دليل المقدس الأردبيلي على إجزاء غسل الشعر - لزوم غسل الشعر مع البشرة في غسل الجنابة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7403

 

ــ[361]ــ

أحاط به الشعر ، قال (عليه السلام) : كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه أو أن يغسلوه الحديث(1) ، فلا يمكن الاستدلال به على كفاية غسل الشعر عن غسل البشرة في المقام ، حيث إن قوله : «أرأيت ما أحاط به الشعر» مسبوقة بجملة أو حال معيّن للمراد ، وقد سئل فيها عن شيء ، وهذه الجملة ملحقة به ، وإلاّ فلا معنى للابتداء بتلك الجملة كما لا يخفى ، فهي مسبوقة بشيء قطعاً بمعنى أنها منقطعة الصدر ، لعدم إمكان الابتداء بقوله : أرايت ... إلخ .

   ومن المحتمل قويّاً أن تكون الجملة الساقطة واردة في السؤال عن غسل ما أحاط به الشعر في الوضوء لكثرة الابتلاء به كما في النساء وكذا الرجال ، لأنهم كثيراً ما كانوا ملتحين ولا سيما في الأزمنة القديمة ، ومع هذا الاحتمال لا يمكننا التعدي عنه والأخذ بعمومها وإطلاقها في جميع الموارد حتى في الغسل ، لأن التمسك بالإطلاق يتوقف على جريان مقدّمات الحكمة لا محالة ، ولا مجال لها مع احتمال وجود ما يحتمل قرينته على الاختصاص .

   ودعوى أنها عامّة ، لمكان قوله : كل ما ... ، وليست مطلقة تحتاج إلى مقدّمات الحكمة ، ساقطة ، لأن عمومها بحسب أفراد ما أحاط به الشعر خارج عن محل الكلام وإنما المقصود التمسك بإطلاق نفي وجوب الغسل في قوله : «ليس ... أن يغسلوه» وأنه يختص بموارد الوضوء أو يعمها وموارد الغسل وموارد الطّهارة الخبثية أيضاً هذا . مضافاً إلى ما قدّمناه في مبحث الوضوء من أن الرواية على إطلاقها غير قابلة للتصديق(2) ، فان لازمها الحكم بكفاية غسل الشعر في طهارة ما أحاط به إذا كان نجساً .

   فالمتحصل : أن الواجب إنما هو غسل البشرة ولا يكون غسل الشعر مجزئاً عنه .

   وعن الأردبيلي (قدس سره) التأمل في عدم إجزاء غسل الشعر عن غسل البشرة استبعاداً من كفاية إجزاء غرفتين أو ثلاث لغسل الرأس كما نطق به غير واحد من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 476 / أبواب الوضوء ب 46 ح 3 ، 2 .

(2) لاحظ شرح العروة 5 : 59 وما بعدها .

ــ[362]ــ

الأخبار ، وذلك لأن غرفتين أو ثلاث لا يصل إلى البشرة في مثل رأس النساء أو غيرهن ممن على رأسه شعر كثير ، وهذا يدلّنا على إجزاء غسل الشعر عن غسل البشرة (1) .

   ولكن الظاهر أن استبعاده في غير محلّه ، لأنّ ما وقفنا عليه في الأخبار إنما هو غسل الرأس بثلاث غرفات أو حفنات ولم نظفر بما اشتمل على غرفتين ، وإليك بعضها منها : صحيحة زرارة قال «قلت : كيف يغتسل الجنب ؟ فقال : إن لم يكن أصاب كفه شيء غمسها في الماء ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ، ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكف ثمّ صب على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين ، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه»(2) . ومنها صحيحة ربعي بن عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «يفيض الجنب على رأسه الماء ثلاثاً لا يجزئه أقل من ذلك»(3) ودلالتها على ثلاث أكف بالإطلاق ، لأنّ «ثلاثاً» أعم من الأكف . وفي موثقة سماعة «ثمّ ليصب على رأسه ثلاث مرات ملء كفّيه»(4) ولا استبعاد في وصول ثلاث أكف إلى البشرة ، فانّ الشعر ليس كالصوف والقطن مما يجذب الماء ، بل إنما الماء يجري عليه ولا سيما بملاحظة أن الغسل يكفي فيه التدهين وإيصال البلل . على أنّ كفّين من الماء يكفي في الطرف الأيمن أو الأيسر كما عرفته في الأخبار ، فلو كان كفّان من الماء كافياً في غسل أحد الطرفين فكيف لا يكفي ثلاث منها في غسل الرأس وإيصال الماء إلى البشرة به مع أن الرأس لأصغر من أحد الطرفين مرات ، نعم هو مشتمل على الشعر الكثير دون الطرفين هذا .

   بل قد ورد في بعض الروايات ما يدلّ على عدم إجزاء غسل الشعر عن غسل البشرة ، وهو ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «الحائض ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 137 .

(2) الوسائل 2 : 229 / أبواب الجنابة ب 26 ح 2 .

(3) الوسائل 2 : 230 / أبواب الجنابة ب 26 ح 4 .

(4) الوسائل 2 : 231 / أبواب الجنابة ب 26 ح 8 .

ــ[363]ــ

بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها»(1) فانّ كلمة «من» للابتداء ، وإذا صبّ الماء على شعرها وابتدأ منه البلل إلى أن وصل إلى الرأس أجزأها . وأمّا صحيحة زرارة المتقدِّمة من قوله : «أرايت ما أحاط به الشعر» (2) المتوهمة دلالتها على كفاية غسل الشعر عن غسل البشرة فقد تقدّم الجواب عنها فلا نعيد .

   ويؤيد ما ذكرناه ما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) من أن تحت كل شعرة جنابة (3) فانه يدلّ على لزوم غسل تحت الشعرات لترتفع الجنابة الكائنة تحتها .

   وأمّا المقام الثاني وأن غسل الشعر أيضاً واجب أو غير واجب فقد يكون الشعر خفيفاً كما لا يخلو عنه الغالب فيوجد في مواضع غسله أو وضوئه شعور خفيفة ، ولا إشكال في وجوب غسلها حينئذ لأنها من توابع البدن ، فقوله : تغسل من قرنك إلى قدمك ، أو تفيض الماء على جسدك . يشمل الشعور الخفيفة أيضا .

   وقد يكون الشعر كثيفاً كما في شعور النساء أو لحى الرجال فهل يجب غسلها أو لا يجب ؟ فلو كان على شعره قير مانع من وصول الماء إلى نفس الشعور ومانع عن غسلها وقد غسل نفس البشرة أفيكفي ذلك في صحّته لأن الشعر غير واجب الغسل ؟ المعروف بينهم عدم وجوب غسل الشعر في الغسل وإن قلنا بوجوبه في الوضوء ، لما ورد من تحديد مواضع الغَسل بما بين القصاص والذقن أو من الذراع إلى الأصابع(4) فانه يشمل الشعر والجسد ، وأمّا في الغسل فلم يلتزموا بذلك .

   وخالفهم فيه صاحب الحدائق (قدس سره) ومالَ إلى أن الشعر كالبشرة ممّا يجب غسله . واستدلّ على ذلك بأن الشعر غير خارج عن الجسد ولو مجازاً فيدلّ على وجوب غسله ما دلّ على وجوب غسل الجسد ، كيف وقد حكموا بوجوب غسل الشعر في الوضوء معللين ذلك تارة بدخوله في محل الفرض واُخرى بأنه من توابع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 241 / أبواب الجنابة ب 31 ح 4 ، 311 / أبواب الحيض ب 20 ح 2 .

(2) تقدّمت في ص 360 .

(3) مستدرك الوسائل 1 : 479 / أبواب الجنابة ب 29 ح 3 . وفيه : ... فبلغ الماء تحتها في اُصول الشعر كلّها ...

(4) الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 ح 2 ، 11 . ب 17 .

ــ[364]ــ

اليد ، وإذا كان الشعر داخلاً في اليد بأحد الوجهين المذكورين ـ  واليد داخلة في الجسد  ـ كان الشعر داخلاً في الجسد لا محالة . على أ نّا لو سلمنا خروجه عن الجسد فهو غير خارج عن الرأس والجانب الأيمن والأيسر ، وقد ورد الأمر بغسل الرأس ثلاثاً وصب الماء على كل من جانبي الأيسر والأيمن مرّتين وهو يشمل الشعر أيضاً هذا كله . مضافاً إلى صحيحة حجر بن زائدة عن الصادق (عليه السلام) أنه قال : «من ترك شعرة من الجنابة متعمداً فهو في النار» (1) فان تأويلها بالحمل على إرادة مقدار الشعرة من الجسد خلاف الأصل ، لا يصار إليه إلاّ بدليل(2) . هذه خلاصة ما أفاده في المقام .

   ولكن الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور من عدم وجوب غسل الشعر في الغسل ، ويكفينا في ذلك عدم الدليل على وجوبه . ولا دلالة في شيء مما ذكره في المسألة على وجوبه ، وذلك لأن الشعر خارج عن الجسد وإنما هو أمر ثابت عليه ، نعم لا بأس باطلاق الجسد وإرادة الأعم منه ومن الشعر النابت عليه مجازاً إلاّ أن إرادته تحتاج إلى قرينة تدلّ عليه ، ولا يمكن حمل الجسد عليه إلاّ بدليل ولا دليل عليه . نعم إطلاق الرأس والطرف الأيمن أو الأيسر يشمل الشعر كما أفاده ، إلاّ أن الأخبار الآمرة بصب الماء على الرأس ثلاثاً والطرفين مرّتين إنما وردت لبيان الترتيب في غسل الأعضاء ولم ترد لبيان أن الغسل واجب في أي شيء ، وإنما يدلّ على وجوبه الأخبار الآمرة بغسل الجسد أو من قرنه إلى قدمه وغيرها مما لا يشمل الشعر كما مر .

   وصحيحة حجر بن زائدة أيضاً لا دلالة لها على وجوب غسل الشعر لا بحمل الشعرة على معناها المجازي ، بل مع إبقائها على معناها الحقيقي وأن الشعرة واجبة الغسل لا تدلّ إلاّ على لزوم غسلها من أصلها إلى آخرها ، وأصل الشعر من الجسد فيكون في الأمر بغسلها دلالة على لزوم إيصال الماء إلى الجسد . نعم لو كانت دالّة على وجوب غسل بعض الشعر لا من أصله إلى آخره أمكن الاستدلال بها على مدعاه إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 175 / أبواب الجنابة ب 1 ح 5 .

(2) الحدائق 3 : 88 .

ــ[365]ــ

والثقبة التي في الاُذن أو الأنف للحلقة إن كانت ضيقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها ، وإن كانت واسعة بحيث تعدّ من الظاهر وجب غسلها (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنّ الصحيحة لا دلالة لها عليه .

   فتحصل : أن وجوب غسل الشعر في الغسل مما لا دليل عليه ، بل الدليل على عدم وجوبه موجود وهو موثقة عمار بن موسى الساباطي «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تغتسل وقد امتشطت بقرامل ولم تنقض شعرها كم يجزئها من الماء ؟ قال : مثل الذي يشرب شعرها وهو ثلاث حفنات على رأسها» الحديث (1) لأنّ إطلاقها يشمل ما إذا كان شعر المرأة مفتولاً شديداً بحيث لا يدخل الماء جوفه ولا يصل إلى جميع أجزاء الشعر ، فلو كان غسل الشعر أيضاً واجباً لوجب عليها النقض ، والأخبار صريحة الدلالة على عدم وجوبه .

   وأجاب عنها في الحدائق بأن عدم نقض الشعر لا يلزمه عدم وجوب غسله لإمكان إضافة الماء وزيادته إلى أن يصل إلى جميع أجزائه(2) . وفيه : أن إيصال الماء إلى جوف الشعور المفتولة وإلى جميع أجزائها وإن كان ممكناً كما أفاده بإضافة الماء حتى يروي ، إلاّ أن الكلام في الملازمة بينهما وأن غسل الشعر ملازم لوصول الماء إلى جوف المفتول منه بحيث يصل إلى تمام أجزائه ، ومن الظاهر أنه لا تلازم بينهما ، نعم قد يكون لإضافة الماء وكثرته وقد لا يكون ، مع ملاحظة ما ورد من كفاية صب ثلاث غرفات في غسل الرأس .

   فتحصل : أن غسل الشعر غير واجب كما ذهب إليه المشهور إلاّ إذا كان خفيفاً ومعدوداً من توابع الجسد كما قدّمناه .

    حكم الثّقبة في الأنف ونحوه

   (1) قد مرّ وعرفت أن الواجب إنما هو غسل ظواهر البدن دون بواطنه ، فالحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 257 / أبواب الجنابة ب 38 ح 6 .

(2) الحدائق 3 : 89 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net