حكم مسّ الشهيد - الشك في أنّ الممسوس شهيد أم غيره 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8845


ــ[227]ــ

أو في أ نّه كان شهيداً أم غيره ((1)) (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معارض بشيء .

   الصورة الثالثة : ما إذا كان التاريخان مجهولين معاً ، ولا بدّ حينئذ من الحكم بعدم وجوب الغسل لاستصحاب عدم تحقق المسّ بعد البرودة أو الموت ، وذلك لعدم كونه معارضاً باستصحاب عدم تحققه قبلهما ، لأ نّه لا أثر له كما عرفت .

    إذا شكّ في أنّ الممسوس شهيد أو غيره

   (1) يقع الكلام في ذلك في مقامين :

   أحدهما : في الحكم الواقعي وأن مسّ الشهيد كمس غيره موجب للغسل أو لا يترتب على مسّه وجوب الغسل ، وهذا لم يتعرّض له المصنف (قدس سره) وكأ نّه مفروغ عنه وأمر مسلّم عنده .

   وثانيهما : فيما إذا شكّ في أنّ الميِّت شهيد أو غير شهيد فهل يجب غسل المسّ أو لا يجب ؟

   أمّا المقام الأوّل : فقد استدلّ على عدم وجوب الغسل بمسّ الشهيد بأمرين :

   أحدهما : أن وجوب الغسل يختص بما إذا كان الميِّت ممّن يجب تغسيله ، لقوله (عليه السلام) «من غسّل ميتاً فعليه الغسل» (2) وأمّا الميِّت الّذي لا يجب تغسيله فلا دليل على وجوب الغسل بمسّه ، ومن الظاهر أنّ الشهيد لا يغسل ولا يكفن كما يأتي إن شاء الله .

   ويدفعه : أن غاية ما تدل عليه تلك الروايات وجوب الغسل بمسّ الميِّت الّذي يجب تغسيله ، أمّا أنّ الميِّت الّذي لا يجب تغسيله فلا يجب الغسل بمسّه فلا دلالة لها عليه بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أ نّه لا فرق في وجوب الغسل بين كون الممسوس شهيداً وعدمه ، وعلى تقدير عدم الوجوب بمسّ الشهيد فالظاهر وجوبه عند عدم إحراز كون الممسوس شهيداً .

(2) الوسائل 3 : 289 /  أبواب غسل المسّ ب 1 .

ــ[228]ــ

   كما أشرنا إلى ذلك (1) في وجوب الغسل بمسّ الميِّت الكافر وقلنا إنّه وإن لم يجب تغسيله إلاّ أن ما دلّ على أن من غسّل ميتاً فعليه الغسل لا يدل على الملازمة بين الأمرين وعدم وجوبه فيما إذا لم يجب تغسيل الميِّت، ومع عدم الدلالة على النفي والتقييد تبقى المطلقات الدالّة على وجوب الغسل بمسّ الميِّت بعد البرودة أو بعد ما برد بحالها وهي تقتضي الوجوب .

   فعلى ذلك لا فرق بين الكافر والشهيد من هذه الجهة أي من جهة عدم وجوب التغسيل وإن كان عدم وجوب التغسيل في الشهيد لعلو شأنه وتجليله حتّى يلقى الله على تلك الحالة الّتي استشهد عليها ومتلطخاً بدمه ، وفي الكافر مستنداً إلى فسقه وعدم قبوله الطهارة بالغسل ، فكما أن مقتضى المطلقات في الكافر وجوب الغسل بمسّه كذلك الحال في الشهيد .

   وثانيهما : أنّ الشهيد طاهر من الحدث والخبث ، ولذا لا يجب تغسيله ولا إزالة دمائه بل يدفن متلطخاً بدمه ، والأخبار الواردة في وجوب الغسل بالمس ظاهرة في استناده إلى وجود أثر في الممسوس من الحدث والخبث، كما يشير إليه ما رواه الصدوق عن الفضل بن شـاذان وعن محمّد بن سـنان عن الرضا (عليه السلام) «إنّما اُمر من يغسّل الميِّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميِّت ، لأنّ الميِّت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته»(2) وحيث إنّ الموت لا يؤثر في الشهيد بالحدث أو الخبث فلذا لا يغسل ، فلا يدخل تحت تلك النصوص .

   ويرد على ذلك أوّلاً : أ نّه لم يقم دليـل على أنّ الشهيد طاهر من الخبث والحدث بل يمكن أن يكون محدثاً وذا خبث ، إذ لا يمكن الحكم بأن من أصابت يده بدن الشهيد المتلطخ بالدم لا يجب عليه تطهير يده إذ لا خبث في الشهيد ، كما أن مقتضى ما ورد من أنّ الميِّت تخرج منه النطفة حال موته(3) أنّ الشهيد أيضاً محدث ، إذ لا فرق فيه بين الشهيد وغيره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 212 .

(2) الوسائل 3: 292 / أبواب غسل المسّ ب1 ح11، 12. علل الشرائع: 268/9، وص300/3 .

(3) الوسائل 2 : 486 /  أبواب غسل الميِّت ب 3 .

ــ[229]ــ

   وثانياً : لو سلمنا طهارة الشهيد من الحدث والخبث لا دليل على أن من كان كذلك لا يجب الغسل بمسّه .

   وما ورد في الروايتين المتقدمتين من أن وجوب الغسل والتغسيل من جهة حدث الميِّت أو خبثه إنّما هو من قبيل الحكمة وليس علّة له ، كيف والأئمة المعصومون (عليهم السلام) طاهرون مطهرون ، ومع ذلك يجب تغسيلهم ويغسل بمسّهم ، وكذلك النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما ورد في رواية الصفار (1) على ما قدّمناه ، حيث ورد أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان طاهراً مطهراً ، ولكن فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) وجرت به السنة ، إذن فمقتضى العمومات وجوب الغسل بمسّ الشهيد وإن لم يجب تغسيل الشهيد تجليلاً لمقامه .

   وقد يستدل على عدم وجوب الغسل بمسّ الشهيد : بأنّ الشهيد ومسّه كان مورداً للابتلاء به في تلك الأزمنة ، لكثرة الحروب في عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ، ومعه لم ينقل لنا وجوب الغسل بمسّه ، وهذا يكشف عن عدم وجوب الغسل بمسّ الشهيد ، وإلاّ لنقل إلينا لا محالة .

   وهذا لا يمكن المساعدة عليه أيضاً ، لأ نّه بعد ورود حكم مسّ الشهيد في المطلقات الدالّة على أن مسّ الميِّت موجب للغسل لا يلزم بيان حكم مسّ الشهيد بخصوصه .

   والّذي يدلّنا على ذلك أنّا لو قلنا بذلك فهو مختص بالشهيد الّذي لا يغسل ، وهو الشهيد الّذي لم يدركه المسلمون حياً ، وأمّا الّذي به رمق وأدركه المسلمون حياً لو حملوه على رحله فمات هناك ، فهذا واجب التغسيل كما يأتي إن شاء الله تعالى ، فمسّه موجب للغسل . وهذا أيضاً كان كثير الابتلاء به ، إذ لم يكن كل من سقط في المعركة شهيداً كذلك ، أي من غير أن يدركه المسلمون حيّاً ، بل كان بعضهم ممّن يدركه المسلمون كذلك قطعاً ، ومع هذا لم يرد في وجوب الغسل بمسّه رواية ولم ينقل وجوبه إلينا ، مع أ نّه واجب ولا وجه له إلاّ كفاية المطلقات الواردة الدالّة على وجوب الغسل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 291 /  أبواب غسل المسّ ب 1 ح 7 .

ــ[230]ــ

بالمس في ذلك من غير حاجة إلى نقل وجوبه في الشهيد بخصوصه . هذا كلّه في المقام الأوّل .

   وأمّا المقام الثاني : فعلى ما قدّمناه لا أثر للشك في أنّ الميِّت الممسوس شهيد أو غيره ، لوجوب الغسل بالمس في مطلق الميِّت .

   وأمّا بناءً على عدم وجوب الغسل بمسّ الشهيد فلو شكّ في أنّ الممسوس شهيد أو غيره فمقتضى الأصل وجوب الغسل بمسّه ، لأنّ الشهادة واستناد الموت إليها أمر حادث مسبوق بالعدم ، فهو ميت بالوجدان وليس بشهيد بالاستصحاب ، فلا بدّ من الغسل بمسّه وإن لم يثبت هذا الاستصحاب أن موته مستند إلى شيء آخر ، إلاّ أ نّه غير لازم في الحكم بوجوب الغسل بالمس للاطلاقات، حيث لم يخرج عنها إلاّ الشهيد فإذا أثبتنا عدم كونه شهيداً بالاستصحاب وأحرزنا مسّه بالوجدان شملته العمومات والاطلاقات ، ومعه لا وجه لما أفاده الماتن (قدس سره) من عدم وجوب الغسل فيما إذا شكّ في أنّ الميِّت شهيد أو ليس بشهيد .

    قتيل المعركة

   نعم ، في صورة واحدة وفي مورد من موارد الشك في الشهادة نلتزم بعدم وجوب الغسل بالمس ، وهو القتيل في المعركة كما يأتي في كلام الماتن (قدس سره) عند الكلام على وجوب تغسيل الميِّت ، فإنّه إذا رأينا أحداً في المعركة وهو قتيل ولم ندر أن موته مستند إلى الشهادة أو إلى غيرها ، كما إذا كان في المعركة وأصابه سهم فمات من غير أن يكون من المتحاربين ، ذكروا أ نّه ملحق بالشهيد ولا يجب تغسيله ولا يجب الغسل بمسّه ، وهذا لأمرين :

   أحدهما :  ظهور الحال ، لأن من كان في المعركة وفيه آثار الحرب ظاهره أ نّه مات بالشهادة والمحاربة ، واحتمال أ نّه مات لخوفه أو لمرضه ممّا لا يعتنى به ، فظاهر الحال يشهد بشهادته .

   ويمكن المناقشة في ذلك بأنّ الظهور لم يقم دليل على حجيته في غير باب الألفاظ لأ نّه لا يفيد سوى الظن ، والظن لا اعتبار به شرعاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net