تعارض الناقلين في نقل الفتوى 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7830


    تعارض الناقلين في نقل الفتوى :

   (1) وتفصيل الكلام في هذه المسألة أن فتوى المجتهد قد تثبت بالسماع إما من نفسه شفاهاً أو بالنقل عنه ، وقد تثبت بالبينة ، وثالثة بوجدانها في رسالته إذا كانت مأمونة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في إطلاقه وإطلاق ما ذكر بعده إشكال بل منع .

ــ[337]ــ

من الغلط ، ولا كلام في ثبوتها بتلك الاُمور وإنما الكلام فيما إذا وقعت المعارضة بينها .

   والتعارض قد يتحقق بين فردين من سنخ واحد ، كما إذا سمع منه الفتوى بالجواز مرّة والفتوى بالحرمة اُخرى ، أو أن الناقل نقل عنه الفتوى بالجواز ونقل آخر عنه الفتوى بالحرمة، أو أن بيّنة أخبرت عن فتواه بالحرمة وبيّنة اُخرى أخبرت عن فتواه بالجواز ، أو وجد في إحدى رسالتيه الفتوى بشيء وفي الاُخرى الفتوى بشيء آخر .

   وفي هذه الصورة إذا كان أحدهما ناظراً إلى زمان والآخر إلى زمان آخر ، كما إذا حكى أحدهما عن فتوى المجتهد السابقة وحكى الآخر عن فتواه الفعلية واحتمل العدول في حقه ، وجب العمل على طبق المتأخر منهما لعدم المعارضة بينهما إذ لا معارض للمتأخر منهما زماناً سوى استصحاب عدم عدول المجتهد عن الفتوى السابقة وهو لا يعارض الدليل .

   وإذا كان كلاهما ناظراً إلى زمان واحد كما لو وجد في إحدى رسالتيه المطبوعة في تاريخ معيّن فتواه في المسألة بالجواز ، وفي رسالته الاُخرى المطبوعة في ذلك التاريخ بعينه في مطبعة اُخرى أفتى فيها بالحرمة ، أو بيّنة أخبرت عن أن فتواه الفعلية هي الجواز ، وأخبرت اُخرى عن أن فتواه الفعلية هي الحرمة ، أو أن أحد الناقلين نقل إفتاءه الفعلية بالجواز والآخر نقل إفتاءه الفعلية بالحرمة . نعم ، هذا لا يتصور في السماع بالمشافهة لعدم إمكان فتويين متنافيتين في زمان واحد . أو كان أحدهما ناظراً إلى زمان والآخر إلى زمان آخر ، كما إذا حكى أحدهما عن فتواه السابقة وحكى الآخر عن فتواه الفعلية إلاّ أ نّا لم نحتمل في حقه العدول عن فتواه السابقة ، فلا مناص من تساقطهما بالمعارضة كما هو مقتضى القاعدة في المتعارضين . هذا إذا وقع التعارض بين فردين من سنخ واحد كما عرفت .

   وقد تتحقق المعارضة بين سنخين من الاُمور المتقدمة وهذا له صور ثلاث :

   الاُولى : أن يعارض السماع بالمشافهة مع الرسالة المأمونة من الغلط .

   الثانية : أن يعارض الرسالة مع النقل بالخبر أو البيّنة .

   الثالثة : أن يعارض السماع بالمشافهة مع النقل بالخبر أو البيّنة .

   ذكر الماتن (قدّس سرّه) أن السماع من المجتهد شفاهاً مقدّم على النقل والرسالة كما

ــ[338]ــ

أن الرسالة مقدمة على النقل .

   والصحيح أن يقال : إن المتعارضين من تلك الاُمور إن كانا ناظرين إلى زمانين متعددين فلا تعارض بينهما حقيقة فيما إذا احتمل العدول في حقه، بل اللاّزم وقتئذ هو الأخذ بالمتأخر منهما زماناً ، واستصحاب عدم العدول عن الفتوى السابقة لا يعارض الأمارة كما تقدم .

   وإذا فرضناهما ناظرين إلى زمان واحد أو زمانين مع العلم أيضاً بعدم العدول كانت الأمارتان متعارضتين لا محالة ، وحينئذ إذا كانت المعارضة بين السماع من المجتهد شفاهاً وبين نقل الثقة أو البينة فإن لم يحتمل الخطأ فيما سمعناه من المجتهد كما لو اتحد المجلس وسئل فيه المجتهد عن المسألة واختلف فيما أجاب به عن السؤال فأخبر الثقة أو البينة عن أنه أفتى في المجلس بالجواز ، والمقلّد سمع منه الفتوى بالحرمة مثلاً فهما من الدليلين المتعارضين أحدهما قطعي والآخر ظني ، للقطع بعدم الخطأ في الفتوى المسموعة من المجتهد وأن ما سمعناه منه بالمشافهة من الحكم بالحرمة هو فتواه في المسألة ، ومعه يسقط النقل عن الحجية للعلم بعدم مطابقته للواقع ، لأنه إما كاذب أو مشتبه في نقله ، هذا إذا كانا ناظرين إلى زمان واحد .

   وأما إذا كان كل منهما ناظراً إلى زمان ، وعلمنا عدم عدول المجتهد عن الفتوى السابقة فالأمر أيضاً كذلك ، لاستلزام العلم بفتواه الفعلية بالسماع العلم بأن فتواه السابقة أيضاً كذلك، لأن مفروضنا العلم بعدم عدول المجتهد عن فتواه السابقة، إذن يقع التعارض بين السماع والنقل في الزمان السابق فيتقدم السماع لأنه قطعي ، والنقل معلوم الخلاف كما مرّ .

   وأما لو احتملنا الخطأ في فتواه الّتي سمعناها منه شفهاً ، كما إذا تعدد المجلس فسمعنا منه الفتوى بالجواز في مجلس ونقل عنه الثقة أو البينة الفتوى بعدم الجواز في مجلس آخر ، مع العلم بعدم عدوله عن فتواه السابقة ، فلا علم لنا حينئذ بكذب الناقل أو خطأه ، لأنه من المحتمل أن يكون الخطأ في فتوى المجتهد الّتي سمعناها عنه شفاهاً، ومع هذا الاحتمال لا مانع من شمول أدلة الاعتبار لنقل الثقة أو البينة . وحيث إنّا نحتمل الخطأ في كل من الناقل والمجتهد تجري أصالة عدم الغفلة والخطأ في كل منهما ومقتضاها القطع التعبدي بصدور كلتا الفتويين لولا المعارضة، لكنا علمنا بالخطأ في

ــ[339]ــ

إحداهما فلا مناص من الحكم بتساقطهما بالمعارضة .

   ولا يقاس المقام بما إذا تعارض السماع من الإمام (عليه السّلام) مع النقل فإنا إذا سمعنا الحكم من الإمام (عليه السّلام) شفاهاً جزمنا بعدم مطابقة النقل للواقع لعدم احتمال الخطأ في الإمام (عليه السّلام) وهذا بخلاف المقام لاحتمال صدور كلتا الفتويين عن المجتهد حتى مع السماع عنه مع العلم بالخطأ في إحداهما ، ولأجل هذا العلم الاجمالي تقع المعارضة بين الفتويين ويتساقطان فلا يمكن الأخذ بشيء منهما ، فتقدم السماع على النقل إنما هو في صورة العلم بعدم خطأ المجتهد في الفتوى المسموعة عنه شفاهاً، هذا كلّه فيما إذا كانت المعارضة بين السماع والنقل .

   وأما إذا وقع التعارض بين السماع والرسالة فإن كانت الرسالة من غيره كما يتفق كثيراً فترى أن الثقة جمع فتاوى المجتهد في كتاب ، فالتعارض وقتئذ من تعارض النقل والسماع فيأتي فيه جميع ما قدّمناه في تعارضهما آنفاً .

   وأما لو كانت الرسالة بخطه وكتابته أو بخط غيره ولكنها مما لاحظه المجتهد كما إذا جمعها غير المجتهد وهو قد راجعها ونظر فيها ، فالمعارضة من تعارض الفتويين الصادرتين من المجتهد إحداهما شفاهاً والاُخرى كتابة ، وأصالة عدم الخطأ وإن جرت في كل منهما في نفسه ، إلاّ أنه عند تعارضهما لا يبعد دعوى جريان السيرة العقلائية على عدم اجرائها في الفتوى المسموعة عنه شفاهاً ، وذلك لأن الخطأ فيها مظنون ولكنه في فتواه بالكتابة موهوم ، فإن الانسان بالطبع يهتم ويحتفظ بخصوصيات المطلب عند الكتابة بما لا يحتفظ به في مكالماته شفاهاً، ومن هنا يشتبه فيها كثيراً بخلاف الكتابة ولا سيما في مقام الاستدلال والاستنباط ، فبما أن الكتابة أضبط وأوثق إذا كانت مأمونة من الغلط لم تجر أصالة عدم الخطأ في معارضها وهي الفتوى بالمشافهة ، عند العقلاء .

   ومن ذلك يظهر حكم ما إذا وقع التعارض بين النقل والرسالة ، فإن الكتابة كما تقدم أضبط من الفتوى بالمشافهة فضلاً عن نقلها ، فلا تجري فيها أصالة عدم الخطأ . وعلى الجملة إذا قدّمنا الرسالة على سماع الفتوى من المجتهد بالمشافهة تقدمت على النقل الحاكي عن تلك الفتوى الشفهية بطريق أولى فيحكم بخطأ الناقل ويعمل على طبق الرسالة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net