هل تتحقق العادة برؤية الدم مرّة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8181


    هل تتحقّق العادة بالرؤية مرّة  ؟

   وعن بعضهم تحقّق العادة برؤية الدم مرّة واحدة ، كما يحكى ذلك عن الجمهور أيضاً .

   ويدفعه : صريح قوله في رواية يونس حكاية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ المرأة الّتي تعرف أيّامها تدع الصّلاة أيّام أقرائها حيث لم يقل : دعي الصّلاة أيّام قرئك ، بل قال : أيّام أقرائك (2) ، وكذا الحـال في الأيّام الواردة في الأخبـار (3) وهي جمع لا يصدق على الفرد الواحد بل ولا على الإثنين ، فإن أقلّ الجمع إثنان فما فوقهما ، وأمّا الإثنان مجرّداً فلم نر إطلاق الجمع عليهما في اللّغة ، بل لعلّه يعدّ من الأغلاط وإن حكي عن المنطقيين أن أقلّ الجمع إثنان .

   وأمّا الإثنان فما فوق فقد ورد إطلاق الجمع عليه في القرآن الكريم الّذي هو في أعلى مراتب الفصاحة كما في قوله تعالى : ( ... فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ... )(4) لأ نّه وإن صرّح بإرادة فوق الإثنتين إلاّ أنّ إطلاق فوق الإثنتين وإرادة الإثنتين فما فوقهما أيضاً أمر دارج شائع ، كما أشار إليه صاحب الجواهر(5) أيضاً ، وكما في إطلاق الإخوة

ــــــــــــــــ

(2) الوسائل 2 : 287 / أبواب الحيض ب 7 ح 2 .

(3) الوسائل 2 : 275 إلى 284 / أبواب الحيض ب 3 و 4 و 5 وكذا 13 و ...

(4) النِّساء 4 : 11 .

(5) راجع الجواهر 39 : 93 / كتاب الفرائض ، المقدّمة الرّابعة .

ــ[154]ــ

على الإثنين فما فوقه في الكلالة ، (وَإِن كانُوا إِخْوَةٌ )(1) وكذا في الأخوين فما فوق وأنّ المرتبة الاُولى إذا فقدت ووصلت النوبة إلى المرتبة الثّانية فإن كان له أخ واحد فله نصف (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ ... ) الخ (2) إلى غير ذلك من الموارد .

   فتحصل أنّ الاقراء تصدق على رؤية الدم مرّتين فما فوق ، ولا يصدق على رؤيته مرّة أو مرّتين فحسب ، هذا كلّه في العادة العدديّة حيث إنّ مورد الموثقة والمقدار المتيقّن من الرّواية السابقتين هو ذات العادة العدديّة .

   وأمّا العادة الوقتيّة فقد ورد في الأخبار المتضافرة (3) ما مضمونه أ نّها تجعل وقتها وأيّامها حيضاً ، كما ورد هذه العناوين في ذات العادة العدديّة ، ولا بأس بإضافة الأيّام إلى كلتيهما ، إذ يصحّ إطلاقه في كلّ من العـادة الوقتيّة والعدديّة فيقال إنّها أيّامها وحيث إنّ ذلك على نحو القضيّة الحقيقيّة فلا دلالة لها على أنّ موضوعها ـ أعني الوقت والأيّام ـ تتحقّق بأيّ شيء ، فلا يستفاد منها أنّ العادة الوقتيّة بأيّ شيء تتحقّق ، كذا إستشكل في غير واحد من الكتب .

   واُجيب عنه بالإجماع ، ومن هنا قد يتمسك للحكم بتحقّق العادة الوقتيّة أيضاً بمرّتين بالإجماع كما عن المستند(4) ، وأنّ العادة العدديّة إذا قلنا بتحقّقها بمرّتين فكذلك نقول بتحقّق العادة الوقتيّة بذلك .

   إلاّ أنّ هذه الإجماعات المنقولة لا سيما في كلمات المتأخرين ممّا لا يمكن الإعتماد عليه لعدم حجّيتها . على أ نّها لو لم تكن من الإجماع المنقول أيضاً لم نكن نعتمد عليها على ما بيّناه في غير مورد ، لأ نّها إجماعات معلومة المدرك أو محتملة المدرك على الأقل ، ومعه يرجع إلى ذلك المدرك لا إلى الإجماع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النِّساء 4 : 176 .

(2) النِّساء 4 : 11 .

(3) الوسائل 2 : 275 ـ 304 / أبواب الحيض ب 3 و 4 و 5 و 13 و ... .

(4) مستند الشيعة 2 : 430 .

ــ[155]ــ

   والصحيح في الجواب أن يقال : إنّ رواية يونس (1) تدل على تحقّق العادة الوقتيّة برؤية الدم مرّتين ولو في بعض أقسامها ، وهو العادة الوقتيّة من حيث الانقطاع ، أي العادة الوقتيّة من حيث الآخر ، حيث ورد فيها «فان إنقطع الدم لوقته في الشهر الأوّل سواء حتّى توالى عليه حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً تعمل عليه وتدع ما سواه ... » لدلالتها على أنّ إنقطاع الدم على حدّ سواء في شهرين يوجب تحقّق العادة للمرأة ، وهذا قد يتّفق مع العادة العدديّة كما إذا كان مبدؤهما أيضاً متساويين ، وقد لا يتّفق وذلك إذا اختلفا من حيث المبدأ كما إذا كان إنقطع في السّادس من كلّ شهر إلاّ أ نّه إختلف مبدؤه فرأته في شهر من أوّله وفي الآخر من ثانيه أو ثالثه ، وإذا علمنا بتحقّق العادة الوقتيّة من حيث المنتهى بمرّتين فلا نحتمل الفرق في ذلك بينها وبين العادة الوقتيّة من حيث المبدأ أو الوسط ، هذا .

   على أنّ الرّواية دلّت على أنّ تحقّق العادة العدديّة بمرّتين ليس أمراً تعبّديّاً منهم (عليهم السلام) وإنّما علّله (عليه السلام) بأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال للتي تعرف أيّامها «دعي الصّلاة أيّام أقرائك ، فعلمنا أ نّه لم يجعل القرء الواحد سنة لها ، فيقول دعي الصّلاة أيّام قرئك ، ولكن سنّ لها الأقراء ، وأدناه حيضتان فصاعداً» الحديث (2) .

   فإذا  كانت العلّة في تحقّق العادة العدديّة بمرّتين هو صدق «أيّام أقرائها» بذلك فليتعدّى من العدديّة إلى جميع أقسام العادة الوقتيّة بذلك ، إذ يصدق «أيّام أقرائها» على رؤيتها الدم مرّتين متماثلتين من حيث الوقت في أوّله أو آخره أو وسطه ، وقد عرفت صحّة إضافة الأيّام إليها في كلّ من العادة الوقتيّة والعدديّة ، ومعه تدل الرّواية على تحقّق العادة بمرّتين مطلقاً ولو مع الإغماض عن اشتمالها على بعض أقسام العادة الوقتيّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 287 / أبواب الحيض ب 7 ح 2 .

(2) نفس المصدر .

ــ[156]ــ

   وقد يقال إنّ الرّواية وإن شملت كلتا العـادتين بإطـلاقها إلاّ أنّ مفهـوم الموثقة ـ  موثقة سماعة  ـ حاكم على الرّواية ، ومقتضاه عدم تحقّق العادة غير العادة العدديّة برؤية الدم مرّتين ، وذلك حيث ورد في الموثقـة «سألته عن الجـارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام ، يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال (عليه السلام) : فلها أن تجلس وتدع الصّـلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة ، فإذا إتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك
أيّامها»(1) .

   حيث دلّت بمفـهوم قوله (عليه السلام) : «فإذا إتّفق ... » أ نّه إذا لم يتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فليست الأيّام أيّام عادتها ، لأ نّها حصرت أيّام عادتها بما إذا تحقّقت لها العادة العدديّة ، ومع عدم العادة العدديّة لا يكون أيّام رؤيتها الدم في الشهرين أيّاماً لها وإن كانت لها عادة وقتيّة . وبهذا يحكم بأنّ غير ذات العادة العدديّة لا تجعل أيّام الدم في الشهرين أيّامها وإن كانت ذات عادة وقتيّة .

   ولكن الأمر ليس كذلك ، وذلك لأنّ مورد الرّواية ليست هي ذات العادة العدديّة فإنّ هذا التعبير «فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفا» وكذا قوله «أيّام أقرائك» لا يناسب ذات العادة العـدديّة ، إذ لا وقت لها على الفرض ، وإنّما موردها ذات العادة الوقتيّة ولو من حيث الأخير ، ومورد الموثقة هو ذات العادة العدديّة كما هو مقتضى قوله «فإذا إتّفق الشهران عدّة أيّام سواء» فقد دلّت الموثقة على أنّ المضطربة الّتي لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء إذا رأت الدم في الشّهرين سواء من حيث العدد فذلك العدد أيّامها ، فتجعلها حيضاً إذا تجاوز الدم بها العشرة ، وإذا لم يتّفق لها أيّام سواء في شهرين من حيث العدد فلا عادة عدديّة لها حتّى تجعلها حيضاً عند تجاوز دمها العشرة ، فهي ناظرة إلى من ليست لها عادة عدديّة ومن لها عادة عدديّة . وأين هذا من ذات العادة الوقتيّة لتدل على عدم تحقّق عادتها بمرّتين ، فكلمة الأيّام في الموثقة غير الأيّام في المرسلة (2) ، والحصر في الموثقة بمقتضى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 304 / أبواب الحيض ب 14 ح 1 .

(2) أي رواية يونس السابقة .

ــ[157]ــ

الشرط صحيح بالنسبة إلى العدد فقط كما إستفدناه من إطلاق الرّواية .

   فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من أنّ العادة الوقتيّة والعدديّة تتحقّقان برؤية الدم مرّتين في شهرين على حدّ سواء .

   ثمّ إنّه لا شبهة في أنّ ذات العادة العدديّة لا يعتبر في تحقّق عادتها تساوي طهرها بين أقرائها ، مثلاً إذا رأت الدم في الشهر الأوّل خمسة أيّام وبعد ما مضى عليها ستّة وعشرون يوماً أيضاً رأت الدم خمسة أيّام إلاّ أ نّها رأت الدم في الشهر الثّالث بعد مضي عشرين يوماً من حيضها السابق ولم يتخلّل بين الحيضة الثّانية والثّالثة ستّة وعشرون يوماً كما تخلّل ذلك بين الحيضة الاُولى والثّانية فإنّ العادة العدديّة تتحقّق بذلك وإن إختلف طهرها بين أقرائها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net