ما دلّ على وجوب الاستظهار عند تجاوز الدم عن العشرة
إلاّ أنّ هناك جملة من الرّوايات الّتي ادّعي تواترها إجمالاً ـ ولا بأس بهذه الدعوى إذا انضمّت إليها الأخبار الواردة في استظهار النّفساء لوحدة حكمهما كما يأتي ـ قد دلّت على أنّ المرأة إذا تجاوز دمها العشرة وكانت عادتها أقل منها تستظهر بيوم(1) أو يومين(2) أو بثلاثة أيّام(3) أو بعشرة(4) أو بثلثي أيّام عادتهـا (5) ـ إلاّ أ نّه ورد في النّفساء دون الحائض ـ وعليه فلا مناص من أن تترك المرأة صلاتها وتستظهر وتغتسل بعد أيّام استظهارها ، ولا تتمكّن من الاغتسال بعد أيّام عادتها قبل الاستظهار .
ولكن في قبال هذه الرّوايات جملة من الأخبار(6) دلّت على عدم وجوب الاستظهار حينئذ ، بل المرأة طاهرة ويجوز لزوجها أن يأتيها متى شاء .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 301 / أبواب الحيض ب 13 ح 3 و 4 و 5 ، 383 / أبواب النّفاس ب 3 ح 4 .
(2) الوسائل 2 : 383 و 384 / أبواب النّفاس ب 3 ح 2 و 5 .
(3) الوسائل 2 : 300 و 302 و 303 / أبواب الحيض ب 13 ح 1 و 6 و 10 .
(4) الوسائل 2 : 303 / أبواب الحيض ب 13 ح 12 ، 383 / أبواب النّفاس ب 3 ح 3 .
(5) الوسائل 2 : 389 / أبواب النّفاس ب 3 ح 20 .
(6) الوسائل 2 : 371 و 372 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 و 4 ، 378 / ب 2 ، 379 / ب 3 ح 1 .
ــ[241]ــ
ومن ثمة جمعوا بينها وبين الطائفة المتقدِّمة بحمل الأوامر الواردة فيها على الإستحباب ، لظهورها في الوجوب وصراحة الطائفة الثّانية في عدمه ، وإلى هذا ذهب المشهور .
وربما يؤيِّد حمل الأخبار الآمرة بالإستظهار على إستحبابه بما ذكروه في روايات البئر من أنّ الإختلاف في التقدير كاشف عن عدم وجوبه ، وقد عرفت أنّ الأخبار الواردة في المقام كذلك ، لأنّ في بعضها أ نّها تستظهر بيوم ، وفي بعضها الآخر بيومين وفي ثالث بثلاثة أيّام ، وفي رابع بعشرة أيّام ، وفي خامس بثلثي أيّامها وإن كان ذلك وارداً في النّفساء دون الحائض ، والإختلاف في التقدير يكشف عن عدم الوجوب .
إلاّ أ نّا أجبنا عن ذلك في محلّه بأن الإختلاف في بيان التقدير إنّما يكشف عن عدم الوجوب في المقدار الزّائد عن القدر المشـترك بين الجميع ، ولا يكشف عن عدم الوجوب حتّى في المقدار الأقل المشترك فيه الجميع ، والإسـتظهار بيوم واحد ممّا يشترك فيه جميع التحديدات الواردة في الأخبار ، ولا موجب لرفع اليد عن الوجوب فيه .
ما هو الصحيح في الجمع بين الطائفتين
فالصحيح هو الوجه الأوّل أعني الجمع بين الطائفتين من الأخـبار بحمل الظّاهر منها على النص .
وقد يقال بحمل الأخبار الآمرة بالإستظهار على الإستحباب في نفسها مع قطع النّظر عن معارضتها مع الطائفة الثّانية النافية لوجوب الإستظهار ، وذلك بدعوى أنّ المورد من موارد توهّم الحظر ، حيث إنّ المرأة تحتمل حرمة ترك الصّلاة في تلكم الأيّام لإحتمال كونها طاهرة وممّن تجب عليها الصّلاة ، فالأوامر الواردة بترك الصّلاة إنّما وردت دفعاً لهذا التوهّم ، فلا ظهور لها في الوجوب في نفسها ، وإنّما هي تفيد الإباحة والجواز .
ويدفعه : أنّ ترك الصّلاة كما يحتمل حرمته على المرأة في أيّام إستظهارها كذلك
ــ[242]ــ
يحتمل أن يكون إتيانها بها بقصد القربة محرماً ، وكذا الحال في تمكينها لزوجها لدوران أمرها بين الحيض والطهر ، وقد سبق أنّ لكلّ منهما أحكاماً إلزاميّة ، فالمقام من دوران الأمر بين المحـذورين لا من موارد توهّم الحظر الّتي توجب ظهور الأمر فيها في الإباحة .
فالعمدة في حمل الأوامر المذكورة على الإسـتحباب إنّما هو الوجه الأوّل فلا بدّ من ملاحظة أ نّه تام أو ليس بتام . وقد عرفت أنّ الأخبار الواردة في الاستظهار على طائفتين :
إحداهما : ما دلّت على وجوب الإستظهار بيوم أو بيومين أو بثلاثة أو بعشرة وهي الّتي ادعي تواترها إجمالاً ، ولم نستبعد ذلك فيما إذا انضمّت إليها الأخبار الواردة في استظهار النّفساء ، بل الأخبار الواردة في المستحاضة بالغة حدّ الإستفاضة في نفسها ، بل لا يبعد دعوى تواترها الإجمالي في نفسها مضافاً إلى أنّ فيها روايات معتبرة من الصحاح والموثقات .
وثانيتهما : ما دلّ على عدم وجوب الإستظهار على المستحاضة وأ نّها تقعد أيّام عادتها ثمّ تغتسل وتصلّي ويغشاها زوجها متى شاء ، وهي جملة من الأخبار أيضاً فيها صحيحة وموثقة .
اختلاف الأنظار في الجمع بين الطائفتين
وقد اختلفت الأقوال في المسألة باختلاف الأنظار في الجمع بينهما .
فالمشهور بينهم أنّ الإستظهار مستحب بحمل الطائفة الآمرة بالإستظهار على الإستحباب بملاحظة الطائفة النافية لوجوبه ، وحكي عن بعضهم أنّ الإستظهار أمر مباح وللمرأة أن تستظهر وأن لا تستظهر ، وعن الشيخ(1) والسيِّد(2) وجوبه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النهاية : 26 / باب حكم الحائض ، المبسوط 1 : 44 / أحكام الحائض ، الجمل والعقود : 163 .
(2) نقل عن مصباح السيِّد في الحدائق 3 : 216 / في غسل الحيض ، وكذا المحقّق في المعتبر 1 : 214 / في غسل الحيض .
ــ[243]ــ
ولا يمكن القول بالإباحة بدعوى أنّ الأخبار الآمرة بالإستظهار وردت في مورد توهّم الحظر ، وذلك لما عرفت من أنّ المورد ليس كما توهّم .
كما لا يمكن المسـاعدة على ما ذهب إليه المشهور من حمل الطائفـة الآمرة بالإستظهار على الإستحباب بقرينة الطائفة النافية للوجوب ، وذلك لأنّ الطائفة الثّانية تشتمل على الأمر بالإغتسال والصّلاة بعد أيّام عادتها ، فلا وجه لترجيح إحداهما على الاُخرى ورفع اليد عن ظاهر إحداهما بملاحظة الاُخرى دون العكس .
ودعوى : الجمع بينهما بحملهما على الوجوب التخييري أو الإستحباب كذلك .
مندفعة بأنّ الإغتسال وتركه وكذلك الصّلاة وتركها من الضدّين لا ثالث لهما ، ولا معنى للتخيير في مثلهما ، لأنّ المرأة بطبعها إمّا أن تفعلهما وأمّا أن لا تفعلهما . فهذا الوجه ساقط أيضاً .
|