ــ[402]ــ
والفرق أنّ غسل الجنابة لا يحتاج إلى الوضوء بخلافه ، فإنّه يجب معه الوضوء ((1)) قبله أو بعده أو بينه إذا كان ترتيبيّاً (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غسل الحيض من لزوم غسل الرأس والرقبة أوّلاً وغسل الجانب الأيمن ثانياً ثمّ غسل الجانب الأيسر أو من غير ترتيب .
ثانيهما : أنّ الطبيعة الواحدة إذا بيّنت كيفياتها في مورد ، كما إذا ورد أنّ الصّلاة أوّلها التكبيرة ثمّ قراءة الفاتحة ثمّ الرّكوع إلى آخر أجزاء الصّلاة في مورد ، وبعد ذلك ورد في مورد ثان أنّ الصّلاة في اللّيل كذا ، فإنّ المتفاهم العرفي من مثله هو الكيفيّة الّتي وردت في ذلك المورد ولا منصرف للذهن إلاّ إليها ، وهذا أمر عرفي يعرفه كلّ أحد .
هل غسل الحيض يغني عن الوضوء
(1) الكلام في هذه المسألة يقع تارة في غسل الجنابة ، واُخرى في غيره من الأغسال الّتي منها غسل الحيض .
أمّا غسل الجنابة فلا إشكال في أ نّه يغني عن الوضوء ولا يجب معه وضوء ، بل الوضوء مع غسل الجنابة بدعة محرمة كما في بعض الرّوايات .
ويدلّ على ما ذكرناه الكتاب والسنّة . أمّا الكتاب فقوله تعالى ( ... إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ا لمَرَافِقِ ... وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ ا لْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ... )(2) حيث إنّ الآية المباركة اشتملت على تفصيلين :
أحدهما: التفصيل بين واجد الماء وبين فاقده، وأوجبت على الأوّل الغسل والوضوء وعلى الثّاني التيمم بالصعيد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على الأحوط وسيأتي عدم الحاجة إليه وبذلك يظهر الحال في المسألة الآتية .
(2) المائدة 5 : 6 .
ــ[403]ــ
وثانيهما : التفصيل في المحدث بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر ، فإنّ الآية المباركة (... إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ ... ) فسّرت بالقيام إليها من النوم ، فسواء اُريد منها القيام إلى الصّلاة من النّوم أو من غيره من الأحداث فرضت الآية المباركة المكلّف محدثاً بالحدث الأصغر وأوجبت عليه الوضوء ، ثمّ فرضته محدثاً بالجنابة حيث قال تعالى (... وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) وأوجبت عليه الغسل . ومن الظّاهر أن التفصيل قاطع للشركة ، فدلّت الآية المباركة على أنّ الوضوء إنّما يجب على من قام إلى الصّلاة من غير حدث الجنابة ، وأمّا المحدث بحدث الجنابة فهو مكلّف بالغسل دون الوضوء .
وأمّا السنّة فقد دلّت الرّوايات المستفيضة على أ نّه لا وضوء مع غسل الجنابة لا قبله ولا بعده(1) ، بل ورد في بعضها أنّ الوضوء معه بدعة محرمة(2) . نعم في موثقة أبي بكر الحضرمي(3) عن أبي جعفر (عليه السلام) الأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة ، إلاّ أنّها محمولة على التقيّة لموافقتها العامّة ومخالفتها للكتاب والسنّة ، فإنّ العامّة ذهبوا إلى لزوم الوضوء قبل غسل الجنابة .
بل وفي بعض الأخبار : «قلت له (عليه السلام) إنّ أهل الكوفة يروون عن علي (عليه السلام) أ نّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ، قال : كذبوا على عليّ (عليه السلام) ، ما وجدوا ذلك في كتاب علي (عليه السلام) ، قال الله تعالى ( ... وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) » (4) .
هذا على أنّ المسألة متسالم عليها بينهم .
وأمّا غير غسل الجنابة من الأغسال فالكلام فيه قد يقع من حيث مقتضى القاعدة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 246 ـ 248 / أبواب الجنابة ب 34 و 35 .
(2) الوسائل 2 : 245 و 246 / أبواب الجنابة ب 33 ح 5 فيه ( أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة ) و ح 6 و 9 و 10 فيها ( أنّ الوضوء بعد الغسل بدعة ) .
(3) الوسائل 2 : 247 / أبواب الجنابة ب 34 ح 6 .
(4) الوسائل 2 : 247 / أبواب الجنابة ب 34 ح 5 .
ــ[404]ــ
وأنّها ماذا تقتضي ؟ واُخرى من جهة الأخبار الواردة في المقام .
الجهة الاُولى : فقد يفرض المكلّف متوضئاً قبل طروء أسباب الغسل عليه ، كما إذا توضأت ثمّ إستحيضت أو نفست أو مسّ الميت أو غير ذلك من الأسباب المقتضيّة للإغتسال بحيث كان باقياً على وضوئه إلى زمان طروء الأسباب عليه . نعم هذه الصورة بعيدة في حقّ الحائض لأنّ أقلّه ثلاثة أيّام ، ويبعد بل لا يتحقّق بقاء الوضوء من قبل ثلاثة أيّام إلى آخرها حتّى تغتسل . وهذا بخلاف بقيّة الأغسال ، إذ يمكن بقاء المكلّف على وضوئه قبل النّفاس إلى آخره حتّى تغتسل ، لأنّ النّفاس قد يتحقّق بلحظة أو ساعة ، وكذلك الإستحاضة أو مسّ الميت ، فإنّ الوضوء في هذه الموارد يمكن بقاؤه في نفسه إلى زمان الإغتسال بخلاف الحيض ، إذ لطول مدّته لا يمكن معه فرض المكلّفة باقية على وضوئها إلى زمان الإغتسال منه .
وفي هذه الصّورة مقتضى القاعدة الأوّلية عدم وجوب الوضوء مع الغسل ، وهذا لا لأنّ الغسل يغني عن الوضوء ، بل لأنّ المقتضي لوجوب الوضوء قاصر في نفسـه حيث إنّ المكلّف على ما هو مفروض الكلام كان متطهراً قبل أن يمسّ الميت أو تستحاض أوتنفس ولم يعلم إنتقاضه بطروء هذه الأسباب في حقّه ، لأنّ نواقض الوضوء محصورة فيما يخرج عن طرفيك اللّذين أنعم الله بهما عليك أو في ثلاثة اُمور على ما في بعض الأخبار الاُخر(1) ، وليس منها هذه الأسباب المقتضية للإغتسال ، نعم الجنابة ناقضة للوضوء ولا وضوء مع غسلها كما سبق ، إلاّ أنّ كلامنا في غير غسل الجنابة كما هو المفروض ، فمقتضى القاعدة في هذه الصّورة هو عدم وجوب الوضوء مع غير غسل الجنابة من الأغسال .
وقد يفرض المكلّف غير متوضئ حال مسّه الميت أو استحاضتها أو غيرها من الأسباب ، ومقتضى القاعدة حينئذ هو وجوب الوضوء مع تلك الأغسال ، لأ نّه غير متوضئ على الفرض ، وإجزاء الأغسال عنه يتوقّف على دلالة الدليل عليه كما دلّ في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 248 / أبواب نواقض الوضوء ب 2 .
ــ[405]ــ
غسل الجنابة ، ولم يقم عليه دليل لأنّ كلامنا فيما تقتضيه القاعدة مع قطع النّظر عن الأخبار .
الجهة الثّانية : الأخبار الواردة في المسألة وهي على طائفتين :
الطائفة الاُولى من الأخبار
إحداهما : ما دلّ على وجوب الوضوء في غير غسل الجنابة من الأغسال .
منها : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة» (1) ، نعم يمكن رفع اليد عن تقييدها بكون الوضوء قبل الإغتسال بما دلّ على جوازه بعده أو في أثنائه ، والكلام في لابديّة وقوع الوضوء قبل الغسل أو جواز أن يؤتى به بعده أو قبله أو في أثنائه يأتي تفصيله موضّحاً بعد ذلك إن شاء الله .
ومنها : ما رواه حَمّاد بن عثمان أو غيره عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة» (2) .
ومنها : ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) «قال: إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل» (3) .
هذه هي الأخبار الواردة في لزوم الوضوء مع غير غسل الجنابة من الأغسال ، إلاّ أنّها غير قابلة للإعتماد عليها ، لضعفها بحسب السند والدّلالة .
أمّا بحسب السند فلأنّ الرّواية الاُولى مرسلة، ولا يعتمد على المراسيل في الاستدلال ودعوى أنّ مرسـلها ابن أبي عمير وهو لا يروي ولا يرسـل إلاّ عن ثقة قد سـبق الجواب عنها غير مرّة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 248 / أبواب الجنابة ب 35 ح 1 .
(2) الوسائل 2 : 248 / أبواب الجنابة ب 35 ح 2 .
(3) الوسائل 2 : 248 / أبواب الجنابة ب 35 ح 3 .
ــ[406]ــ
وأمّا الرّواية الثّانية فلعدم العلم بالراوي المنقول عنه وأ نّه هل هو حماد بن عثمان أم غيره ؟ فالرواية بحكم المرسلة لعدم علمنا بغيره وأ نّه ثقة أو ليس بثقة .
ودعوى أنّ الرّواية مسندة إلى حماد بن عثمان في كلام العلاّمة (1) والشهيد(2) (قدس سرهما) ، حيث رويا هذه الرّواية عنه وأسندوها إلى حماد من دون تردّد في الإسناد ، وحماد بن عثمان ممّن لا إشكال في قبول روايته .
مندفعة بأ نّه من البعيد غايته أن يروي العلاّمة والشهيد (قدس سرهما) هذه الرّواية عن نفس كتاب حماد من دون التنبيه عليه ، فإنّ الظّاهر أ نّهما روياها عن الشيخ (3) ، وغاية ما يمكن أن يصحّح روايتهما حينئذ أن يقال : إنّهما أسقطا «أو غيره» للتسامح ، فإنّ حماداً نسبت إليه هذه الرّواية غاية الأمر لا عن جزم ، أو يقال : إنّ النّسخة الموجودة عندهما من التّهذيب لم يكن فيها لفظة «أو غيره» ، فتدخل الرّواية في إختلاف النسخ ولا يعتمد عليها حينئذ ، لعدم العلم بمن هو الرّاوي عن الإمام (عليه السلام) .
وأمّا الرّواية الثّالثة فلأنّ في سندها سليمان بن الحسن(4) ، وهو مجهول لم يوثق في الرّجال .
وأمّا بحسـب الدلالة فلأنّ الرواية الثّالثة إنّما وردت في غسل الجمعة ، وهو من المستحبّات ولا يجري فيها قانون الإطلاق والتقييد ، بل يحمل المقيّد منها على أفضل الأفراد ، فيكون غسل الجمعة الّذي قبله أو بعده وضوء من أفضل أفراد غسل الجمعة ، لا أنّ الغسل يعتبر أن يكون مع الوضوء ، فلا دلالة لها على أنّ الغسل لا يغني عن الوضوء .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منتهى المطلب 2 : 239 / في أحكام الجنب .
(2) الذكرى : 26 السطر 35 / في الغسل .
(3) التهذيب 1 : 143 / الرقم [ 403 ] في حكم الجنابة .
(4) في التهذيب : الحسين بدل الحسن ، وهو الصّحيح فإنّ سليمان بن الحسين كاتب لعلي بن يقطين كما ورد في رواية اُخرى ، وهو موجود في تفسير القمّي .
ــ[407]ــ
وأمّا الرّوايتان الاُوليان فلأنّ الأخبار الواردة في إغناء غسل الجنابة عن الوضوء إشتمل بعضها (1) على أنّ الوضوء على غسل الجنابة بدعة محرمة ، ومعه يكون استثناء غسل الجنابة قرينة على أنّ المراد من صدرهما أنّ الوضوء مشروع في غير غسل الجنابة من الأغسال ، فلا دلالة لهما على أنّ بقيّة الأغسال لا تغني عن الوضوء ومن تلك الرّوايات ما عن الفقه الرّضوي (2) إلاّ أ نّه ممّا لا يمكن الإعتماد عليه .
الطائفة الثّانية من الأخبار
الطائفة الثّانية : وهي الّتي تدلّ على أنّ الغسل يغني عن الوضوء ، وهي جملة من الأخبار فيها روايات معتبرة وقابلة للإعتماد عليها .
منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : الغسل يجزئ عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل»(3) ، وقد دلّت على أنّ طبيعة الغسل تغني عن الوضوء ، وقد حملها بعض الفقهاء (قدس الله أسرارهم) على غسل الجنابة ، إلاّ أ نّه ـ مضافاً إلى كونه تقييداً بلا مقتض ، لإطلاق الرّواية ـ لا يلائم التعليل الّذي ظاهره أنّ مطلق الغسل أطهر من الوضوء لا خصوص غسل الجنابة ، وإلاّ لبينه (عليه السلام) ، وإرادة خصوص غسل الجنابة منه خارجاً يستلزم تخصيص الأكثر ، وهو مستهجن .
ومنها : ما عن محمّد بن عبدالرّحمن الهمداني «كتب إلى أبي الحسن الثّالث يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة، فكتب (عليه السلام): لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره»(4) .
ومنها : ما عن عمّار الساباطي قال «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرّجل إذا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 245 / أبواب الجنابة ب 33 .
(2) المستدرك 1 : 476 / أبواب الجنابة ب 26 ح 1 .
(3) الوسائل 2 : 244 / أبواب الجنابة ب 33 ح 1 .
(4) الوسائل 2 : 244 / أبواب الجنابة ب 33 ح 2 .
ــ[408]ــ
اغتسل من جنابته أو يوم الجمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده فقال : لا ، ليس عليه قبل ولا بعد ، قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك إذا إغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد ، قد أجزأها الغسل» (1) .
ومنها : غير ذلك من الرّوايات (2) .
ومعها لا مناص من الحكم بعدم الفرق بين غسل الجنابة والحيض وغيرهما ، وأنّ الغسل بإطلاقه يغني عن الوضوء كما ذهب إلى ذلك جملة من المحقّقين من متأخري المتأخرين .
نعم ، يستثنى من ذلك غسل الإستحاضة المتوسّطة ، لدلالة النص الخاص على أنّ المرأة يجب أن تتوضأ لكلّ صلاة وإن كانت تغتسل مرّة لكلّ يوم على ما أشرنا إليه في التعليقة ، ولأجل تماميّة الأخبار النافية للوضوء مع الغسل نلتزم بما ذكرناه .
على أنّا لو سلمنا تماميّة الطائفة الاُولى أيضاً من حيث السند والدلالة فالطائفتان متعارضتان والجمع الدلالي ممكن بينهما ، وهو حمل الطائفة الثّانية على عدم وجوب الوضوء مع الغسل ، وحمل الطائفة الاُولى على مشروعيّته معه وإن لم يكن بواجب هذا .
وربما يستدلّ على إغناء كلّ غسل عن الوضوء بأنّ الأخبار الواردة في الأغسال على كثرتها من الحيض والجنابة ومسّ الميت والإستحاضة والنّفاس ساكتة عن بيان وجوب الوضوء مع الأغسال ، فلو كان واجباً معها لكان عليهم (عليهم السلام) البيان كباقي الواجبات مع الغسل ، ومن سكوت الأخبار وهي في مقام البيان نستكشف عدم وجوب الوضوء مع الغسل وأ نّه يغني عن الوضوء مطلقاً .
وهذا الإستدلال يتمّ على بعض الوجوه ولا يتمّ على بعض الوجوه الاُخر ، لأنّ المحتملات بناءً على عدم إغناء الغسل عن الوضوء ثلاثة :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 244 / أبواب الجنابة ب 33 ح 3 .
(2) نفس الباب .
ــ[409]ــ
أحدها : أن يقال إنّ سبب الغسل ناقض للوضوء أيضاً ، ومع تحقّق الناقض لا يبقى الوضوء بحاله ، فلو كان المكلّف على وضوء ثمّ مسّ ميتاً أو حاضت المرأة أو طرأ غيرهما من الأسباب فقد ارتفع الوضوء بنفسه ، فلا بدّ له من التوضّؤ لما يشترط فيه الوضوء .
ثانيهما : أنّ سبب الغسل وإن لم يكن من نواقض الوضوء إلاّ أنّ الوضوء أمر مقوّم للغسل ومن قيود الغسل ، فكما أنّ الغسل يعتبر فيه غسل الرأس والرقبة والجانبين ومع الإخلال بشيء منها يبطل الغسل ، كذلك الحال بالنسبة إلى الوضوء ، لأ نّه شرط في صحّة الغسل ومع عدم الإتيان بالوضوء يحكم ببطلان غسله أيضاً .
ثالثها : أن يقال إنّ سبب الغسل وإن لم يكن من نواقض الوضوء ولا إنّه من شروطه ومقوماته ، إلاّ أنّ الوضوء إذا وجب بسببه كالنوم والبول وغيرهما لا يغني عنه الغسل ، وحاصله أنّ الغسل في المحدث بالحدث الأصغر لا يغني عن الوضوء من دون أن يكون ناقضاً له أو شرطاً للغسل .
والإستدلال بسكوت الإمام (عليه السلام) في الرّوايات الواردة في الأغسال على كثرتها عن وجوب الوضوء معها يتمّ على الإحتمالين الأوّلين ، وذلك لأنّ سبب الغسل لو كان موجباً لإنتقاض الوضوء أيضاً فلم لم يتعرّضوا له عند التعرّض لما يترتّب على السبب من الاُمور ، مضافاً إلى أنّ نواقض الوضوء محصورة ، وليس منها الأسباب الموجبة للإغتسال .
كما أنّ الوضوء لو كان شرطاً مقوّماً للغسل كبقيّة الأجزاء والشروط فلم سكتوا عن بيان الإشتراط في الأخبار الواردة في الأغسال على كثرتها ، فمن السّكوت في مقام البيان نستكشف عدم كون الأسباب من نواقض الوضوء وعدم كونه شرطاً مقوماً للغسل ، فالأغسال مغنية عن الوضوء .
وأمّا على الإحتمال الثّالث فلا يمكن إستكشاف أنّ الأغسال مغنية عن الوضوء من سكوتهم (عليهم السلام) عن بيان ما يجب بتلك الأسباب من الوضوء أو غيره، وذلك لأنّ الرّوايات الواردة في وجوب الأغسال بأسبابها على كثرتها إنّما هي بصدد بيان ما
ــ[410]ــ
يجب على المكلّف بذلك السبب من الحيض والنّفاس وغيرهما ، أي إنّها بصدد بيان ما يترتّب على تلك الأسـباب ، لا بصدد بيان ما يترتّب على أسـباب اُخر من النّوم والبول وغيرهما من أسباب الوضوء .
بل مقتضى إطلاق أدلّته وجوب الوضوء مع السبب الموجب للغسل أيضاً ، وذلك لأنّ قوله تعالى (... إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا ... )(1) مطلق يشمل ما إذا وجد مع سبب الوضوء ما هو سبب للغسل أيضاً ، فإن من نام وأراد الصّلاة إلاّ أ نّه مسّ الميت أيضاً مشمول للآية المباركة ، ومن هنا قلنا إنّ مقتضى القاعدة عدم إغناء الغسل عن الوضوء ، فإن إجزاء الغسل عن الوضوء يحتاج إلى دليل وإلاّ فإطلاق أدلّته يقتضي وجوبه مع الإغتسال أيضاً . فهذا الإستدلال إنّما يتمّ على الوهمين الأوّلين . ــــــــــــــ
(1) المائدة 5 : 6 .
|