ــ[118]ــ
وإن كانت شاكّة في سعتها أو في كون الانقطاع لبرء أم فترة لا يجب عليها الاستئناف ((1)) أو الاعادة(1)، إلاّ إذا تبين بعد ذلك سعتها أو كونه لبرء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل الحال كذلك لغة ، لأنّ الاستحاضة من الحيض الذي هو بمعنى الدم ، ومع عدمه لا استحاضة في البين ، فحكم الفترة الواسعة حكم البرء .
صور الشك في سعة الفترة
(1) للشك في سعة فترة الانقطاع صور ثلاث :
الاُولى : أن تعلم بالانقطاع وتشك في أنه انقطاع برء أو انقطاع فترة واسعة .
وهذه الصورة خارجة عن محل الكلام ، لأن الفترة كالبرء فهي عالمة بطهارتها بمقدار يسع الصلاة والطهارة .
الثانية : أن يحصل لها الانقطاع ولكنها شكت في أنه انقطاع برء حتى تتمكّن من الطهارة والصلاة مع الطهارة من الدم ، أو أنه انقطاع فترة غير واسعة فلا تتمكّن منهما في حالة الطّهر .
الثالثة : أن يحصل لها الانقطاع وتعلم أنه ليس بانقطاع برء وإنما هو فترة ، ولكنها شكت في أنها تسع للطهارة والصلاة أو أنها مضيقة لا تسعهما .
وهاتان الصورتان هما محل الكلام في المقام ، وقد حكم (قدس سره) بعدم وجوب الاعادة لو كان بعد الصلاة ، وعدم وجوب الاستئناف لو كان في أثنائها .
ولعلّه (قدس سره) يرى أن المقام من موارد الشك في التكليف ، حيث إن المرأة بعد ما أتت بوظيفتها أو شرعت فيها تشك في أنها مكلفة بتكليف زائد وهو التكليف بالطهارة والصلاة بعد ذلك أو لم يتوجه إليها تكليف زائد من الوضوء أو الغسل أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأحوط وجوب الاستئناف فيما إذا علمت أن الفترة تسع الطهارة وبعض الصلاة أو شكت في ذلك فضلاً عما إذا شكت في أنها تسع الطهارة وتمام الصلاة أو أنّ الانقطاع لبرء أو فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة .
ــ[119]ــ
[ 801 ] مسألة 15 : إذا انتقلت الاسـتحاضة من الأدنى إلى الأعلى ، كما إذا انقلبت القليلة متوسطة أو كثيرة أو المتوسـطة كثيرة ، فإن كان قبل الشروع في الأعمال فلا إشكال (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلاة ، ومع الشك في التكليف يرجع إلى البراءة عن التكليف المحتمل فلا يجب عليها الاعادة ولا الاستئناف ، هذا .
والصحيح وجوبهما عند الشك أيضاً ، وذلك للاستصحاب ، حيث إن المرأة في أوّل آن الانقطاع طاهرة قطعاً ، سواء أ كان الانقطاع انقطاع برء أو فترة ، فإذا شكّت في أن طهارتها باقية مطلقاً إذا احتملت البرء أو بمقدار تسع الطهارة والصلاة إذا احتملت الفترة ، فمقتضى الاستصحاب بقاء طهارتها مطلقاً أو بمقدار تتمكن المرأة فيه من الطهارة والصلاة ، فهي كالعالمة بالبرء أو الفترة الواسعة ، لأن الاستصحاب كما يجري في الاُمور السابقة يجري في الاُمور الاستقبالية .
وعليه فيجري في هذه الصورة كما يجري في صورة العلم بالبرء أو الفترة الواسعة .
ثم لو فرضنا عدم جريان الاستصحاب فالمورد مورد لقاعدة الاشتغال دون البراءة ، لأنها بعد دخول الوقت تعلم بتوجه التكليف بالصلاة إليها ، فلا مناص من أن تخرج عن عهـدته ، وهو لا يكون إلاّ بالاتيـان بوظيفـتها ، ولا تدري أنّ ما أتت به وظيفتها حينئذ ، فلا تقطع بالاتيان بوظيفتها إلاّ أن تعيد طهارتها وصلاتها بعد حصول الانقطاع .
هذا كله فيما إذا قلنا بوجوب الاعادة عند العلم بالبرء أو الفترة الواسعة ، وأمّا إذا قلنا بعدم وجوب الاعادة في صورة العلم فعدم وجوبها في صورة الشك بطريق أولى .
انقلابات الاستحاضة وصورها
(1) قد تكون الاستحاضة على حالة واحدة ، وهي التي تقدم حكمها بما لها من الأقسام . وقد تتبدّل حالاتها وتنقلب .
ــ[120]ــ
فتعمل عمل الأعلى ، وكذا إن كان بعد الصلاة فلا يجب إعادتها ، وأمّا إن كان بعد الشروع قبل تمامها فعليها الاستئناف والعمل على الأعلى حتى إذا كان الانتقال من المتوسطة إلى الكثيرة فيما كانت المتوسطة محتاجة إلى الغسل وأتت به أيضاً، فيكون أعمالها حينئذ مثل أعمال الكثيرة ، لكن مع ذلك يجب الاستئناف ، وإن ضاق الوقت عن الغسل والوضوء أو أحدهما تتيمم بدله ، وإن ضاق عن التيمم أيضاً استمرت ((1)) على عملها ، لكن عليها القضاء على الأحوط .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والتبدّل قد يكون من الأدنى إلى الأعلى ، كالقليلة تتبدّل بالكثيرة أو المتوسطة . أو المتوسطة تتبدّل بالكثيرة ، وهي ثلاث صور .
وقد تكون من الأعلى إلى الأدنى ، كما إذا تبدّلت الكثيرة بالمتوسطة أو بالقليلة أو تبدّلت المتوسطة بالقليلة ، فهذه صور ست .
تبدّل القليلة بالكثيرة
الصورة الاُولى : ما إذا تبدّلت القليلة بالكثيرة ، فإن كان ذلك قبل أن تشرع في أعمالها فلا إشكال في وجوب أعمال المستحاضة الكثيرة في حقها ، لارتفاع القليلة على الفرض ولا أثر لها بعد تحقق الكثيرة بوجه ، لأن دمها ثقب الكرسف وتجاوز عنه فيشملها إطلاق وجوب الغسل لكل صلاتين أو مع الوضوء بناء على وجوبه في الكثيرة .
وأمّا إذا تبدّلت بعد الاتيان بأعمالها فلا تجب إعادة أعمالها بوجه ، لأن المرأة أتت بوظائفها وهي طاهرة ، والحدث المتأخِّر لا يوجب بطلان الأعمال السابقة ، نعم أثرها يظهر في الأعمال اللاّحقة بعد الحدث .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحكم بالاستمرار حينئذ مبنيّ على الاحتياط ، والظاهر وجوب القضاء عليها مع الاستمرار أيضاً .
ــ[121]ــ
وإن انتقلت من الأعلى إلى الأدنى استمرت على عملها لصلاة واحدة ثم تعمل عمل الأدنى ، فلو تبدلت الكثيرة متوسطة قبل الزوال أو بعده قبل صلاة الظهر تعمل للظهر عمل الكثيرة فتتوضأ ((1)) وتغتسل وتصلِّي ، لكن للعصر والعشاءين يكفي الوضوء وإن أخرت العصر عن الظهر أو العشاء عن المغرب . نعم لو لم تغتسل للظهر عصياناً أو نسياناً يجب عليها للعصر إذا لم يبق إلاّ وقتها ، وإلاّ فيجب إعادة الظهر بعد الغسـل ، وإن لم تغتسل لها فللمغـرب وإن لم تغتسل لها فللعشاء إذا ضاق الوقت وبقي مقدار إتيان العشاء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا إذا تبدلت في أثناء عملها من الوضوء والصلاة ولو في آخر جزء من الصلاة فهل يجب عليها استئناف صلاتها والاتيان بها مع الغسل أو لا يجب ؟
لا ينبغى الاشكال في أن ما دلّ على وجوب التوضؤ في حق المرأة المستحاضة لكل صلاة(2) إنما هو مقيد بما إذا كانت الاستحاضة قليلة ، فإذا ارتفعت وتبدّلت إلى الكثيرة لا يكفي الوضوء في صلاتها ولو في المقدار الباقي منها ، بل يشملها إطلاق ما دلّ على وجوب الغسل لكل صلاتين(3) ، ومعه لابدّ من استئناف صلاتها فتأتي بها مع الغسل أو مع الغسل والوضوء . هذا كله فيما إذا كان الوقت واسعاً للاعادة والاغتسال .
وأمّا إذا كان الوقت ضيقاً فإن كانت متمكنة من التيمم والصلاة فوظيفتها التيمم والصلاة لأجل ضيق الوقت ، وإن لم يسع الوقت للغسل ولا للتيمم فذكر الماتن (قدس سره) أنها تستمر في عملها وتقضي بعد ذلك على الأحوط .
ولم يظهر لنا وجه ذلك ، لأن المرأة بعد ما تبدلت استحاضتها كثيرة ووجب عليها الغسل لكل صلاتين ولم تتمكن من الغسل ولا من التيمم فهي فاقدة للطهورين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على الأحوط الأولى .
(2) الوسائل 2 : 371 و 374 و 375 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 ، 7 ، 9 .
(3) نفس الباب .
ــ[122]ــ
والوضوء الذي أتت به قبل تبدل استحاضتها ليس بطهور في حقها ، وبناؤه (قدس سره) في فاقد الطهورين على سقوط الصلاة عنه كما هو الصحيح ، وعلى ذلك لا يجب على المرأة أن تستمر في عملها بل لها أن ترفع اليد عن عملها وتقضيها بعد ذلك .
ومعه فالصحيح أن يعكس الأمر ويقول : تستمر على عملها على الأحوط ، وتقضيها خارج الوقت على الأقوى ، لا ما صنعه هنا ، هذا كلّه في تبدّل القليلة بالكثيرة .
الصورة الثانية : وهي ما إذا تبدّلت القليلة بالمتوسطة ، فقد يكون قبل إتيانها بشيء من وظائفها ، ومعه يجب عليها أن تأتي بأعمال المتوسطة ، لارتفاع القليلة وشمول أدلّة المتوسطة لها .
وقد يكون بعد الاتيان بأعمالها ، ولا تجب معه الاعادة بوجه .
وإما أن تتبدل في الأثناء ، ومعه يجب أن ترفع اليد عن عملها وتستأنف غسلاً ووضوءاً ، ولا تكتفي بالوضوء الذي أتت به قبل التبدل ، حيث إن مقتضى الأخبار أنها بنفسها مقتضية للوضوء ، فلا يمكنها الاكتفاء بالوضوء السابق بوجه ، ومع ضيق الوقت الكلام هو الكلام في الكثيرة بعينه .
الصورة الثالثة : وهي ما إذا تبدلت المتوسطة بالكثيرة ، ففي صورة تقدّم ذلك على أعمالها وتأخره عنها لا إشكال ولا كلام .
وأمّا إذا تبدلت في الأثناء فيجب عليها أن ترفع اليد عن عملها وتستأنفها مع الغسل ، كما هو مقتضى إطلاق ما ورد في الكثيرة .
توضيح الكلام في الصور الثلاث
وتوضيح الكلام في جميع الصور الثلاث : أن القليلة إذا تبدلت بالكثيرة قبل العمل أو في أثنائه ، فإن كانت أتت بالوضوء فيحكم ببطلانه بحدوث الاسـتحاضة الكثيرة فإن قلنا في الكثيرة بوجوب الوضوء فلابد من إتيانها بالغسل والوضوء ، وليس لها
ــ[123]ــ
الاكتفاء بوضوئها السابق ، لأنّ ظاهر الدليل أن الكثيرة بنفسها سبب للغسل والوضوء فلا بدّ من أن تأتي بهما بعد التبدل ، وعلى القول بعدم وجوب الوضوء في الكثيرة تأتي بالغسل فقط .
وأمّا إذا لم تتوضأ قبل التبدل فهل يجب بعد التبدل أن تغتسل للكثيرة وتتوضأ من جهة تحقق القليلة قبل ذلك ، وهي حدث موجب للوضوء ولا مسقط عنه أو لا يجب ؟
الظاهر عدم الوجوب ، وذلك لأن القليلة وإن كانت سبباً للوضوء إلاّ أنّا ذكرنا في محلِّه(1) أن كل غسل يغني عن الوضوء ، فالغسل للكثيرة يكفي عن الوضوء .
هذا على أن في نفس الأخبار الواردة في القليلة دلالة على عدم وجوب الوضوء في المقام ، وذلك لأنها علقت وجوب الوضوء عند كل صلاة على عدم تجاوز الدم وعدم ثقبه، وأمّا مع التجاوز ولو بعد ساعات فوظيفتها الاغتسال لكل صلاتين دون الوضوء، وذلك لأن كل كثيرة مسبوقة لا محالة بالقلّة ، لأن الطفرة على ما يقولون مستحيلة ، أو لو كانت ممكنة فهي غير واقعة خارجاً ، أفهل يحتمل وجوب الوضوء للقليلة في جميع الاستحاضات الكثيرة .
وليس هذا إلاّ من جهة أن وجـوب الوضـوء للقليلة مقيد بأن لا يتجـاوز دمها الكرسف ، ورواية ابن نُعيم صريحة في ذلك ، حيث ورد فيها ما مضمونه : أنها تنظر ما بين المغرب وبينها إن كان الدم يسيل ... الخ(2) فلاحظ .
وأمّا إذا تبدلّت القليلة بالمتوسطة قبل العمل أو في أثنائه ، فإن توضأت قبل ذلك فوضوءها باطل ليس لها الاكتفاء به ، لأن المتوسطة بنفسها مقتضية للغسل والوضوء .
وأمّا إذا لم تأت بالوضوء قبل ذلك فلا إشكال في أنها تغتسل وتتوضأ وهو كاف عن الوضوء للقليلة .
أو لو قلنا بأن المتوسطة سبب مستقل للوضوء وهو لا يكفي عن غيره ، فنقول إن وجوبه في القليلة كما عرفت مغيّى بعدم ثقب الدم وقد ثقب ، فلا يجب الوضوء للقليلة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في شرح العروة 7 : 402 .
(2) الوسائل 2 : 374 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7 .
ــ[124]ــ
وأمّا إذا تبدّلت المتوسـطة بالكثيرة ، فإن اغتسلت وتوضأت فلا بدّ من الحكم ببطلانهما بالتبدّل وحدوث الكثيرة ، وليس لها أن تكتفي بهما لأن الكثيرة بنفسها سبب مستقل للغسل والوضوء على تقدير القول بوجوب الوضوء فيها .
وأمّا إذا لم تأت بالوضوء ، فإن قلنا إن الكثيرة يجب فيها الوضوء لكل صلاة فلا يظهر فرق بينها وبين المتوسطة في الصلاة الاُولى بعد التبدّل بالكثيرة ، لأنها لا بدّ أن تغتسل وتتوضأ ، كانت متوسطة أم كثيرة .
نعم إنما يظهر الأثر بينهما في الصلوات غيرها ، فعلى الكثيرة يجب أن تغتسل لكل صلاتين ، وعلى المتوسطة تكتفي بالوضوء فقط .
وأمّا إذا قلنا بعدم وجوب الوضوء في الكثيرة فهل يجب عليها أن تتوضأ أيضاً لتحقق سببها وهو المتوسطة ولا مسقط له ، والكثيرة ليست مقتضية لعدم الوضوء بل لا اقتضاء لها بوجوبه ؟
الصحيح عدم وجوب الوضوء لوجهين :
أحدهما : أن مقتضى الأدلّة الواردة في وجوب الغسل والوضوء في المتوسطة(1) وإن كان وجوبهما حتى فيما إذا تبدّلت بالكثيرة ، لاطلاقها من حيث تقدّمها أو تأخّرها بالكثيرة وعدمه ، كما أن مقتضى إطلاق ما ورد في وجوب الغسل لكل صلاتين عند تجاوز دمها الكرسف(2) وجوب الغسل في حقها لكل صلاتين فحسب ، سواء سبقتها المتوسطة أم لم تسبقها .
وهذان الاطلاقان متدافعان ، لأنّ مقتضى الأوّل وجوب الوضوء ومقتضى الثاني عدمه ، وبعد التساقط لا بدّ من الرجوع إلى عموم العام وهو يدل على إغناء كل غسل عن الوضوء .
وثانيهما : أن نفس ما ورد في وجوب الغسل والوضوء على المتوسطة والغسل في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 .
(2) نفس المصدر .
|