5 ـ التقليد في اُصول الفقه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7178


   5 ـ التقليد في اُصول الفقه :

   المجتهد الواجد لملكة الاستنباط في الأحكام إذا لم يتمكن من الاستنباط في المسائل الاُصولية بأجمعها أو ببعضها، كمسألة حجية الاستصحاب أو الخبر الواحد أو التخيير في تعارض الروايتين أو غيرها ، فهل يجوز أن يقلّد في تلك المسائل ويستنبط الفروع الفقهية بذلك بأن يكون هذا متوسطاً بين المقلّد والمجتهد، أو أن المسائل الاُصولية كالموضوعات الصرفة وغيرها مما لا مجال فيه للتقليد ؟

   الّذي ينبغي أن يقال : إن المجتهد إذا تمكن من الاستنباط في الأحكام الفرعية ولم يتمكن منه في المسائل الاُصولية جاز له التقليد في تلك المسائل وهو مما لا محذور فيه ، فإن الأدلة المتقدمة الدالة على مشروعية التقليد وجوازه كما أنها شاملة للتقليد في الفروع كذلك شاملة للتقليد في الاُصول .

   أما الكتاب فلما مرّ من أنه إنما دلّ على مشروعية التقليد في الاُمور الراجعة إلى الدين ، ومن البديهي أن حجية الاستصحاب أو الخبر الواحد أيضاً راجعة إلى الدين فتعلّمها تفقّه في الدين ، فالانذار بها حجة بمقتضى الآية المباركة فإنها مطلقة من ناحية كون الحكم الشرعي المنذر به حكماً للعمل من دون واسطة كما في الأحكام الفقهية أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا فرق في الموضوعات المستنبطة بين الشرعية والعرفية في أنها محل للتقليد ، إذ التقليد فيها مساوق للتقليد في الحكم الفرعي كما هو ظاهر .

ــ[353]ــ

حكماً للعمل مع الواسطة كما في المسائل الاُصولية .

   وأما السنة فلأنها كما مرّ إنما دلت على مشروعية التقليد فيما يرجع إلى معالم الدين المنطبقة على المسائل الاُصولية أيضاً ، لوضوح أن حجية الخبر مثلاً من معالم الدين فلا مانع من الرجوع فيها إلى العالمين بها .

   وأما السيرة فلأجل أنها جرت على رجوع الجاهل إلى العالم في الاُمور النظرية المبتنية على الاستدلال وإعمال الدقة والمسائل الاُصولية، كذلك وبهذا نستنتج أن المسائل الاُصولية كالمسائل الفرعية قابلة للتقليد .

   نعم ، لا يجوز للغير أن يقلّده فيما استنبطه كذلك لأنه في الحقيقة مقلّد في الحكم لوضوح أن النتيجة تتبع أخس المقدمتين، فهو وإن كان مجتهداً في الفروع ومتمكناً من استنباطها إلاّ أنه مقلّد في الاُصول، ومعه ينتهي الحكم الفرعي المستنبط إلى التقليد ولم يقم دليل على حجية النظر من مثله لغيره، فلا يجوز للعامّي أن يقلّده فيما استنبطه كذلك ، هذا كلّه في كبرى المسألة .

   وأما بحسب الصغرى وأنه هل يتحقق في الخارج شخص يتمكن من الاستنباط في الفروع الفقهية من دون أن يكون قادراً على الاستنباط في المسائل الاُصولية، حتى يقلّد في تلك المسائل وبها يستنبط حكماً فرعياً بالاجتهاد أو لا يوجد لتلك الكبرى صغرى في الخارج ؟

   فالتحقيق أن مسألتنا هذه لا صغرى لها بوجه وتوضيحه : أ نّا وإن ذكرنا في محلّه أن التجزي في الاجتهاد أمر ممكن بل لا كلام في وقوعه، فلا مانع من أن يتمكن أحد من الاستنباط في باب أو مسألة لسهولة مأخذها دون مسألة اُخرى لصعوبتها، بل قلنا إن التجزي مما لا بدّ منه في الاجتهاد المطلق عادة ، إلاّ أن ذلك فيما إذا كان المتجزي مجتهداً في مسألة حقيقة حتى فيما يتوقف عليه من المسائل الاُصولية وإن لم يكن كذلك في مسألة اُخرى لعجزه عن الاجتهاد فيها أو فيما يتوقف عليه . وأما أن المجتهد يتمكن من الاجتهاد في المسألة الفقهية وغير واجد لملكة الاجتهاد في المسألة الاُصولية الّتي

ــ[354]ــ

تتوقف عليها تلك المسألة الفقهية ، فهو مما لا وقوع له وذلك لأن الاجتهاد في الأحكام الشرعية ليس بأهون من الاجتهاد في المسائل الاُصولية ، فإذا فرضنا أن المجتهد يتمكن من الاستنباط في الفروع وتطبيق الكبريات على صغرياتها ، فلا مناص من أن يكون متمكناً من الاجتهاد في المسائل الاُصولية أيضاً وإن لم يتصد لاستنباطها ، وقد أسلفنا عند التكلّم على الاجتهاد أن واجد الملكة لا يجوز له التقليد بوجه لعدم شمول الأدلة له .

   أما آية النفر فلأنها دلت على حجية إنذار المنذر بالإضافة إلى من لا يتمكن من التفقه في الدين دون من هو مثل المنذر في القدرة على التفقه والانذار .

   وأما آية السؤال فلأنها على تقدير دلالتها إنما تدل على حجية جواب العالم لمن ليس له سبيل إلى التعلّم غير السؤال ، ولم تدل على حجيته بالإضافة إلى من يتمكن من التعلّم بالاجتهاد .

   وأما الروايات فلأن القدر المتيقن من مداليلها حجية فتوى الفقيه على من لا يتمكن من تحصيل العلم بالواقع ، وكذلك السيرة لعدم جريانها في من يتمكن من تحصيل العلم بنفسه ، فإن الطبيب المتمكن من الطبابة والعلاج لنفسه أو لأولاده مثلاً لا نستعهد رجوعه أو إرجاعه المريض إلى طبيب آخر ، فصاحب الملكة لا مسوّغ لتقليده . وقد مرّ (1) أن شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ادعى الاجماع على عدم جواز التقليد له، فلا مناص من أن يجتهد أو يحتاط .

   والمتحصل : عدم جواز التقليد في المسائل الاُصولية مطلقاً أما مع التمكن من الاجتهاد في الأحكام الفرعية فلأجل عدم انفكاكه عن التمكن من الاجتهاد في المسائل الاُصولية ، وقد عرفت أن واجد الملكة ليس له التقليد فيما يتمكن من الاجتهاد فيه ، وأما مع العجز عن الاجتهاد في الأحكام الفرعية فلأنه لا يترتب أي فائدة على التقليد في المسائل الاُصولية حينئذ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 17  .

ــ[355]ــ

   [ 68 ] مسألة 68 : لا يعتبر الأعلمية فيما أمره راجع إلى المجتهد إلاّ في التقليد (1) ، وأما الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولِّي لها والوصايا التي لا وصيّ لها ونحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلمية، نعم الأحوط في القاضي أن يكون أعلم من في ذلك البلد أو في غيره مما لا حرج في الترافع إليه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net