استحباب التوضؤ في أوقات الصلاة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6544


ــ[465]ــ

وتتوضّأ في أوقات الصّلاة اليوميّة (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ويحتمل أن يكون الماتن استفاد ذلك ممّا ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «كنّ نساء النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يقضين الصّلاة إذا حضن، ولكن يتحشّين حين يدخل وقت الصّلاة ويتوضّين ثمّ يجلسن قريباً من المسجد فيذكرن الله عزّ وجلّ»(1) .

   فإنّ الظّاهر أنّ المراد بالإحتشاء الّذي هو من الحشو : المنع عن خروج الدم إلى الخارج بحشو المحلّ وملئه بقطنة أو خرقة ونحوهما ، والرّواية تدلّ على أنّ المنع عن حدوث القذارة وخروج الدم إلى الخارج محبوب في حقّ الحائض ، ومن هنا حثّ الإمام الصادق (عليه السلام) النِّساء على ذلك بنقله قضيّة نساء النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وإذا كان المنع عن حدوث منافي النّظافة محبـوباً كان المنع عن بقاء ما ينافي النظافة محبوباً أيضاً ، فإذا خرج دم كان إزالته والتنظف منه مطلوباً أيضاً ومحبوباً ، إذ لا يفرق في المحبوبيّة بين الحدوث والبقاء .

    التوضّؤ في أوقات الصّلاة

   (1) المعروف والمشهور من أصحابنا هو ذلك ، ونسب القول بوجـوبه إلى والد الصّدوق (قدس سره) بل إلى نفسه(2) ، وقد عبّر والد الصدوق بعين عبارة فقه الرّضا : يجب عليها (على الحائض) عند حضور كلّ صلاة أن تتوضأ ...(3) ، ورجّحه صاحب الحدائق(4) (قدس سره) خلافاً للمشهور ، ونسبه إلى الكليني (قدس سره) حيث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 345 / أبواب الحيض ب 40 ح 1 .

(2) حكى النسبة إليهما في الحدائق 3 : 273 / في وظيفة الحائض ، وراجع الفقيه 1 : 50  / في الحيض .

(3) فقه الرّضا (عليه السلام) : 192 ، المستدرك 2 : 29 / أبواب الحيض ب 29 ح 2 .

(4) الحدائق 3 : 274 / في وظيفة الحائض .

ــ[466]ــ

عنون الباب «باب وجوب الوضوء على الحائض»(1) واستظهر منه أ نّه يقول بالوجوب وإلاّ لم يكن وجه للتعبير بالوجوب ، هذا .

   والصحيح ما ذهب إليه المشهور من عدم وجوب الوضوء على الحائض في أوقات الصّلاة وإنّما هو أمر مستحب ، وذلك لعدم إمكان المساعدة على ما استدلّوا به على الوجوب :

   أمّا رواية الفقه الرّضوي فلعدم ثبوت كونه رواية عندنا فضلاً عن اعتبارها وإن أصرّ صاحب الحدائق (قدس سره) على اعتباره وأنّ والد الصدوق (قدس سرهما) عبّر بعباراته ولو لم يكن حجّة معتبرة لم يصدر ذلك عن ابن بابويه .

   واستدلّوا على وجوب الوضوء على الحائض في أوقات الصّلاة بمرسلة الهداية (2) وهي بعينها رواية الفقه الرّضوي إلاّ في شيء يسير ، وهي لا يمكن الإعتماد عليها لإرسالها مضافاً إلى أنّها ليست رواية مستقلّة غير الأخبار الواردة في المسألة الّتي أجبنا عن بعضها ويأتي الجواب عن بعضها الآخر عند التعرّض لها .

   وبصحيحة الحلبي المتقدّمة «كنّ نساء النّبيّ لا يقضـين الصّلاة إذا حضن ، ولكن يتحشّين حين يدخل وقت الصّلاة ويتوضّين ... » (3) .

   والجواب عنها أنّها تدل على أنّ الوضوء وغيره ممّا ذكر في الرّواية مشروع ومرغوب فيه بالإضافة إلى الحائض ، ولذا حثّ الصادق (عليه السلام) النِّساء على ذلك بنقله قضيّة نساء النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وأمّا الوجوب وأن الترك غير جائز على الحائض فهو ممّا لا يمكن إستفادته منها .

   وبحسنة أو صحيحة محمّد بن مسلم ، قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحائض تطّهّر يوم الجمعة وتذكر الله ؟ قال : أمّا الطّهر فلا ، ولكنّها تتوضّأ في وقت الصّلاة ثمّ تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى» (4) ، حيث دلّت على وجوب التوضؤ في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3 : 100 / باب ما يجب على الحائض في أوقات الصّلاة .

(2) المستدرك 2 : 29 / أبواب الحيض ب 29 ح 1 .

(3) الوسائل 2 : 345 / أبواب الحيض ب 40 ح 1 .

(4) الوسائل 2 : 346 / أبواب الحيض ب 40 ح 4 .

ــ[467]ــ

وقت الصّلاة على الحائض ، كما دلّت على وجوب الإسـتقبال وذكر الله عليها ، لأنّ الجملة الفعليّة كصيغة الأمر ظاهرة في الوجوب .

   والجواب عنها أنّ الظّاهر من الرّواية أنّ التوضّؤ والإستقبال وذكر الله تعالى مشروع وجائز على الحائض لا أنّها واجبة في حقّها، وذلك بقرينة قوله «أمّا الطّهر فلا، ولكنّها تتوضّأ» حيث نفى مشروعيّة الغسل في حقّها وأثبت المشروعيّة في الوضوء.

   وهذه الرّواية غير قابلة للإستدلال بها في الوقت، وإنّما العمدة هي الرّوايات الآتية.

   منها : حسنة أو صحيح زيد الشحام ، قال «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كلّ صلاة ، ثمّ تستقبل القبلة وتذكر الله مقدار ما كانت تصلّي» (1) .

   ودعوى أنّ كلمة «ينبغي» ظاهرة في الإستحباب وأنّ ظهورها في ذلك أقوى من ظهور ما دلّ على الوجوب ، بحيث لو تمّت دلالة تلك الرّوايات على الوجوب للزم رفع اليد عن ظهورها في الوجوب بقرينة هذه الرّواية كما عن بعضهم ،

   مندفعة : بأنّ كلمة «ينبغي» ليست ظاهرة في الإستحباب بوجه ، وإنّما هي ظاهرة في أنّ العمل ميسور للمكلّف وهو متمكّن منه ، وأمّا أن تركه جائز فلا دلالة لها على ذلك بوجه ، فلا تنافي هذه الرّواية الأخبار الدالّة على الوجوب على تقدير تماميّة دلالتها ، والصحيح في الجواب ما سيأتي .

   ومنها : ما عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) أو أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : إذا كانت المرأة طامثاً فلا تحل لها الصّلاة ، وعليها أن تتوضأ وضوء الصّلاة عند وقت كلّ صلاة ، ثمّ تقعد
في موضع طاهر فتذكر الله عزّ وجلّ وتسبِّحه وتهلِّله وتحمده كمقدار صلاتها، ثمّ تفرغ
لحاجتها»(2) حيث إنّ قوله (عليه السلام) «وعليها أن تتوضّأ» ظاهره الوجوب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 345 / أبواب الحيض ب 40 ح 3 .

(2) الوسائل 2 : 345 / أبواب الحيض ب 40 ح 2 .

ــ[468]ــ

   والرّواية مرويّة بطريقين أحدهما صحيح بلا كلام ، وهو رواية الكليني عن محمّد ابن إسماعيل عن الفضل ، والثّاني أيضاً صحيح على الأظهر ، وهو روايته عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، فالفضل وإبراهيم كلاهما يرويان عن حماد بن عيسى ، ومع ما ذكرناه لا موجب للقول بأنّ الرّواية حسنة باعتبار أنّ علي بن إبراهيم يروي عن أبيه فلاحظ .

   ومنها : ما عن معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : تتوضّأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كان وقت الصّلاة توضأت ... » (1) وقد عرفت أنّ الجملة الفعليّة ظاهرة في الوجوب .

   هذه الرّوايات الثلاث هي العمدة في المقام ، ولكنّها لا يمكن الإستدلال بها على وجوب الوضوء ، للقرينة الداخليّة والخارجيّة .

   أمّا القرينة الداخليّة فهي إشتمال الأخبار المتقدّمة على أنّ الحائض يجب عليها أن تتوضأ في أوّل وقت الصّلاة وتقعد في موضع طاهر ، وهذا نقطع بخلافه لعدم احتمال أن تكون وظيفة الحائض أشد من وظيفة الطاهرة فإنّ الطّاهرة لا يجب عليها أن تتوضّأ في أوّل وقت الصّلاة ، ولا يجب عليها أن تصلّي في موضع طاهر ، بل الصلاة لا يعتبر فيها طهارة الموضع ، لصحّة الصّلاة في الموضع النجس غير المسري ، ومعه كيف يكون ذلك واجباً في حقّ الحائض ، وهذه قرينة على كونها اُموراً مستحبّة لها .

   ويؤيّده قوله «تتوضأ إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كان وقت الصّلاة توضأت» وذلك لعدم إحتمال وجوب الوضوء للأكل .

   وأمّا القرينة الخارجيّة فهي ليست عبارة عن إعراض المشهور عن الأخبار المذكورة كما في كلمات الأكثرين ، بل هي ما ذكرناه في جملة من الموارد من أنّ الاُمور الّتي يكثر الإبتلاء بها لو كانت واجبة في زمانهم (عليهم السلام) لانتشرت وذاعت وظهرت ، والحيض تبتلي بها النِّساء في كلّ شهر مرّة ، فلو كانت هذه الاُمور كالوضوء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 346 / أبواب الحيض ب 40 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net