أقسام الدم الخارج من الحبلى - الدم الّذي لم يخرج إلى خارج الفرج 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8639


    أقسام الدم الخارج من الحبلى

   وعلى هذه الصحيحة ينقسم الدم الخارج من الحبلى أقساماً ثلاثة :

   أحدها : ما خرج في أيّام عادتها ، وهو محكوم بالحيضيّة مطلقاً ، سواء أكان واجداً لأوصاف الحيض من الحرارة والحرقة وغيرهما أم لم يكن ، وذلك لإطلاق الصحيحة والأخـبار الدالّة على أنّ ما خرج من المرأة أيّام عادتها فهو حيض مطلقاً ولو كان صفرة (3) .

   ثانيها : ما خرج من الحبلى بعد مضيّ عشرين يوماً من عادتها ، فهو محكوم بعدم الحيضيّة مطلقاً كان واجداً لأوصاف الحيض أم لم يكن للصحيحة ، وبها يقيّد الإطلاقات الواردة في أنّ ما رأته المرأة من الدم وكان واجداً لأوصاف الحيض فهو حيض(4) ، فتختص المطلقات بغير الحبلى لا محالة .

 ـــــــــــــــ
(3) الوسائل 2 : 278 / أبواب الحيض ب 4 .

(4) الوسائل 2 : 270 / أبواب الحيض  ب 2 ، 3 ، 4 و ... .

ــ[87]ــ

   فما عن صاحب الجواهر(1) وشيخنا الأنصاري(2) (قدس سرهما) وغيرهما من استبعاد تقييد المطلقات المذكورة بهذه الصحيحة في غير محلّه ، وكم من مورد في الفقه قيّدنا إطلاق الأخبار الكثيرة بمقيّد واحد .

   كما لا يمكن تقييد الصحيحة بتلك الأخبار ، بأن يختص الحكم بعدم الحيضيّة بعد مضيّ عشرين يوماً من أوّل عادتها بما إذا كان الدم أصفر ولم يكن على صفات الحيض ، وذلك لإستلزامه أن يكون التقييد بمضيّ عشرين يوماً في الحكم بعدم الحيضيّة لغواً ظاهراً ، لأنّ ما لم يكن بصفات الحيض ليس بحيض حتّى قبل عشرين يوماً ، فما فائدة التقييد بمضي عشرين .

   وأمّا ما عن المحقّق الهمداني(3) (قدس سره) من أنّ الحكم بأنّ ما تراه الحبلى بعد عشرين يوماً من عادتها ليس بحيض ، كالحكم بأنّ ما رأته في العادة حيض ليس إلاّ بياناً لتكليفها الظاهري في مقام العمل جرياً على ما تقتضيه العادات والأمارات ، لا أنّ ما تراه بعد عادتها بعشرين يوماً يمتنع أن يكون حيضاً في الواقع ولو كان واجداً للصفات وكان دماً كثيراً يصلح أن يكون حيضاً .

   فمندفع : بأنّ الصحيحة أو المصححة إنّما وردت مفصلة بين الأمرين ، وظاهرها أنّ ما تراه الحبلى في أيّام عادتها حيض حقيقة أو حكماً ، وما تراه بعد العادة بعشرين يوماً ليس بحيض أيضاً حقيقة أو حكماً ، فما إحتمله (قدس سره) على خلاف ظاهر الصحيحة وممّا لا وجه له .

   وثالثها : ما تراه الحبلى بعد إنقضاء أيّام عادتها كعشرة أيّام من أوّل الشهر مثلاً وقبل مضي عشرين يوماً ، كما إذا رأته في العقد المتوسط من الشهر ، ولا تعرض في الصحيحة إلى أ نّه حيض أو ليس بحيض ، فلا بدّ فيه من الرّجوع إلى بقيّة الأخـبار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 3 : 265 / الفصل الثّالث في الإستحاضة .

(2) كتاب الطّهارة : 246  السطر 6 /  المقصد الثّالث في الإستحاضة .

(3) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 299 ، السطر 17 .

ــ[88]ــ

وهي قد دلّت على التفصيل بين ما إذا لم يكن الدم الّذي تراه المرأة في غير أيّام عادتها متصفاً بصفات الحيض كما إذا خرج أصفر مثلاً فهو ليس بحيض .

   ويؤيّده موثقة إسحاق بن عمّار ـ وإنّما جعلناها مؤيّدة لأنّ فيها إشكالاً يأتي ـ قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة الحـبلى ترى الدم اليوم واليومـين ، قال (عليه السلام) : إن كان دماً عبيطاً فلا تصلِّي ذينك اليومين وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (1) .

   ومرسلة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال «سألته عن الحبلى قد استبان حبلها ترى ما ترى الحائض من الدم ، قال : تلك الهراقة من الدم إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلِّي...» الحديث(2).

   وبين ما إذا كان الدم متصفاً بأوصاف الحيض ، فمقتضى الإطلاقات الدالّة على أنّ الدم الخارج من المرأة إذا كان واجداً لأوصاف الحيض فهو حيض أن يحكم بكونه حيضاً ، بل يمكن إستفادة ذلك من نفس الصحيحة ، وذلك لأ نّها قيّدت الحكم بعدم حيضيّة الدم الّذي تراه الحبلى بمضي عشرين يوماً من عادتها ، وقد ذكرنا في محلِّه أنّ القيد ذو مفهوم ويدل على أنّ الحكم لم يترتب على الطبيعي ، وإلاّ كان الإتيان بالقيد لغواً في الكلام ، فمنه يستفاد أنّ الحكم بعدم الحيضيّة مقيّد بمضي عشرين يوماً ، إذ لو لم يكن حيضاً حتّى قبل مضي العشرين فما فائدة التقييد بمضي عشرين يوماً حينئذ .

   وعلى الجملة إلى هنا تحصل أنّ الدم الّذي تراه الحبلى له أقسام ثلاثة :

   أحدها : ما تراه في أيّام عادتها ، فهو حيض مطلقاً .

   وثانيها : ما تراه بعد مضي عشرين يوماً ، فهو ليس بحيض مطلقاً .

   وثالثها : ما تراه بعد إنقضاء عادتها وقبل مضي عشرين يوماً ، ويرجع فيه إلى الصفات ، فإن كانت موجودة فهو حيض ، وإن لم يكن الدم متصفاً بها فلا ، ولا مانع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 331 / أبواب الحيض ب 30 ح 6 .

(2) الوسائل 2 : 334 / أبواب الحيض ب 30 ح 16 .

ــ[89]ــ

من الإلتزام بذلك ، وهذا بخلاف غير الحبلى لأنّ الدم الخارج من غير الحبلى على قسمين : حيث إنّه إمّا أن يكون في أيّام عادتها فهو حيض مطلقاً ، وإمّا أن يكون في غير أيّام عادتها فيرجع فيه إلى الصفات .

   نعم ، الإحتياط في المقام ـ فيما إذا رأت الحبلى الدم بعد عشرين يوماً وكان على صـفات دم الحيض ـ في محلّه ولو لقلّة القائل بهذا القول ، حيث لم يوافق الشيخ وصاحبيه (1) إلاّ بعض المتأخرين ، لإحتمال أن يكون إعراضهم عن الصحيحة موجباً لإسقاطها عن الإعتبار ، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن متصفاً بصفات الحيض ، لأ نّه ليس بمورد للإحتياط وإن لم يتعرّض إليه في المتن .

   التفصيل الثّالث : ما مال إليه صاحب الحدائق (2) (قدس سره) وذكره وجهاً واحتمالاً ، حيث ذكر أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار هو ذلك أو غيره كما ذكره في الحدائق فراجع ، ونسبه إلى الصدوق(3) (قدس سره) من الحكم بأن ما تراه الحبلى من الدم إذا كان بصفة دم الحيض فهو حيض ، كان ذلك في أيّام عادتها أم في غيرها والحكم بعدم الحيضيّة إذا لم يكن بصفة دم الحيض بلا فرق في ذلك بين أيّام العادة وغيرها ، فالحبلى تمتاز عن غيرها حيث إنّ غير الحبلى إذا رأت الدم في أيّام عادتها يحكم بكونه حيضاً وإن لم يكن بصفات الحيض ، وهذا بخلاف الحبلى لأ نّه إذا رأت الدم ولم يكن بصفة الحيض لا يحكم بكونه حيضاً سواء كان في أيّام عادتها أم لم يكن .

   وذلك لجملة من الأخبار الواردة في أن الحبلى إذا رأت الدم وكان كثيراً فلا تصلّي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لم يتقدّم صاحبان للشيخ ، وإنّما تقدّم في الصفحة 85 «الشيخ في نهايته وكتابيه» ، نعم حكي ميل المعتبر إلى قول الشيخ .  أو لعلّه اُريد من صاحبي الشيخ ، صاحب السرائر والإصباح ، ولكنّهما وافقا الشيخ في التفصيل الأوّل .

(2) الحدائق 3 : 181 و 182 / في غسل الحيض .

(3) الفقيه 1 : 51 / باب غسل الحيض .

ــ[90]ــ

وإن كان قليلاً فليس عليها إلاّ الوضوء (1) ، أو لا تصلّي إذا  كان الدم أحمر أو عبيطاً دون ما إذا كان أصفر(2) ، فإنّها ظاهرة الدلالة على التفصيل في الحكم بحيضيّة ما تراه الحبلى من الدم بين كونه بصفات الحيض وما إذا لم يكن ، بلا تفرقة في ذلك بين كونه في أيّام عادتها أو في غيرها ، هذا .

   ولكن الصحيح أن الحبلى كغيرها ، فلا مناص من الحكم بحيضيّة ما تراه في أيّام عادتها وإن لم يكن بصفات الحيض ، وذلك لأنّ ما إستند إليه صاحب الحدائق من الأخبار الدالّة على التفصيل بين ما تراه المرأة الحبلى من الدم بصفات الحيض وما إذا لم يكن بلا فرق بين أيّام عادتها وغيرها ، معارضة بما دلّ على أنّ ما تراه الحبلى في أيّام عادتها حيض مطلقاً ، سواء أكان متصفاً بصفات الحيض أم لم يكن (3) ، والنسبة بينهما عموم من وجه ، لأنّ ما إستند إليه صاحب الحدائق (قدس سره) خاصّةٌ من جهة إعتبارها إشتمال الدم على صفات دم الحيض ، ومطلقة من جهة كونه في أيّام العادة أو في غيرها ، وهذه الأخبار خاصّة من جهة إعتبارها كون الدم في أيّام العادة ومطلقة من جهة كونه مشتملاً على صفات الحيض أم لم يكن ، فتتعارضان فيما تراه الحبلى في أيّام عادتها من الدم غير المتصف بأوصاف الحيض كما إذا كان أصفر ، فإنّ الأخبار المستند إليها في كلام صاحب الحـدائق (قدس سره) تقتضي عدم كونه حيضاً ، وهذه الأخبار تقتضي الحكم بحيضيّته ، وحيث إنّ التعارض بينهما بالإطلاق فيتساقطان ويرجع إلى العموم أو الإطلاق الفوق ، وهو ما دلّ على أنّ الحبلى إذا رأت الدم تركت الصّلاة أو تدعها (4) ، ومقتضاه الحكم بحيضية ما تراه الحبلى من الدم في أيّام عادتها وإن لم يكن بصفات دم الحيض ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 2 : 331 و 334 / أبواب الحيض ب 30 ح 5 و 16 .

(2) راجع الوسائل 2 : 231 / أبواب الحيض ب 30 ح 6 .

(3) الوسائل 2 : 330 / أبواب الحيض ب 30 ح 3 و 11 و 2 و 7 .

(4) الوسائل 2 : 329 / أبواب الحيض ب 30 ح 1 و 4 و 9 و 10 .

ــ[91]ــ

   [ 704 ] مسألة 4 : إذا إنصبّ الدّم من الرّحم إلى فضاء الفرج وخرج منه شيء في الخارج ولو بمقدار رأس إبرة لا إشكال في جريان أحكام الحيض (1) ، وأمّا إذا انصبّ ولم يخرج بعد ـ وإن كان يمكن إخراجه بإدخال قطنة أو إصبع ـ ففي جريان أحكام الحيض إشـكال ((1)) (2) ، فلا يترك الاحتيـاط بالجمـع بين أحـكام الطّاهر والحائض ولا فرق بين أن يخرج من المخرج الأصلي أو العارضي .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومع الإغماض عن هذه المطلقات فليتمسك بما دلّ على أنّ المرأة إذا رأت الدم في أيّام عادتها فهي حائض أو أن الدم حيض وإن لم يكن بصـفات الحيض(2) ، فهذا التفصيل أيضاً غير صحيح .

   (1) لأ نّه حيض وإن كان قليلاً ، فتشمله الأخبار والمطلقات ، بل هو المقدار المتيقن منها في قبال الدم المنصب من الرّحم غير الخارج من المخرج والمحل أي الفرج .

    الدم الّذي لم يخرج إلى خارج الفرج

   (2) الظاهر الحكم بعدم كونه حيضاً خلافاً لبعضهم حيث جزم بحيضيّته ، وذلك لأنّ المستفاد من الأخبار الواردة في دم الحيض أنّ الموضوع للأحكام الواردة فيها هو الدم الخارج من المرأة والطمث أو رؤية الدم ، ولا يصدق شيء من هذه العناوين عند انصباب الدم من الرّحم وعدم خروجه إلى خارج الفرج وإن كان بحيث تتمكّن المرأة من إخراجه بإصبعها أو القطن أو تتمكن من أن تمنع خروجه ، ولا سيما عنوان الرؤية حيث لا يصدق أنّ المرأة رأت الدم ، وبالأخص فيما إذا بنينا على أنّ الحيض اسم لنفس الدم ، حيث إنّ الحائض لا يصدق حينئذ إلاّ على امرأة خرج منها الدم ، ومع عدم خروجه لا يصدق أ نّها حائض ، هذا أوّلاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أ نّه لا تجري عليه أحكام الحيض ما لم يخرج .

(2) الوسائل 2 : 276 / أبواب الحيض ب 3 ح 4 ، و ص 278 ب 4 .

ــ[92]ــ

   ولا وجه للتشبث بما دلّ على أنّ الحيض إنّما يحكم بإنقطاعه فيما إذا إنقطع من الرّحم ولم يبق فيه أو في المخرج دم (1) .

   وذلك للفرق بين الحدوث والبقاء ، فإنّ الحيض بعد حدوثه ووجوده لا يحكم بإرتفاعه وإنقطاعه إلاّ بإنقطاعه من مادّته ، نظير العيون الخارجيّة حيث لا يقال إنّها جفّت إلاّ إذا لم ينبع الماء في مادّتها ، وأمّا مع وجوده في المادّة والمنبع ويبوسة الخارج أو المجرى فلا يصدق الجفاف واليبوسة ، وهكذا الأمر في الحيض فلا يقال إنّه إنقطع إلاّ أن ينقطع من الرّحم ولا يكون فيه أو في المخرج شيء ، وأمّا بحسب الحدوث فليس الأمر كذلك ، لأنّ الحيض لا يصدق إلاّ بالخروج إلى الخارج كما مرّ .

   ثمّ لو سلّمنا عدم ظهور الأخبار فيما ذكرناه وشككنا في أنّ مثله من الحيض أو من غيره فلا محالة أن نرجع إلى العمومات والمطلقات ، وهي تقتضي وجوب الصّلاة والصّيام على المرأة حينئذ .

   وتوضيح ذلك : أنّ العمومات والمطلقات دلّت على أنّ المكلّف مأمور بالصلاة وغيرها من الأحكام ، وإنّما خرج عنها الحائض بتلك الأخبار الواردة في أنّ الحائض تترك الصّلاة وحيث أ نّها مجملة وقد قلنا في محله أنّ إجمال المخصص المنفصل لا يسري إلى العام فتكون العمومات حجّة في غير المقدار المتيقن من المخصص المجمل وهو الدم المنصب من الرّحم غير الخارج إلى خارج الفرج فيحكم على المرأة حينئذ بوجوب الصّلاة والصّيام ولا يعامل معها معاملة الحائض ، نعم لا يمكننا المصير إلى الإستصحاب حينئذ لأنّ الشبهة حكميّة .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 308 / أبواب الحيض ب 17 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net