الغسل التّرتيبي وكيفيّته \ تقديم غسل الرأس على غسل البدن 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7126


ــ[366]ــ

   وله كيفيتان : الاُولى الترتيب ((1)) وهو أن يغسل الرأس والرقبة أوّلاً ثمّ الطرف الأيمن من البدن ثمّ الطرف الأيسر (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يدور مدار صدقهما، ولا مدخلية للثقبة فيه إثباتاً ونفياً ، ولا بدّ حينئذ من ملاحظة أنّ الثقبة من الظاهر أو الباطن ، فإذا كانت وسيعة بحيث يرى باطنها فهي محسوبة من الظاهر ، وإذا  كانت ضيقة ولا يرى باطنها فهي من البواطن ولا يجب غسلها .

    كيفية الغسل الترتيبي

   (1) الكلام في ذلك يقع من جهات :

    اعتبار غسل الرأس أوّلاً

   الجهة الاُولى : في أن الغسل ترتيباً يعتبر فيه غسل الرأس قبل غسل البدن بحيث لو غسله بعد غسل البدن أو مقارناً لغسله بطل . ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الشهرة المحققة في المسألة بل الإجماع على اعتبار الترتيب بين الرأس والبدن ، ولا يعتد بما هو ظاهر المحكي من عبارة الصدوقين حيث عطف البدن على الرأس بالواو(2) ، لأنه نقل عنهما التصريح في آخر المسألة بوجوب إعادة الغسل لو بدأ بغير الرأس ، ومع التصريح بذلك لا يمكن الاعتماد على ظاهر العطف في صدر المسألة ـ الأخبار المعتبرة من الصحيح والحسنة والموثقة وإليك جملة منها :

   فمنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن غسل الجنابة ـ أي عن كيفيته بقرينة الجواب ، لا عن حكمه ـ فقال : تبدأ بكفيك فتغسلهما ثمّ تغسل فرجك ، ثمّ تصبّ على رأسك ثلاثاً ، ثمّ تصبّ على سائر جسدك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد عدم اعتباره بين الجانبين ، والاحتياط لا ينبغي تركه .

(2) الفقيه  1 : 46 .

ــ[367]ــ

مرّتين فما جرى عليه الماء فقد طهر» أو (طهّر)(1) ، لدلالتها على لزوم تقديم الرأس على البدن في الغسل لكلمة «ثمّ» الظاهرة في التراخي . واشتمالها على بعض المستحبات ـ كغسل الفرج لعدم اعتبار الاستنجاء في صحّة الغسل على ما يأتي في محلِّه(2) ، وغسل الكفين وكذلك الغسل ثلاثاً أو مرّتين ـ لقيام القرينة الخارجية على عدم وجوبها لا ينافي دلالتها على الوجوب فيما لم يقم على خلاف ظاهره الدليل .

   ومنها : صحيحة زرارة قال «قلت : كيف يغتسل الجنب ؟ فقال : إن لم يكن أصاب كفه شيء غمسها في الماء ، ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ، ثمّ صب على رأسه ثلاث أكف ثمّ صب على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه»(3) . وذلك لوقوع كلمة «ثمّ» عند عطف غسل البدن على غسل الرأس كما في الصحيحة المتقدّمة ، وقد عرفت أن اشتمالها على بعض المستحبات لا ينافي دلالتها على الوجوب فيما لم يقم قرينة على استحبابه .

   نعم الرواية مضمرة إلاّ أنا ذكرنا غير مرّة أن مضمرات زرارة كمسنداته ، لأنه لا يسأل من غير الإمام (عليه السلام) ، على أن المحقق رواها في المعتبر عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه
السلام) (4) ، ولعلّه ـ  كما في الحدائق  ـ نقلها عن بعض الاُصول القديمة التي كانت عنده(5) .

   ومنها : موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل فليفرغ على كفيه وليغسلهما دون المرفق ، ثمّ يدخل يده في إنائه ثمّ يغسل فرجه ، ثمّ ليصب على رأسه ثلاث مرات ملء كفّيه ، ثمّ يضرب بكف من ماء على صدره وكفّ بين كتفيه...»(6) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 229 / أبواب الجنابة ب 26 ح 1 .

(2) في ص 399 ـ 400 .

(3) الوسائل 2 : 229 / أبواب الجنابة ب 26 ح 2 .

(4) المعتبر 1 : 183 .

(5) الحدائق 3 : 70 .

(6) تقدّم ذكر مصدرها في ص 362 .

ــ[368]ــ

   ومنها : صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثمّ بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بداً من إعادة الغسل» (1) نعم لا دلالة لها على بطلانه فيما إذا غسل رأسه مقارناً لغسل بدنه ، لأنها إنما تدلّ على بطلانه فيما إذا غسل بدنه قبل غسل رأسه فحسب . ولكن يمكن أن يقال بدلالتها على بطلانه في صورة المقارنة بعدم القول بالفصل ، لأن من قال بالترتيب بين الرأس والبدن والتزم ببطلانه عند تأخيره عن غسل البدن التزم ببطلانه عند مقارنة غسله لغسله أيضا .

   ومنها : ما رواه حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «من اغتسل من جنابة ولم يغسل رأسه ثمّ بدا له أن يغسل رأسه ـ لجهله بلزومه مثلاً ـ  لم يجد بدّاً من إعادة الغسل»(2) وهي كسابقتها .

   ومنها : صحيحته ـ  أي حريز  ـ  المعبّر عنها بمقطوعة حريز في كلماتهم ، في الوضوء يجف ، قال «قلت : فان جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ، قال : جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي ، قلت : وكذلك غسل الجنابة ، قال : هو بتلك المنزلة ، وابدأ بالرأس ثمّ أفض على سائر جسدك ، قلت : وإن كان بعض يوم ، قال : نعم» (3) ودلالتها على اعتبار تقديم غسل الرأس على غسل البدن ظاهرة ، وإنما الكلام في أنها مضمرة حيث لم يسندها حريز إلى الإمام (عليه السلام) ، إلاّ أنّ إضمار حريز كإضمار زرارة وأضرابه لأنّ حريزاً من أجلاء أصحاب الصادق (عليه السلام) وليس من شأنه السؤال عن غير الإمام ودرجه في الأخبار .

   وقد يُقال : إنّها مقطوعة وتوصف بها ، ولعلّه من جهة إرجاع الضمير في «قال قلت : فان جفّ... » إلى عبدالله بن المغيرة الذي يروي عن حريز ليكون هو السائل دون حريز ، وإرجاع الضمير في «قال : جف أم لم يجف» إلى حريز ليكون هو المجيب دون الإمام . إلاّ أنه بعيد غايته ، لأن الظاهر أن ابن المغيرة إنما يروي عن حريز ، نعم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 235 / أبواب الجنابة ب 28 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 235 / أبواب الجنابة ب 28 ح 3 .

(3) الوسائل 2 : 237 / أبواب الجنابة ب 29 ح 2 .

ــ[369]ــ

هي مضمرة وقد عرفت أن الإضمار غير مضر من أمثال حريز وزرارة هذا .

   على أنّ الصدوق رواها في (مدينة العلم) عن حريز مسنداً إلى أبي عبدالله (عليه السلام) ، والراوي عن الصدوق هو الشـهيد في الذكرى على ما في الوسـائل(1) والشهيد ثقة عدل تُتبع روايته عن كتاب (مدينة العلم) وإن كان هذا الكتاب غير موجود في عصرنا لأنه مسروق ولكن الشهيد ـ حسب روايته ـ ينقل عن نفس الكتاب ، وطريقه إلى الكتاب معتبر كما يظهر من المراجعة إلى الطرق والإجازات ، وبه تكون الرواية مسندة وتخرج عن الإضمار والقطع .

   ومنها : غير ذلك من الأخبار .

   وبازاء هذه الأخبار أخبار اُخرى تدلّ على عدم لزوم الترتيب بين غسل الرأس والبدن إمّا باطلاقها وإمّا بتصريحها ونصّها .

   أمّا ما دلّ على عدمه بالنص فهو ما ورد في قضية الجارية أعني صحيحة هشام قال : «كان أبو عبدالله (عليه السلام) فيما بين مكّة والمدينة ومعه اُم إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها ، وقال لها : إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك ، ففعلت ذلك فعلمت بذلك اُم إسماعيل فحلقت رأسها ، فلما كان من قابل انتهى أبو عبدالله (عليه السلام) إلى ذلك المكان فقالت له اُم إسماعيل : أي موضع هذا ؟ قال لها : هذا الموضع الذي أحبط الله فيه حجّك عام أوّل»(2) .

   حيث دلّت على عدم لزوم غسل الرأس قبل غسل البدن . إلاّ أنها ممّا لا يمكن الاعتماد عليه وإن كانت صحيحة السند وصريحة الدلالة على المدعى ، وذلك لأنّ راوي هذا الحديث أعني هشام بن سالم بعينه روى تلك القضية في صحيحة محمّد بن مسلم على عكس ما رواها في هذه الرواية ، حيث روى هشام عن محمّد بن مسلم قال : «دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر المتقدّم .  كذا الذكرى : 91 /  السطر 12 .

(2) الوسائل 2 : 236 / أبواب الجنابة ب 28 ح 4 .

ــ[370]ــ

فقال : ادنه هذه اُمّ إسماعيل جاءت وأنا أزعم أن هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجّها عام أوّل ، كنت أردت الإحرام فقلت : ضعوا إليّ الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها فقلت : اغسلي رأسك وامسحيه مسحاً شديداً لا تعلم به مولاتك ، فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك ، فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئاً فمست مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها ، فقلت لها : هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجّك»(1) .

   وهي على عكس الصحيحة التي رواها هشام عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، ومن هنا قال الشيخ : هذا الحديث قد وهم الراوي فيه واشتبه عليه فرواه بالعكس ، لأن هشام بن سالم روى ما قلنا بعينه ، يعني لزوم غسل الرأس قبل غسل البدن (2) .

   والصحيح ما أفاده (قدس سره) وأنّ الاشتباه إنما هو من راوي الحديث عن هشام ، لأنه بنفسه نقل عكسه كما عرفت .

   وأمّا ما دلّ على عدم لزوم الترتيب بإطلاقها فعدة روايات .

   منها : صحيحة زرارة المشتملة على قوله : «ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك» (3) .

   ومنها صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن غسل الجنابة ، فقال : تغسل يدك اليمنى من المرفقين (المرفق) إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول ، ثمّ تدخل يدك في الإناء ثمّ اغسل ما أصابك منه ، ثمّ أفض على رأسك وجسدك ولا وضوء فيه» (4) .

   ومنها : صحيحة يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 237 / أبواب الجنابة ب 29 ح 1 .

(2) التهذيب 1 : 134 .

(3) الوسائل 2 : 230 / أبواب الجنابة ب 26 ح 5 .

(4) الوسائل 2 : 230 / أبواب الجنابة ب 26 ح 6 .

ــ[371]ــ

غسل الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل ؟ قال : الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء ، ثمّ يغسل ما أصابه من أذى ، ثمّ يصب على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كلّه ، ثمّ قد قضى الغسل ولا وضوء عليه» (1) .

   والكلام في تقييد المطلقات بالمقيّدات المتقدّمة وعدمه ، وذلك لأن هذه المطلقات ليست بأقوى من سائر المطلقات الواردة في الفقه ، حيث إنّها بناء على كونها في مقام البيان من تلك الجهة أعني جهة الترتيب وإن كان لها ظهور في الإطلاق إلاّ أن ظهور المقيّد في التقييد حاكم على ظهوره ومانع عن حجيّته إذا كان منفصلاً ، ومانع عن أصل انعقاده لو كان متصلا .

   على أ نّه يمكن أن يقال بعدم كونها في مقام بيان أن الواجب في الغسل أي شيء لأنها إنما وردت لبيان آدابه وكيفياته لا لبيان الاُمور الواجبة فيه ، ومن هنا تعرض لجملة من المستحبات ولم يتعرّض لاعتبار الترتيب ، فلو لم يكن الترتيب بين الرأس والبدن واجباً فلا أقل من أنه مستحب ، للأمر به في الأخبار من قوله : «صبّ على رأسه ثلاث أكف ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين»(2) ... وقوله : «ثمّ ليصب على رأسه ثلاث مرّات ...»(3) . وقوله : «تبدأ بكفّـيك...»(4) فانّ الأمر لو لم يفد الوجوب فلا أقل من إفادته الاستحباب ، وللتأسِّي به (عليه السلام) حيث إنه كما في صحيحة زرارة بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكف ثمّ صب على منكبه الأيمن مرّتين ...(5) ومع ذلك لم يتعرض لبيانه ولم يدلّ على استحبابه ، وهذا أيضاً قرينة على وجوبه ، وإنما لم يتعرّض له لعدم كونها في مقام البيان من تلك الجهة . فالإنصاف أن المناقشة في دلالة الروايات على اعتبار الترتيب بين الرأس والبدن في غير محلّها . هذا كلّه في الجهة الاُولى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 246 / أبواب الجنابة ب 34 ح 1 .

(2) ، (3) تقدّم ذكرهما في ص 367 .

(4) المتقدِّم في ص 366 .

(5) تقدّم ذكرها في ص 367 . ومضمونها ليس فعلاً صادراً منه (عليه السلام) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net