أقسام الماء المطلق
(1) المعروف بين الأصحاب تقسيم الماء المطلق إلى أقسام ثلاثة : الجاري وماء البئر والمحقون بكلا قسميه من الكر والقليل، وكأنهم (قدس سرهم) نظروا في تقسيمهم هذا إلى مياه الأرض ، ولذا لم يعدّوا منها ماء المطر وعنونوه بعنوان آخر مستقل .
وقد قسمه في المتن إلى الجاري والنابع غير الجاري والبئر والكر والقليل ، وهذا هو الصحيح ، لأن النابع غير الجاري مما لا يصدق عليه شيء من عنواني الجاري والبئر ، فهو قسم آخر مستقل ولا وجه لادراجه تحت أحدهما كما صنعوه ، ومن هنا لا تجري الأحكام الخاصة المترتبة على الجاري والبئر في النابع المذكور ، ككفاية
ــ[3]ــ
وكل واحد منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر مطهّر من الحدث والخبث (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغسل مرة من البول في الجاري ووجوب نزح الجميع أو سائر المقدرات في البئر ، فإنّه على القول به يختص بالبئر ولا يأتي في النابع بوجه .
وعلى الجملة إن كان نظر المشهور في تقسيمهم هذا ، إلى الأحكام الخاصة المترتبة على كل واحد من الأقسام فلا بدّ من إضافة النابع غير الجاري إلى تقسيمهم فلا يصح الاقتصار على تثليث الأقسام كما عرفت ، وإن كان نظرهم في ذلك إلى خصوص الانفعال وعدمه من الآثار وتقسيم الماء بهذا اللحاظ ، فحينئذ لا بدّ من تثليث الأقسام ولكن لا كما ذكروه ، بل بأن يقسّم الماء إلى كر وغير كر ، وغير الكر إلى ما له مادة وما ليس له مادة ، والكر والقليل الذي له مادة لا ينفعلان بملاقاة النجس ، والقليل الذي ليس له مادة ينفعل لا محالة .
وعلى كل تقدير فلا بدّ من إضافة ماء الحمّام أيضاً في كل من تقسيمي المعروف والمتن ، إذ لماء الحمّام مباحث خاصة كما تأتي في محلّه . فإن عدم انفعال الأحواض الصغيرة في الحمّامات إنّما هو من جهة اتصالها بالمادة الجعلية فيها وهي عالية عن سطح الحياض ، مع أن اعتصام السافل بالعالي كاعتصام العالي بالسافل على خلاف المرتكز عند العقلاء ، ويحتاج إلى دليل لاعتبار التساوي بين الماءين في الاعتصام بنظرهم .
وعليه فلا بدّ من تربيع الأقسام بأن يقال : الماء إما كر أو غير كر ، والثاني إما أن يكون له مادة أو لا يكون ، وما له المادة إما أن تكون مادته أصلية وإما أن تكون جعلية .
طهوريّة الماء المطلق
(1) قد تسالم المسلمون كافة على طهارة الماء المطلق في نفسه ومطهّريته لغيره من الحدث والخبث ، بجميع أقسامه من ماء البحر والمطر والبئر وغيرها ، ولم ينقل من أحد منهم الخلاف في ذلك إلاّ عن جماعة منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص ، وعبدالله
ــ[4]ــ
ابن عمر حيث نسب إليهم الخلاف في مطهّرية ماء البحر عن الحدث (1) ، وصحة النسبة وعدمها موكولة إلى غير المقام . وهذا مضافاً إلى التسالم المتقدم ذكره وأن الضرورة قاضية بطهارة الماء في نفسه ومطهّريته لغيره ، يمكن أن يستدل عليه ببعض الآيات وجملة من الروايات الواردة في المقام .
فمنها قوله تعالى : (وأنزلنا من السّماء ماءً طهُوراً ) (2) حيث إنّه سبحانه في مقام الامتنان وبيان نعمائه على البشر ، وقد عدّ منها الماء ووصفه بالطهور ، وظاهر صيغة الطهور هو ما يكون طاهراً في نفسه ومطهّراً لغيره على ما اعترف به جمع كثير .
|