أقسام ذات العادة - ما يتحقق به العادة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7327


أقسام الحائض

   ذات العادة

   (1) إنّ المرأة إذا كان الدم الّذي تراه أوّل ما رأت الدم ولم تره سابقاً فهي مبتدئة وأمّا إذا تكرّر منها الدم من غير أن تستقر لها عادة وقتيّة وعدديّة أو إحداهما فهي مضطربة ، وأمّا إذا إستقرّت لها العادة فقد تكون ذاكرة لعادتها وقد لا تكون ، وتسمّى الثّانية بالناسية ، وقد يطلق عليها المتحيّرة أيضاً ، كما تسمّى الاُولى بذات العادة ، وهي قد تكون ذات عادة وقتيّة وعدديّة معاً ، كما إذا رأت الدم في كلّ من الشّهرين خمسة أيّام من أوّله وقد تكون ذات عادة عدديّة فقط ، كما إذا رأت الدم في الشهر الأوّل خمسة أيّام من أوّله وفي الشّهر الثّاني خمسة من خامسه أو سادسه مثلاً ، وقد تكون

ــ[148]ــ

ذات عادة وقتيّة فقط ، وهي على أقسام ثلاثة كما نبيّنها إن شاء الله . هذه هي أقسام المرأة الحائض .

   ولكل من المبتدئة والمضطربة وذات العادة العدديّة أو الوقتيّة أحكام تخصّها ، فإن ذات العادة العدديّة ليس لها أن ترتب أحكام الحائض على نفسها بمجرّد رؤيتها الدم وإنّما ترتبها فيما إذا كان الدم واجداً للصفات كما هو الحال في المبتدئة والمضطربة ، نعم إذا تجاوز الدم العشرة فذات العادة العدديّة فقط تجعل عددها حيضاً والباقي إستحاضة ، بخلاف المبتدئة والمضطربة فإنّهما تجعلان العشرة من الحيض والباقي إستحاضة ، وأمّا ذات العادة الوقتيّة فهي تجعل الدم حيضاً من وقتها من غير مراجعة الصّفات إلاّ أ نّها من حيث العدد مضطربة ، فإذا زاد على العشرة فترجع إلى الصّفات والمميّزات كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ، وأمّا ذات العادة الوقتيّة والعدديّة فهي تجعله حيضاً من غير مراجعة الأوصاف من حيث الوقت والعدد .

   ثمّ إنّ ذات العادة الوقتيّة على ثلاثة أقسام ، لأنّ رؤيتها الدم في الشهرين قد تكون متّحدة من حيث أوّلهما ، كما إذا رأت الدم في كلّ من الشّهرين من أوّله ولكن إختلفا من حيث الآخر لإنقطاعه في أحدهما في الخامس وفي الآخر في الرّابع مثلاً ، وقد تتحدان في الأخير دون الابتداء ، كما إذا إنقطع في السّادس من الشهر في كليهما إلاّ أ نّها رأته في أحدهما من أوّله وفي ثانيهما من ثانيه أو ثالثه مثلاً ، وقد تتحدان من حيث الوسط دون المبدأ والمنتهى ، كما إذا رأت الدم في الثّالث والرّابع والخامس من الشّهرين إلاّ أنّ شروعه في أحدهما كان من أوّله إلى سابعه ، وفي الآخر كان في التّاسع والعشرين من الشّهر السّابق عليه إلى ثامن الشهر اللاّحق .

   ثمّ إنّ الكلام يقع فيما يتحقّق به العادة الّتي لا ترجع معها إلى الصّفات ، حيث إنّ أكثر الرّوايات الواردة في المقام قد اشتمل على عنوان «الوقت المعلوم» أو «أيّامها»(1) ، ومقتضى الفهم العرفي في مثلها أن تكون رؤية الدم متكرّرة بمقدار يصدق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 275 إلى 284 / أبواب الحيض ب 3 و 4 و 5 .

ــ[149]ــ

معه أ نّها أيّامها أو عنوان الوقت المعلوم ، والعادة لم ترد في شيء من الرّوايات ، وإنّما عنونها الأصحاب (قدس سرهم) في كلماتهم ، وذكروا أ نّها تتحقّق برؤية الدم مرّتين متماثلتين ، ولعله إنّما سميت بالعادة لأ نّها من العود حيث عاد مرّتين ، ويدل عليه موثقة سماعة حيث ورد فيها «فإذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها» (1) ومرسلة يونس الطويلة «فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأوّل سواء حتّى توالى عليه حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً معلوماً» (2) .

   وقد قدّمنا غير مرّة أنّ الإرسال إنّما لا يعتمد عليه فيما إذا كان بمثل «عن رجل» أو «عن بعض أصحابه» ونحوهما ، للجهل بالواسطة وإن كان المرسِل مثل ابن أبي عمير ونظرائه ، والإستدلال على إعتبار مراسيلهم بالإجماع على تصحيح ما يصح عنهم قد عرفت ما فيه من المناقشة (3) .

   وأمّا إذا كان الإرسال بمثل «عن غير واحد» كما في مرسلة يونس هذه فهي خارجة عن الإرسال ، لأنّ هذا التعبير إنّما يصح فيما إذا كان راوي الخبر كثيرين ، ولا يطلق عند كون راويه واحداً أو إثنين كما هو المتفاهم العرفي من مثله في زماننا هذا فإنّ فقيهاً إذا كتب في كتابه أنّ القول الكذائي قال به غير واحد من أصحابنا يستفاد منه لدى العرف أ نّه قول قال به كثيرون وإن كان بحسب مفهومه اللغوي صادقاً على إثنين ، لأ نّه أيضاً غير واحد ، واحتمال أن تكون تلك العدّة بأجمعهم من الضّعفاء ضعيف ولا يعتنى بمثله ، وعليه فالرواية ليست بمرسلة ، وقد دلّت على تحقّق العادة برؤية الدم شهرين متماثلاً .

    إسـتدراك

   قدّمنا أنّ رواية يونس الطـويلة وإن رواها يونس عن غير واحد من أصـحابنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 286 / أبواب الحيض ب 7 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 287 / أبواب الحيض ب 7 ح 2 .

(3) تقدّم في الصفحة 126 .

ــ[150]ــ

إلاّ أ نّها لا تكون مرسلة بذلك لما قدّمناه ، فلا تقاس روايته هذه بمرسلته القصيرة (1) لأنّ في سندها «عن بعض رجاله» ، وله عدّة من رجال ، وبعض رجاله مهمل ، ومعه كيف يمكن الإعتماد عليها في مقام الإستدلال ، ومن ثمة تكون مرسلة بخلاف روايته هذه فإنّها ليست بمرسلة ، ومن هنا اعتمدنا عليها في الحكم بتحقّق العادة الوقتيّة بمرّتين .

   ولكنّه ربما يورد على الاستدلال بها أنّ الرّاوي عن يونس هو محمّد بن عيسى وهو ممّن ضعّفه الشيخ (قدس سره) في فهرسته ، حيث قال : محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ضعيف استثناه أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه عن رجال نوادر الحكمة وقال : لا أروي ما يختص بروايته ، ولم يعمل ابن الوليد بما تفرّد به محمّد بن عيسى عن يونس ، حيث حكي عن ابن بابويه أ نّه حكى عن شيخه ابن الوليد أ نّه قال : ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ، كما أنّ الصّـدوق لا يعتمد على ما تفرّد به على ما هو دأبه من تبعيّته لشيخه ابن الوليد في الجرح والتعديل والعمل برواية وتركه . وعن الشهيد الثّاني استناد جميع الأخبار الواردة في ذم زرارة إلى محمّد بن عيسى ، وهو قرينة عظيمة على ميل وانحراف منه على زرارة . وعن ابن طاووس أنّ محمّد بن عيسى قد أكثر في القول في زرارة حتّى لو كان بمقام عدالته كانت الظّنون تسرع إليه بالتهمة فكيف وهو مقدوح فيه(2) ، ويؤيّد ذلك تضعيف جملة من المتأخرين له ، وعليه فلا يمكن الإعتماد على رواية يونس الطويلة في المقـام لضعفها بمحمّد بن عيسى عن يونس هذا .

   ولكن الصحيح أنّ الرّجل لا إشكال في وثاقته وصحّة رواياته ، والوجه في ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 294 / أبواب الحيض ب 10 ح 4 .

(2) راجع معجم رجال الحديث 18 : 119 ، الرّقم 11536 ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، الفهرست : 140 ، الرّقم 611، رجال النّجاشي : 333 ، الرّقم 896 ، التحرير الطاووسي : 240 / 175 ترجمة زرارة بن أعين . وأمّا كلام الشهيد الثّاني فمنقول في تعليقته على الخلاصة : 38 ، وكذا في نقد الرّجال 2 : 256 .

ــ[151]ــ

أنّ تضعيف الشيخ للرجل مستند إلى استثناء الصّدوق له ، كما هو ظاهر كلامه المتقدِّم حيث قال : محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ضعيف إستثناه أبو جعفر محمّد بن علي ابن بابويه عن رجال نوادر الحكمة ، كما أنّ إستثناء الصدوق له مستند إلى ما ذكره شيخه ابن الوليد من أ نّه لا يعتمد على ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه ، فالتضعيف في الحقيقة مستند إلى ابن الوليد (قدس سره) .

   إلاّ أنّ عدم إعتماده (قدس سره) على ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يدلّ على ضعف في الرّجل ، وإلاّ لم يكن وجه لعدم إعتماده على خصوص ما تفرّد به عن يونس ، لأ نّه الضّعيف مطلقاً فلا يعتمد على شيء من رواياته ، فيستفاد من تخصـيصه عدم إعتماده بما تفرّد به من كتب يونس وحديثه أنّ لروايتـه عنه خصوصيّة أوجبت عدم إعتماده (قدس سره) على روايته عنه في ذلك المورد فحسب .

   ولعلّ السرّ فيه ما حكاه نَصر بن صَبّاح(1) من أنّ محمّد بن عيسى أصغر سنّاً من أن يروي عن ابن محبوب فكيف بروايته عن يونس ، فإنّ ابن محبوب متأخر عن يونس بست عشرة سنة ، فإذا كان محمّد بن عيسى أصغر سنّاً بالإضافة إلى عصر ابن محبوب فلا محالة يكون أصغر سنّاً بالإضافة إلى يونس بطريق أولى ، والصغير لا يعتمد على روايته .

   إلاّ أنّ ذلك لا يمنع عن الاعتماد على رواية الرّجل وذلك :

   أمّا أوّلاً :  فلأنّ كونه أصغر سنّاً من أن يروي عن ابن محبوب إنّما نقل عن نَصر بن صَباح ، وهو ممّن لا يعتمد على قدحه وإخباره كما ذكروه (2) .

   وأمّا ثانياً :  فلأن المـانع عن قبول الرّواية إنّما هو صغر سنّ الرّاوي حال الأداء لا  حال التحمّل ، فالمدار في الصغر المانع عن قبول الرّواية إنّما هو الصغر حال الأداء لا  على حال التحمّـل ، كما هو الحال في الشّهادة حيث إنّ الشاهد لو تحمّل الشهادة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الكشي : 537 / الرّقم 1021 ، رجال النجاشي : 334 ، الرّقم 896 .

(2) راجع معجم رجال الحديث 18 : 124 ، الرّقم 11536 .

ــ[152]ــ

صغيراً إلاّ أ نّه لم يشهد إلاّ بعد بلوغه فإنّه يعتمد على شهادته ، وإنّما لا يعتمد على شهادته فيما إذا كان صغيراً حال الشّهادة، ولم يعلم أنّ الرّجل كان صغيراً حين روايته، بل يمكن دعوى العلم بعدم كونه صـغيراً حينئذ ، لأنّ الرّجل بعد ما ثبتت وثاقته وعدالته كما يظهر عن قريب لو كان نقلها حال صغره لبيّنه ، وإلاّ كان ذلك تدليساً قادحاً في عدالته .

   وأمّا ثالثاً :  فلأنّ الظّاهـر أنّ محمّد بن عيسى لم يكن صغير السن في زمـان ابن محبوب بل كان من الرّجال ، فإنّه من أصحاب الرّضا (عليه السلام) وقد استنابه في الحج عنه ، وهذا لا يلائم صغره كما لا يخفى على من رجع إلى ما كتبوه في الرّجال من تاريخ ولادته وتاريخ وفاة ابن محبوب فليراجع .

   وأمّا ما ذكره الشّهيد الثّاني وابن طاووس (قدس سرهما) فلا دلالة له على ضعف الرّجل بوجه ، لأ نّه كما روى الأخبار المشتملة على ذم زرارة روى بنفسه بعض الأخبار المادحة له ، وحيث إنّ الرّجل ثقة عين كما يأتي نقله عن النّجاشي وغيره فلا يمكننا حمل ذلك على انحرافه في زرارة وتعمّده في جعله ، بل نبني على أنّ كلاًّ من المدح والذم منهم (عليهم السلام) لحفظ زرارة وحقن دمه ، كما أنّ الخضر على نبيّنا وآله وعليه السّلام قد خرق السفينة لحفظها من غصب الظّالم ، هذا كلّه .

   أضف إلى ذلك أنّ تضعيف ابن الوليد أو غيره ممّا لا يمكن الإعتماد عليه في مقابل توثيق النّجاشي للرجل بقوله محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى ، مولى أسد بن خزيمة ، أبو جعفر ، جليل في أصحابنا ثقة عين كثير الرّواية حسن التصانيف روى عن أبي جعفر الثّاني (عليه السلام) مكاتبة ومشافهة ، وذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أ نّه قال : ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ، ورأيت أصـحابنا ينكرون هذا القول ويقـولون : مَن مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى ! (1) .

   فإنّ هذا يدلّنا على أنّ وثاقة الرّجل كانت من الاُمور المشهورة في تلك الأزمنة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 333 ، الرّقم 896 .

ــ[153]ــ

وإنّما خالف في ذلك ابن الوليد ، ومن ثمة أنكروا عليه ذلك ، وقد عرفت أنّ عدم إعتماد ابن الوليد ممّا لا وجه له في نفسـه ، مضافاً إلى معارضته لما هو المشهور في تلك الأزمنة ، ولتصريح النجاشي بوثاقة الرّجل وثنائه عليه ، ولما عن الفضل بن شاذان أ نّه كان يحب الرّجل ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه ويقول ليس في أقرانه مثله (1) ، وكفى هذا في توثيق الرّجل والإعتماد على رواياته .
ــــــــــــ

(1) نفس المصدر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net