الثّامن : وجوب الكفّارة ((1)) بوطئها وهي دينار في أوّل الحيض ونصفه في وسطه وربعه في آخره إذا كانت زوجة ، من غير فرق بين الحرّة والأمة والدائمة والمنقطعة (2)
ـــــــــــــــــــــــ هل تجب الكفّارة بوطئها ؟
(2) ما أفاده الماتن (قدس سره) هو المشهور بين المتقدّمين ، ولكن المشهور بين المتأخّرين على ما في الحدائق(2) عدم وجوب الكفّارة على الواطئ في المحيض ومنهم صاحب الوسائل(3) (قدس سره) على ما عنون به الباب : باب إستحباب الكفّارة لمن وطئ في الحيض ... .
والوجه في إختلاف المتقدّمين والمتأخّرين في المسألة هو إختلاف الأخبار ، لأنّ الكفّارة على الترتيب الّذي ذكره الماتن (قدس سره) إنّما ورد في رواية داود بن فَرقَد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في كفّارة الطمث أ نّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار وفي وسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار ، قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر ؟ قال : فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلاّ إستغفر الله تعالى ولا يعود ، فإنّ الإستغفار توبة وكفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شيء من الكفّارة» (4) .
وفي مرسلة المُقنع قال «روي أ نّه إن جامعها في أوّل الحـيض فعليه أن يتصدّق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يبعد استحبابها ، والاحتياط لا ينبغي تركه ، وبذلك يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية.
(2) الحدائق 3 : 265 / في الحيض .
(3) الوسائل 2 : 327 / أبواب الحيض ب 28 .
(4) الوسائل 2 : 327 / أبواب الحيض ب 28 ح 1 .
ــ[371]ــ
بدينار ، وإن كان في نصفه فنصف دينار ، وإن كان في آخره فربع دينار» (1) .
ولا يمكن الاعتماد على ذلك لإرسالها ، ولعلّ المراد بالمرسلة هو رواية داود بن فرقد ، ولا يمكن الإعتماد على رواية داود لضعف سندها بالإرسال أوّلاً ، لأنّ محمّد بن أحمد بن يحيى رواها عن بعض أصحابنا عن الطيالسي ، وبعدم دلالتها على وجوب الكفّارة بتلك الكيفيّة ثانياً ، وذلك لأنّ السؤال فيها إنّما هو عن كمّ الكفّارة وأ نّه أيّ شيء فأجابه بما أجاب به ، ولا دلالة لها على أنّ أصل الكفّارة واجب ، بل الكفّارة المعطاة هي الدينار ونصفه وربعه ولو كانت الكفّارة مستحبّة ، فلا دلالة لها على أصل وجوب الكفّارة .
وأمّا غير هذه الكيفيّة المذكورة في المتن فقد ورد في صحيحة محمّد بن مسلم وجوب التصدّق بدينار مطلقاً بلا فرق في ذلك بين أوّل الحيض وآخره ووسطه ، قال «سألته عمن أتى امرأته وهي طامث ، قال : يتصدّق بدينار ، ويستغفر الله تعالى» (2) .
إلاّ أنّ مضمونها ممّا لم يقل به أحد من أصحابنا وإن حكي القول به عن المخالفين مضافاً إلى أ نّها معارضة بما دلّ على نفي وجوب الكفّارة كصحيحة العِيص ، قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال : لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى الله تعالى أن يقربها ، قلت : فإن فعل أعليه كفّارة ؟ قال : لا أعلم فيه شيئاً ، يستغفر الله» (3) .
والجمع بينها وبين الصحيحة المتقدّمة يقتضي حملها على الإستحباب أو التقيّة كما سيأتي .
ويؤيّد ذلك ما رواه زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) ، قال «سألته عن الحائض يأتيها زوجها ؟ قال : ليس عليه شيء ، يستغفر الله ولا يعود» (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 328 / أبواب الحيض ب 28 ح 7 .
(2) الوسائل 2 : 327 / أبواب الحيض ب 28 ح 3 .
(3) الوسائل 2 : 329 / أبواب الحيض ب 29 ح 1 .
(4) الوسائل 2 : 329 / أبواب الحيض ب 29 ح 2 .
ــ[372]ــ
وما رواه ليث المرادي ، قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقوع الرّجل على امرأته وهي طامث خطأً ـ أي من باب الخطيئة والمعصية بقرينة قوله بعد ذلك : وقد عصى ربّه ، لا من باب الخطأ والإشتباه ، وإلاّ لم يكن عاصياً بوجه ـ قال : ليس عليه شيء ، وقد عصى ربّه» (1) .
وأمّا ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من أتى حائضاً فعليه نصف دينار يتصدّق به»(2) ، حيث دلّت على أنّ الكفّارة هي نصف دينار مطلقاً ، فهو كسابقه ممّا لم يلتزم به الأصحاب .
وفي رواية علي بن إبراهيم في تفسيره قال «قال الصّادق (عليه السلام) : من أتى امرأته في الفرج في أوّل أيّام حيضها فعليه أن يتصدّق بدينار ، وعليه ربع حدّ الزاني : خمسة وعشرون جلدة ، وإن أتاها في آخر أيّام حيضها فعليه أن يتصدّق بنصف دينار ، ويضرب إثنتي عشرة جلدة ونصفاً» (3) .
ويدفعه : مضافاً إلى إرسالها ، أنّ مضمونها ممّا لم يقل به أحد من أصحابنا ، فإنّهم إنّما ذهبوا إلى وجوب الكفّارة بنصف دينار فيما إذا كان في وسط الحيض ، وربع دينار إذا كان في آخره ، لا نصف دينار في آخر الحيض .
وقد ورد مضمون هذه الرّواية في رواية محمّد بن مسلم المرويّة في باب التعزيرات من الوسائل ، قال «سألت أبا جعفر عن الرّجل يأتي المرأة وهي حائض ، قال : يجب عليه في إستقبال الحيض دينار ، وفي استدباره نصف دينار ... » (4) .
لكنّه ضعيف بأبي حبيب الواقع في سنده ، وهو ممّن لم تثبت وثاقته ، وهو أيضاً غير معمول به بين الأصحاب .
وقد تحصل إلى هنا أنّ وجوب الكفّارة في وطء الحائض ممّا لا مقتضي له ولا دليل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 329 / أبواب الحيض ب 29 ح 3 .
(2) الوسائل 2 : 327 / أبواب الحيض ب 28 ح 4 .
(3) الوسائل 2 : 327 / أبواب الحيض ب 28 ح 6 .
(4) الوسائل 28 : 377 / أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب 13 ح 1 .
ــ[373]ــ
عليه ، وقد دلّت صحيحة العِيص على نفي لزوم الكفّارة على الوطء في الحيض ، هذا بعدما عرفت من الإشكال في سند رواية داود بن فرقد ودلالتها .
ثمّ على تقدير التنازل وفرض تماميّة الأخبار المتقدِّمة ، أي غير رواية داود بن فرقد ، فإنّها ضعيفة السند والدلالة كما مرّ كالأخبار الدالّة على وجوب الدّينار أو نصفه أو التفصيل ، فقد عرفت أ نّها متعارضة ولا مناص من العلاج بينها .
والتصرّف فيما دلّ على وجوب الكفّارة بدينار مطلقاً كما في صحيحة محمّد بن مسلم وما دلّ على وجوب الكفّارة بنصف دينار مطلقاً كما في رواية أبي بصير ، بحمل الأوّل على أوّل الحيض واستقباله ، وحمل الثّاني على آخره واستدباره كما في رواية القمّي ومحمّد بن مسلم المرويّة في باب التعزيرات .
مندفع : بأ نّه ليس من الجمع العرفي في شيء ، لبعد أن يحكم الإمام (عليه السلام) بوجوب الكفّارة بدينار على وجه الإطلاق مريداً به أوّل الحيض ، أو يحكم بوجوب الكفّارة بنصف دينار مطلقاً مريداً به آخر الحيض .
|