذا خرج عن شهوة ، ففي صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري قال : «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير أن يباشر ، يعبث بها بيده حتى تنزل ، قال : إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل»(4) وبمضمونها رواية محمّد بن الفضيل(5) وغيرها (6) حيث اعتبر في الإنزال الموجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منتقى الجمان 1 : 172 .

(2) قرب الاسناد :  181 / 670 .

(3) مسائل علي بن جعفر :  157 / 230 .

(4) الوسائل 2 : 186 / أبواب الجنابة ب 7 ح 2 .

(5) الوسائل 2 : 187 / أبواب الجنابة ب 7 ح 4 .

(6) كصحيحة معاوية بن حكيم ورواية يحيى بن أبي طلحة ، الوسائل 2 : 189 / أبواب الجنابة ب 7 ح 14 ، 15 .

ــ[247]ــ

جامعاً للصفات أو فاقداً لها مع العلم بكونه منياً (1) ، وفي حكمه الرطوبة المشتبهة الخارجة بعد الغسل مع عدم الاسـتبراء بالبول (2) ، ولا فرق بين خروجه من المخرج المعتاد أو غيره (3) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للغسل أن يكون عن شهوة .

   ومقتضى القاعدة تخصيص المطلقات بهذه الأخبار والحكم باعتبار الشهوة في وجوب الغسل على المرأة بخروج المني دون الرجال ، إلاّ أنه يشكل من جهة مخالفة المشهور ، لعدم التزامهم باعتبار الشهوة في خصوص المرأة دون الرجال ، ولولا ذلك لكان المتعين تخصيص المطلقات بهذه الأخبار في خصوص النساء دون الرجال .

   (1) وذلك لأن الصفات الواردة في الأخبار من الخروج بالدفع أو الفتور أو الخروج عن شهوة إنما تعتبر في تميز المني وتشخيصه عند الاشتباه كما في البلل المشتبه وأمّا مع العلم بأن الخارج مني فلا يعتبر فيه شيء من الصفات لصدق الماء الأكبر أو الإنزال والإمناء عليه .

 البلل المشتبه بحكم المني

   (2) كما يأتي في محلِّه(1) ونبيّن هناك أن الشارع جعل الغلبة فيها أمارة على كون الخارج منياً ، لأنه إذا خرج منه البلل بعد خروج المني منه وقبل أن يبول فغالب الظن أنه من بقايا المني في المجرى .

    الخروج من المخرج المعتاد وغيره سيان

   (3) كما لا فرق في غير المعتاد بين أن يكون عادياً له وبين ما إذا لم يكن ، وذلك لأن المدار في الحكم بوجوب الاغتسال إنما هو صدق أحد عناوين الإنزال والإمناء وخروج الماء الأكبر ونحوها، سواء كان الإنزال من المخرج العادي أو من غيره، وسواء كان معتاداً له أم لم يكن وهذا كما إذا كانت على بدنه ثقبة يخرج منها المني ، نعم إذا لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المسألة [ 686 ] .

ــ[248]ــ

والمعتبر خروجه إلى خارج البدن ، فلو تحرّك من محلِّه ولم يخرج لم يوجب الجنابة (1) ، وأن يكون منه فلو خرج من المرأة مني الرجل لا يوجب جنابتها (2) إلاّ مع العلم باختلاطه بمنيها ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يصدق عليه الإنزال أو الإمناء بحسب المتفاهم العرفي لم يجب عليه الاغتسال ، كما إذا استخرج منيه بشيء من الآلات الطبيّة فانه لا يقال إنه أنزل وأمنى ، وأما في غير ذلك من الموارد فمقتضى الإطلاق وجوب الاغتسال كما عرفت .

   (1) حيث لا يصدق عليه الإمناء والإنزال أو خروج الماء الأكبر ، وقد عرفت أن هذه العناوين هي الموضوع للحكم بوجوب غسل الجنابة .

    حكم خروج مني الرّجل من المرأة

   (2) وذلك مضافاً إلى عدم المقتضي لوجوب الغسل حينئذ لعدم صدق الإنزال والإمناء بخروج المني الداخل إلى فرجها من الخارج فان ظاهر الإمناء هو إخراج مني نفسه لا مني غيره ، تدلّ عليه جملة من الأخبار .

   منها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيء ، قال : يعيد الغسل ، قلت : فالمرأة يخرج منها شيء بعد الغسل ، قال : لا تعيد ، قلت : فما الفرق بينهما ؟ قال : لأن ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل»(1) .

   ومنها : صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تغتسل من الجنابة ثمّ ترى نطفة الرجل بعد ذلك هل عليها غسل ؟ فقال : لا»(2) ومنها غير ذلك من الأخبار(3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 201 / أبواب الجنابة ب 13 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 202 / أبواب الجنابة ب 13 ح 3 .

(3) كالروايات الدالّة على أن موجب الغسل هو الماء الأكبر ، وتقدّم ذكر جملة منها في تعليقة ص  243 .

ــ[249]ــ

وإذا شكّ في خارج أنه مني أم لا اختبر بالصفات من الدّفق والفتور والشّهوة (1) ، فمع اجتماع هذه الصفات يحكم بكونه منياً وإن لم يعلم بذلك ، ومع عدم اجتماعها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عند الشك يختبر الخارج بالصفات

   (1) في هذه المسألة جهات من الكلام :

   الجهة الاُولى : في أنه إذا شك في أن الخـارج مني أو غيره هل يجب الفحـص والاختبار أو يبني على العدم من غير فحص ؟ الصحيح هو الثاني ، لأن الشبهة موضوعية ولا يجب الفحص في الشبهات الموضوعية على ما تقدّم في محلِّه(1) فلا مانع من استصحاب عدم خروج المني أو استصحاب بقاء طهارته . هذا إذا دار أمر الخارج بين المني والوذي وكان متطهراً قبل خروجه فانه لا مانع حينئذ من استصحاب بقاء طهارته .

   وأما إذا دار أمره بين المني والبول فلا يجري فيه الاستصحاب ، للعلم الإجمالي بانتقاض طهارته إما بالحدث الأكبر أو الأصغر ، وحينئذ تبتني المسألة على أن الامتثال الإجمالي والاحتياط هل هو في مرتبة متأخرة من الامتثال التفصيلي فمع التمكن منه لا مساغ للاحتياط ، أو أنهما في مرتبة واحدة ولا مانع من الاحتياط مع التمكن من الامتثال التفصيلي ، فعلى الأوّل يجب عليه الاختبار ليعلم أنه بول أو مني وأمّا على الثاني فله أن يحتاط من غير أن يجب عليه الفحص والاختبار .

   الجهة الثانية : إذا قلنا بوجوب الاختبار عند الشك في أن الخارج مني أو غيره فلا بدّ من أن يختبر بالصفات الواردة في الأخبار من الدفق والفتور والشهوة كما في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة ، حيث قال : «إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل»(2) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 510 .

(2) تقدّم ذكرها في ص 245 .

ــ[250]ــ

ولو بفقد واحد منها لا يحكم به إلاّ إذا حصل العلم . وفي المرأة والمريض يكفي اجتماع ((1)) صفتين وهما الشّهوة والفتور .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والظاهر أن الشارع إنما اعتبر هذه الصفات في الاختبار من جهة أنها صفات غالبية لا تنفك عن المني ، فهي أمارات كون الخارج منياً لا أن الطريق منحصر بهـا فلو علم أو اطمأن بالمني من سائر الأوصاف كاللون والرائحة الكريهة ونحوهما أيضاً وجب عليه الغسل كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء ، وكذا فيما إذا حصل له العلم بذلك عن اجتماع صفتين من الأوصاف الثلاثة . وعلى الجملة المدار على العلم بكون الخارج منياً ، وإذا لم يكن فالمتبع هو الصفات الغالبية وهي الدفق والشهوة والفتور .

   ثمّ إن الكلام في ذلك قد يقع في الرجل السليم واُخرى في المريض وثالثة في المرأة .

   أما بالإضافة إلى الرجل الصحيح فقد عرفت أن مقتضى صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة الحكم بالاغتسال عند اجتماع الأوصاف الثلاثة ، والظاهر أن الفترة والشهوة متلازمتان كما يدلّ عليه ذيل الصحيحة ، حيث قال : «وإن كان إنما هو شيء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس» مع أن انتفاء أحد الأوصاف الثلاثة يكفي في الحكم بعدم وجوب الاغتسال ، لأنه إنما ترتب على وجود الأوصاف الثلاثة فلا حاجة إلى انتفاء كليهما ، فنفيهما معاً يكشف عن تلازمهما كما هو كذلك خارجاً . وعليه فالمدار في الرجل الصحيح على الدفق والشهوة . ويدل على ذلك أيضاً صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت له : الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئاً ثمّ يمكث الهون بعد فيخرج ، قال : إن كان مريضاً فليغتسل وإن لم يكن مريضاً فلا شيء عليه ، قلت : فما فرق بينهما ؟ قال : لأن الرجل إذا  كان صحيحاً جاء الماء بدفقة قويّة وإن كان مريضاً لم يجئ إلاّ بعد» (2) وفي رواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفايته في خصوص المرأة لا تخلو من إشكال ، فالاحتياط لا يترك .

(2) الوسائل 2 : 195 / أبواب الجنابة ب 8 ح 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net