المراد بالامكان في القاعدة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7099


    المراد بالإمكان في القاعدة

   وبهذا يظهر أنّ الإمكان في القاعدة يراد به الإمكان القياسي بمعنى أنّ الدّم حيض بالقياس إلى أدلّة الشّروط والأخبار المتقدّمة ، فكلّ دم يمكن أن يكون حيضاً بالقياس إلى أدلّة الشّروط والأخبار فهو حيض ، وليس المراد به الإمكان الإحتمالي بأن يقال : كلّ دم يحتمل أن يكون حيضاً فهو حيض ، لما مرّ من أنّ الدم في الشبهات الحكمية والمصداقيّة يحتمل أن يكون حيضاً واقعاً مع أ نّه ليس بحيض ، ولم يلتزم الأصحاب بالحيضيّة فيهما ، والإجماع على تقدير تحقّقه إنّما هو في غير الموردين .

   كما أنّ المراد بالإمكان ليس هو الإمكان الذاتي في كلماتهم ، لعدم وقوع البحث فيه ، حيث إنّ حيضيّة الدم المردّد بين الحيض والإستحاضة ليست من المستحيلات الأوّلية كإجتماع النقيضين وارتفاعهما، بل كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً ولو كان بلحظة أو غير مستمر ثلاثة أيّام أو قبل تخلّل عشرة الطّهر ، وإنّما الشارع لم يحكم بحيضيّته في تلك الموارد ، وهو أمر آخر غير الإمكان الذاتي ، ومن ثمة لم يردّوا ما نقل من بعض


ــ[202]ــ

العامّة من أنّ الحيض يمكن أن يكون أقلّ من ثلاثة أيّام بأ نّه أمر مستحيل ذاتاً .

   وأمّا الإمكان الوقوعي وعدم استتباع حيضيّة الدم المردّد بين الحيض وغيره محذوراً وأمراً ممتنعاً فهو أيضاً غير مراد من كلماتهم ، وذلك لأ نّه لا سبيل لنا إلى إحراز أنّ كون الدم حيضاً في موارد الإشتباه يلزمه محذور أو لا يلزمه .

   فالإمكان في كلماتهم إنّما يراد به الإمكان القياسي ، أي الدم الّذي يمكن أن يكون حيضاً بالقياس إلى أدلّة الشروط والأخبار لإستجماعه جميع الشروط ، وهو حيض . هذا تمام الكلام في المرحلة الاُولى والمقتضي .

   وأمّا المرحلة الثّانية أعني البحث عن أنّ للأخبار المتقدّمة مانعاً أو لا مانع عنها فملخص الكلام في ذلك أنّ الصفرة ـ كما تقدّم وعرفت ـ في غير أيّام العادة ليست بحيض ، كما أ نّها في أيّام العادة حيض حسب الأخبار المتقدّمة في مواردها ، ومقتضى ما سردناه من الأخبار أنّ كلّ دم مردّد بين الحيض والإستحاضة عند إستجماعه لشروط الحيض حيض .

   فإذن لا بدّ من النّظر إلى أنّ كلّ دم أحمر أو أصفر محـكوم بكونه حيضاً كما هو مقتضى ما سردناه من الرّوايات إلاّ الدم الأصفر في ذات العادة إذا رأته في غير أيّامها ، فخروج الصفرة عن الحيض يحتاج إلى دليل أو أنّ الحيض يشترط فيه الحمرة كما هو مقتضى أخبار الصفات ، فكلّ دم ليس بأحمر كما إذا كان أصفر فهو ليس بحيض إلاّ الدم الأصفر في ذات العادة إذا رأته في أيّام عادتها أو قبلها بيوم أو يومين (1) ، وعليه فكون الصفرة حيضاً هو المحتاج إلى إقامة الدليل عليه .

   فالعمدة أن يتكلّم في أنّ الصفات كالحمرة والسواد هل هي كبقيّة الشروط المعتبرة في تحقّق الحيض ، بحيث لو لم يكن الدم أحمر فهو ليس بحيض إلاّ فيما إذا رأته المرأة في أيّام عادتها أو قبلها بيوم أو يومين ، لأنّ الصفرة فيها حيض بمقتضى النّصوص ، أو أنّ الحمرة ليست من شروط الحيض ، وهو قد يكون أصفر وقد يكون أحمر ، فكلّ دم كان مستجمعاً للشروط فهو حيض وإن كان أصفر ، وإنّما يستثنى من ذلك الصفرة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 278 / أبواب الحيض ب 4 .

ــ[203]ــ

غير أيّام العادة ، لأ نّها ليست بحيض في ذات العادة .

   وهذا الأخير لعله هو المعروف بينهم ، ومن ثمة حكموا بأنّ ما تراه المبتدئة والمضطربة والناسية من الدم ـ بعد تقييده بما إذا كان واجداً للشرائط ـ حيض وإن كان أصفر .

   إلاّ أنّ الصحيح أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في المقام هو مدخليّة الحمرة في الحكم بالحيضيّة وأ نّها كبقيّة الشروط ، فكلّ دم لم يكن بأحمر فهو ليس بحيض وإن كان أصفر ، إلاّ الصفرة في أيّام العادة أو قبلها بيوم أو يومين .

   والّذي يدلّنا على ذلك من الأخبار : الرّوايات الواردة في المائز بين دم الحيض والإستحاضة الدالّة على أنّ الحيض دم حار عبيط أحمر أو أسود يخرج بحرقة ودفع ودم الإستحاضة دم بارد أصفر ، وأنّ دم الحيض ليس به خفاء (1) ، فإنّ مقتضى تلك الرّوايات أنّ الحمرة والسواد من الاُمور المقوّمة للحيض ، فكلّ دم لم يكن كذلك ليس بحيض ، كما أنّ الصفرة تلازم الإستحاضة إلاّ الصفرة في أيّام العادة ، لأ نّها كالصفرة قبلها بيوم أو يومين حيض بمقتضى النّصوص .

   وهذه الرّوايات وإن كانت واردة في المستحاضة وهي الّتي تجاوز دمها العشرة إلاّ أنّ جوابه (عليه السلام) ليس حكماً مختصّاً بمورد الأخبار حتّى لا يمكن التعدِّي إلى غيره ، وإنّما هو حكم كبروي ينطبق عليه وعلى غيره ، لأ نّها بصدد بيان المائز بين دم الحيض وغيره ، فكل دم لم يكن كما وصف فهو ليس بحيض .

   ومن تلك الرّوايات ما ورد في أنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض ، بل المرأة تتوضّأ وتصلِّي إذا كانت الصـفرة قليلة ، أو تغتسل وتصلِّي إذا كانت كثيرة لكونها مستحاضة حينئذ ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، قال « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال (عليه السلام): لا تصلِّي حتّى تنقضي أيّامها، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(2) وبمضمونها روايات عديدة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 275 / أبواب الحيض ب 3 .

(2) الوسائل 2 : 278 / أبواب الحيض ب 4 ح 1 ، وبمضمونه أكثر روايات الباب .

ــ[204]ــ

اُخرى، وهي كما تشمل الصفرة في ذات العادة تشمل الصفرة في غير ذات العادة، حيث دلّت على أنّ الصفرة في يوم ليس هو بأيّام العادة ليس بحيض ، سواء كانت المرأة ذات عادة أم لم تكن لها عادة أصلاً ، لصدق أنّ اليوم ليس من أيّام عادتها .

   وأصرح من الجميع رواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) حيث ورد فيها «قلت كيف تصنع ؟ قال : ما دامت ترى الصفرة فلتتوضأ من الصفرة وتصلّي ، ولا غسل عليها من صفرة تراها إلاّ في أيّام طمثها ، فإن رأت صفرة في أيّام طمثها تركت الصّلاة كتركها للدم» (1) حيث صرحت فيها بأنّ الصفرة ليست بحيض مطلقاً ولو من غير ذات العادة إلاّ في أيّام عادتها .

   ومقتضى هذه الأخبار هو الحكم بأنّ ما تراه المبتدئة والمضطربة والناسية في الدم الفاقد للحمرة استحاضة وليس بحيض وإن كان واجداً لبقيّة الشروط وإن كان خلاف ما ذهب إليه المشهور ، بل خلاف ما ادّعوا عليه الإجماع ، لكن الصحيح ما عرفته وإن كان الإحتياط في محله .

   فالمتحصل أنّ الحمرة أو السواد معتبران في حيضيّة الدم ، فالدم الأصفر ليس بحيض إلاّ الصفرة الّتي تراها ذات العادة أيّام عادتها ، هذا كلّه في ذات العادة غير الحبلى .

   فهل الصفرة الّتي تراها الحبلى في أيّام عادتها أيضاً محكومة بالحيض وهي مستثناة من كبرى عدم حيضيّة الصفرة ، كما في الحائل غير الحبلى ، أو أنّ الصفرة في الحبلى ليست بحيض ولو كانت في أيّام عادتها ؟

   مقتضى الأخبار الواردة في أنّ الصفرة في أيّام العادة حيض(2) سواء كانت المرأة حبلى أو غير حبلى أ نّها حيض ، كما أنّ مقتضى الأخبار الواردة في أنّ الصفرة الّتي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 280 / أبواب الحيض ب 4 ح 8 .

(2) الوسائل 2 : 278 / أبواب الحيض ب 4 .

ــ[205]ــ

تراها الحبلى ليست بحيض (1) سواء تراها في أيّام عادتها أو في غيرها أ نّها ليست بحيض ، والطائفتان متعارضتان والنسبة بينهما عموم من وجه ، وتعارضهما في الصفرة الّتي تراها الحبلى أيّام عادتها ، ومقتضى القاعدة تقديم ما دلّ على أنّ الصفرة في أيّام العادة حيض ، لأنّ في تلك الطائفة رواية يونس المشتملة على أنّ «كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض» (2) وحيث إنّ دلالتها بالعموم ودلالة الطائفة الثّانية بالإطلاق ، لا محالة يتقدّم ما كانت دلالته بالعموم على ما كانت دلالته بالإطلاق .

   ولكن الرّواية ضعيفة بالإرسال ، لأنّ يونس رواها عن بعض أصحابه ، وغيرها من الأخبار مطلق ، على أنّ كون دلالتها بالعموم محل تأمّل ومنع ، لأنّ عمومها إنّما هو بالإضـافة إلى الدم الأحمر والأصفر ، وأمّا بالإضـافة إلى أفراد المرأة فدلالتها بالإطلاق، وعلى تقدير الغض عن ذلك وفرضها عامّة أيضاً لا يمكننا الحكم بحيضيّة الدم المذكور ، لضعف الرّواية بحسب السند .

   ومقتضى القاعدة في تعارض المطلقين بالعموم من وجه هو التساقط والرّجوع إلى العام الفوق ، وهو ما دلّ على أنّ دم الحيض والإستحاضة لا خفاء فيه ، لأنّ الحيض دم أحمر عبيط ، ودم الإستحاضة أصفر بارد ، ومعه لا يحكم على الصفرة الّتي تراها الحبلى بالحيضيّة .

   ومع الغض عن هذا العموم لا بدّ من الرّجوع إلى عمومات ومطلقات أدلّة التكاليف ، كما دلّ على وجوب الصّلاة على كلّ مكلّف ، أو ما دلّ على أنّ الزّوج يجوز له وطء زوجته أ نّى شاء ، ومقتضاها الحكم بعدم الحيضيّة في المقام . وهذه المسألة ممّا لم نر التعرّض له في كلمات الأصحاب .

   هذا كلّه في المقام الأوّل ، وهو ما إذا اسـتمرّ الدم ثلاثة أيّام ولم يكن واجداً للصفات ، وهو الّذي جزم الماتن بكونه حيضاً كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 331 و 334 / أبواب الحيض ب 30 ح 6 و 16 .

(2) الوسائل 2 : 279 / أبواب الحيض ب 4 ح 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net