ــ[220]ــ
وأمّا مسّ اللّحم المجرّد فلا خلاف في عدم وجوب الغسل بمسّه ، لأنّ الموضوع في الحكم بوجوب الغسل هو مسّ الميِّت ، وهذا لا يصدق على مسّ اللّحم المجرّد كما لعلّه واضح .
مسّ القطعة المبانة من الميِّت
المقام الثاني : في مسّ القطعة المبانة من الميِّت إذا اشتملت على العظم .
فقد استدلّوا على وجوب الغسل بمسّها بالوجوه الثلاثة المتقدمة في القطعة المبانة من الحي .
وبالأدلّة الدالّة على وجوب الغسل بمسّ الميِّت ، وذلك لأنّ الحكم المترتب على المركّب يترتب على كل واحد من أجزائه حسب المتفاهم العرفي ، وإذا قيل مسّ الميِّت موجب للغسل فمعناه أن مسّ يده أو رجله أو غيرهما من أجزائه موجب للغسل بلا فرق في ذلك بين اتصالها وانفصالها .
وقد قالوا وقلنا في مبحث النجاسات (1) أنّ الدليل الدال على نجاسة الكلب مثلاً هو الّذي يدل على أن شعر الكلب أو رجله أو يده نجسة وإن كانت منفصلة ، لأنّ النجاسة المترتبة على المركب مترتبة على أجزائه أيضاً .
وباستصحاب وجوب الغسل بمسّها ، لأن تلك القطعة المنفصلة كان مسّها قبل انفصالها موجباً للغسل ، والأصل أنّها بعد انفصالها كذلك توجب الغسل .
ولأ نّه لو لم يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميِّت لزم الالتزام بعدم وجوبه فيما إذا مسّ جميع القطعات المنفصلة عن الميِّت فيما إذا كان متقطعاً ، كما إذا قطع ثلاثة أقسام وقد مسّ جميعها ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به .
ولا يخفى ما في هذه الوجوه .
أمّا الأوّل فلأنّ المتفاهم العرفي في الحكم المترتب على المركب وإن كان ثبوته لكل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في شرح العروة 2 : 422 .
ــ[221]ــ
واحد من أجزائه إلاّ أن موضوع الحكم في المقام إنّما هو مسّ الميِّت كما تقدّم، ولا يصدق ذلك بمس جزء من أجزاء الميِّت ، لأ نّه ليس مسّاً للميت وإنّما هو مسّ جزء منه .
ولا يقاس المقام بمثل ما دلّ على نجاسة الكلب الّذي قلنا إنّه ينحل إلى نجاسة كل جزء من أجزائه ، لأن مقتضى الارتكاز والفهم العرفي في مثله أنّ الكلب اُخذ عنواناً مشيراً إلى حقيقته ، وهي ليست إلاّ شعره ورجله ويده ولو منفصلة ، لعدم اعتبار الهيئة الاتصالية في الحكم بالنجاسة بالارتكاز .
وبعبارة اُخرى : الحكم رتب على الكلب لا بما إنّه كلب ليقال إنّه غير صادق على يده أو رجله مثلاً ، والسر في ذلك واضح ، للقطع بأن تقطيع الكلب ليس مطهراً له بدعوى أن يده ليست بكلب فطاهرة وهكذا شعره ورجله ، فالهيئة الاتصالية غير دخيلة في الحكم بنجاسته .
إذن فالحكم ينحل إلى أجزاء الكلب متصلة كانت أم منفصلة ، فإذا قيل الكلب نجس فيفهم منه أن شعره وبقية أعضائه نجسة ولو كانت منفصلة ، لأ نّه ليس إلاّ هي .
وهذا بخلاف المقام، لأنّ الموضوع فيه بحسب النص هو مسّ الميِّت ، وهو لا يصدق بمس جزء من أجزائه .
وأمّا الثاني فلأ نّه من الاستصحابات التعليقية ، لتوقف الحكم بوجوب الغسل حال كون الجزء متصلاً على مسّه وأ نّه لو مسّها وجب الغسل ، وهو حكم تعليقي ، فلا حكم فعلي في البين، وقد بنينا في محلِّه على عدم جريان الاستصحاب في التعليقيات(1) .
على أنّا لو قلنا بجريانها فالموضوع غير باق ، لأ نّه كما عرفت عبارة عن مسّ الميِّت ، وقد كان مسّ القطعة حال اتصالها من مسّ الميِّت بلا كلام ، وهذا بخلاف ما إذا كانت منفصلة ، إذ لا يصدق مسّ الميِّت على مسّها ، واتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة فيها ممّا لا بدّ منه في جريان الاستصحاب كما هو ظاهر .
وأمّا الوجه الثالث فلأ نّه لو لم يصدق على مسّ تمام القطعات من الميِّت المتقطع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع مصباح الاُصول 3 : 134 التنبيه السّادس .
ــ[222]ــ
أجزاؤه مسّ الميِّت ، التزمنا بعدم وجوب الغسل بمسّها أيضاً ، إلاّ أ نّه يصدق مسّ الميِّت عرفاً بمس تمام القطعات ، ومعه لا مناص من الالتزام بوجوب الاغتسال حينئذ ، وأين هذا من مسّ قطعة مبانة من الميِّت ، فإنّه لا يصدق عليه مسّ الميِّت كما مرّ ، فهذه الوجوه ساقطة .
وأمّا مسّ العظم المجرد المنفصل عن الميِّت فالمعروف وجوب الغسل بمسّه ، وقد استدلّوا على وجوب الغسل به بما تقدم في العظم المنفصل عن الحي من أ نّه المناط في الحكم بوجوب الغسل في مسّ القطعة المبانة ، وغيره من الوجوه الثلاثة الأخيرة في مسّ القطعة المبانة من الميِّت .
وقد عرفت المناقشة فيها ولا نعيد .
ونزيدها في المقام أن مسّ العظم المجرّد المنفصل عن الميِّت لو كان موجباً للاغتسال لتلك الوجوه المتقدمة لم يكن مناص من الالتزام بوجوبه في مسّ اللّحم المجرّد منه أيضاً ، لجريان الوجوه الثلاثة فيه ، إذ لا فرق فيها بين كون الجزء عظماً أو لحماً ، فإنّ الاستصحاب أو دلالة الأدلّة على انحلال الحكم على كل واحد من أجزاء الميِّت لا يختصّان بالعظم ، وكذلك الوجه الثالث .
اللّهمّ إلاّ أن يقال إن مقتضى الوجوه المذكورة وإن كان وجوب الغسل بمس اللّحم أيضاً إلاّ أنّ الاجماع التعبّدي قائم على عدم وجوبه بمسّ اللحم المجرد .
ولكن دعوى الاجماع التعبّدي بعيدة غايته .
وقد يستدل برواية إسماعيل الجعفي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سألته عن مسّ عظم الميِّت ، قال : إذا جاز سنة فليس به بأس»(1) إلاّ أنّها ضعيفة السند بعبد الوهاب ومحمّد بن أبي حمزة (2) ، فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه .
ودعوى انجبار ضعفها بعمل الأصحاب ، مندفع بأنّ الرواية غير معمول بها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 294 / أبواب غسل المسّ ب 2 ح 2 .
(2) محمّد بن أبي حمزة وقع في أسـانيد كامل الزيارات وقد حكي وثاقته عن حمـدويه أيضاً . فليلاحظ .
ــ[223]ــ
عندهم ، لاشتمالها على التفصيل بين تجاوز السنة على العظم فلا يجب ، وبين عدم تجاوزها فيجب الغسل بمسّه ، وهو ممّا لا يقول به أحد من أصحابنا .
نعم ، ذهب أبو علي إلى التفصيل بين تجاوز السنة وعدمه(1) ، إلاّ أ نّه في القطعة المُبانة دون العظم المجرّد، وإن كان ما فعله غير ظاهر الدليل أيضاً ، اللّهمّ إلاّ أن نتأول في الرواية بما ذكره صاحب الوسائل(2) (قدس سره) من أنّ العظم قبل السنة لا يخلو عن اللّحم ، وأمّا بعد تجاوز السنة عليه فيتناثر لحمه ويبقى مجرّداً ، ومن هنا لم يجب الغسل بمسّه بعد تجاوزها .
وفيه أوّلاً : أ نّه لا ملازمة بين تجاوز السنة وتناثر اللحم أو قبل تجاوزها وعدم تناثره ، لأنّ العظم قد يذهب لحمه بعد يومين أو شهر ، لأكل السبع أو رطوبة المكان والعظم ، وقد يبقى بعد السنة أيضاً .
وثانياً : أنّ الرواية على هذا التقدير من أدلّة وجوب الغسل بمس القطعة المبانة من الحي ، ولا تدل على وجوب الغسل بمسّ العظم المجرد .
وعلى الجملة : الرواية ضعيفة وغير قابلة للاستدلال بها في المقام ولا في مسّ القطعة المبانة .
فقد تلخّص أنّ القطعة المبانة من الميِّت كالمبانة من الحي في عدم وجوب الغسل بمسّها ، بل المبانة من الميِّت أسوأ حالاً من المبانة من الحي ، لأنّ الغسل بمس المبانة من الحي قد نص عليه في بعض الروايات ، بخلاف القطعة المبانة من الميِّت .
اللّهمّ إلاّ أن يتشبّث بالأولوية في المبانة من الميِّت ، أو يقال باستفادة حكم المبانة من الميِّت من نفس النص الوارد في الحي ، وذلك للتعليل الوارد في المرسلة «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة» (3) ، لأنّها ظاهرة في أنّ الحكم المذكور بعده مترتب على كونها ميتة ، وهذا متحقق في المبان من الميِّت أيضاً ، ولكن ضعف الرواية مانع عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقله عنه في الجواهر 5 : 340 / في غسل المسّ .
(2) الوسائل 3 : 295 / أبواب غسل المسّ ب 2 .
(3) الوسائل 3 : 294 / أبواب غسل المسّ ب 2 ح 1 .
|