تقدّم الدم على العادة - تأخّر الدم على العادة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8138


ــ[179]ــ

    جهة تقدّم الدّم

   أمّا إذا كان متقدّماً عليها فإن تقدّمها بيوم أو يومين ـ هذا في قبال ما يأتي من تقدّمه على العادة بثلاثة أيّام فصاعداً فلا تغفل ـ فإن كان الدم بصفات الحيض ولم يزد على عشرة أيّام وتخلّل بينه وبين الحيضة السابقة أقل الطّهر فلا إشكال في الحكم بكونه حيضاً ، لأنّ الصفات أمارة على الحيضيّة مطلقاً قبل العادة وبعدها ، وأمّا إذا لم يكن بصفات الحيض وكان أقل من العشرة وتخلّل بينه وبين الحيضة الاُولى عشرة أيّام فلا ينبغي الإشكال في الحكم بكـونه حيضاً وإن لم يكن بصـفاته ، لما دلّ من الأخبار على أنّ الدم قد يعجّل ويخرج قبل عادة المرأة بيوم أو يومين ، وإليك بعضها :

   فمنها : موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في المرأة ترى الصـفرة فقال : إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض» (1) .

   ومنها : مضمرة معاوية بن حُكَيم المتقدّمة ، قال «قال : الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيّام الحيض ليس من الحيض» (2) .

   هذا وفي بعض الأخبار أنّ الصفرة قبل الحيض من الحيض من غير تقييد ذلك بيوم أو يومين .

   ومنها : ما رواه علي بن أبي حمزة قال : «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر عن المرأة ترى الصفرة ، فقال : ما كان قبل الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه» (3) .

   ومنها : ما عن سماعة ، قال «سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال : إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصّلاة ، فإنّه ربما تعجّل بها الوقت» (4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 279 / أبواب الحيض ب 4 ح 2 .

(2) الوسائل 2 : 280 / أبواب الحيض ب 4 ح 6 .

(3) الوسائل 2 : 280 / أبواب الحيض ب 4 ح 5 .

(4) الوسائل 2 : 300 / أبواب الحيض ب 13 ح 1 .

ــ[180]ــ

   ومنها : مصححة الصحّاف (1) الآتية .

   وعليه فيقع الكلام في أنّ القاعدة تقتضي تقييد المطلقات بالمقيّدات وحمل ما قبل الحيض على ما قبله بيوم أو يومين ، فما تراه المرأة من الصفرة قبل حيضها بثلاثة أيّام غير محكومة بالحيضيّة ، أو أنّ اللازم الأخذ بالمطلقات كما يأتي بيانه ، فكلّ صفرة تراها المرأة قبل حيضها ولو بثلاثة أيّام فهي محكومة بالحيضيّة ؟

   إختار الماتن (قدس سره) الثّاني حيث حكم بأنّ المرأة تترك صلاتها برؤية الدم ولو قبل أيّامها بيوم أو يومين أو أزيد ، ولعله المعروف بينهم ، وذلك بدعوى أنّ ما دلّ على أنّ ما تراه المرأة قبل أيّام عادتها حيض مطلق ، حيث يشمل اليوم واليومين وما زاد فيما إذا صدق عليه أ نّه دم تعجل به ، بأن لم يكن عشرة أيّام ونحوها ، ولا دليل مقيّد لها بيوم أو يومين ، إذ لا مفهوم لموثقة أبي بصير (2) ومضمرة معاوية بن حُكَيم(3) حتّى يدل على أنّ ما تراه المرأة قبل أيّام عادتها في غير يوم أو يومين ليس بحيـض أمّا المضمرة فعدم دلالتها على ذلك ظاهر ، حيث ذكر فيها أنّ الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وهي كما ترى غير مشتملة على الجملة الشرطيّة حتّى تكون ذات مفهوم ، وأمّا الموثقة فهي وإن كانت مشتملة على الجملة الشرطيّة : «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض» إلاّ أنّ مفهومها ليس أنّ الدم إذا كان قبل الحيض بثلاثة أيّام ليس بحيض ، وذلك لأ نّها مسوقة لبيان حكم الدم الخارج قبل العادة في قبال الدم الخارج بعدها ، ولا نظر لها إلى إثبات الحكم في خصوص الدم الخارج قبل الحيض بيومين ونفيه في الخارج قبل الحيض بثلاثة أيّام ونحوها ، هذا .

   ولكن الصحيح أنّ الحكم بالحيضيّة مختص بالدم الّذي تراه المرأة قبل عادتها بيومين أو أقل ، دون ما تراه قبلها بأكثر من يومين .

   وذلك لأ نّه ـ مضافاً إلى أنّ كلمة اليومين قبل الحيض وردت في كلام الإمام (عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 305 / أبواب الحيض ب 15 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 279 / أبواب الحيض ب 4 ح 2 .

(3) الوسائل 2 : 280 / أبواب الحيض ب 4 ح 6 .

 
 

ــ[181]ــ

السلام) ، وقد بيّنا في محله أنّ الوصف والقيد وإن لم يكن له مفهوم ليثبت خلاف الحكم المذكور في المنطوق على فاقد الوصف ، إلاّ أ نّه إذا لم يكن لإتيانه في الكلام فائدة فلا محالة يدل على أنّ الحكم غير مترتب على الطبيعة أينما سرت ، وإنّما هو مختص بحصّة خاصّة ، وهي الحصّة المشتملة على ذلك الوصف ، وإلاّ كان إتيانه في الكلام لغواً ظاهراً ، وعليه فلا بدّ من أن يكون الحكم بالحيضيّة في المقام مختصّاً بالدم الّذي تراه المرأة قبل أيّام عادتها بيومين أو أقل ، ولا يشمل الدم الّذي تراه قبل العادة بثلاثة أيّام ـ  .

   لا إطلاق في المقام حتّى يتمسك به في الحكم بأنّ ما تراه المرأة قبل أيّام عادتها حيض مطلقاً كان قبلها بيومين أو بثلاثة أيّام ونحوها ، فالمقتضي للحكم بالحيضيّة فيما زاد على يومين قاصر في نفسه ، وذلك لأنّ ما استدلّ به على ذلك روايات ثلاث :

   الاُولى : موثقة سماعة قال «سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال : إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصّلاة ، فإنّه ربما تعجل بها الوقت» (1) .

   الثانية : مصححة حسين بن نُعَيم الصحّاف الواردة في الحُبلى ، حيث ورد فيها : «وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الّذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنّه من الحيضة ...» (2).

   الثالثة : رواية علي بن أبي حمزة البطائني قال «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر عن المرأة ترى الصفرة ، فقال : ما كان قبل الحيض فهو من الحيض» (3) .

   أمّا موثقة سماعة فيردّ الإستدلال بها أ نّها غير مشتملة على الصفرة ، وإنّما دلّت على أنّ الدم الّذي تراه المرأة قبل عادتها من الحيض . نعم إنّما تدل على كون الصفرة حينئذ حيضاً بإطلاقها ، لأنّ الدم الوارد فيها مطلق يعم واجد الصفات ـ اُعني صفات الحيض ـ وفاقدها ، وإطلاقها من هذه الجهة وإن كان حجّة في نفسه ولا مناص من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 300 / أبواب الحيض ب 13 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 310 / أبواب الحيض ب 15 ح 1 .

(3) الوسائل 2 : 280 / أبواب الحيض ب 4 ح 5 .

ــ[182]ــ

الأخذ به إلاّ أ نّه معارض بحسنة محمّد بن مسلم أو صحيحته المتقدّمة (1) الّتي دلّت على أنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض ، والنّسبة فيهما عموم من وجه ، حيث إنّ الموثقة دلّت على أنّ الدم الّذي تراه المرأة قبل أيّام عادتها حيض سواء أكان واجداً للصفات أم لم يكن ، والصحيحة دلّت على أنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض سواء أكانت قبل عادتها أم بعدها ، فتتعارضان في مادّة إجتماعهما وهي الصفرة الّتي تراها المرأة قبل عادتها ، وحيث إنّ دلالة كلّ منهما بالإطلاق فيتساقطان فيرجع إلى أدلّة الصفات وأنّ الحيض ليس به خفاء ، فإنّه حارّ يخرج بدفع ولونه أسود ، وبما أنّ الدم في محل الكلام غير واجد له فيحكم بعدم كونه حيضاً أو نرجع إلى مطلقات أدلّة التّكاليف ، كإطلاق أو عموم ما دلّ على وجوب الصّلاة على كلّ مكلّف الّذي منه المرأة في محل النّزاع ، وعموم أو إطلاق ما دلّ على جواز وطء الزّوج زوجته في أيّ زمان شاء الّذي منه هذا الزّمان وغير ذلك من المطلقات . فالموثقة ممّا لا يمكن الإستدلال بإطلاقها في المقام .

   وأمّا مصححة الصحّاف فيرد على الإستدلال بها عين المناقشة الّتي أوردناها على الموثقة ، وتزيد المصححة على الموثقة بموهنين آخرين :

   أحدهما : أ نّها واردة في الحُبلى ، ولعل لها خصوصيّة إقتضت الحكم بكون ما تراه قبل عادتها حيضاً مطلقاً ، كما تقدّمت الإشارة إليه في أوائل الحيض ، فما المسوغ للتعدي عنها إلى غيرها .

   ثانيهما : أ نّها إشتملت على الحكم بحيضيّة ما تراه الحبلى قبل عادتها بقليل ، ومن أخبرنا أنّ القليل يشمل ثلاثة أيّام ؟ كيف ولولا الأخبار المتقدّمة لتوقفنا من الحكم بشموله ليومين فما ظنّك بثلاثة أيّام ؟ فلا يشملها بظاهره ولا أقل من أ نّه مجمـل فالتمسك بإطلاق المصححة أيضاً غير ممكن .

   وأمّا رواية البطائني فدلالتها على المدعى ممّا لا تقبل المناقشة ، حيث وردت في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 278 / أبواب الحيض ب 4 ح 1 .

ــ[183]ــ

الصفرة الّتي تراها المرأة قبل عادتها ، وقد دلّت على أ نّها من الحيض ، إلاّ أ نّها غير قابلة للإعتماد عليها ، لضعف سندها بقاسم بن محمّد الجوهري ، حيث لم يوثق في الرّجال ، مع الغض عن علي بن أبي حمزة البطائني ، إعتماداً على توثيق الشيخ له وإن لم تذكر وثاقته في الرّجال .

   نعم ، هذه الرّواية بعينها وردت في التهذيب ولم يشتمل طريقها على القاسم بن محمّد ، بل رواها الشيخ عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد البرقي ، عن علي بن أبي حمزة ، فمع البناء على وثاقة البطائني لا بدّ من الحكم بإعتبار سند الرّواية .

   إلاّ أ نّا لا نحتمل إحتمالاً عقلائيّاً أنّ محمّد بن خالد روى هذه الرّواية مرّتين تارة عن علي بن أبي حمزة من غير واسطة ، كما عن طريق الشيخ ، واُخرى بواسطة قاسم ابن محمّد الجوهري ، كما عن طريق الكليني ، بل الرّواية واحدة رواها محمّد بن خالد إمّا على الكيفيّة الّتي رواها الشيخ فالكليني زاد قاسم بن محمّد الجوهـري اشـتباهاً وإمّا على الكيفيّة الّتي رواها الكليني فالواسطة بين محمّد بن خالد وعلي بن أبي حمزة سقطت من قلم الشـيخ أو من نسّاخ التهذيب اشتباهاً ، وحيث إنّ الكليني أضبط وروايات كتابه أوثق واشتباهات الشيخ كثيرة ، لأ نّه يسقط كلمة تارة ويزيد كلمة اُخرى فلا بدّ من الحكم بصحّة ما في رواية الكليني في المقام ، هذا كلّه يبتني على عدم وثاقة القاسم بن محمّد الجوهري لعدم توثيقه في الرّجال ، ولأجله بنى (دام ظلّه) على ضعف الرّجل غير أ نّه عدل عن ذلك أخيراً فبنى على وثاقته لورود الرّجل في أسانيد كامل الزّيارات . إذن يبقى في السند ضعفه من جهة البطائني فقط .

   على أنّ مجرّد الشكّ في أنّ سند الرّواية مشتمل على الرّجل أو غير مشتمل يكفي في عدم جواز الإعتماد عليها ، وعليه فالحكم بالحيضيّة في هذه المسألة يختص بما إذا رأته المرأة قبل عادتها بيومين أو أقل ، وأمّا فيما إذا رأته قبلها بثلاثة أيّام فصاعداً فلا يحكم بكونه حيضاً من جهة أدلّة الصّفات ومطلقات أدلّة التكاليف .

ــ[184]ــ

العادة أو تأخرها ولو لم يكن الدم بالصفات (1) وترتّب عليه جميع أحكام الحيض ، فإن علمت بعد ذلك عدم كونه حيضاً لإنقطاعه قبل تمام ثلاثة أيّام تقضي ما تركته من العبادات .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    جهة تأخّر الدّم

   (1) هذه هي الجهة الثّانية من الكلام ، أعني ما إذا تأخّر الدم عن العادة .

   وملخّص الكلام فيها : أنّ الدم المتأخر إن كان واجداً للصفات فلا مناص من الحكم بحيضيّته ، لأ نّها أمارة على الحيض ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون الدم مسبوقاً بالحيض ، كما إذا رأت الدم في عادتها ثمّ انقطع ثمّ رأت الدم بعد عادتها ، وبين أن لا يكون مسبوقاً به ، كما إذا لم تر الدم في أيّام عادتها ورأته بعد أيّام عادتها ، فإنّ دم الحيض لا خفاء فيه ، ومع تحقّق أماراته يحكم بحيضيّته وإن كان متأخّراً عن العادة بيوم أو يومين أو أكثر . نعم إذا رأت الدم وتجاوز عن عادتها تستظهر بيوم أو بيومين فإن إنقطع فيما دون العشرة فالجميع حيض ، وإلاّ فتجعل أيّام عادتها حيضاً والباقي إستحاضة .

   وكيف كان فما تراه بعد عادتها إذا كان على صفات الحيض فهو حيض إلاّ أن يتجاوز عن العشرة ، هذا كلّه فيما إذا كان الدم المتأخر واجداً للصفات .

   وأمّا إذا كان فاقداً للصفات فالمعروف بينهم أنّ الدم المتأخر عن العادة محكوم بكونه حيضاً مطلقاً ، بلا فرق في ذلك بين وجدانه الصفات وفقدانه لها ، بل ادعي عليه الإجماع كما في كلام صاحب الحدائق(1) (قدس سره) ، ولعله لأجل الإجماع جزم بالحيضيّة عند تأخّر الدم وعدم اشتماله على الصفات مع توقّفه في الحكم بالحيضيّة في الدم المتقدّم الفاقد للصفات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 3 : 215 / في الحيض .

ــ[185]ــ

   وكيف كان لا يمكن الاعتماد في الحكم بالحيضيّة في المسألة على الشهرة على تقدير تحقّقها ، ولا على الإجماع المنقول لو كان ، بل لا بدّ في الإستدلال من تفحص دليل قابل للإعتماد عليه ، والّذي قيل في المقام أمران :

   أحدهما : وجه إعتباري : وهو أنّ الصفرة في أيّام العادة إذا كانت حيضاً فلا بدّ من الحكم بحيضيتها فيما إذا تأخرت عن أيّام العادة أيضاً ، لأنّ الدم بالتأخّر يزداد قوّة في القذف ، فإنّه يجتمع في الرّحم ، ومع التأخّر يزداد ويكثر فيكون في القذف أقوى من الدم غير المتأخّر .

   ويدفعه : أ نّه مجرّد وجه إستحساني ولا يمكن الإعتماد على مثله في الأحكام .

   وثانيهما : ما عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) من أنّ موثقة سماعة الّتي صرّحت بجواز تقدّم الدم على العادة تدل بتعليلها على أنّ الحيض قد يتأخّر عن العادة أيضاً حيث قال : «فإنّه ربّما تعجل بها الوقت» أي التعجيل وعدم الإنضباط في خروجه أمر محتمل ، فإذا كان عدم الإنضباط محتملاً في دم الحيض فكما يحتمل تقدّمه على العادة كذلك يحتمل تأخّره عن العادة ، فبهذا يحكم على أنّ الدم المتأخّر عن العـادة حيض كما حكمنا على الدم المتقدّم عليها بذلك (1) .

   وفيه ـ  مضافاً إلى أ نّه قياس لأنّ عدم انضباط دم الحيض بكونه محتمل التقدّم لا يلازم كونه محتملاً للتأخر أيضاً ، فلا وجه لقياس أحدهما بالآخر  ـ  .

   أنّ التقدّم في الرّواية إنّما لوحظ بالإضافة إلى أوّل العادة ، فمع تسليم دلالة الموثقة على تأخّر الحيض لا بدّ من أن يلاحظ التأخّر أيضاً بالإضافة إلى أوّل العادة لا بالإضافة إلى آخرها ومنتهاها . مثلاً إذا كانت المرأة ترى الحيض من اليوم الثّالث إلى عاشره من كلّ شهر فقد يتقدّم حيضها عن اليوم الثّالث وتراه من أوّله أو ثانيه ، فإذا فرضنا أنّ حيضها يمكن أن يتأخّر فيتأخّر عن اليوم الثّالث بيوم أو يومين وتراه في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطّهارة : 200 السطر 31 / المقصد الثّاني في الحيض .

ــ[186]ــ

اليوم الرّابع أو الخامس ، لا أ نّها تراه في اليوم الحادي عشر مثلاً بعد إنتهاء عادتها، فلا دلالة للرواية على أ نّه يتأخّر عن منتهى العادة بوجه لو سلّمنا دلالتها على تأخّره عن مبدئها وأوّلها ، لأنّ التقدّم والتأخّر لا بدّ من أن يلاحظا بالإضافة إلى شيء واحد قد يتقدّم عليه وقد يتأخّر عنه . هذا كلّه فيما إذا كانت المرأة ترى الدم بعد عادتها من غير سبقه بالحيض .

   وأمّا إذا كان مسبوقاً به بأن ترى الحيض في عادتها وبعدها رأت الصفرة مثلاً فقد استدلّ في الحدائق على كونها حيضاً بإطلاق الرّوايات (1) الواردة في الإستظهار الدالّة على أنّ الدم إذا تجاوز عن عادة المرأة لا بدّ من أن تستظهر بيوم أو يومين ، فإن تجاوز العشرة تأخذ عادتها حيضاً والباقي إستحاضة ، ومع عدم تجاوز العشرة يحكم بكون الجميع حيضاً ، حيث دلّت على الحكم بحيضيّة الجميع عند عدم تجاوز الدم العشرة من دون تفصيل بين كونه واجداً للصفات وبين كونه فاقداً للصفات .

   وفيه : أنّ إطلاق الرّوايات وإن كان يقتضي ما أفاده إلاّ أ نّه غير قابل للإعتماد عليه ، لأنّ الأخبار معارضة بصحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته المتقدّمة (2) الّتي دلّت على أنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض ، والمعارضة بينهما بالعموم من وجه لأنّ تلك الرّوايات تقتضي الحكم بحيضيّة الدم الخارج بعد العادة غير المتجاوز عن العشرة مطلقاً ، أي سواء أكان واجداً لصفات الحيض أم لم يكن ، وهذه الصحيحة أو الحسنة تدلّ على أنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض ، سواء كانت مسبوقة بالحيض أم لم تكن ، فتتعارضان في الصفرة الخارجة بعد الحيض .

   فالطائفة الاُولى تقتضي الحكم بحيضيّتها بإطلاقها ، والصحيحة تدلّ على عدم كونها حيضاً ، وبما أنّ تعارضهما بالإطلاق فيحكم بتساقطهما في مورد المعارضة ويرجع فيه إلى أخبار صفات الحيض ، لأ نّه ممّا لا خفاء فيه لأ نّه دم حارّ أسود

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 300 / أبواب الحيض ب 13 .

(2) الوسائل 2 : 278 / أبواب الحيض ب 4 ح 1 .

ــ[187]ــ

عبيط ، وحيث إنّه غير واجد له يحكم بعدم كونه حيضاً ، أو يرجع إلى مطلقات أدلّة التكاليف كوجوب الصّلاة على كلّ مكلّف وجواز وطء الزّوجة في أيّ زمان ، وهكذا .

   على أنّ الرّوايات المتقدّمة مطبقة على أنّ الصّفرة بعد الحيض ليست بحيض، وعليه فالصحيح عدم الفرق في الدم المتأخّر بين كونه مسبوقاً بالحيضيّة وعدمه في الحكم بعدم كونه حيضاً إذا لم يكن واجداً للصفات وإن ذهب بعضهم إلى خلافه ، هذا كلّه فيما إذا تأخّر الدم عن عادتها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net