ما جمع به صاحب الحدائق بين الطائفتين
وقد جمع صاحب الحدائق (قدس سره) بينهما تارة بحمل الطائفة الثّانية النافية لوجوب الإستظهار على التقيّة ، نظراً إلى أنّ الطائفة الآمرة بالإستظهار روايات معروفة مشهورة بين الأصحاب ، فقد علمنا لأجلها أنّ الإستظهار ـ على اختلاف أيّامه ـ أمر ثابت من مذهب الشيعة ، وأمّا عدم وجوب الإستظهار على المستحاضة فهو أمر موافق لمذهب الجمهور إلاّ مالكاً فإنّه ذهب إلى وجوب الإستظهار ثلاثة أيّام على ما نسبه العلاّمة إليه في المنتهى(1) .
ويدفعه : أنّ معاملة المتعارضين بينهما والترجيح بمخالفة العامّة إنّما تصل النوبة إليها فيما إذا لم يمكن الجمع بينهما بوجه ، لوضوح أ نّه مع إمكان الجمع بينهما لا تعارض حتّى يرجح بمرجحات المتعارضين .
على أنّ مخالفة العامّة كما ذكرناه في محله مرجح ثان في المتعارضين ، ولا تصل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 3 : 220 / في غسل الحيض .
ــ[244]ــ
النوبة إلى الترجيح بها مع وجود المرجح الأوّل وهو موافقة الكتاب ، والطائفة النافية لوجوب الإستظهار يمكن أن يقال إنّها موافقة للكتاب ، لأنّ الحكم على المستحاضة بالصّلاة بعد أيّام عادتها موافق للمطلقات الواردة في الكتاب ، لأ نّها إنّما خصّصت بأيّام الحيض ، وأمّا في غيرها فمقتضى المطلقات وجوب الصّلاة عليها مثلاً ، والحكم بعدم وجوبها عليها حينئذ تقييد زائد في المطلقات ، فبذلك تتقدّم على الطائفة الآمرة بالإستظهار .
واُخرى جمع بينهما بحمل أخبار الاستظهار على المرأة غير مستقيمة الحيض كما إذا زاد دمها تارة ونقص اُخرى ، وأخبار عدم وجوبه على المستقيمة في عادتها مستشهداً على ذلك بروايتين :
إحداهما : موثقة عبدالرّحمن بن أبي عبدالله ، قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المستحاضة أيطؤها زوجها وهل تطوف بالبيت ؟ قال : تقعد قرأها الّذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به ، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل» (1) .
ثانيتهما : رواية مالك بن أعين ، قال «سألت أبا جعـفر (عليه السلام) عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها ؟ قال : ينظر الأيّام الّتي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة ، فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام من ذلك الشهر ، ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيّام ، ولا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل ثمّ يغشاها إن أراد» (2) .
وذكر أنّ الإستقامة في الحيض لمّا كانت قليلة أو نادرة تكاثرت الأخبار بالإستظهار للمرأة لأجله .
وهذا الجمع أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، لعدم ورود الرّوايتين اللتين إستشهد بهما (قدس سره) على مدّعاه فيما هو محل الكلام ، لأنّ محل الكلام إنّما هو المرأة ذات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 375 / أبواب الإستحاضة ب 1 ح 8 .
(2) الوسائل 2 : 320 / أبواب الحيض ب 24 ح 11 ، 379 / أبواب الإستحاضة ب 3 ح 1 .
ــ[245]ــ
العادة العدديّة سواء أكانت ذات عادة وقتيّة أيضاً أم لم تكن ـ فإنّ النسبة بين العادتين عمـوم من وجه كما قدّمـناه ـ فإذا زاد دمها على العشرة يتكلّم في أ نّها ترجع إلى عددها ثمّ تغتسل أو أ نّها تستظهر بعد ذلك العدد بثلاثة أيّام أو بأكثر أو بأقل .
وأمّا الرّوايتان فهما قد وردتا في المرأة ذات العادة الوقتيّة الّتي قد يزيد عدد أيّام دمها وينقص وقد لا يزيد ولا ينقص ، وذلك لإشتمالهما على أ نّها تقعد قرأها الّذي كانت تحيض فيه أو الأيّام الّتي كانت تحيض فيها ، فعلمنا من ذلك أنّ لها عادة وقتيّة ولكن عددها قد يستقيم وقد لا يستقيم ، ومعه لا تكون الرّوايتان مفصلتين في محل الكلام ، بل هما من أدلّة عدم وجوب الاستظهار حيث دلّتا على أنّ المستقيمة العدد أي الّتي لها عدد معيّن وقد زاد دمها على العشرة تأخذ بعدد أيّامها ولا يجب عليها الاستظهار هذا .
على أنّ رواية مالك بن أعين ضعيفة ، لأنّ الشيخ رواها عن ابن فضال ، وطريقه إليه ضعيف(1) .
وأمّا الرّواية الاُولى فقد عبّر عنها صاحب الحدائق (قدس سره) بالصحيحة، ولعلّه من جهة أنّ أبان بن عثمان الواقع في سندها ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، إذ لم يرد فيه توثيق صريح بل ضعّفه العلاّمة وردّ روايته معتمداً على قوله تعالى : ( ... إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُ بَنَبَإ فَتَبَيَّنُوْا ... )(2) وأيّ فسق أعظم من مخالفة الإمام (عليه السلام) ، والرّجل ناووسي ، ولكنّا نعتمد على رواياته لأجل توثيق الشيخ إيّاه في ضمن جملة من أمثاله في عُدّته ، فهذا الجمع ممّا لا شاهد له .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدّم أنّ هذا ما بنى عليه سيِّدنا الاُستاذ أوّلاً غير أ نّه رجع عن ذلك أخيراً ، راجع الصفحة 70 .
(2) الحجرات 49 : 6 .
|