وطء الحائض قبل الاغتسال 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 11081


ــ[420]ــ

   [ 771 ] مسألة 28 : جواز وطئها لا يتوقّف على الغُسل لكن يكره قبله ولا يجب غسل فرجها أيضاً قبل الوطء وإن كان أحوط ، بل الأحوط ترك الوطء قبل الغُسل (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالإطلاق فيتساقطان ويرجع إلى الأصل العملي الموجود في المسألة ، وإن ثبت كلّ منهما بالعموم فهما متعارضان ولا بدّ من الرّجوع إلى قواعد باب التعارض ، وإن ثبت أحدهما بالعموم والآخر بالإطلاق كان الثّابت بالعموم مقدّماً على الثابت بالإطلاق .

   ولمّا كان كلّ واحد من الوضوء والغسل قد ثبت بالإطلاق فيحكم بتساقطهما والرّجوع إلى الأصل العملي بعده ، ومقتضاه التخيير في المقام ، وذلك للعلم الإجمالي بوجوب الصّلاة إمّا مع الوضوء وإمّا مع الغسل ، وبما أنّ الإحتياط غير ممكن وإحتمال خصوصيّة الوضوء أو الغسل مندفع بالبراءة فيحصل التخيير بين صرفها الماء في غسل حيضها وصرفها في وضوئها ، وإن كان إختيار الصرف في الغسل أحوط لذهاب جمع إلى وجوبه وتعيّنه .

    جواز الوطء لا يتوقّف على الإغتسال

   (1) ذكرنا أنّ الأحكام المترتبة على الحائض على قسمين : منها ما يترتّب على الحائض بمعنى ذات الدم ، كعدم جواز الطلاق والظهار لصحّتهما فيما إذا انقطع دمها وإن لم تغتسل ، ومنها ما يترتب على الحائض بمعنى ذات الحدث ، كحرمة دخولها المساجد وحرمة اجتيازها المسجدين وحرمة مسّها القرآن ، فإنّها مترتبة على الحدث بقرينة ذكرها مع الجنب في الحديث (1) .

   وأمّا حرمة وطئها فالمعروف بين الأصحاب ترتبها على ذات الدم بحيث إذا إنقطع دمها جاز وطؤها ، ونسب الخلاف في ذلك إلى أهل الخلاف وأ نّهم ذهبوا إلى حرمة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 385 /  أبواب الوضوء ب 12 ح 5 ، 2 : 206 ، 207 ، 209 /  أبواب الجنابة ب 15 ح 3 ، 10 ، 17 .

 
 

ــ[421]ــ

الوطء حتّى تغتسل . والكلام في مدرك ما ذهب إليه المشهور .

   لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى العمومات والإطلاقات جواز وطئها في جميع الأزمنة حتّى زمان الحيض ، كقوله تعالى (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوْا حَرْثَكُمْ أَ نَّى شِئْتُمْ ... )(1) ، وإنّما خرجنا عن مقتضى الإطلاقات بما دلّ على حرمة وطء الحائض من الكتاب والسنّة ، حيث خصّصها بغير زمان الحيض ، ولا بدّ من ملاحظة المخصّص لنرى أنّ الحرمة هل هي مستمرة إلى زمان الإغتسال أو هي منقطعة بزمان إنقطاع الدم .

    المخصّص الكتابي

   أمّا المخصّص الكتابي وهو قوله تعالى (وَيَسْأَ لُونَكَ عَنِ ا لَمحِيضِ ، قُلْ هُوَ أَذَىً فَاعْتَزِلُوْا النِّسَاءَ فِي ا لَمحِيضِ ، وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذَا تَطَـهَّرْنَ فَأْ تُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ )(2) فلا يمكن إستفادة الحرمة منها إلى أيّ زمان ، وذلك لأنّ القرّاء السبعة قرأوا لفظة (... حَتَّى يَطْهُرْنَ ...) مخففة أي حتّى ينقطع دمهن ، ويساعده صدر الآية المباركة حيث قالت (هَوْ أَذَىً ) ، وذلك لأنّ الأذى إنّما هو الحيض إلى زمن انقطاعه ، وأمّا بعده فليس هناك أذى فتختصّ الحرمة بالمرأة ذات الدم ، وإذا انقطع دمها جاز وطؤها بمقتضى الآية الكريمة إلى هنا .

   ولكن ذيلها (...فَإِذَا  تَطَهَّرْنَ...) ينافيه ، فإنّهوإن أمكن أن يكون بمعنى(...يَطْهُرْنَ...) بالتخفيف بأن يستعمل التطهّر في الطّهارة ، إذ قد يستعمل التفعّل في المجرّد ويقال زيد تمرّض بمعنى مرِض، وعليه يطابق الذيل الصّدر، إلاّ أنّ ظاهر الذيل هو التفعّل والتطهّر بمعنى الاغتسال ، فيدلّنا هذا الذيل بمفهومه على حرمة إتيان المرأة ما دامت لم تغتسل ولم تتطهّر ، فيتنافى صدر الآية وذيلها وتصبح الآية مجملة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 223 .

(2) البقرة 2 : 222 .

ــ[422]ــ

   على أنّ ( ... حَتَّى يَطْهُرْنَ ... ) لم يثبت كونها مخففة وإن قرأها القراء السبعة مخففة إلاّ أ نّه يحتمل تشديدها ، ومع إحتمال التشديد والتخفيف وإجمال الآية لا يمكن الإستدلال بها بوجه . بل لا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن من مدلولها ، وهو حرمة الوطء ما دام المرأة ذات الدم ، وأمّا حرمته بعد إنقطاعه فهي مشكوكة يرجع فيها إلى مقتضى الإطلاقات والعمومات الّتي تقتضي الجواز في جميع الأوقات كما مرّ .

    المخصّص من السنّة

   وأمّا المخصّص من السـنّة فالأخـبار الواردة (1) في حرمة وطء الحـائض قبل الإغتسال كلّها ضعيفة السند ، لأنّها ـ  مضافاً إلى اشتمال أسنادها على من لم تثبت وثاقته  ـ مرويّة في تهذيب الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فَضّال ، وقد بيّنا أنّ طريق الشيخ إلى ابن فَضّال ضعيف لا يعتمد عليه (2) ، هذا .

   على أنّها مع الغضّ عن ضعف أسنادها قاصرة الدلالة على المدّعى، لأنّها معارضة بما دلّ على جواز وطء الحائض بعد إنقطاع دمها وقبل الاغتسـال صريحاً (3) ومع التعارض لا بدّ من الجمع بينهما بحمل الناهية على الكراهة .

   نعم ، ورد في صحيحة محمّد بن مسلم الّتي هي من الأخبار الدالّة على الجواز أ نّه «إذا أصاب زوجها شَبَق فليأمرها فلتغسل فرجها، ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل»(4) والشبق هو شدّة الميل إلى الجماع ، وقد دلّت على جواز وطء الحائض بعد الانقطاع وقبل الاغتسال مشروطاً بشرطين : أحدهما أن يصيب زوجها الشبق ، فلا يجوز من دون كونه شَبِقاً ، ثانيهما أن تغسل فرجها ، فلا يجوز الوطء من غير أن تغسل فرجها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 326 / أبواب الحيض ب 27 ح 6 و 7 .

(2) وقد قدّمنا أن سيِّدنا الاُستاذ (دام ظّله) عدل عن ذلك ، فليراجع الصفحة 70 .

(3) الوسائل 2 : 325 / أبواب الحيض ب 27 ح 3 و 4 و 5 .

(4) الوسائل 2 : 324 / أبواب الحيض ب 27 ح 1 .

ــ[423]ــ

   والمشهور بينهم عدم الإلتزام بهذين الشرطين ، ولعلّ الوجه في ذلك أنّ مقتضى المناسبة بين الحكم وموضوعه أنّ الشرط الأوّل في الصحيحة لم يكن مسوقاً لبيان حرمة الوطء من غير الشبق ، وإنّما سيقت لبيان ما يرتفع به الحزازة والكراهة في وطء الحائض قبل الإغتسال .

   وتلك المناسبة هي العلم بأنّ المحرمات الإلهيّة لا تناط بعدم الشبق بحيث ترتفع الحرمة بالشبق الّذي هو شدّة الميل إلى الجماع لا الإضطرار إليه بقرينة قوله (عليه السلام) «ثمّ يمسّها إن شاء» . نعم لا بأس بإرتفاع الحرمة بالحرج أو الخوف على النّفس ، كما ورد في بعض الرّوايات (1) من أ نّه إذا خاف على نفسه لا بأس أن يأتي زوجته ، وأمّا مجرّد شدّة الميل فهو ممّا لا ترتفع به الحرمة شرعاً ، ومنه يظهر أن وطء الحائض بعد الانقطاع وقبل الاغتسال غير محرم مطلقاً ، نعم هو مكروه وترتفع الكراهة بالشبق إلى الجماع .

   وكذلك الحال بالنسبة إلى الأمر بغسل الفرج ، فإنّ المناسبة المركوزة بين الحكم وموضوعه تقتضي أن يكون الأمر بغسل الفرج لأجل التنظيف المرغوب فيه للشريعة المقدّسة لا أنّ الحرمة ترتفع به ، لكن مع ذلك يشكل رفع اليد عن ظاهر الأمر بغسل الفرج لتلك المناسبة ، ومن هنا الاحتياط الوجوبي في غسل الفرج قبل الوطء في محلّه بخلاف الشبق .

   ويمكن الاستدلال على جواز وطء الحائض بعد الانقطاع قبل الاغتسال حتّى مع عدم الشبق في الزوج بالسيرة القطعيّة الجارية بين المتشرّعة ، حيث إن أغلب النِّساء من المماليك والزّوجات لم يكن يغتسلن بعد حيضهنّ في تلك الأعصار لكونهنّ كافرات أو من أهل الخلاف الّذين لا يصحّ منهم الإغتسال أو لا يغتسلن للتسامح والتساهل في الدِّين ، ومع ذلك كان أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) والمسلمون الآخرون يباشرون زوجاتهم وإمائهم بعد انقطاع حيضهنّ ، ولم يرد ردع عنه في الرّوايات لتدلّ على عدم جواز مقاربتهم لزوجاتهم أو مملوكاتهم لبطلان غسلهنّ أو عدمه، فلو كان وطء الزّوجة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 325 / أبواب الحيض ب 27 ح 2 . وهي موثقة إسحاق بن عمّار .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net