تردّد الدم بين الحيض والقَرحة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8709


ــ[106]ــ

ولا يلحق بالبَكارة في الحكم المذكور غيرها كالقَرحة المحيطة بأطراف الفرج (1) . وإن اشتبه بدم القرحة فالمشهور أنّ الدم إن كان يخرج من الطرف الأيسر فحيض وإلاّ فمن القرحة (2) ، إلاّ أن يعلم أنّ القرحة في الطرف الأيسر ، لكن الحكم المذكور مشكل فلا يترك الإحتياط بالجمع بين أعمال الطّاهرة والحائض((1)) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصّلاة ولو كان أقل من درهم على ما هو المعروف بينهم ، كما ننفي الأحكام المترتبة على من خرج منها هذا الدم ونحكم عليها بوجوب الصّلاة والصّيام ، لإنتفاء الحيض الّذي هو اسم لنفس الدم ، وعدم كون المرأة حائضاً ، أي عدم خروج الدم المتصف بالحيض منها ، ومعه يجوز لها إرتكاب المحرّمات في حقّ الحائض وإن كان تركها أحوط .

    القَرحة لا تلحق بالبكارة

   (1) لاختصاص أدلّة الإختبار بما إذا دار الدم بين دم الحيض ودم البكارة ، وهو على خلاف القاعدة ، ومعه لا مسوغ لاسرائه إلى صورة دورانه بين دم الحيض ودم القرحة أو غيرها ، لأ نّه قياس .

    دوران الدم بين الحيض والقَرحة

   (2) إذا دار الدم بين دم الحيض ودم القرحة فقد ذكروا أنّ الحال فيه حال دورانه بين دم الحيض ودم البكارة في وجوب الإختبار ، إلاّ أنّ كيفيّته مختلفة ، فإنّه عند دورانه بين دم الحيض والقرحة إنّما يختبر بإستلقاء المرأة على ظهرها ورفع رجليها ثمّ إدخال إصبعها في فرجها ، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو حيض ، وإن كان خارجاً من الطرف الأيمن فهو دم القرحة ، هذا هو المشهور بينهم ، ونسبه إلى المشهور غير واحد من الأصحاب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد جريان أحكام الطاهرة عليها إلاّ إذا كانت مسبوقة بالحيض .

ــ[107]ــ

   وفي قبال ذلك قولان آخران :

   أحدهما: ما ذهب إليه الشهيد في الدروس(1) والذكرى(2) ـ ولكن حكي رجوعه عن ذلك في البيان(3) الّذي هو متأخِّر عن سائر كتبه في التأليف ـ وحكي عن الكاتب وابن طاووس(4) ، من أ نّه إن كان خارجاً من الطرف الأيمن فهو حيض ، وإن كان خارجاً من الطرف الأيسر فهو دم القرحة ، على عكس مسلك المشهور .

   ثانيهما : ما مال إليه المحـقّق(5) ، بل هو ظاهر الشرائع(6) حيث نسب الاختبار بما ذهب إليه المشهور إلى القيل ، لأ نّه لو كان ثابتاً عنده لذكره على وجه الجزم ، كما في الإختبار عند إشتباه الحيض بدم البكارة ، وحكي عن الأردبيلي وتلميذه المقدّس الكاظمي كما في مفتاح الكرامة (7) ، والشهيد الثّاني في المسالك (8) ، من عدم ثبوت الإختبار حينئذ وعدم كون الخروج من الطرف الأيسر أو الأيمن أمارة على الحيض بل حاله حال بقيّة الدماء المشتبهة بالحيض غير الإستحاضة ، ولا بدّ معه من الرّجوع إلى مقتضى الاُصول كما يأتي .

   أمّا مستند المشهور فهو رواية الشيخ (قدس سره) في التهذيب عن محمّد بن يحيى مرفوعاً عن أبان بن تَغلب قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) فتاة منّا بها قرحة في جوفها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة ، فقال (عليه السلام) : مُرْها فلتستلق على ظهرها ثمّ ترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى فإن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدروس 1 : 97 / درس 6 .

(2) الذكرى : 28 س 14 / المقام الثّاني في الحيض .

(3) حكاه في الحدائق 3 : 156 / في غسل الحيض ، وراجع البيان : 16  السطر 11 .

(4) حكاه في الذكرى : 28  السطر 15 و 16 / المقام الثّاني في الحيض ، وحكاه عن الكاتب (وهو ابن الجنيد) في المختلف 1 : 194 / في الحيض ، المسألة 140 .

(5) المعتبر 1 : 199 / الثّاني في غسل الحيض .

(6) الشرائع 1 : 33 / الفصل الثّاني في الحيض .

(7) حكاه عنهما في مفتاح الكرامة 1 : 338 / المقصد السادس في الحيض .

(8) المسالك 1 : 57 / الفصل الثّاني في الحيض .

ــ[108]ــ

خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة» (1) .

   ومستند الشهيد (قدس سره) رواية الكليني (قدس سره) عن محمّد بن يحيى أيضاً مرفوعاً عن أبان قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : فتاة منّا بها قرحة ـ وساق الرّواية كما نقلناها عن الشيخ إلى أن قال ـ فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة» (2) على عكس رواية الشيخ وعن الشهيد (قدس سره) أنّ كثيراً من نسخ التهذيب مطابق لرواية الكليني (قدس سره) هذا .

   أمّا ما إعتمد عليه الشهيد (قدس سره) فيتوجه عليه أنّ الرّواية ضعيفة ، لأ نّها حكيت مرفوعة وغير منجبرة بعمل الأصحاب ، لأنّ المشهور بينهم عكس ذلك كما مرّ ، على أ نّها لو كانت معمولاً بها بينهم أيضاً لم نكن نعتمد عليها ، لأنّ ضعف الرّواية لا ينجبر بعملهم ، فلا وقع لما ذهب إليه (قدس سره) في المسألة .

   وأمّا مستند المشهور فهو أيضاً كمستند الشهيد في الضعف ، وذلك لأ نّه لم تثبت رواية الشيخ في نفسها ، وذلك لا لما ادّعاه الشهيد من أنّ كثيراً من نسخ التهذيب موافقة لنسخة الكليني ، لأ نّه ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، حيث إنّ الشيخ في كتبه أفتى على طبق مسلك المشهور وجعل خروج الدم من الجانب الأيسر أمارة على الحيض ، فلو كانت نسخة التهذيب مطابقة لنسخة الكليني فبأيّ شيء إعتمد (قدس سره) في فتياه ؟ وكذلك غيره من الأعلام ممّن ذهب مذهب المشهور ، حيث لو لم تكن رواية الشيخ كما نقلناها ، بأن كانت موافقة لنسخة الكافي لم يكن وجه لفتياهم بكون الخروج من الجانب الأيسر أمارة على الحيض .

   بل الوجه في عدم ثبوتها في نفسها أنّ الشيخ إنّما يرويها عن كتاب محمّد بن يحيى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 307 / أبواب الحيض ب 16 ح 2 .

(2) الوسائل 2 : 307 / أبواب الحيض ب 16 ح 1 .

ــ[109]ــ

العطّار ، إنّه يروي الرّوايات عن كتب الرواة ثمّ يذكر أسانيدها وطرقه إلى مؤلّفيها لتخرج الرّوايات بذلك عن الإرسال إلى الاسناد على ما ذكره في تهذيبـه(1) ، وبينه وبين الشيخ مدّة من الزّمان وإن أمكن أن يروي عن غير كتبهم في بعض الموارد أيضاً ، والكليني يروي عن نفس محمّد بن يحيى ، لأ نّه من مشايخه وأساتذته ، وحيث إنّا نقطع أنّ محمّد بن يحيى لم يرو روايتين متعاكستين ، وإنّما الرّواية واحدة فلا محالة نقطع بأنّ رواية محمّد بن يحيى إنّما هي إحدى الرّوايتين ـ أعني رواية التهذيب ورواية الكافي ـ وحيث إنّ الكليني يروي عن نفس محمّد بن يحيى ، والشيخ يروي عن كتابه مع الواسطة ، وهو أضبط بخلاف روايات الشيخ في تهذيبه حيث وقع فيها الإشتباه على ما ذكروا موارده ، فلا محالة نجزم أو نطمئن بأنّ رواية محمّد بن يحيى هي الّتي يرويها الكليني (قدس سره) لبُعد أن تكون رواية محمّد بن يحيى ما عثر عليه الشيخ في كتابه ولو مع الواسطة ، دون ما ينقله عنه الكليني من نفسه بدون واسطة وأ نّه وقع إشتباه في رواية الشيخ بتبديل الأيسر بالأيمن إمّا في كتاب محمّد بن يحيى وإمّا في رواية الشيخ .

   لكن الظاهر أنّ الإشتباه ممن تقدّم على الشيخ ، حيث إنّه يجري على طبق رواياته في كتبه ويفتي على طبقها . وعليه فرواية الشيخ الّتي هي مسـتند المشهور غير ثابتة وهو من إشتباه الرّواية بغيرها ، حيث لا ندري أنّ رواية محمّد بن يحيى هي الّتي رواها الشيخ أو غيره ، ومعه لا يمكن الإعتماد عليها . وحاصل ما ذكرناه في المقام هو إستبعاد أن تكون رواية محمّد بن يحيى هي الّتي عثر عليها الشيخ في كتابه ولو مع الواسطة دون ما روى عنه الكليني من نفسه بلا واسطة هذا .

   ولكن قد ظهر بعد المراجعة أنّ الشيخ (قدس سره) يروي روايات محمّد بن يحيى العطار بطريقين : بطريق أحمد بن محمّد بن يحيى ، وبطريق الكليني نفسه ، فكلّما روى عنه الشـيخ إنّما يرويه بواسطتهما ، ومع عدم نقل الكليني الرّواية كما ينقلها الشيخ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 10  (المشيخة) : 5 .

ــ[110]ــ

(قدس سره) عنه ينكشف أنّ الشيخ عثر على ما يرويه عنه في بعض نسخ الكافي لا  محالة ، وعليه فلا يعلم أنّ رواية محمّد بن يحيى الّتي يرويها الكليني من دون واسطة ويرويها الشيخ بواسطة الكليني هي الموجودة في الكافي أو الموجودة في التهذيب ، وهو من إشتباه الرّواية بغيرها ، فلا يثبت شيء من الرّوايتين ، لعدم العلم بأن الرّواية هي المروية في نسخة الكافي الموجودة عندنا أو أ نّها مروية في النسخة الّتي عثر عليها الشيخ ، ومعه لا يحكم بثبوت شيء من الرّوايتين .

   وهذا بلا فرق بين تضعيف أحمد بن محمّد بن يحيى وعدمـه ، لأنّ الشـيخ كلّ ما يرويه عن العطّار يرويه بطريقين ، فلا بدّ في رواية الشيخ عنه أن تكون الرّواية موجودة في الكافي لا محالة ، ومع تعدّد النسخ لا تثبت الرّواية كما ذكرناه (1) .

   ولا وجه لدعوى إنجبار ضعفها بعمل المشهور ، حيث لم تثبت رواية حتّى تنجبر بعملهم ، على أ نّا لو سلّمنا أنّ رواية الشيخ ثابتة فلا وجه لإنجبار ضعفها بعملهم على ما مرّ منّا غير مرّة ، فإنّهم لو كانوا عثروا على قرينة تدلّهم على أنّ الواسطة بين محمّد ابن يحيى وأبان موثقة لنبّهوا على ذلك في كتبهم وذكروا تلكم القرينة مع أ نّه لا أثر منها في كلماتهم .

   هذا مضافاً إلى ضعف مضمونها ، فإنّ جعل خروج الدم من الجانب الأيسر أمارة على الحيض إمّا من جهة أنّ دم الحيض يخرج من الجانب الأيسر غالباً ، والشارع جعل الغلبة أمارة على الحيضيّة حينئذ ، وإمّا من جهة أنّ القرحة إنّما تتكوّن في الجانب الأيمن ، فيكون خروج الدم من ذلك الجانب أمارة على أ نّه دم القرحة . وهاتان الجهتان خلاف الوجدان .

   أمّا الجهة الاُولى :  فلأنّ دم الحيض إنّما يخرج من الرّحم ، وكلا الجانبين بالنسبة إليه على حدّ سواء ، فلا وجه لخروجه من جانب دون جانب ، على أ نّه دم بَحراني أي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع معجم رجال الحديث 19 : 43 / ترجمة محمّد بن يحيى العطّار .

ــ[111]ــ

كثير كما في الأخـبار(1) ومن ثمة جعلت الكثرة أمـارة الحيض في الحبلى كما مرّ وخروج الدم الكثير لا يمكن إسناده إلى جانب دون جانب ، لأ نّه يستوعب المجرى لا  محالة .

   كما (2) أن تكوّن القرحة في الجانب الأيمن على خلاف الوجدان ، لأ نّها قد تتكوّن في الطرف الأيسر وقد تتكوّن في الطرف الأيمن ، فما ذهب إليه المشهور ممّا لا يمكن المساعدة عليه .

   إذن ما ذهب إليه المحقّق والمحقّق الأردبيلي والشهيد الثّاني والكاظمي من عدم ثبوت التمييز والإختبار عند إشتباه الحيض بدم القرحة هو الصحيح ، فهو حينئذ دم مردّد بين الحيض وبين غير الإستحاضة ، ولا بدّ في مثله من الرّجوع إلى الأصل إلاّ عند دورانه بين الحيض والعُذرة كما مرّ .

   فإن كانت حالتها السابقة هي الطّهارة فتستصحب طهارتها وتجب عليها الصّلاة وإن كانت حالتها السابقة هي الحيض تستصحب حيضها ، وأمّا إذا جهلت الحالة السابقة فمقتضى العلم الإجمالي وإن كان هو الإحتياط إلاّ أ نّه غير واجب لإستصحاب عدم كون الدم متصفاً بالحيضيّة ، وهو يقتضي ترتب آثار الطاهرة على المرأة كما مرّ .

   نعم ، الإحتياط بالجمع بين أعمال الطّاهرة وتروك الحائض في محلّه ، إلاّ أ نّه عند خروج الدم من الجانب الأيسر ، لأ نّه الّذي دلّت الرّواية على كونه حيضاً وناقشـنا فيها ، دون ما إذا خرج من الجانب الأيمن ، لأ نّه محكوم بعدم الحيضيّة حتّى بناءً على ثبوت الرّواية ، حيث تدلّ الرّواية على أ نّه دم القرحة ، فما أفاده الماتن من الأمر بالإحتياط بعد الإستشكال في الحكم المشهور لا يتمّ على إطلاقه ، بل لا بدّ من تخصيصه بما إذا كان الدم خارجاً من الجانب الأيسر كما مرّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 276 / أبواب الحيض ب 3 ح 4 ، وورد التعبير بالكثير أيضاً في ص 331 و 334 / أبواب الحيض ب 30 ح 5 و 16 .

(2) هذه هي الجهة الثّانية .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net