قراءة العزائم ودخول المسجدين والمكث في المساجد 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6128


   أمّا الجهة الثانية والثالثة : فالأمر فيهما أيضاً كذلك ، حيث لم يقم دليل على حرمة قراءة العزائم أو الدخول في المسجدين أو المكث في المسـاجد على المستحاضة حتى تغتسل ، وإنما دلّت الأخـبار على حرمة تلكم الاُمور على الحائض وحسب (3) ، فدعوى أن هذه الاُمور يعتبر الاغتسال لها في حق المستحاضة تحتاج إلى دليل .

   نعم ، ذهب جماعة إلى حرمة تلك الأفعال على المستحاضة ما لم تغتسل لصلاتها أو لتلك الأفعال ، وقد حكى شيخنا الأنصاري (قدس سره) عن المصابيح أنه قد تحقق

ـــــــــــــ
(3) تقدّم ذكرها في البحث عن أحكام الحائض في شرح العروة 7 : 341  وما بعدها .

ــ[135]ــ

أن مذهب الأصحاب تحريم دخول المساجد وقراءة العزائم على المستحاضة قبل الغسل ، واستظهر من ذلك الاجماع على توقف الاُمور المذكورة على غسلها (1) .

   وفيه : أن دعواهم للاجماع في المسألة لم تثبت أوّلاً .

   وثانياً : أنه من الاجماع المنقول .

   وثالثاً : أنه ظاهر البطـلان لو  كان مراد صاحب المصابيح هو الاجمـاع ، بل هو مقطوع الخلاف لذهاب جملة من الأصحاب كالشيخ (2) والعلاّمة (3) والأردبيلي(4) وصاحبي المدارك(5) والذخيرة (6) إلى الجواز وعدم توقفها على الاغتسال ، ومعه كيف يمكن دعوى الاجماع في المسألة .

   نعم ، قد يقال إن الحرمة وتوقف الأفعال المذكورة على الاغتسال مقتضى الاستصحاب فيما إذا كانت الاستحاضة مسبوقة بالحيض ، لحرمتها على الحائض فتستصحب .

    المناقشات في التمسك بالاستصحاب في المقام

   ولكن فيه وجوه من المناقشات وذلك :

   أوّلاً : لأنه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية وقد مرّ منّا المناقشة في جريانه مراراً .

   وثانياً : فلو أغمضنا عن ذلك فالاستصحاب لا يجري في خصوص المقام لعدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة ، لأن الحيض والاستحاضة متقابلان في الأخبار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطهارة : 261 السطر 25 / في الاستحاضة .

(2) النهاية : 29 ، المبسوط 1 : 67 / في الاستحاضة (لكن في الثاني خلاف لنقل المصنف) .

(3) المنتهى 2 : 416 ، التذكرة 1 : 291 / في الاستحاضة (لكن في كليهما خلاف لنقل المصنف) .

(4) لاحظ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 164 .

(5) المدارك 2 : 37 / في أحكام المستحاضة (لكنه لم يقل بالجواز الاّ في دخول المساجد) .

(6) الذخيرة : 76 / في الاستحاضة (لكنه لم يصرح بالجواز الاّ في دخول المساجد) .

ــ[136]ــ

والحرمة قد ثبتت في حق الحائض ، وبعد انقطاع الحيض وارتفاعه ارتفعت الحرمة الثابتة لأجله لا محالة ، والمستحاضة موضوع ثان آخر نشك في حرمة تلك الأفعال في حقها بحيث لو قلنا فيها بالحرمة لكانت حرمة مغايرة لتلك الحرمة الثابتة على الحائض .

   وممّا يؤيد ذلك أنّا لم نر ولم نسمع من أحد يحكم بوجوب الكفّارة في وطء المستحاضة ولو مع القول بحرمته في حقها ما لم تغتسل ، مع أن القائل بوجوب الكفّارة في وطء الحائض موجود .

   فهذا يدلّنا على أن الحرمة ـ على تقدير القول بها في المستحاضة ـ هي حرمة اُخرى غير الحرمة الثابتة في حق الحائض ، ومع عدم اتحاد القضيتين لا مجرى للاستصحاب .

   وثالثاً : لو أغمضنا عن ذلك فمقتضى إطلاق الآية الكريمة والروايات جواز وطء المستحاضة من دون حاجة إلى الاغتسال ، وذلك لقوله تعالى (وَلاَ تَقرَبُوهُنَّ حتّى يَطْهُرْنَ )(1) أو «يطّهرن» بالتشديد ، فإن للغاية مفهوماً ، فتدل على عدم الحرمة بعد انقطاع الدم أو الاغتسال من الحيض . وفي حالة الاستحاضة يجوز وطؤها بمقتضى الآية المباركة .

   كما أن مقتضى الأخبار(2) ذلك ، بل بعضها عام ويدل على أن المستحاضة يأتيها بعلها إذا شاء (3) .

   ومن الظاهر أن مع وجود الاطـلاق والدليل الاجتهـادي لا مجال للتمسّـك بالاستصحاب .

   ورابعاً : أن الاستصحاب لو جرى فإنما يختص بما إذا حدثت الاستحاضة قبل غسل الحيض أو في أثنائه ، وأمّا إذا حدثت بعد الاغتسال من الحيض فمقتضى الاستصحاب جواز وطئها لا حرمته ، وذلك لأن الأزمنة ثلاثة :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 222 .

(2) الوسائل 2 : 371 ، 379 / أبواب الاستحاضة ب 1 ، 3 .

(3) الوسائل 2 : 372 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4 .

ــ[137]ــ

   أحدها : زمان القطع بالحرمة ، وهو ما قبل اغتسالها .

   وثانيها : زمان ا لقطع بالجواز ، وهو ما بعد اغتسالها .

   وثالثها : زمان الشك في الحرمة وهو زمان حدوث الاستحاضة ، ومع تخلل اليقين بالجواز بين اليقين بالحرمة والشك فيها لا مجال لاستصحاب الحرمة بوجه ، هذا .

   بل لو قلنا بجواز الوطء بعد الانقطاع وقبل الاغتسال يلزم في استصحاب الحرمة أن تكون الاستحاضة متصلة بدم الحيض ، إذ مع الفصل ـ كما إذا حدثت في زمن اغتسالها أو بعده ـ يتخلّل زمان القطع بالجواز بين زماني القطع بالحرمة والشك في الجواز ، وهذا في الأحكام المترتبة على انقطاع الدم كما في الوطء والطلاق دون ما يترتب على الغسل كدخول المسجدين ونحو ذلك .

   فالمتحصل : أنه لا وجه للقول بتوقف الأفعال المذكورة في حق المستحاضة على الاغتسال ، لأنه محتاج إلى دليل ولا دليل عليه ، هذا .

   وعن الوسيلة التفصيل بين الكعبة فلا يجوز للمستحاضة دخولها وبين سائر المساجد حتى المسجدين فيجوز(1) ، إلاّ أنه ممّا لم نقف له على مستند سوى مرسلة يونس بن يعقوب عمّن حدّثه عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : المستحاضة تطوف بالبيت وتصلِّي ولا تدخل الكعبة»(2) ، وهي لضعفها وإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها .

   وهذا كلّه في غير الطواف والمسّ .

   أمّا الطواف فمقتضى الأخبار المطلقة الدالة على وجوب الطواف أو استحبابه جوازه على المستحاضة من دون حاجة إلى الاغتسال ، كما أن ذلك مقتضى النصوص الخاصّة الواردة في أن المستحاضة لها أن تطوف بالبيت ، ومن جملتها خبر عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المستحاضة أيطؤها زوجها ؟ وهل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسيلة : 61 / في أحكام المستحاضة .

(2) الوسائل 13 : 462 / أبواب الطواف ب 91 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net