ــ[6]ــ
[ 686 ] مسألة 3 : إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال ثمّ خرج منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني فمع عدم الإستبراء قبل الغسل بالبول يحكم عليها بأنها مني ، فيجب الغسل ، ومع الإستبراء بالبول وعدم الإستبراء بالخرطات بعده يحكم بأ نّه بول فيوجب الوضوء ، ومع عدم الأمرين ((1)) يجب الإحتياط بالجمع ((2)) بين الغسل والوضوء إن لم يحتمل غيرهما ، وإن إحتمل كونها مذياً مثلاً ـ بأن يدور الأمر بين البول والمني والمذي ـ فلا يجب عليه شيء ، وكذا حال الرّطوبة الخارجة بدواً من غير سبق جنابة ، فإنّها مع دورانها بين المني والبول يجب الإحتياط بالوضوء والغسل ، ومع دورانها بين الثّلاثة أو بين كونها منيّاً أو مذياً ، أو بولاً أو مذياً لا شيء عليه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البلل المشتبه وصوره
(1) الصور ثلاث لأ نّه عند خروج البلل بعد الإغتسال قد لا يستبرئ بالبول قبله ، وقد يستبرئ بالبول قبل الإغتسال إلاّ أ نّه لا يستبرئ بعد البول بالخرطات وثالثة يستبرئ بالبول قبل الإغتسال كما أ نّه يستبرئ بالخرطات بعد البول .
الكلام في الصورة الاُولى : أعني ما إذا إغتسل من غير أن يبول قبله ، وفيه جهات للكلام :
الجهة الاُولى : أ نّه لا إشكال حينئذ في أنّ البلل المشتبه الخارج بعد الغسل في حكم المني ، ويجب معه الإغتسال ، وذلك للأخبار المعتبرة الّتي فيها صحيحة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لعلّه أراد بالأمـرين عدم الاسـتبراء بالبول وعدم الاسـتبراء بالخرطات ، وإلاّ كانت كلمة «عدم» من سهو القلم .
(2) هذا إذا كان متطهِّراً قبل خروج الرّطوبة المشتبهة كما لعلّه المفروض ، وأمّا إذا كان محدثاً بالأصغر فالأظهر كفاية الإقتصار على الوضوء ، ومنه يظهر الحال فيما إذا خرجت الرّطوبة من غير سبق الجنابة .
ــ[7]ــ
وموثقة (1) ، حيث دلّت على أ نّه كالمني ولا بدّ معه من الإغتسال ، وهذا هو المعروف المشهور بينهم .
وقد نسب إلى الصدوق القول بإستحباب الغسل حينئذ (2) ، تمسكاً بما رواه من أ نّه إن كان قد رأى بللاً ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل ، إنّما ذلك من الحبائل (3) ، فإذا ضمّ ذلك إلى الأخبار الآمرة بالغسل حينئذ فتكون النتيجة هي إستحباب الغسل عند خروج البلل المشتبه فيما إذا إغتسل ولم يكن قد بال .
ويدفعه : أن الرّواية قاصرة السند والدلالة ، أمّا بحسب السند فلأ نّها مرسلة ولا اعتبار بالمراسيل ، وأمّا من حيث الدلالة فلأن البلل الخارج حينئذ إذا كان من الحبائل كالمذي فلماذا وجب معه الوضوء ، فالصحيح هو ما ذهب إليه المشهور من وجوب الغسل حينئذ .
نعم ، ورد في رواية زيد الشحّام عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سألته عن رجل أجنب ثمّ إغتسل قبل أن يبول ثمّ رأى شيئاً ، قال : لا يعيد الغسل ، ليس ذلك الّذي رأى شيئاً» (4) ، وفي رواية عبدالله بن هلال قال «سألت أبا عبدالله عن الرّجل يجامع أهله ثمّ يغتسل قبل أن يبول ثمّ يخرج منه شيء بعد الغسل ، قال : لا شيء عليه ، إنّ ذلك ممّا وضعه الله عنه» (5) . وهما تدلاّن على عدم وجوب الغسل حينئذ .
إلاّ أ نّهما ليستا قابلتين للمعارضة مع الأخبار الدالّة على وجوب الإغتسال لضعفهما بحسب السند ، أمّا الاُولى فبأبي جميلة المفضّل بن الصالح ، وأمّا الثّانية فبعبد الله بن هلال . بل يمكن المناقشة في دلالتهما أيضاً ، حيث إنّ الجماع غير مستلزم للإنزال دائماً حتّى يجب البول بعده ، وكذا الجنابة المطلقة ، فإنّ البحث إنّما هو في الجنابة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 250 / أبواب الجنابة ب 36 .
(2) نسبه إليه في المستمسك 3 : 119 ، وراجع الفقيه 1 : 48 / باب صفة غسل الجنابة ، ذيل ح 188 .
(3) الوسائل 2 : 250 / أبواب الجنابة ب 36 ح 2 ومع اختلاف يسير ح 4 .
(4) الوسائل 2 : 253 / أبواب الجنابة ب 36 ح 14 .
(5) الوسائل 2 : 252 / أبواب الجنابة ب 36 ح 13 .
ــ[8]ــ
بالإنزال ، وهو غير مذكور فيهما ، إلاّ أنّ العمدة في المناقشة هي ضعف سنديهما .
الجهة الثّانية : هل يجب الغسل عند خروج البلل المشتبه بعد الغسل وقبل البول مطلقاً ، أو أ نّه يختص بما إذا ترك البول مع التمكّن منه قبل الإغتسال ، وأمّا إذا تركه لعدم تمكّنه من البول حينئذ فلا يجب عليه الإغتسال ؟
الصحيح وجوب الغسل في كلتا الصورتين ، لإطلاق رواياته حيث لم يقم على التفصيل بين الصّورتين دليل ولو رواية ضعيفة .
وهل يجب الغسل مطلقاً أو يختص بما إذا ترك البول قبل الغسل متعمداً ، وأمّا إذا تركه نسياناً فلا يحكم عليه بوجوب الغسل ؟
نسب التفصيل بين الناسي والعامد إلى الشيخ(1) ، والمشهور عدم الفرق بين الصورتين وهو الصّحيح وذلك لعدم تماميّة ما استدلّ به على هذا التفصيل ، وهو رواية جميل بن درّاج قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرّجل تصـيبه الجنابة ، فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمّ يرى بعد الغسل شيئاً ، أيغتسل أيضاً ؟ قال : لا ، قد تعـصّرت ونزل من الحـبائل»(2) ، وهي ضعيفة السند بعلي بن السـندي حيث لم تثبت وثاقته ومعه إطلاقات الأخبار الآمرة بالغسل حينئذ محكمة .
الجهة الثّالثة : أنّ مورد الأخبار الآمرة بالغسل عند خروج البلل المشتبه ما إذا احتمل أن تكون الرطوبة منيّاً ، ولا إطلاق لها يشـمل صورة العلم بعدم كونها منيّاً كما إذا علمنا بأ نّها بول أو مذي مثلاً ، وذلك لقوله (عليه السلام) «لأنّ البول لم يدع شيئاً» (3) ، فإنّ ظاهره أ نّه إنّما يغتسل إذا لم يبل من جهة احتمال أن يكون البلل منيّاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نسبه إليه في الحدائق 3: 31 وراجع الاستبصار 1 : 120 / باب وجوب الاستبراء من الجنابة ذيل الحديث 8 ، 9 ، التهذيب 1 : 145 / ب 6 ذيل الحديث 100 ، 101 .
(2) الوسائل 2 : 252 / أبواب الجنابة ب 36 ح 11 .
(3) الوسائل 2 : 251 / أبواب الجنابة ب 36 ح 7 .
ــ[9]ــ
فلا يشمل صورة العلم بعدم كونها من المني ، هذا .
مع أ نّا لو سلمنا أ نّها مطلقة وإطلاقها يشمل ما إذا لم يحتمل كونها منيّاً فمقتضى الأخبار (1) الدالّة على حصر وجوب الغسل بالماء الأكبر عدم وجوب الغسل من غيره ، كالرطوبة المردّدة بين البول والمذي مثلاً ، فيختص الغسل بما إذا إحتمل كون الرّطوبة منيّاً ، لأنّ إحتماله منجّز حينئذ . ـــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 187 و 188 / أبواب الجنابة ب 7 ح 6 و 11 ، 196 و 197 / ب 9 ح 1 ، 2 ، 3 .
|