ما استدلّ به صاحب الحدائق على مسلكه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8399


   وقد استدلّ صاحب الحدائق (قدس سره) على ما ذهب إليه من تخصيص عدم كون الطّهر أقلّ من العشرة بالحيضتين المستقلّتين ، وجواز تخلّل أقلّه ، أي أقلّ الطّهر(1) بين حيضة واحدة وكونه طهراً برواية يونس القصيرة (2) ، وبها ادعى تقييد ما دلّ على أنّ أقلّ الطّهر عشرة بما إذا وقع بين الحيضتين المستقلّتين .

   ويدفعه : أ نّها ضعيفة السند ، لأنّ يونس رواها عن بعض رجاله ، ودعوى أنّ يونس من أصحاب الإجماع ، وقد أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه ، مندفعة بما مرّ غير مرّة من أنّ ذلك إجماع منقول بخبر الواحد ، على أنّ معقده غير واضح ، لقوّة إحتمال أ نّهم أرادوا بذلك توثيق نفس هؤلاء الأشخاص ، وأنّ السّند إذا إنتهى إليهم فلا يتوقّف من قبلهم ، لا أ نّهم أرادوا تصحيح الخبر عند إنتهاء السند إليهم ولو كان الرّاوي بعدهم ضعيفاً أو مجهول الحال .

   على أنّ دلالتها على مدعى صاحب الحدائق (قدس سره) غير تامّة ، وذلك لأ نّه (قدس سره) استدلّ بقوله فيها «فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصّلاة فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض ، وإن إنقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين إغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام ، فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدم يوماً أو يومين حتّى يتمّ لها ثلاثة أيّام فذلك الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض ، وإن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيّام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الّذي رأته لم يكن من الحيض ، إنّما كان من علّة ... » نظراً إلى أ نّها دلّت على أنّ الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة من الحيض ، ولم تدل على أ نّهما وأيّام النقاء المتخلّلة في الأثناء من الحيض مع أ نّه في مقام البيان ، فسكوته عن بيان أنّ أيّام النّقاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لعلّ الأنسب أن يُقال :  وجواز تخلّل الأقل من العشرة ... .

(2) الوسائل 2 : 299 / أبواب الحيض ب 12 ح 2 .

ــ[138]ــ

حيض يدلّنا على أنّ النّقاء المتخلّل طهر ، وإلاّ لوجب عليه (عليه السلام) بيان ذلك .

   ويدفعه : أنّ جملة «فذلك الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض» ليست كلاماً إبتدائيّاً له (عليه السلام) حتّى يتمسك بسكوته في مقام البيان ، وإنّما كلامه الإبتدائي قوله في صدر الحديث وأوّله «أدنى الطّهر عشرة أيّام» ثمّ فرع عليه قوله «فإن إستمرّ بها ... » وقوله «فإن رأت في تلك العشرة ... » فقوله «فذلك الّذي رأته في أوّل الأمر ... » إذا لوحظ مع صدر الرّواية يدلّ على أنّ النّقاء المتخلّل بين الحيضة الواحدة ليس بطهر إذا كان أقل من عشرة أيّام ، لا أ نّه (عليه السلام) سكت عن بيان كون أيّام النّقاء بحكم الحـيض ، بل بيّنه بقوله في صدرها «أدنى الطّهر عشرة أيّام» .

   وأمّا عدم عدّ أيّام النّقاء من الحيض حيث خصّ الحيض بذلك الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة فالوجه فيه أنّ الحيض اسم لنفس الدم أو سيلانه ، ولا معنى لأنّ يكون الطّهر والنّقاء حيضاً ، نعم أيّام النّقاء الأقل من عشرة أيام أيامُ حدث الحيض لا أ نّها حيض ، هذا .

   على أنّ الرّواية إنّما تدل على مسلك المشهور في نفسها ، ولا دلالة لها على ما ذهب إليه صاحب الحدائق (قدس سره) ، وذلك لأ نّها صرحت في غير واحدة من جملاتها على أنّ مبدأ إحتساب العشرة أوّل يوم رأت المرأة فيه الدم ، وعليه فإذا فرضنا أ نّها رأت الدم يومين ثمّ إنقطع تسعة أيّام وهما أحد عشر يوماً ورأت الدم اليوم الثّاني عشر فمقتضى هذه الرّواية أ نّه ليس بحيض ، لأ نّها رأته بعد مضي عشرة أيّام من أوّل يوم رأت الدم ، مع أ نّه من الحيض على مسلك صاحب الحدائق (قدس سره) ، لأ نّه لا مانع على مسلكه من أن يتخلّل أقل من عشرة بين حيضة واحدة ، فعشرة الحيض إنّما هي مجموع أيّام رؤية الدم وأيّام النّقاء على ما دلّت عليه الرّواية .

   وأيضاً استدلّ بقوله فيها «فإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيّام ثمّ انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإن رأت بعد ذلك الدمَ ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام فذلك من الحيض تدع الصّلاة ، وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثّاني الّذي رأته تمام

ــ[139]ــ

العشرة أيّام ودام عليها عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثّاني عشرة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة ... » .

   بتقريب أ نّها دلّت على أن المرأة إذا حاضت خمسة أيّام ثمّ إنقطع الدم ثمّ رأت الدم قبل مضي عشرة أيّام من طهرها وانقطاع دمها فهو حيض ، ومعه لو كانت مدّة النّقاء محسوبة من الحيض ربّما زادت أيّام حيضها على العشرة ، كما إذا حاضت خمسة أيّام وطهرت تسعة أيّام ورأت الدم اليوم الخامس عشر ، حيث إنّه دم رأته قبل تمام العشرة من يوم طهرها فهو حيض ، كما أنّ الأوّل والأثناء حيض ، فقد زاد حيضها على العشرة ، وبما أنّ الحيض لا يزيد عن عشرة أيّام فلا يمكن عدّ أيّام النّقاء من الحيض وإنّما هي طهر .

   ويدفعه أوّلاً : أنّ شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) نقل عن بعض النسخ المعتبرة «من يوم طمثت» لا طهرت ، وعليه فلا يرد أنّ أيّام النّقاء لو إحتسبت من الحيض لزاد على العشرة في بعض الفروض ، لأ نّها دلّت على إحتساب العشرة من أوّل يوم رأت الدم ، فجعل عشرة الحيض مجموع أيّام الدم وأيّام النّقاء ، ومع اختلاف النّسخ تسقط الرّواية عن قابليّة الإستدلال بها .

   وثانياً : لو فرضنا أنّ الرّواية «من يوم طهرت» كما نقله صاحب الحدائق (قدس سره) فيدفعه أنّ الظّروف وغيرها من المتعلّقات إنّما ترجع إلى الفعل أو المصدر أو غيرهما من الاُمور الحدثيّة المذكورة في الكـلام ، لأ نّه ظاهر كلّ كلام عربي وغيره فإذا قيل جاء زيد أو ضرب يوم الجمعة فالظاهر أنّ يوم الجمعة ظرف للضرب أو المجيء ، لا أ نّه ظرف للجوهر أعني زيد بتقدير كائن أو غيره ، لأ نّه على خلاف الظّاهر ، وعليه فقوله (عليه السلام) «عشرة أيّام» ظرف ومتعلّق لقوله «لم يتم» ، ثمّ إنّ التمام إنّما يكون بعد الوجود والحدوث ، ومعنى ذلك أنّ عشرة الحيض الّتي تحقّقت منها خمسة أيّام على الفرض إذا تمّت من يوم طهارتها عشرة أيّام ، أي مضت عليها خمسة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطّهارة : 193 السطر 15 / المقصد الثّاني في الحيض .

ــ[140]ــ

اُخرى ثمّ رأت الدم فهو إستحاضة ، وإذا لم تتمّ بأن لم تمض عليها خمسة أيّام بل يوم أو يومان مثلاً فرأت الدم فهو من الحيض ، فالمراد من تمام العشرة وعدمه تمام عشرة الحيض وعدمه ، لأ نّها الّتي تحقّقت ووجدت فقد تتمّ وقد لا تتم ، لا عشرة الطّهر إذ لا وجود لها ليتم أو لا يتم ، ولم يعبر فيها بالإنقضاء والمضي كي يمكن حمله على إنقضاء عشرة الطّهر ، كما حمله عليه صاحب الحدائق (قدس سره) واستدلّ بها على مدّعاه وإنّما عبّر بالتمام وقد عرفت أ نّه يحتاج إلى وجود الشيء قبل ذلك . وعليه فالرواية أدلّ على مسلك المشهور حيث حسبت عشرة الحيض مجموع أيّام الدم والنّقاء إلى عشرة أيّام .

   ويؤيّد ما ذكرناه قوله بعد ذلك «وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثّاني الّذي رأته تمام العشرة أيّام ودام عليها عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثّاني عشرة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة» حيث صرّحت بأنّ العشرة تحسب من أوّل ما رأت الدم لا بعد إنقطاع الدم دواماً ، وإنّ قوله «فإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثّاني» لا يخلو عن الإغلاق ، إلاّ أنّ الظّاهر أنّ الثّاني عطف بيان أو بدل من أوّل ما رأت ، فبه يرتفع الإغلاق ، فلا دلالة لها على حساب العشرة بعد الإنقطاع حتّى تدل على عدم كون أيّام النقاء من الحيض لإستلزامه زيادة الحيض عن عشرة أيّام في بعض الفروض .

   وقد ظهر ممّا ذكرناه في المقام أنّ المراد من قوله (عليه السلام) إغتسلت عند إنقطاع دمها ليس أ نّها تغتسل من الحيض ، إذ لا يصحّ غسل الحيض في أثنائه ، وإنّما المراد به غسل الإستحاضة ، وغاية الأمر أ نّها إذا إنتظرت ورأت الدم قبل انقضاء العشرة تستكشف وقوع غسل الإستحاضة لغواً لكونها حائضاً واقعاً ، وأمّا إذا رأته بعد تجاوز العشرة فقد وقع غسلها في محله ، والسرّ في ذلك أنّ المرأة إمّا حائض فلا يصح غسل الحيض في أثنائه ، وإمّا مستحاضة ولا معنى لغسل الحيض من المستحاضة ، فتحمل على غسل الإستحاضة كما عرفت أو يحمل على التنظيف كما هو معناه لغة . هذا كلّه بالإضافة إلى الإغتسال الواقع في قوله إغتسلت وصلّت وانتظرت ، وأمّا الاغتسال في قوله (عليه السلام) «فإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيّام ثمّ

 
 

ــ[141]ــ

انقطع الدم إغتسلت» فلا مانع من حمله على غسل الحيض لنقائها بعد عادتها الّتي هي خمسة أيّام .

   إلى هنا تحصل أنّ الرّواية على خلاف ما ذهب إليه صاحب الحدائق (قدس سره) أدلّ ، على أنّ فيها أمرين يمنعان عن الإعتماد عليها مع الغض عن ارسالها .

   أحدهما : إشتمالها على كفاية الأيّام الثّلاثة المتفرّقة ، وقد عرفت إعتبار التوالي في تلك الأيّام ، ولا يمكن الأخذ بتلك الرّواية كما تقدّم .

   وثانيهما : دلالتها على أنّ المرأة إذا كان حيضها خمسة أيّام ورأت الدم كذلك ثمّ إنقطع ثمّ رأته بعد ذلك فإن كان قبل مضي عشرة أيّام من أوّل ما رأت الدم فهو حيض ، وأمّا إذا كان بعد مضي العشرة فتحسب العشرة حيضاً والباقي إستحاضة ، مع أنّ المرأة ذات العادة كما هو مورد الرّواية إذا رأت الدم بعد عادتها حتّى تجاوز العشرة تأخذ أيّام عادتها حيضاً وتجعل الباقي إستحاضة ، لا أ نّها تأخذ العشرة حيضاً ، فالرواية ممّا لا يمكن الإعتماد عليها .

   هذا كلّه فيما استدلّ به على مسلكه برواية يونس وقد عرفت أ نّها ضعيفة السند والدلالة .

   وأيضاً استدلّ بمعتبرة محمّد بن مسلم المتقدِّمة (1) . وتقريب الإستدلال بها أنّ المراد بالعشرة الثانية هو عشرة الطّهر لا محالة ، للإجماع والأخبار الدالّة على أنّ الحيضة الثّانية لا بدّ من أن تتحقّق بعد أقل الطّهر وهو عشرة أيّام ، ولا تتحقّق الحيضة الثّانية قبل ذلك ، ولا مناص من أن يتخلّل بينهما عشرة أيّام ، فالعشرة المذكورة في الشرطيّة الثّانية «وإذا رأته بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» هي عشرة الطّهر ، وهذه العشرة هي المذكورة في الشرطية الاُولى بعينها ، فالمراد بالعشرة في كلتا الجملتين عشرة الطّهر ، وعليه لا تتمّ الشرطيّة الاُولى على إطلاقها إلاّ إذا جعلنا أيّام النّقاء طهراً ، إذ لو جعلناه حيضاً فربّما زاد حيض المرأة عن عشرة أيّام كما إذا رأت الدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّمت في الصفحة 127 و 136 .

ــ[142]ــ

خمسة أيّام ثمّ انقطع خمسة أيّام ثمّ رأت خمسة أيّام ، لأنّ الخمسة المتوسطة لو كانت من الحيض زاد حيضها عن العشرة وكان خمسة عشر يوماً ، لدلالة الرّواية على أ نّها إذا رأت الدم قبل عشرة الطّهر فهو من الحيضة الاُولى ، والمفروض أ نّها رأته قبل عشرة الطّهر فحيضها خمسة عشر يوماً .

   وهذا خلاف الإجماع والأخبار المحدّدة للحيض الدالّة على أ نّه لا يزيد على عشرة أيّام ، فلا يمكن التحفظ على إطلاق الجملة الاُولى إلاّ إذا قلنا أنّ النّقاء المتخلّل بين الدمين طهر .

   والجواب عن ذلك : أنّ الرّواية لا يمكن أن يتحفّظ على إطلاقها على كلا المسلكين ، بل لا بدّ من تقييدها على مسلك المشهور وعلى مسلكه (قدس سره) ، وذلك أمّا على مسلكه فلأنا إذا بنينا على أنّ المراد بالعشرة عشرة الطّهر وأنّ النقاء المتخلِّل طهر فإطلاق الشرطيّة الثّانية وإن كان يبقى بحاله ، لأ نّا إنّما نحكم بكون الدم حيضة ثانية إذا رأته المرأة بعد عشرة الطهر ، إلاّ أنّ إطلاق الجملة الاُولى لا يبقى بحاله لأنّ المرأة قد ترى الدم ستّة أيّام ثمّ ينقطع أربعة أيّام أو أقل أو أكثر ثمّ ترى ستّة أيام اُخر ، أو ترى ثمانية أيّام وينقطع يوماً ثمّ تراه ثمانية أيام اُخرى ، فإذا حكمنا بأن الدم الثّاني من الحيضة الاُولى لأ نّها رأته قبل عشرة الطّهر فيكون مجموعهما زائداً على العشرة ، وقد مرّ أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام بالإجماع والأخبار ، فلا مناص من تقييد إطلاق الشرطية الاُولى بما إذا لم يكن مجموع الدمين زائداً على العشرة .

   وهذا التقييد غير وارد على مسلك المشهور ، لأ نّهم يرون مبدأ العشرة أوّل يوم رأت الدم ، ويحملون العشرة على عشرة الحيض لا الطهر ، ومعه يصح إطلاق قوله (عليه السلام) : إذا رأته قبل العشرة فهو من الحيضة الاُولى ، أي إذا رأته قبل مضي عشرة أيّام من يوم رأت المرأة فيه الدم ، ومع مضيها من أحدهما أو كليهما (1) لا يحكمون بحيضيّة الدم كما هو واضح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لعلّ الأنسب أن يُقال :  ومع مضيّها من يوم رأت الدم لا يحكمون ... .

ــ[143]ــ

   وأمّا إذا قلنا بمسلك المشهور حملنا العشرة على عشرة الحيض وقلنا أنّ النّقاء من الحيض ، فقد عرفت أنّ إطلاق الشرطيّة الاُولى يبقى بحاله ، إلاّ أنّ إطلاق الشرطيّة الثّانية لا بدّ من تقييده بما إذا رأت الدم بعد عشرة أيّام الطهر ، إذ لو رأته قبل عشرة أيّام لم يمكن الحكم بكونه حيضة ثانية ، للإجماع والرّوايات الدالّة على أنّ الحيضتين المستقلّتين لا بدّ أن يتخلّل بينهما أقل الطهر .

   فإذن لنا علم إجمالي بأنّ أحد الإطلاقين غير مراد وأنّ أحدهما مقيّد ، وحيث لا قرينة على أحدهما فتصبح الرّواية مجملة وتسقط عن قابلية الإستدلال بها ، اللّهمّ إلاّ أن يكون جملة «فهو من الحيضة الاُولى» كما قدّمناه ظاهرة في أنّ الحيضة الاُولى غير مرتفعة في أيّام النّقاء ومستمرة إلى زمان رؤية الدم الثّاني قبل عشرة أيّام ، لعدم إمكان تخلّل العدم بين أجزاء شيء واحد ، فإنّه على ذلك يتعيّن أن تكون العشرة عشرة الحيض ويكون المتعيّن تقييد الشرطيّة الثّانية ، ولكن الرّواية على هذا تدلّ على أنّ النّقاء من الحيض كما هو ظاهر ، فالرواية إمّا مجملة وإمّا ظاهرة فيما ذهب إليه المشهور .

   وهذا هو العمدة فيما استدلّ به صاحب الحدائق (قدس سره) ثمّ إنّه أيّد مدعاه ـ  أعني كون المراد بالعشرة عشرة الطّهر  ـ بروايتين (1) :

   إحداهما : رواية الفقه الرّضوي «وربّما تعجل الدم من الحيضة الثّانية ، والحد بين الحيضتين القرء ، وهو عشرة أيّام بيض ، فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل إستكمال عشرة أيّام بيض فهو ما بقي من الحيضة الاُولى ، وإن رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجل من الحيضة الثّانية» (2) حيث صرّح في الرّواية بإرادة عشرة الطّهر الّتي هي معنى العشرة البيض .

   إلاّ أ نّها ضعيفة بل لم يثبت كونها رواية أصلاً كما مرّ غير مرّة ، على أنّ دلالتها على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 3 : 163 و 164 / في غسل الحيض .

(2) فقه الرّضا (عليه السلام) : 192 / ب 27 ، وروى عنه مع تفاوت يسير في المستدرك 2 : 12 / أبواب الحيض ب 9 ح 1 ، البحار 81 : 91 / باب غسل الحيض ح 12 .

ــ[144]ــ

مدّعاه قابلة للمناقشة ، ولكنّا لا نطيل بذكرها الكلام .

   وثانيتهما : ما رواه محمّد بن يعقوب بإسناده عن عبدالرّحمن بن أبي عبدالله قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة إذا طلّقها زوجها متى تكون أملك بنفسها ؟ فقال : إذا رأت الدم من الحيضة الثّالثة فهي أملك بنفسها ، قلت : فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قرئها ؟ فقال : إذا كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها ، وهو من الحيضة الّتي طهرت منها ، وإن كان الدم بعد العشرة أيّام فهو من الحيضة الثّالثة وهي أملك بنفسها» (1) .

   وهذه الرّواية قد يناقش في الإستدلال بها بأ نّها ضعيفة السند بمُعَلّى بن محمّد الواقع في سندها لعدم توثيقه في الرّجال ، وأمّا ما عن المجلسي(2) (قدس سره) من أ نّه شيخ إجازة ، وكون الرّجل شيخاً يكفي في وثاقته ولا يحتاج معه إلى التّوثيق ، مندفع صغرى وكبرى ، وذلك لعدم كفاية شيخوخة الإجازة في التّوثيق ، وعدم تحقّق الصغرى إذ لا تثبت شيخوخته بشهادة المجلسي ، لأ نّه متأخر عن عصر مُعَلّى بن محمّد بمئات السنين ، لأ نّه شيخ شيخ الكليني فإنّه يرويها عن الحسين بن محمّد وهو يروي عن معلى بن محمّد ، ومعه لا تقبل شهادته لأ نّها إجتهاد منه لا شهادة ، فلم يثبت إلاّ أ نّه صاحب كتاب ، وكم فرق بين كونه مؤلف كتاب وبين كونه شيخ إجازة .

   ولكنّه يندفع من جهة وقوعه في أسناد كامل الزّيارات وتفسير علي بن إبراهيم فقد ذكرنا في محله شهادة مؤلفيهما بوثاقة كلّ من وقع في طريقهما إلى المعصومين (عليهم السلام) .

   والصّحيح أ نّها قاصرة الدلالة ، فإنّها تتوقف على أن يكون المراد بكلمة العشرة فيها عشرة الطهر ، ولم تقم قرينة على ذلك ، وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً عند المناقشة في دلالة معتبرة محمّد بن مسلم المتقدِّمة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 22 : 212 / أبواب العدد  ب 17 ح 1 .

(2) رجال المجلسي : 324 / رقم 1902 .

ــ[145]ــ

التّاسع أو العاشر بعد الحيض السابق لا يحكم عليه بالحيضيّة ، وأمّا إذا رأت يوم الحادي عشر بعد الحيض السابق فيحكم بحيضيّته إذا لم يكن مانع آخر، والمشهور على اعتبار هذا الشرط ، أي مضيّ عشرة من الحيض السابق في حيضيّة الدم اللاّحق مطلقاً ، ولذا قالوا : لو رأت ثلاثة مثلاً ثمّ إنقطع يوماً أو أزيد ثمّ رأت وانقطع على العشرة أنّ الطّهر المتوسط أيضاً حيض ، وإلاّ لزم كون الطّهر أقل من عشرة ، وما ذكروه محلّ إشكال ((1)) بل المسلّم أ نّه لا يكون بين الحيضين أقل من عشرة ، وأمّا بين أيّام الحيض الواحد فلا ، فالأحوط مراعاة الإحتياط بالجمع في الطّهر بين أيّام الحيض الواحد كما في الفرض المذكور .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ثمّ إنّ من الغريب في المقام الاستدلال لما ذهب إليه صاحب الحدائق (قدس سره) بموثقة يونس بن يعقوب «قلت للصادق (عليه السلام) : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة قال (عليه السلام) : تدع الصّلاة ، قلت : فإنّها ترى الطّهر ثلاثة أيّام أو أربعة قـال (عليه السلام) : تصـلِّي ، قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال (عليه السلام): تدع الصّلاة ، قلت: فإنّها ترى الطّهر ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال (عليه السلام) : تصلِّي ، قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال (عليه السلام) : تدع الصّلاة تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطـع الدم عنها ، وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة» (2) . وموثقة أبي بصـير بهذا المضـمون غير أ نّها فرضت الحيض والطّهر خمسة أيّام (3) . بدعوى أنّ النّقاء لو لم يكن طهراً لم يكن وجه لأمرها بالصلاة عند إنقطاع الدم عنها .

   والوجه في الغرابة : أ نّا لو بنينا على مسلك صاحب الحدائق (قدس سره) من أنّ النّقاء طهر فهل نجعل كلّ أربعة أو ثلاثة أيّام حيضاً مستقلاًّ أو نجعل المجموع حيضاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ما ذكره المشهور هو الأظهر .

(2) الوسائل 2 : 285 / أبواب الحيض ب 6 ح 2 .

(3) الوسائل 2 : 286 / أبواب الحيض ب 6 ح 3 .

ــ[146]ــ

واحداً ، فإن جعلنا كلاًّ منهما حيضة مسـتقلّة فلا بدّ أن يتخلّل بينهما عشرة أيّام للإجماع والأخبار ، ولم يتخلّل بينهما إلاّ ثلاثة أو أربعة أيّام ، وإن جعلنا المجموع حيضة واحدة فقد زادت عن عشرة أيّام لأ نّها على تقـدير رؤيتها الدم أربع أربعة ترى الدم ستّة عشر يوماً وقد فرضنا أنّ أكثر الحيض عشرة .

   فتحصل أنّ ما ذهب إليه صاحب الحدائق (قدس سره) ممّا لا وجه له ، وأنّ أيّام النّقاء في أثناء الحيضة الواحدة بحكم الحيض ، فلا مناص حينئذ من حمل الرّوايتين على بيان الحكم الظّاهري وأنّ المرأة لأجل عدم كونها ذات عادة بما أ نّها تحتمل كون الدم حيضاً فتجعله حيضاً في أيّام الدم وتجعل النّقاء طهراً ظاهراً ، لا أنّ النّقاء طهر كما صنعه صاحب الحدائق (قدس سره) .

    التهافت بين كلامي الماتن (قدس سره)

   ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) ذكر أنّ أقلّ الطّهر عشرة أيّام ، فلو رأت الدم يوم التّاسع أو العاشر بعد الحيض السابق لا يحكم عليه بالحيضيّة ، لعدم تخلّل أقلّ الطّهر بين الدمين ، فترى أ نّه حكم بعدم حيضيّة الدم المرئيّ يوم التّاسع أو العاشر جزماً ، وهذا مع استشكاله في كون النّقاء من الحيض حيث لم يبن على كونه حيضاً ، بل احتاط بعدما قال : إنّ ما ذكروه أي المشهور محل إشكال ، وما تقدّم منه من عدم البناء على لزوم التّوالي في ثلاثة أيّام حيث استشكل فيه واحتاط ، أمران متهافتان .

   وذلك لأنّ المرأة إذا رأت الدم ثلاثة أيّام أو يومين وانقطع تسعة أيّام ثمّ رأت يوماً أو أكثر يمكن أن يكون الدم حيضاً ، إذ لم يبن على أنّ النّقاء حيض أو أنّ توالي ثلاثة أيّام معتبر ليقال إنّ ما تراه بعد التسعة ليس بحيض ، وإلاّ زاد حيضها عن عشرة أيّام أو أ نّها إذا كانت رأت الدم يومين لا يلحق الدم الّذي رأته بعد التّسعة بهما لإعتبار التّوالي بينهما ، بل يمكن أن يكون حيضاً على هذين المسلكين ، فالصحيح أن يحتاط حينئذ لا أن يحكم بعدم كونه حيضاً جزماً ، وإلاّ كان صدر كلامه وذيله متهافتاً .

ــ[147]ــ

   [ 708 ] مسألة 8 : الحائض إمّا ذات العادة أو غيرها ، والاُولى إمّا وقتيّة وعدديّة أو وقتيّه فقط أو عدديّة فقط ، والثّانية إمّا مبتدئة وهي الّتي لم تر الدم سابقاً ، وهذا الدم أوّل ما رأت ، وإمّا مضطربة وهي الّتي رأت الدم مكرّراً لكن لم تستقرّ لها عادة ، وإمّا ناسية وهي الّتي نسيت عادتها ، ويطلق عليها المتحيِّرة أيضاً ، وقد يطلق عليها المضطربة ، ويطلق المبتدئة على الأعم ممّن لم تر الدم سابقاً ومن لم تستقر لها عادة أي المضطربة بالمعنى الأوّل (1) .

   [ 709 ] مسألة 9 : تتحقّق العادة برؤية الدم مرّتين متماثلتين ، فإن كانتا متماثلتين في الوقت والعدد فهي ذات العادة الوقتيّة والعدديّة ، كأن رأت في أوّل شهر خمسة أيّام وفي أوّل الشّهر الآخر أيضاً خمسة أيّام ، وإن كانتا متماثلتين في الوقت دون العدد فهي ذات العادة الوقتيّة ، كما إذا رأت في أوّل شهر خمسة وفي أوّل الشهر الآخر ستّة أو سبعة مثلاً ، وإن كانتا متماثلتين في العدد فقط فهي ذات العادة العدديّة ، كما إذا رأت في أوّل شهر خمسة وبعد عشرة أيّام أو أزيد رأت خمسة اُخرى .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net