دفع الاشكال عمّا يقال من أن كل دم ليس بحيض فهو استحاضة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8247


ــ[2]ــ

إجراء أحكامها ((1)) إن خرج من العرق المسمّى بالعاذل إلى فضاء الفرج وإن لم يخرج إلى خارجه ، وهو في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بغير قوة ولذع وحرقة بعكس الحيض ، وقد يكون بصفة الحيض ، وليس لقليله ولا لكثيره حدّ ، وكل دم ليس من القرح أو الجرح ولم يحكم بحيضيته فهو محكوم بالاستحاضة ، بل لو شك فيه ولم يعلم بالأمارات كونه من غيرها يحكم عليه بها على الأحوط .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    تحقيق ما له الأثر

   إن الفقهاء (قدس الله أسرارهم) ذكروا أن كل دم خرج عن المرأة بطبعها ولم يكن دم حيض فهو استحاضة يجب معه الغسل لكل صلاة أو في كل يوم أو يجب معه الوضوء لكل صلاة . والمراد بما يخرج من المرأة بطبعها هو إخراج دم القرحة أو الجرح ونتيجة ذلك أن الدم الذي تراه المرأة غير دم الحيض والقرحة والجرح فهو استحاضة يترتب عليه الآثار المتقدمة ، هذا ما ذكروه في المقام .

    هل يوجد فاصل بين الدمين

   ولابدّ من التكلّم في أنه هل يمكن أن يكون الدم الخارج من المرأة غير متّصف بالحيض ولا بدم القرحة أو الجرح ولا بالاستحاضة ، فلا يجب على المرأة شيء من الأحكام المترتبة على الحيض والأحكام المترتبة على الاستحاضة ، أو أنه لا فاصل بينهما وأن كل دم لم يكن بدم حيض وقرحة فهو استحاضة ؟

   ذكر المحقق (قدس سره) في شرائعه أن كل دم تراه المرأة ولم يكن بحيض ولا بدم قرح ولا جرح فهو استحاضة . (2)

   وأورد عليه السيد (قدس سره) في المدارك بأن هذه الكلية إنما تتم فيما إذا قيدت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والأظهر عدمه كما مرّ نظيره في بحث الحيض .

(2) الشرائع 1 : 37 / في الاستحاضة .

ــ[3]ــ

بغير دم النفاس ، وذلك لأنه دم ليس بحيض ولا قرح ولا جرح ، ومع ذلك ليس باستحاضة (1) .

   وما أفاده (قدس سره) وإن كان صحيحاً لكنه غير وارد على المحقق ، لأن نظره إلى غير دم الولادة ، وهو ظاهر .

   ثم ذكر أن الكلية المذكورة لابدّ من تقييدها بما إذا كان الدم واجداً لأوصاف الاستحاضة من كونه بارداً وأصفر ونحوهما من الأوصاف .

   ولازم هذا التقييد تحقق الفاصل بين دمي الحيض والاستحاضة ، كما إذا رأت المرأة الدم بعد العشرة أسود ، فإنه ليس بحيض لأن أكثره عشرة أيام ، وليس باستحاضة لعدم اتصافه بأوصافها لفرض كونه أسود . وكذلك الحال فيما إذا رأت ذات العادة دماً أسود أقل من ثلاثة أيام ، فإن مثله لا يكون حيضاً لكونه أقل من ثلاثة أيام ، ولا يكون استحاضة لعدم كونه واجداً لأوصافها .

   وقد بنينا على أن دم الاستحاضة لابدّ من أن يكون واجداً لأوصافها ، والفاقد ليس باستحاضة إلاّ أن يدل دليل على أنه استحاضة، كما هو الحال في الحيض لاشتراطه بأن يكون واجداً للصفات ، ولا يحكم على الفاقد بالحيضية إلاّ أن يدل دليل على أنه حيض ، كالصفرة التي تراها ذات العادة في أيام عادتها ، لأنها حيض بمقتضى النص الدال على أن ما تراه المرأة في أيام عادتها من حمرة أو صفرة فهو حيض(2) هذا .

   ولا يمكن المسـاعدة على ما ذهب إليه ، لأنه مخالف لما هو المتسالم عليه بين الأصحاب من الحكم بالاستحاضة في الموارد المذكورة ، وما ادعاه من أن الأخبار تدل على ذلك غير صحيح ، إذ لا دلالة في الروايات على أن دم الاستحاضة مطلقاً لا بدّ من أن يكون واجداً لأوصاف الاستحاضة المذكورة ، وإنما دلت الأخبار على أن في موارد دوران الدم بين كونه حيضاً أو استحاضة إذا كان واجداً لأوصاف الحيض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 2 : 9 / في الاستحاضة .

(2) الوسائل 2 : 278 / أبواب الحيض ب 4 .

ــ[4]ــ

يحكم بحيضيته ، وإذا كان واجداً لأوصاف الاستحاضة يحكم بكونه استحاضة ، لا أنها تدل على أن دم الاستحاضة دائماً لابدّ أن يكون واجداً لتلك الأوصاف ، وإليك بعضها :

   صحيحة معاوية بن عمّار ، قال «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إن دم الاستحاضة والحيض ليسا يخرجان من مكان واحد ، إن دم الاستحاضة بارد ، وإن دم الحيض حارّ» (1) .

   وحسنة حفص بن البَختَري ، قال : «دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره ؟ قال فقال لها : إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا  كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة ، قال : فخرجت وهي تقول : والله أن لو كان امرأة ما زاد على هذا» (2) .

   ومعتبرة إسحاق بن جَرير حيث ورد فيها : «دم الحيض ليس به خفاء ، هو دم حار تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد ...» (3) .

   ومرسلة يونس عن غير واحد وقد ورد فيها «إن دم الحيض أسود يعرف» وأن المرأة «إن اختلطت الأيام عليها وتقدمت وتأخرت وتغير عليها الدم ألواناً فسنتها إقبال الدم وإدباره وتغير حالاته» وغير ذلك من الجملات(4) .

   وهي ـ ولا سيما الأخيرة حيث إن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيّن فيها السُّنة الاُولى وأن ذات العادة تأخذ بعادتها ، وبعد ذلك بيّن أوصاف الاستحاضة وأن بها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 275 / أبواب الحيض ب 3 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 275 / أبواب الحيض ب 3 ح 2 .

(3) الوسائل 2 : 275 / أبواب الحيض ب 3 ح 3 .

(4) الوسائل 2 : 276 / أبواب الحيض ب 3 ح 4 ، 281 / ب 5 ح 1 ، 287 / ب 7 ح 2 ، 288 / ب 8 ح 3 .

ــ[5]ــ

يحكم بالاستحاضة عند دوران الأمر بينهما ـ كما تراها واردة في مقام دوران الأمر بين الحيض والاستحاضة ، وأن تلك الأوصاف والعلائم إنما يحكم بها بالاستحاضة في هذه الموارد ، ولا دلالة لها على أن الاستحاضة ملازمة لتلك الصفات وأنه لا يحكم على الفاقد لها بالاستحاضة حتى فيما إذا لم تحتمل الحيضية هناك كما في المثالين المتقدمين .

   ذكرنا أن الفقهاء (قدس الله أسرارهم) ذكروا أن كل دم يخرج من المرأة بطبعها ولم يكن دم حيض أو من القرح أو الجرح فهو استحاضة ، ولم يستثنوا دم النفاس ولعلّه مستند إلى وضوحه أو إلى أن دم النفاس عندهم هو دم الحيض ، لأنه حيض محتبس فحكمه حكمه .

   وكذا لم يتعرّضوا لدم العُذرة ، لوضوح عدم كونه من الحيض والاستحاضة على ما بيّنوه عند اشتباه دم الحيض بدم العذرة .

   ويمكن أن يقال : إن تقييد الدم الخارج من المرأة بكونه خارجاً بحسب طبعها يغني عن استثناء دم الولادة والعُذرة والقرح ، لأنها لا تخرج من المرأة بطبعها وإنما تخرج منها بسبب من الأسباب ، فالدم الخارج من المرأة بحسب الطبع منحصر في الحيض والاستحاضة .

   وحاصل كلامهم : أن الدم الذي لا يحكم بحيضيته ملازم لكونه استحاضة .

   وقد ناقش فيه بعضهم كما مر من جهة أن الاستحاضة لها أمارات وصفات ، ومع عدم وجدان الدم لها لا يحكم عليه بكونه استحاضة وإن لم يكن بحيض أيضاً .

   ويدفعها ما ذكرناه من أن الأخبار الواردة في إثبات صفات الاستحاضة لا دلالة لها على أن الاستحاضة لا يمكن انفكاكها عن الصفرة مثلاً ، وإنما دلت على أن الصفرة تلازم الاستحاضة عند اشتباه الحيض بالاستحاضة ودوران الأمر بينهما ، لا أن الاسـتحاضة تلازم الصفرة مثلاً دائماً وفي جميع الموارد ، فما أفاد المناقش لا يمكن المساعدة عليه ، وهذا كله في المقدمة .

   وبعد ذلك يقع الكلام في أنه هل هناك تلازم بين الأمرين واقعاً، وأن الدم إذا لم يكن

ــ[6]ــ

حيضاً أو غيره من المستثنيات فهو استحاضة واقعاً ، أو يمكن أن يوجد دم ليس بحيض ولا هو باستحاضة ؟

   ظاهر كلماتهم الذي ادعوا عليه الاجماع هو التلازم الدائمي وأن كل دم لم يحكم بحيضيته فهو استحاضة واقعاً ، بلا فرق في ذلك بين أقسام المرأة حتى اليائسة والصغيرة التي هي قابلة لأن ترى الاستحاضة كما إذا لم تكن مرتضعة ، فيقع الكلام حينئذ في صحة الملازمة المدعاة وثبوت كليّتها فنقول :

   المستحاضة الواردة في الأخبار المتقدمة هي المستحاضة لغة ـ أعني المرأة التي لا ترى الطّهر كما في بعض الروايات ، وهي المعبر عنها بالمستمرة الدم ـ ولا إشكال في أن حكمها هو الذي اشتملت عليه الأخبار المتقدمة من مراعاة الأوصاف والأمارات وأن الدم غير الواجد لصفات الحيض وأماراته ككونه في أيام العادة فهو استحاضة يترتب عليه جميع الآثار المترتبة على دم الاستحاضة من وجوب الغسل لكل صلاة أو الغسل مرة في كل يوم أو التوضؤ لكل واحدة من صلواتها .

   إلاّ أن الاستحاضة المعنونة في كلمات الفقهاء ليست هي الاستحاضة اللغوية أعني مستمرة الدم ، وإنما يراد بها الدم الذي لا يحكم بحيضيته ولا يكون من بقية الأقسام المستثناة وإن لم يستمر دمها، كما إذا رأت الدم بعد عادتها وقبل انقضاء أقل الطّهر، فإنه لابدّ وأن يكون استحاضة سواء أ كان لونه أسود أم كان أصفر ، مع عدم كون المرأة مستمرة الدم ، وهذه هي الاستحاضة الاصطلاحية ، وإجراء الأحكام المترتبة على المستحاضة اللغوية على المستحاضة الاصطلاحية يحتاج إلى دلالة الدليل عليه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net