[ 810 ] مسألة 1 : ليس لأقل النّفاس حد ، بل يمكن أن يكون مقدار لحظة بين العشرة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجال واسع ، لعدم صدق الولادة عليه ، وتحقّق الاجماع بعيد .
ثم لو قلنا بثبوت الحكم عند إسقاط العلقة ـ التي هي الدم المتكون بعد أربعين يوماً من استقرار النطفة في الرحم كما قيل فضلاً عن المضغة التي هي قطعة لحم تتكون بعد مضي أربعين يوماً على صيرورتها علقة ـ لابدّ من التعدي إلى إسقاط النطفة أيضاً لصدق وضع الحمل بإسقاطها كما يصدق بحملها أن المرأة حامل .
نعم ، يشترط في ذلك استقرار النطفة في الرحم ، وإلاّ فكل منيّ هو مبدأ نشوء آدمي ، فالمدار في صدق الحامل على المرأة هو أن يكون بعد استقرار المني في رحم المرأة ، فبمجرّد دخول النطفة فيه لا يصيِّرها حاملاً .
لا حد لأقل النّفاس
(1) وذلك لاطلاقات الأدلّة (1) ، حيث لم يقيد النّفاس فيها من حيث القلة بوقت فيمكن أن يكون النّفاس لحظة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 381 و 382 / أبواب النّفاس ب 1 و 2 و 3 .
ــ[158]ــ
ولو لم تر دماً فليس لها نفاس أصلاً ، وكذا لو رأته بعد العشرة من الولادة (1) وأكثره عشرة أيام (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وربما يستدل على ذلك برواية أبي بصير عن أبي عبدالله قال «سألته عن النّفساء كم حد نفاسها حتى تجب عليها الصلاة وكيف تصنع ؟ قال (عليه السلام) : ليس لها حد» (1) نظراً إلى أنّا استفدنا من الخارج والأخبار أن أكثر النّفاس عشرة أيام ، وبذلك تكون الرواية ناظرة إلى أن النّفاس لا حد له من حيث القلة دون الكثرة وإن كانت في نفسها مطلقة من حيث القلة والكثرة .
وفيه : أن الرواية ضعيفة السند وقاصرة الدلالة على المدعى ، أمّا ضعف سندها فلوقوع مفضّل بن صالح في سندها وقد ضعفه جماعة .
وأمّا قصور دلالتها فلأن ظاهرها إرادة الكثرة والطرف الأخير ، للسؤال فيها عن وجوب الصلاة عليها وأنه متى تجب عليها الصلاة ، وهذا إنما يتم بعد النّفاس ، وأمّا أوّله فمعلوم أنها لا تكلّف بالصلاة ، فظاهرها أنه لا حد له في الكثرة .
وهي مخالفة للأخبار الدالّة على أن أكثره عشرة أيام(2) ، وورود أن أكثره عشرة في الروايات الاُخرى لا يوجب ظهور تلك الرواية في إرادة نفي التحديد من حيث القلة .
فالصحيح هو الاستدلال بـإطلاق الأخبار كما عرفت .
(1) لما يأتي من أن أكثر النّفاس عشرة أيام .
أكثر النّفاس عشرة أيام
(2) يقع الكلام في المقام في ذات العادة تارة ، وفي غير ذات العادة اُخرى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 382 / أبواب النّفاس ب 2 . والرواية من جهة مفضّل بن صالح ضعيفة . وأمّا أحمد بن عبدوس فهو واقع في أسناد كامل الزيارات .
(2) الوسائل 2 : 382 / أبواب النّفاس ب 3 .
ــ[159]ــ
أمّا ذات العادة فقد ترى الدم بمقدار عادتها ، واُخرى زائداً على عادتها ، والزائد قد يكون زائداً على العشرة وقد لا يكون .
أمّا إذا رأته ذات العادة بمقدار عادتها فلا إشكال في أنه محكوم بكونه نفاساً .
وأمّا إذا زاد عن العشرة فترجع إلى عادتها فتأخذ به والزائد استحاضة كما في الحيض ، وهذان للأخبار الدالّة على أن النّفساء كالحائض في جميع تلك الأحكام والرجوع إلى العادة وغيرها ممّا ذكرناه في المقام (1) .
والكلام فيما إذا زاد نفاسها عن عادتها ولم يتجاوز العشرة ، فهل يكون المجموع نفاساً أو ترجع إلى عادتها والزائد استحاضة كما إذا تجاوز الدم عن العشرة ؟
قد يقال بالثاني ، لكن المعروف هو الأول وأن المجموع نفاس ، وهذا هو الصحيح .
ويدل عليه ما ورد في الاستظهار من أن ذات العادة إذا تجاوز دمها عادتها فهي تستظهر بيوم أو يومين أو بثلاثة أيام أو بعشرة أي إلى عشرة أيام(2) ، فهذه كالصريح في أن الدم إلى العشرة نفاس ، لأن معنى الاستظهار تركها الصلاة إلى أن يظهر أن الدم الخارج يتجاوز العشرة حتى ترجع إلى عادتها وتجعل الزائد استحاضة وتقضي ما فاتتها من الصلوات ، وإذا لم يتجاوز العشرة فلا ، فلو لم يكن الدم نفاساً إلى العشرة لم يبق للاستظهار معنى صحيح ، هذا كله في ذات العادة .
وأمّا غير ذات العادة فإن رأت الدم ولم يتجاوز العشرة فمجموعه نفاس ، لأنها كالحائض كما مرّ .
وأمّا إذا تجاوز عنها فهل يحكم بكونه نفاساً ؟ وهو يبتني على أن أكثر النّفاس عشرة أيام أو أن أكثره ثمانية عشر يوماً ، وفيه خلاف ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 ، 382 / أبواب النّفاس ب 3 .
(2) الوسائل 2 : 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 ، 383 ـ 386 / أبواب النّفاس ب 3 ح 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 11 .
ــ[160]ــ
ففي جملة منها أن النّفساء تكف عن الصلاة وتقعد ثمانية عشر يوماً أو سبعة عشر يوماً أو سبع عشرة ليلة مستشهداً في بعضها بما حكم به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قضية أسماء بنت عميس ، حيث أمرها النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالصلاة والصيام والطواف بعد ثمانية عشر يوماً (1) .
وهذه الأخبار حملت على غير ذات العادة جمعاً بينها وبين الأخبار الواردة في أن النّفساء تقعد أيام عادتها وتجعل الزائد عن العشرة استحاضة كما في الحيض(2) ، لأنها تخصص الأخبار المتقدِّمة بغير ذات العادة لا محالة . فينتج الجمع بينهما أن ذات العادة أكثر نفاسها عشرة أيام ، كما أن أكثر الحيض عشرة ، وغير ذات العادة ثمانية عشر يوماً ، إذ لم يرد في غير ذات العادة رواية ولو ضعيفة على خلاف الأخبار الدالة على أن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً كما ورد في ذات العادة إلاّ مرسلة المفيد (قدس سره) : «روي أنها تقعد ثمانية عشر يوماً» (3) .
وقد ذكر المحقق الهمداني (قدس سره) أن الرواية التي اعتمد عليها مثل الشيخ المفيد لا تقصر عن الروايات التي اعتمد عليها مثل ابن أبي عمير(4) ، فإذن تعارض الأخبار الدالة على أن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً .
إلاّ أنّا لا نرى وجهاً لاعتبار هذه المرسلة ، لأنها كبقية المراسيل لا يمكن الاعتماد عليها إذ لم يعلم أن المفيد يروي عن أي شخص . والمظنون بل المطمأن به أنه فتوى المفيد واجتهاد منه (قدس سره) استنبطه من الأخبار ، ومعه كيف تعارض الأخبار المتقدمة ، هذا .
ولكن الصحيح أن أكثر النّفاس عشرة أيام مطلقاً بلا فرق بين ذات العادة وغيرها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 384 ـ 390 / أبواب النّفاس ب 3 ح 6 ، 12 ، 14 ، 15 ، 19 ، 23 ، 24 .
(2) نفس الباب .
(3) هذه رواية الصّدوق وليست مخالفة للأخبار ورواية المفيد هي «... مدّة النّفاس مدّة الحيض وهي عشرة أيّام» الوسائل 2 : 385 / أبواب النّفاس ب 3 ح 10 .
(4) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 337 السطر 3 .
ــ[161]ــ
ويدل عليه الأخبار الواردة في الاستظهار(1) ، حيث دلّت على أن النّفساء تستظهر بيوم أو يومين أو العشرة أي إلى عشرة أيام ، وهذا لا بمعنى الاستظهار عشرة أيام بعد النقاء ، لأنه ممّا لم يقل به أحد ولا هو محتمل في نفسه ، بل المراد عشرة أيام من أوّل رؤية الدم .
والوجه في دلالتها على أن أكثر النّفاس عشرة أيام أن الاستظهار بمعنى طلب ظهور الحال والاحتياط مع الاحتمال ، فتدل الأخبار على أن النّفاس لا يحتمل في الزائد عن العشرة ، وإلاّ لأمرها (عليه السلام) بالاستظهار بأكثر من العشرة وكان الأمر به إلى العشرة لغواً ، لاحتمال النّفاس في الزائد عليها ، ومن هنا يستكشف أن أكثر النّفاس عشرة أيام .
وهذه الأخبار وإن كانت واردة فى ذات العادة إلاّ أن مقتضى الفهم العرفي أنه من باب تطبيق الكلي على الفرد لا تطبيق الحكم على مورده ، كما يدل على ذلك الشهرة الفتوائية أيضاً على ما استدللنا به في جملة من الموارد ، منها الاقامة حيث إن الأخبار الواردة فيها غير قاصرة الدلالة على الوجوب ، إلاّ أنّا رفعنا اليد عن الوجوب لشهرة استحبابها ، إذ لو كانت الاقامة واجبة كيف أمكن خفاؤها على الأصحاب ، بل لانتشر وذاع ، وكذلك نقول في المقام ، لأن الصلاة مما تبتلى به مرات في اليوم ، فلو كانت محرمة على النّفساء زئداً على عشرة أيام لم يكن ذلك خفياً على أصحاب الأئمة والعلماء ولم يكن انتهاؤها إلى عشرة أيام مشهوراً عندهم .
والشهرة الفتوائية وإن لم تكن حجة في نفسها إلاّ أن كون المسألة عامة البلوى متسالماً عليها يدلنا على أن أكثر النّفاس عشرة أيام ، لذا لو كان أكثره زائداً عليها لم يكن يخفى على الأصحاب ، هذا .
ثم إن القول بأن أكثره عشرة أيام هو الموافق للأصل الجاري في المقام لو لم يقم على خلافه دليل ، وذلك لأن مقتضى العمومات والاطلاقات وجوب الصلاة والصيام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 ، 383 ـ 386 / أبواب النّفاس ب 3 ح 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 11 .
ــ[162]ــ
وجواز وطء الزوج زوجته متى شاء ، وقد خرجنا عنهما في النّفساء بمقتضى الأدلّة الدالّة على عدم وجوبهما في حقها وعدم جواز وطئها ، إلاّ أن الأمر في المخصّص مردّد بين الأقل والأكثر ، ومقتضى القاعدة حينئذ أن يؤخذ بالمقدار المتيقن وهو الأقل ويرجع في المقدار الزائد إلى العمـوم والاطلاقات ، والأقل في المقام هو عشرة أيام لأنه القدر المتيقن الذي يلتزم به جميع المسلمين الخاصة منهم والعامة ، إذ العامة يذهبون إلى أن النّفاس يمتد إلى أربعين يوماً ، وعن الشافعية والمالكية امتداده إلى ستين يوماً ، وعن بعضهم امتداده إلى مدة رؤية الدم على ما في التذكرة(1) ، فعليه يتحد الحيض والنّفاس في طرف الكثرة وهو عشرة أيام .
سرد الأخبار المحددة بثمانية عشر يوماً
وأمّا القول بأن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً فقد نسب إلى السيد المرتضى وجماعة ، واستدل عليه بالأخبار المتضمِّنة لقصّة أسماء بنت عميس وأن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمرها بالصلاة والصيام والطواف بعد ثمانية عشر يوماً (2) .
إلاّ أن هذه الأخبار في نفسها قاصرة الدلالة على المدعى ، لأنها تدلّ على أن النّفاس لا يزيد على ثمانية عشر يوماً ، وإلاّ لم يأمرها النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالعبادة بعدها ، وأمّا أن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً فلا تدلّ عليه ، لاحتمال أنها لو سألت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد خمسة عشر يوماً أو أقل أو أكثر أيضاً أمرها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالعبادة ، فمجرد أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك بعد ثمانية عشر يوماً لا دلالة له على أن أكثر النّفاس ذلك .
ويؤيِّد ذلك مرفوعة إبراهيم بن هاشم(3) ، حيث دلّت على أن أمره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أسماء بنت عميس بالعبادة بعد ثمانية عشر يوماً لم يكن للتحديد وإنما هو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التذكرة 1 : 328 / المسألة 102 في النّفاس .
(2) الوسائل 2 : 384 ـ 388 / أبواب النّفاس ب 3 ح 6 ، 7 ، 15 ، 19 .
(3) الوسائل 2 : 384 / أبواب النّفاس ب 3 ح 7 .
ــ[163]ــ
قضية في واقعة فلو سألته قبل ذلك لأمرها بذلك أيضاً .
إلاّ أنها ضعيفة السند لا تصلح إلاّ للتأييد ، وقد تقدم أن الرواية في نفسها قاصرة الدلالة كانت هناك مرفوعة أم لم تكن .
ونحوها ما رواه العياشي الجوهري الذي اسمه أحمد بن محمد بن عبيدالله في كتاب المسائل(1) ، لأنها دلّت على أن الأخبار المتضمنة لقصة بنت عميس ليست واردة للتحديد ، إلاّ أنها أيضاً ضعيفة السند ، وذلك لعدم توثيق الجوهري ، لأن الشيخ ذكره من دون أن يذكر في حقه مدحاً ولا قدحاً (2) ، وتعرض له النجاشي وقال إن شيوخنا قد ضعّفوه ، وقال إنه اضطرب في أمره ، وقد أدركتـه في أواخر عمره وكان صديقاً لي ثم ذكر في آخر كلامه : رحمه الله وسامحه(3) .
وهل المراد أنه اضطرب في دينه أو في حديثه ؟ العبارة ساكتة عنه .
وذكر الشيخ (قدس سره) أنه اختل ، وهل اختل في عقله أو في دينه ؟ وهو أمر غير معلوم .
ولا دلالة في ترحم النجاشي على حسنه لو لم يدل «سامحه» على قدحه ، لأن ظاهره أنه ارتكب بعض الأفعال فيدعو الله سبحانه له ليسامحه في تلك الأفعال . إذن فالرواية ضعيفة لا تصلح إلاّ للتأييد ، إلاّ أن تلك الروايات كما عرفت قاصرة الدلالة في أنفسها على المدعى .
نعم ، صحيحة محمد بن مسلم ظاهرة في التحديد حسب المتفاهم العرفي قال «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن النّفساء كم تقعد ؟ فقال : إن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس أن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 386 / أبواب النّفاس ب 3 ح 11 .
(2) الفهرست : 33 / الرقم [ 99 ]
(3) رجال النجاشي : 85 / الرقم [ 207 ] .
ــ[164]ــ
تستظهر بيوم أو يومين» (1) .
وله صحيحة (2) غيرها لم تشتمل على الأمر بالاستظهار وقصة أسماء ، فإنه لو لم يكن أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً كان ذكره (عليه السلام) قضية أسماء بنت عميس في مقام السؤال عن أكثر النّفاس لغواً ظاهراً ، إلاّ أنها أيضاً لا يمكن الاعتماد عليها ، وذلك :
أمّا أوّلاً : فلاختلاف متن الرواية ، وقد نقلها في الوسائل هكذا «لثمان عشرة» وظاهره ثمان عشرة ليلة ، لأن الأعداد إلى العشرة تذكّر في المؤنث وتؤنّث في المذكّر وهو ممّا لم يقل به أحد من السنّة ، لما سبق من أنهم يرون امتداد النّفاس إلى أربعين أو ستين أو ما دام الدم يُرى ، ولا من الشيعة لأن الذي لا يلتزم بكون أكثر النّفاس عشرة أيام يرى أن أكثره ثمانية عشر يوماً لا ثمان عشرة ليلة ، لأنها إما أن تنقص عن ثمانية عشر يوماً بيوم كما إذا ولدت في الليل ، وإما أن تزيد عن ثمانية عشر يوماً بليلة كما إذا ولدت في النهار .
فلا مناص من حملها على التقية ، لا بمعنى أن الرواية توافق أقوال العامة ، لما عرفت أن العامة بين قائل بالأربعين وقائل بالستين وقائل بما دامت ترى الدم ، فالأربعون هو المتسالم عليه فيما بينهم .
بل حملها على التقيّة بمعنى أن الامام (عليه السلام) لم يبين الحكم الواقعي تقيّة لمخالفته العامّة ، وإنما ذكر قصة أسماء بنت عميس لأنها على ما يظهر من الأخبار كانت مسلمة عندهم ، فلم يكن في ذكرها بأس ومحذور . وفي الوافي نقلها هكذا «ثمانية عشر»(3) وهي وإن التزم بها بعضهم كما تقدم إلاّ أنها ساقطة عن الاعتبار من جهة اختلاف نسخ الحديث وكونه مشبوهاً لعدم العلم بأن المروي هذا أو ذاك ، فلا مناص من حمل الأخبار الدالة على التقيّة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 387 / أبواب النّفاس ب 3 ح 15 .
(2) الوسائل 2 : 386 / أبواب النّفاس ب 3 ح 12 .
(3) الوافي 6 : 481 .
ــ[165]ــ
وأمّا ثانياً: فلاشتمالها على الأمر بالاستظهار بيوم أو يومين، وقد تقدّم أن الاستظهار معناه طلب ظهور الحال والاحتياط مع الاحتمال ، فالصحيحة تدلّ حينئذ على أن النّفاس يمكن استمراره إلى عشرين يوماً ، وهو مما لا قائل به فلا بد من حملها على التقية . فالصحيح أن أكثر النّفاس عشرة أيام ، هذا .
على أن الصحيحة مشتملة على عقدين إيجابي وسلبي ، وهي إنما تنظر إلى عقدها الايجابي ، وهو كون أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً ، وتدلّ بالالتزام على العقد السلبي وهو عدم كون أكثره أقل من ثمانية عشر ، وهذا خلاف الأخبار الواردة لبيان أن النّفاس أكثره عشرة ، حيث دلت ابتداء على أنه لا يكون أكثر من عشرة أيام ، ودلت بالالتزام على أن أكثره عشرة .
وكيف كان فالصحيحة لو كانت بصدد بيان الحكم الواقعي للزم تخصيصها بذات العادة ، لدلالة الأخبار على أنها ترجع إلى عادتها كما مر ، وهي آبية عن التخصيص بذلك ، لأن ذوات العادة من النساء كما قالوا أكثر من غيرهن ، ومعه كيف يمكن حمل الصحيحة الواردة لبيان أكثر النّفاس على غير الغالب من النساء ولا تكون متعرضة للغالب منهن وهي في مقام البيان ، وهذا يؤيد حملها على التقية أيضاً .
ومن الأخبار الدالّة على تحديد أكثر النّفاس بثمانية عشر يوماً صحيحة اُخرى لمحمد بن مسلم قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) كم تقعد النّفساء حتى تصلِّي ؟ قال : ثماني عشرة ، سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلِّي» (1) .
والاستدلال بهذه الصحيحة أفحش من سابقتها ، لأن النّفساء على هذه الصحيحة مخيرة بين القعود ثمان عشرة ليلة والقعود سبع عشرة ليلة ، فإذا فرضنا أنها ولدت في الليل كان آخر أيام نفاسها في اليوم السادس عشر ، وهذا مما لم يلتزم به أحد ، فلا مناص من حملها على التقية كسابقتها ، مضافاً إلى لزوم محذور تخصيصها بذات العادة كما مرّ في الصحيحة المتقدمة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 386 / أبواب النّفاس ب 3 ح 12 .
ــ[166]ــ
ومنها : صحيحة ابن سنان قال «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : تقعد النّفساء سبع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة» (1) وقد ظهر الجواب عنها بما قدمناه في الصحيحتين المتقدمتين فلا نعيده .
ومنها : مرسلة الصدوق (قدس سره) «وقد روي أنه صار حد قعود النّفساء عن الصلاة ثمانية عشر يوماً ، لأن أقل أيام الحيض ثلاثة أيام وأكثرها عشرة أيام وأوسطها خمسة أيام ، فجعل الله عز وجل للنفساء أقل الحيض وأوسطه وأكثره» (2) .
وهي مضافاً إلى إرسالها سخيفة التعليل ، لأن كون أكثر الحيض وأوسطه وأقله ثمانية عشر يوماً أجنبي عن أكثر النّفاس ، فبأيّ وجه كان أكثره مجموع الأعداد المذكورة في الحيض ولم يكن غيره .
على أن وسط الحيض ليس خمسة أيام ، إذ ما بين الثلاثة والعشرة سبعة ، فوسط الحيض ستة أيام ونصف المركبة من الثلاثة التي هي أقل الحيض ونصف السبعة التي هي بين الثلاثة والعشرة ، ولا يمكن الحكم بأن وسط الحيض خمسة أيام ، لأن الحيض ليس محسوباً من اليوم الأول بل من اليوم الرابع وبعد الثلاثة ، فهذه قرينة تلوح منها التقيّة .
ومنها : مرسلة المقنع قال «روي أنها تقعد ثمانية عشر يوماً»(3) ، وهي ليست رواية اُخرى غير الأخبار المتقدمة الواردة في المسألة على ما نظن ، بل المطمأن به أنها ليست رواية اُخرى ، ثم على تقدير كونها رواية مستقلة فهي ساقطة عن الاعتبار لارسالها .
ومنها : رواية حنان بن سدير قال «قلت لأي علة اُعطيت النّفساء ثمانية عشر يوماً ؟ ...» وذكر نحو المرسلة المتقدمة عن الصدوق (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 387 / أبواب النّفاس ب 3 ح 14 .
(2) الوسائل 2 : 389 / أبواب النّفاس ب 3 ح 22 .
(3) الوسائل 2 : 390 / أبواب النّفاس ب 3 ح 26 .
(4) الوسائل 2 : 390 / أبواب النّفاس ب 3 ح 23 .
ــ[167]ــ
وقد ظهر الجواب عنها مما قدمناه في المرسلة مضافاً إلى أنها ضعيفة السند بالحسين ابن الوليد ، ويمكن المناقشة في سندها بغير ذلك أيضاً فليراجع .
ومنها : ما في كتاب الرضا (عليه السلام) إلى المأمون «قال : والنّفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً ، فإن طهرت قبل ذلك صلّت ، وإن لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوماً اغتسلت وعملت بما تعمل المستحاضة» (1) .
وقد تقدّم أن القرينة على التقية فيها موجودة ، وهي كون السائل هو المأمون ، فلا مناص من حملها على التقية .
وفي بعض الأخبار أن النّفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوماً إلاّ أن تطهر قبل ذلك ، فإن لم تطهر قبل العشرين اغتسلت واحتشت وعملت عمل المستحاضة (2) .
وهي أيضاً مما لم يقل بمضمونها أحد من العامة والخاصة ، فلا مناص من حملها على التقيّة . مضافاً إلى ضعف سندها، لأنها مروية عن الصدوق بإسناده عن الأعمش وطريقه إليه لم يعلم أنه صحيح أو ضعيف ، هذا .
سرد الأخبار المحددة بثلاثين يوماً فصاعداً
ثم إنه ورد في جملة من الروايات أن النّفساء تقعد ثلاثين يوماً أو أربعين أو خمسين أو ما بينهما .
منها : مرسلة المقنع قال «وقد روي أنها تقعد ما بين أربعين يوماً إلى خمسين يوماً» (3) .
وهي ضعيفة السند بإرسالها ، ولا قائل بمضمونها من الأصحاب ، ويحتمل التورية فيها بإرادة عشرة أيام ، لأن ما بين الأربعين يوماً إلى الخمسين هو عشرة أيام كما ذكره
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 390 / أبواب النّفاس ب 3 ح 24 .
(2) الوسائل 2 : 390 / أبواب النّفاس ب 3 ح 25 .
(3) الوسائل 2 : 391 / أبواب النّفاس ب 3 ح 28 .
ــ[168]ــ
صاحب الوسائل (قدس سره) في الرواية الآتية ولا بعد فيه .
ومنها : رواية محمد بن يحيى الخثعمي قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن النّفساء ، فقال : كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها وما جرّبت ، قلت : فلم تلد فيما مضى ، قال : بين الأربعين إلى الخمسين» (1) ، وقد فصّلت بين ذات العادة وغيرها إلاّ أنها قابلة للتورية كما مر ، ولا قائل بمضمونها من أصحابنا . مضافاً إلى ضعف سندها بالقاسم بن محمد .
ومنها : ما رواه حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال : «النّفساء تقعد أربعين يوماً ، فإن طهرت ، وإلاّ اغتسلت وصلّت ويأتيها زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلِّي» (2) .
وهي كسابقتها محمولة على التقيّة ، إذ لا قائل بها من أصحابنا .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : تقعد النّفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوماً إلى خمسين» (3) .
وهي وإن كانت صحيحة سنداً إلاّ أنها موافقة لمذهب العامة من جهة الأربعين والخمسين ، فلا مناص من حملها على التقية كغيرها .
وفي بعضها أنها تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط ، كما في رواية علي بن يقطين قال «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عن النّفساء وكم يجب عليها ترك الصلاة ؟ قال تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً ، فإذا رقّ وكانت صفرة اغتسلت وصلّت إن شاء الله» (4) .
وهي موافقة لبعض أقوال العامة ، ولا قائل بمضمونها من أصحابنا ولا المشهور من الجمهور ، فلا بدّ من حملها على التقيّة ، مضافاً إلى المناقشة في سندها فليراجع ، لعدم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 388 / أبواب النّفاس ب 3 ح 18 .
(2) الوسائل 2 : 388 / أبواب النّفاس ب 3 ح 17 .
(3) الوسائل 2 : 387 / أبواب النّفاس ب 3 ح 13 .
(4) الوسائل 2 : 387 / أبواب النّفاس ب 3 ح 16 .
|