وأمّا الجهة الثالثة أعني الدم الخارج بعد الولادة فلا شبهة في أنه دم النّفاس ، وهو القدر المتيقن منه فيترتب عليه أحكامه ، وهذا مما لا كلام فيه ، وإنما الكلام فيما إذا تأخّر الدم عن الولادة بأن انقطع ثم عاد فهل يحكم بكونه نفاساً أو لا يحكم ؟
المعروف أن الدم الذي تراه المرأة بعد الولادة نفاس فيما إذا خرج فيما بين الولادة وعشرة أيام ، وأمّا بعد العشرة فهو ليس بنفاس وإنما هو حيض إذا كان واجداً للصفات ، وهذا لا دليل عليه .
والظاهر أن منشأ حكمهم هذا هو ما دلّ على أن أكثر النّفاس عشرة أيام(1) ، وبذلك حكموا على الدم المرئي بعد العشرة من الولادة بأنه ليس نفاساً لأن أكثره عشرة أيام ، وهو مبني على احتساب العشرة من زمن الولادة .
ولا يمكن المساعدة عليه ، لأن احتساب أكثر النّفاس الذي هو عشرة أيام على المشهور أو ثمانية عشر كما قيل إنما هو من زمان رؤية الدم لا الولادة ، إذ النّفاس اسم للدم دون الولادة ، فإذا رأت الدم بعد الولادة بيوم أو نصف يوم فإن الدم المرئي حينئذ دم نفاس فتحسـب العشرة من ذلك الوقت فتتم العشرة بعد إحدى عشر يوماً من الولادة ، والدم الذي رأته في اليوم العاشر من الولادة دم قبيل العشرة .
وعلى هذا لا فرق بين الدم المرئي بعد العشرة من الولادة وقبلها ، لأنه إن علم أنه مستند إلى النّفاس فهو نفاس في كلتا الصورتين ، وإن كانت نفاسية الدم بعد العشرة بعيداً ، لبعد انقطاع النّفاس وعوده إلى أكثر من عشرة أيام .
وإذا لم يعلم استناده إلى النّفاس أو شك في كونه منه حكم بعدم كونه نفاساً في كلتا الصورتين ، لأنهما بعد العشرة من رؤية الدم فلا عبرة بكون الدم قبل العشرة أو بعدها بل المدار على كون الدم مستنداً إلى النّفاس .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 382 / أبواب النّفاس ب 3 .
ــ[155]ــ
وأمّا الجهة الرابعة والدم الخارج في أثناء الولادة ، لأنّها قد تطول بأن يخرج رأس الولد ولا يخرج بدنه إلى ساعة أو يوم أو أقل أو أكثر ويخرج الدم في تلك المدّة ، فهل هو من النّفاس أو أنه مختص بالخارج بعد الولادة ؟
المشهور عدم الفرق بين الخارج في أثناء الولادة وبعدها ، وهذا هو الصحيح لما ورد في موثقة عمار المتقدمة من قوله (عليه السلام) «تصلِّي ما لم تلد» (1) ، لأنه بمعنى ما لم تأخذ بالولادة لا ما لم تفرغ منها ، لأنها بعد ما أخذت بالولادة يصدق أنها ولدت ولكنه لم يتم ، هذا هو الذي يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ، لأنها مقتضى إرادة ذلك منه ، لأن قوله «ما لم تلد» بيان لحكم الدم الذي تراه بعد الولادة ، فهو في مقابل الدم الذي تراه قبلها ، والمقابل له هو الدم الذي تراه المرأة بعد الأخذ بالولادة وبعد إتمامها لا خصوص ما بعد إتمامها ، فالرواية بمناسبة الحكم والموضوع ظاهرة في إرادة الأخذ بالولادة .
وعلى الجملة : إن الرواية جعلت الدم على قسمين ، أعني الدم الخارج قبل الولادة والدم الخارج بعد الولادة ، والثاني في مقابل الأول يعم الدم الخارج في أثناء الولادة وما يخرج بعدها .
وما في كلمات بعضهم من أن النّفاس هو الخارج عقيب الولادة ، لا يراد منه الدم الخارج بعد تمامية الولادة ، بل يحمل على إرادة الخارج عقيب الأخذ بالولادة وإن لم تتم ، إذ معه يصدق أن المرأة ولدت ولكنه لم تتم الولادة .
وقد دلّت على ذلك صريحاً موثقة السكوني(2) ورواية رزيق(3) إلاّ أنها لضعفها سنداً غير قابلة للاستدلال بها في المقام ، نعم نجعلها مؤيدة للمدعى .
يبقى الكلام في الولادة الموجبة للنفاس وأنه هل يعتبر فيها خروج الولد تاماً أو لا يعتبر ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 392 / أبواب النّفاس ب 4 ح 1 ، 3 .
(2) الوسائل 2 : 392 / أبواب النّفاس ب 4 ح 2 .
(3) الوسائل 2 : 334 / أبواب الحيض ب 30 ح 17 . وهي ضعيفة برزيق بن العباس الخلقاني.
|