خروج البلل بعد الغُسل مع سبق البول والخرطات 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7012


    بقي الكلام في الصّورة الثّالثة

   وهي ما إذا بال قبل الإغتسال واستبرأ بالخرطات بعد البول ، وهي المراد بقول الماتن «ومع عدم الأمرين يجب الإحتياط» ، فإنّ الأمرين السابقين هما الغسل مع عدم الإستبراء بالبول أو مع عدم الإستبراء بالخرطات على تقدير الإستبراء بالبول وعدمهما يكون عبارة عن الغسل مع الإستبراء بكلّ من البول والخرطات . وهذه الصّورة تنقسم إلى صور :

    الصورة الاُولى :  ما إذا بال واستبرأ بالخرطات ثمّ إغتسل وخرجت منه رطوبة مشتبهة مردّدة بين المني وغير البول للقطع بعدم كونها بولاً ، فلا يجب عليه حينئذ شيء من الغسل والوضوء ، أمّا عدم وجوب الغسل فلإستبرائه بالبول وهو لم يدع

ــ[11]ــ

شيئاً ، وأمّا عدم وجوب الوضوء فللقطع بعدم كون الرّطوبة بولاً على الفرض .

    الصورة الثّانية :  الصورة مع تردّد الرّطوبة بين أن تكون بولاً أو غير مني أو بين البول والمني والمذي ، وفي هذه الصّورة أيضاً لا يجب عليه الغسل ، وذلك لأ نّه إستبرأ بالبول وهو لم يدع شيئاً ، وهل يجب عليه الوضوء حينئذ ؟

   فقد يتوهّم وجوبه تمسّكاً بإطلاق الأخبار الآمرة بالوضوء فيما إذا بال واغتسل وخرجت منه رطوبة مشتبهة، لعدم تقييدها بصورة عدم الإستبراء بالخرطات ومقتضى إطلاقها حينئذ وجوب الوضوء (1) .

   ويندفع بأن الأخبار الآمرة بالوضوء (2) وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنها معارضة في المقام بالأخبار الواردة في الإستبراء الدالّة على أ نّه إذا بال واستبرأ بالخرطات وخرجت منه رطوبة مشتبهة لا يجب عليه الوضوء ، لأ نّها من الحبائل (3) ، والنسبة بينهما عموم من وجه ، لأنّ أخبار المقام تدل على أن من بال واغتسل وخرجت منه الرّطوبة المشتبهة يجب عليه الوضوء ، سواء إستبرأ بالخـرطات أم لم يستبرئ ومقتضى تلك الرّوايات الواردة في الإستبراء أ نّه إذا بال واستبرأ بالخرطات ثمّ خرجت رطوبة مشتبهة لا يجب عليه الوضوء ، سواء أكان إغتسل قبل ذلك أم لم يكن قد إغتسل ، فيتعارضان في من اغتسل وقد إستبرأ قبله بالبول والخرطات وخرجت منه رطوبة مشتبهة ، فمقتضى الاُولى وجوب الوضـوء كما أنّ مقتضى الثّانية عدم وجوبه . إلاّ أنّ الطائفة الثّانية تتقدّم على الطائفة الاُولى ، لقوّة دلالتها من حيث إشتمالها على التعليل بأ نّها من الحبائل حينئذ ، وعليه فلا يجب عليه الوضوء كما لا يجب عليه الغسل ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أورد نظير هذا التوهم مع جوابه في المستمسك 3 : 121 .

(2) الوسائل 2 : 250 و 251 و 252 / أبواب الجنابة ب 36 ح 1 و 7 و 8 و 9 .

(3) الوسائل 1 : 320 / أبواب أحكام الخلوة ب 11 ح 2، ص 282 و 283 و 286 / أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 2 و 3 و 10 .

ــ[12]ــ

   على أ نّا لو سلمنا تكافؤهما فحيث إنّ تعارضهما بالإطلاق فلا مناص من تساقطهما ، وحيث إنّ الشبهة موضوعيّة فلا بدّ من الرّجوع فيها إلى الإستصحاب فترجع إلى استصحاب عدم وجوب الوضوء وعدم خروج البول منه ، وبما أنّ دلالة أدلّة الإستصحاب على عدم جواز نقض اليقين بالشكّ بالعموم ، لقوله في صحيحة زرارة «ولا ينقض اليقين بالشكّ أبداً» (1) ، وكلمة أبداً تفيد العموم ، فلا محالة تتقدّم على المطلقات الواردة في المقام المقتضية لوجوب الوضوء في مفروض الكلام ، فبعموم أدلّة الإستصحاب نحكم بعدم وجوب الوضوء عليه .

   وعلى الجملة إنّ النسبة بين أدلّة الإستصحاب والأخبار الواردة في المقام عموم من وجه ، حيث إنّها تدل على وجوب الوضوء فيما إذا بال قبل الغسل ، سواء أكان ذلك في موارد العلم الإجمالي كدوران الأمر بين البول والمني أم كان في غيرها كدوران الأمر بين المني والمذي أو بينهما وبين البول ، وهذا بخلاف الإستصحاب حيث إنّه لا يشمل موارد العلم الإجمالي بوجه ، فهو أخص من الأخبار من تلك الجهة . كما أنّ الأخبار أخص من الإستصحاب من جهة اُخرى ، لأ نّها دلّت على وجوب الوضوء بعد الغسل ، والإستصحاب غير مقيّد بالغسل وعدمه ، فالأخبار أخص من الإستصحاب من هذه الجهة ، فتتعارض فيما إذا بال المكلّف بعد الإنزال واغتسل ثمّ خرجت رطوبة مردّدة بين البول والمني والمذي ، فإنّ الأخبار تقتضي وجوب الوضوء والإستصحاب يقتضي عدمه . وبما أنّ دلالة أدلّة الإستصحاب بالعموم ، ودلالة الأخبار بالإطلاق فيتقدّم الإستصحاب على الأخبار في مورد المعارضة ، لاشتماله على قوله «ولا ينقض اليقين بالشكّ أبداً» ، وعليه لا يجب عليه الوضوء في مفروض المسألة .

   وأمّا الأخبار الواردة في الإستبراء بالخرطات وأنّ من بال واستبرأ فلا يبالي بما خرج منه بعد ذلك من الرّطوبات المشتبهة ، فقد يقال إنّها أجنبيّـة عن المقام بالمرّة لأنّ موضوعها من بال واستبرأ بالخرطات ، وموضوع الأخبار الآمرة بالوضوء من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 ، 3 : 477 / أبواب النجاسات ب 41 ح 1 .

ــ[13]ــ

أجنب وبال واغتسل ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة ، فهما موضوعان متغايران .

   إلاّ أ نّه يندفع بأنّ إطلاق روايات الإستبراء يشمل صورة سبق الإغتسال أيضاً ، كما إذا أجنب ثمّ بال ثمّ إغتسل ثمّ خرجت رطوبة ، لأ نّها غير مقيّدة بما إذا لم يغتسل بعد البول ، وعليه فهما متعارضان ، والنسبة بينهما أيضاً عموم من وجه ، لأنّ أخبار الإستبراء مقيّدة بما إذا إستبرأ بالخرطات سواء أكان معه الغسل أم لم يكن ، وأخبار المقام مقيّدة بالغسل سواء أكان إستبرأ بالخرطات أم لم يستبرئ ، فيتعارضان فيما إذا أجنب ثمّ بال واغتسل مع الإستبراء بالخرطات ، فإنّ الأخبار الواردة في المقام تقتضي وجوب الوضوء حينئذ ، لدلالتها على أنّ الرّطوبة المشتبهة ليس من المني ، لأنّ البول لم يدع شيئاً ، وتلك الأخبار تنفي وجوب الوضوء ، لدلالتها على أ نّهـا ليست ببول لأ نّه قد إستبرأ بالخرطات ، فيتعارضان ويتساقطان ويبقى الإستصحاب سليماً عن المعارض ، وهو يقتضي عدم وجوب الوضوء كما مرّ .

   واحتمال أنّ الاستصحاب بنفسه مورد المعارضة مع الأخبار الواردة في المقام مندفع بما مرّ ، من أ نّه لا يشمل موارد العلم الإجمالي الّتي تشملها الأخبار الواردة في المقام وإنما يجري في غيرها ، وهو في غيرها أخص مطلق من الأخبار فيتقدّم عليها ، ومع ملاحظة جميع مواردها النسبة عموم من وجه أيضاً يتقدّم الإستصحاب لعموم أدلّته بخلاف الأخبار كما لا يخفى .

   وأمّا ما أشرنا إليه من أنّ أخبار الإستبراء أقوى دلالة من أخبار المقام ، لإشتمالها على التعليل بأ نّها من الحبائل فهو ليس كما ذكرناه ، إذ ليست الأخبار الواردة في الإستبراء بالخرطات مشتملة على هذا التعـليل وإنما يشتمل عليه ما لم يذكر فيه الإستبراء بالخرطات .

   والوجه في جعل الاستصحاب معارضاً مع الأخبار الواردة في المقام هو أنّ موضوع تلك الأخـبار أيضاً هو الشكّ في خروج البول وعدمه ، فحكمها حكم الأصل . وأماريّة البول إنّما تقتضي عدم كون الخارج منيّاً ، وأمّا أ نّه بول فلا ، لأنّ البحث في دوران الأمر بين الإحتمالات الثّلاثة المني والبول والمذي ، فمن المحتمل أ نّه

ــ[14]ــ

مذي ، فلا يُقال إنّ في المقام أمارة على البوليّة ، فما معنى إستصحاب عدم خروج البول ، لكنّك عرفت أنّ الإستصحاب ليس بنفسه مورداً للمعارضة مع الرّوايات الواردة في المقام ، لأ نّه لا يشمل موارد العلم الإجمالي والأخبار تشملها ، وفي غير تلك الموارد يجري الإستصحاب ولكنه فيها أخص مطلق من الأخبار ، فيتقدّم عليها لا محالة .

   ويبقى دفع توهّم نجاسة تلك الرّطوبة حينئذ ، فإن موثقة سماعة (1) الآمرة بالوضوء والإستنجاء الشاملة للمقام بإطلاقها تقتضي الحكم بنجاسة الرّطوبة المردّدة أيضاً ولكنه يندفع بعموم قوله «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر» (2) ، لعدم العلم بقذارة الرّطوبة فيحكم بطهارتها ، لأ نّه عام لمكان قوله «كلّ شيء» يتقدّم على المطلقات فالمتحصل إلى هنا عدم وجوب شيء من الغسل والوضوء في هذه الصّورة أيضاً .

    الصورة الثّالثة :  الصورة مع دوران أمر الرّطوبة بين البول والمني ، أعني موارد العلم الإجمالي بأ نّه إمّا مكلّف بالغسل وإمّا مكلّف بالوضوء ، ولهذه الصّورة صور :

   الاُولى : ما إذا كان المكلّف متطهراً قبل خروج الرّطوبة المشتبهة ، كما لعله مفروض كلام الماتن (قدس سره) ، حيث لم يفرض بين الغسل وخروج الرّطوبة شيئاً ممّا يوجب الوضوء من بول أو نوم ونحوهما ، بل فرض أ نّه بال واستبرأ واغتسل ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة ، فهو متطهّر من الحدث الأكبر لغسله ، ومن الأصغر لعدم بوله أو نومه ونحوهما .

   والمتعيّن في هذه الصّورة هو الجمع بين الغسل والوضوء ، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ومعارضة إستصحاب عدم خروج البول بإستصحاب عدم خروج المني ، ومع تساقطهما لا بدّ من الجمع بينهما بقاعدة الإشتغال حتّى يقطع بالفراغ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 251 / أبواب الجنابة ب 36 ح 8 .

(2) الوسائل 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4 .

ــ[15]ــ

   الثّانية : ما إذا جهل حاله ولم يدر أ نّه كان متطهراً أم محدثاً ، والحال فيها كسابقتها لمعارضة الإستصحابين وقاعدة الإشتغال .

   الثّالثة : ما إذا كان عالماً بحدثه قبل خروج الرّطوبة المشتبهة ، لأ نّه بال أو نام بعد غسله ، واللاّزم حينئذ هو الوضوء ولا يجب عليه الغسل حينئذ ، والعلم بخروج البول أو المني غير مؤثر في شيء ، إذ لا أثر لخروج البول حينئذ ، لأ نّه كان مكلّفاً بالوضوء قبل خروج الرّطوبة أيضاً ، وكان مكلّفاً بغسل الموضع مرّة واحدة فحسب بناءً على ما هو المشهور من كفاية الغسل مرّة واحدة في جميع النجاسات ، وعليه فالخارج سواء أكان بولاً أم كان منيّاً لا يوجب إلاّ الغسل مرّة واحدة ، فهو عالم بوجوب الغسل مرّة على كلّ تقدير ، فلا أثر زائد على خروج البول حينئذ ، ـ  إلاّ أن يقال بلزوم تعدّد الغسل في البول دون المني  ـ فمقتضى إستصحاب عدم خروج المني عدم كونه مكلّفاً بالغسل ، لأنّ مقتضى قوله تعالى : ( ... إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوْا ... وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوْا ... )(1) أنّ الوضوء وظيفة من لم يكن جنباً ، فإذا نفينا جنابته بالأصل فهو مكلّف ليس بجنب فلا محالة يجب عليه الوضوء ، ولا يعارضه استصحاب عدم خروج البول ، إذ لا أثر لخروجه وعدمه .

   وتوهّم أنّ إستصحاب كلّي الحدث يقضي بوجوب الغسل والوضوء حينئذ حتّى يقطع بإرتفاعه .

   مندفع : بأ نّه إنّما يجري فيما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي حاكم عليه ، وفي المقام مقتضى استصحاب عدم خروج المني أو إستصحاب بقاء حدثه الأصغر بحاله تعيين الرّطوبة المشتبهة في البول ، وأنّ حدثه كان هو الأصغر فقط ، هذا كلّه فيما إذا كان المكلّف جنباً واغتسل .

   ومنه يظهر الحال في غير موارد الجنابة ، فإنّ غير الجنب إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة أيضاً يأتي فيه ما قدّمناه ، لأ نّه إذا كان بال ولم يستبرئ بالخرطات يتعيّن عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net