ــ[40]ــ
[ 697 ] مسألة 14 : إذا صلّى ثمّ شكّ في أ نّه اغتسل للجنابة أم لا ، يبني على صحّة صلاته ، ولكن يجب عليه الغسل ((1)) للأعمال الآتية (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا نظير صلاة الفرادى والجماعة حيث إنّهما طبيعة واحدة ولكن يشترط فيها القراءة وعدم زيادة الأركان إذا أوجدها فرادى ، ولا يشترط فيها ذلك إذا صلّى جماعة ، فلا تجب القراءة حينئذ وإذا زاد ركناً كالرّكوع أو غيره للمتابعة مع الإمام لم تبطل صلاته ، فلا مانع من أن يجعل ذلك الإرتماس غسلاً لرأسه ورقبته ، لأ نّه قد قصد تلك الطّبيعة الواحدة على الفرض وتحقّق الغسل بالإضافة إلى رأسه ورقبته ولم يتحقق بالإضافة إلى جسده بتمامه ، فله أن يتمّ غسله بغسل بدنه ، كما أنّ له أن يرفع يده عن غسله بالعدول إلى الإرتماس .
إذا شكّ في الإغتسال بعد الصّلاة
(1) هذا إنّما يتمّ فيما إذا شكّ بعد الصّلاة في أ نّه اغتسل عن الجنابة قبلها أم لم يغتسل من دون أن يحدث بعد صلاته بالحدث الأصغر ، لأنّ مقتضى استصحاب بقاء الجنابة وجوب الاغتسال عليه بالإضافة إلى صلواته الآتية ، وأمّا صلاته السابقة فهي محكومة بالصحّة بقاعدة الفراغ ، وهي مخصّصة أو كالمخصّص للاستصحاب .
إلاّ أنّ قاعدة الفراغ إنّما تقتضي صحّة العمل المشكوك فيه فقط ولا تثبت لوازم صحّته ، فإذا شكّ في صحّة وضوئه بعد الفراغ عنه يبني على صحّته ويرتب عليه جميع آثار صحّة الوضوء ، فله أن يدخل به في كلّ عمل مشروط بالوضوء ، وكذا إذا شكّ في صحّة صلاته يبني على صحّتها فحسب ، وأمّا أ نّه قد اغتسل من الجنابة وهو ليس بمحدث حتّى لا يجب عليه الغسل بالإضافة إلى الصلوات الآتية فلا ، بلا فرق في ذلك بين القول بأنّ القاعدة من الأمارات والقول بأ نّها من الاُصول .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا إذا لم يصدر منه الحدث الأصغر بعد الصّلاة وإلاّ وجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل بل وجبت عليه إعادة الصّلاة أيضاً إذا كان الشكّ في الوقت .
ــ[41]ــ
وأمّا إذا أحدث بعد صلاته بالحدث الأصغر فله صور .
صور ما إذا شكّ في الاغتسال وقد أحدث بالأصغر
الصّورة الاُولى : أن تكون الصّلاتان مترتّبتين ، كما في صلاتي الظّهر والعصر والمغرب والعشاء ، فلا يجوز في مثلهما الدّخول في الثّانية بالغسل بعد اُولاهما ، وذلك للعلم الإجمالي بأ نّه إمّا مكلّف بالغسل لو كان لم يغتسل قبل صلاة الظّهر ووقعت هي مع الجنابة ، وإمّا إنّه مكلّف بالوضوء كما إذا كان إغتسل من الجنابة قبل صلاة الظّهر .
كما أنّ له علماً إجمالياً ثانياً وهو أ نّه إمّا أن تجب عليه إعادة ما أتى به من الصّلاة كما لو كان لم يغتسل من الجنابة قبل الظّهر ، وإمّا أن يجب عليه الوضوء لصلاته الآتية كما إذا كان قد إغتسل منها قبله إلاّ أ نّه لمّا أحدث بالأصغر فقد وجب عليه الوضوء لصلاة العصر مثلاً ، فالوضوء طرف لعلمين إجماليين ، فإذا صلّى العصر بالإغتسال من دون الوضوء فيحصل العلم التفصيلي ببطلانها ، وذلك للقطع بفقدان شرطها ، لأ نّه إمّا أن كان اغتسل من الجنابة قبل الظّهر فهو محدث بالأصغر وقد صلّى العصر من غير وضوء ، وإمّا أ نّه لم يغتسل منها قبل الظّهر فهو وإن كان مكلّفاً بالغسل حينئذ وغسله صحيح ، إلاّ أنّ صلاته عصراً باطلة ، لبطلان الظّهر وترتبها عليها لوقوعها مع الجنابة على الفرض .
فالجمع بين قاعدة الفراغ في الظّهر واستصحاب بقاء الجنابة إلى صـلاة العصر أعني الحكم بصحّة الظّهر بقاعدة الفراغ وصحّة العصر بغسل الجنابة غير ممكن ، لأ نّه على خلاف القطع الوجداني ، ومعه يجب الجمع بين الغسل والوضوء بالإضافة إلى صلاة العصر ، عملاً بالعلم الإجمالي بوجوب أحدهما . وأمّا العلم الإجمالي الثّاني أعني وجوب إعادة الظّهر أو الوضوء لصلاة العصر فهو ليس علماً إجمالياً على حدته ، وإنّما هو لازم للعلم الإجمالي بوجوب الغسل أو الوضوء ، لأ نّه لو كان مكلّفاً بالغسل لا محالة تجب عليه إعادة الظّهر . نعم ، لا مناص من إعادة صلاة الظّهر أيضاً لا لذلك العلم الإجمالي ، بل لأنّ الموجب للحكم بصحّتها إنّما هو قاعدة الفراغ ، فإذا لم تجر
ــ[42]ــ
القاعدة لمعارضتها بإستصحاب بقاء الجنابة من جهة أ نّهما على خلاف القطع الوجداني لم يبق هناك ما يوجب صحّتها ، فلا بدّ حينئذ من إعادة الظّهر والجمع بين الغسل والوضوء .
الصّورة الثّانية : أن تكون الصّلاتان غير مترتّبتين ، كما إذا أتى بصلاة قضاء ثمّ شكّ في أ نّه إغتسل عن الجنابة قبلها أم لم يغتسل وأراد بعدها أن يدخل في صلاة الظّهر مثلاً ، والكلام فيها هو الكلام في سابقتها ، ولا فرق بينهما إلاّ في أنّ هذه الصّورة لا يحصل فيها العلم التفصيلي ببطلان الصّلاة الثّانية ، بل يعلم إجمالاً بأ نّه بعد صلاة القضاء إمّا مكلّف بالغسل وإمّا مكلّف بالوضوء ، ويلزمه العلم إجمالاً ببطلان ما أتى به ووجوب إعادته أو بوجوب الوضوء ، فلا بدّ من الجمع بينهما كما لا بدّ من إعادة ما أتى به ، لعدم جريان قاعدة الفراغ فيها للعلم الإجمالي .
الصّورة الثّالثة : أن يكون شكّه هذا بعد إنقضاء وقت الصّلاة الّتي أتى بها ، كما إذا أتى بصلاة العصر ولما خرج وقتها وأراد الدّخول في صلاة المغرب شكّ في أ نّه هل إغتسل من الجنابة قبل العصر أم لم يغتسل ، وفي هذه الصّورة أيضاً يجب عليه الجمع بين الغسل والوضوء ، وذلك للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما في حقّه ، وأيضاً تتعارض فيها قاعدة الفراغ في الصّلاة السابقة مع إستصحاب بقاء الجنابة إلى الصّلاة الثّانية ، للعلم بأ نّه إمّا كان في حال الصّلاة الاُولى جنباً فالإستصحاب مطابق للواقع وقاعدة الفراغ على خلاف الواقع ، وإمّا إنّه قد اغتسل عنها قبل تلك الصّلاة فالقاعدة مطابقة للواقع والإستصحاب على خلاف الواقع ، إلاّ أ نّه لا يجب عليه قضاء تلك الصّلاة ، وذلك للقطع بسقوط أمرها إمّا لإمتثاله كما إذا كان إغتسل عن الجنابة قبلها وإمّا لتعذر إمتثاله لخروج وقتها . والقضاء لو ثبت فإنّما هو بأمر جديد ، وموضوعه فوت الواجب في وقته ، وهو غير محرز في المقام لإحتمال أ نّه قد إغتسل من الجنابة قبل تلك الصّلاة ، ومع عدم إحراز موضوع الأمر بالقضاء أصالة البراءة العقليّة محكّمة ، لقبح العقاب من دون بيان ، وهو قاعدة عقليّة غير قابلة للتخصيص ، فالقضاء غير واجب حينئذ ، نعم لا بدّ من أن يجمع بين الغسل والوضوء بمقتضى العلم الإجمالي كما مرّ .
ــ[43]ــ
ولو كان الشكّ في أثناء الصّلاة بطلت (1) لكن الأحوط إتمامها ثمّ الإعادة .
[ 698 ] مسألة 15 : إذا اجتمع عليه أغسال متعدِّدة فإمّا أن يكون جميعها واجباً أو يكون جميعها مستحبّاً أو يكون بعضها واجباً وبعضها مستحبّاً ، ثمّ إمّا أن ينوي الجميع أو البعض ، فإن نوى الجميع بغسل واحد صحّ في الجميع (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لأنّ الطّهارة من الشّروط المقارنة لأجزاء الصّلاة وأكوانها المتخللة بين أجزائها ، ومعه لا يمكن إحراز شرط الآن أو الجزء الّذي يشكّ فيه في الطّهارة بقاعدة التّجاوز أو الفراغ ، فلا محالة يحكم ببطلان الصّلاة .
حكم اجتماع الأغسال المتعدِّدة على المكلّف
(2) الكلام في ذلك من جهتين :
الاُولى : من جهة القاعدة وأنها تقتضي التّداخل أو تقتضي عدمه .
الثّانية : من جهة النص الوارد في المقام .
أمّا الجهة الاُولى فقد قرّرنا في مبحث مفهوم الشرط أنّ الطّبيعة الواحدة إذا كانت متعلّقة للأمر بها مرّتين أو أكثر ، كما إذا ورد إن ظاهرت فكفّر وإن أفطرت فكفّر فمقتضى القاعدة عدم التداخل ، لأنّ الطبيعة الواحدة يستحيل أن يبعث نحوها ببعثين ويؤمر بها مرّتين ، وإن كان مقتضى إطلاق الأمر في كلّ واحد من الشّرطين ذلك ، إلاّ أ نّه لمكان إستحالته لا بدّ من تقييد متعلّق كلّ منهما بوجود مغاير للوجود الآخر الّذي تعلّق به الآخر ، فيقال إن ظاهرت فأوجد وجوداً من طبيعة التكفير ، وإن أفطرت أوجد وجوداً منها ، وهو معنى عدم التداخل كما عرفت .
وقد استثنينا من ذلك مورداً واحداً وهو ما إذا كانت النسبة بين المتعلّقين عموماً من وجه ، كما إذا ورد أكرم العالم وورد أيضاً أكرم الهاشمي ، فإن إكرام مورد التصادق حينئذ وهو العالم الهاشمي يجزئ عن كلا الأمرين ، لأ نّه مقتضى إطلاقهما ، والقاعدة في
ــ[44]ــ
مثله التداخل ، حيث إنّ كلّ واحد من المأمور بهما أمر مغاير للآخر في نفسه ، وليس أمراً واحداً ليستحيل البعث نحوه ببعثين ، ومعه لا مانع من التداخل في مورد التصادق حسب إطلاقهما . هذا ما قدّمناه في بحث المفاهيم (1) .
إلاّ أ نّه فيما إذا كان الأمران نفسيين مولويين ، وأمّا في الأوامر الإرشاديّة ـ كما في الوضوء والغسل حيث إنهما غير واجبين في نفسهما وإنما اُمر بهما مقدّمة للصلاة ، كما في قوله تعالى : ( ... إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوْا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ـ إلى قوله ـ وَإِنْ كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوْا ... )(2) ، وهكذا الحال في بقيّة الأغسال الواجبة حيث اُمر بها في السنّة مقدّمة وشرطاً للصلاة ، فالأمر بها أمر إرشادي لا محالة ـ فالأمر بالعكس والقاعدة تقتضي فيها التداخل لإطلاقهما ، ولا مانع من أن يكون للشرط الواحد أسباب متعدّدة ، بأن يكون لإشتراط الصّلاة بالغسل والطّهارة أسباب من الجنابة والحيض ونحوهما ، كما هو الحال في الوضوء لتعدّد أسبابه من البول والغائط .
وحيث إنّ المأمور به في الجميع أمر واحد ، وهو طبيعة الغسل لا الغسل المقيّد بالجنابة أو بالحيض أو بغيرهما ، لأ نّهما أسباب الأمر بالطبيعة ، فالمأمور به شيء واحد في الجميع ، فلو أتى به للجنابة مثلاً غافلاً عن بقيّة الأسباب أيضاً حصل به الامتثال وسقط عنه الجميع ، نعم علمنا خارجاً أنّ الغسل عبادي ويشترط في صحّته قصد التقرّب ، إلاّ أ نّه يكفي في التّقرب به أن يؤتى به لأجل أ نّه مقدّمة للصلاة أو للصوم أو لغيرهما من الواجبات ، فإنّ الإتيان بهذا الدّاعي من أحد طرق التقرّب على ما حرّرناه في محله . ومعه إذا أتى بالغسل لأجل كونه مقدّمة للصلاة كفى هذا عن الجميع ، ولو مع كونه غافلاً عن غير الجنابة أو مسّ الميت أو نحوهما ، لأنّ الطبيعة قد تحقّقت في الخارج وأتى بها بقصد القربة وحصل به الإمتثال ، فحال الغسل حينئذ حال الوضوء ، فكما أ نّه إذا نام وبال ثمّ توضأ مقدّمة للصلاة مع الغفلة عن نومه كفى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 109 .
(2) المائدة 5 : 6 .
ــ[45]ــ
هذا عن الجميع ، ولا يتوهّم وجوب الوضوء حينئذ ثانياً من جهة النوم ، كذلك الحال في المقام ، هذا كلّه في الأغسال الواجبة .
|