هل شرطية إذن الولي تنافي كفائيّة وجوب التجهيز ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6068


    هل تنافي الكفائية شرطية إذن الولي

   وإنّما الكلام في أنّ الوجوب الكفائي هل ينافيه كون تلك الاُمور مشروطة باذن الولي ، نظراً إلى أن واحداً إذا أتى بها من غير استئذان من الولي ولم يكن ذلك موجباً لارتفاع التكليف لم يمكن أن يكون التكليف كفائياً وإلاّ لزم سقوطها بفعل غير الولي وإن كان من غير إذنه ، فكونها كفائية ومشروطة باذن الولي أمران لا يجتمعان .

   وقد يجاب عن ذلك بأنّ التكليف بها إنّما هو على نحو الكفائي ، والاشتراط بالاذن شرط لصحّة العمل والمأمور به وغير راجع إلى التكليف والوجوب ، فلا مانع من أن يكون التكليف كفائياً ويكون مشروطاً بشيء بالاضافة إلى بعضهم كغير الولي وغير مشروط به بالاضافة إلى الولي .

   وفيه : أ نّه لا معنى لكون العمل مشروطاً بشرط غير اختياري كاذن الولي في المقام ، إلاّ أن يكون راجعاً إلى التكليف على نحو مفروض الوجود ، ومعه يكون التكليف مشروطاً في حق غير الولي وغير مشروط بشيء في حق الولي ، بمعنى أن أصل التكليف والوجوب يكون مشروطاً بالاذن فلا تكليف قبله لا أنّ المشروط هو الفعل ، وأمّا الولي فبما أنّ التكليف في حقّه غير مشروط بشيء فيكون هو المكلّف بتلك الاُمور أوّلاً ثمّ على تقدير امتناعه ينتقل إلى غيره من المكلّفين ، وهذا يستلزم أن يكون التكليف متوجهاً ابتداءً إلى الولي ، وبعد إذنه أو امتناعه يتحقق في حق غير الولي ولا يكون التكليف مشتركاً فيه بين الجميع وفي عرض واحد ، كما ذكره صاحب الحدائق (قدس سره) .

 
 

ــ[281]ــ

   تحقيق المقام :  والّذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الوجوب الكفائي لا يراد منه سوى كونه على نحو يشترك بين الجميع ويسقط باتيان واحد من المكلّفين وقيامه به ، إلاّ أن ذلك لا ينافي كونه مشروطاً بالشرائط العامّة الّتي منها القدرة ، فانّ الوجوب العيني والكفائي كلاهما مشروطان بالقدرة لا محالة ، وحصول هذا الشرط في بعضهم دون بعض لا يوجب خروج التكليف عن كونه كفائياً . فترى أن إنقاذ الغريق في الحوض الواقع في دار شخص من أهمّ الواجبات الإلهيّة ، وهو مشروط بالقدرة عليه وهي متحققة في مالك الدار دون غيره ، لتوقفه على إذن منه في التصرف في داره وليس لغيره الدخول فيها للانقاذ إلاّ بعد إذن المالك أو امتناعه منه ومن الانقاذ ، فانّه يجوز له الدخول فيها حينئذ، لأهمية وجوب حفظ النفس المحترمة عن حرمة التصرّف في مال الغير من غير رضاه ، ومع ذلك لا يسقط التكليف عن كونه كفائياً بذلك وكذلك الحال في غيره من الواجبات العينية والكفائية وفي غير الولي ، لوضوح أ نّنا لا نتمكّن من الصلاة على من مات في مكان بعيد عنا ، ولا نتمكّن من دفنه وكفنه ، ويتمكّن منها من هو عند الميِّت من المكلّفين .

   والأمر في المقام أيضاً كذلك ، بمعنى أنّ القدرة حاصلة في الولي وغير حاصلة في غيره إلاّ باذنه أو امتناعه ، فلا يكون الحكم الكفائي فعلياً في حق غير الولي ، لعدم قدرته عليه إلاّ باذنه ، وليس له أن يقدم على تلك الاُمور من غير إذنه ، لأ نّه مزاحمة للولي ومزاحمة الولي غير جائزة ، إلاّ أنّ الولي قادر عليها فيكون الوجوب الكفائي المشترك بين الجميع فعلياً في حقّه دون غيره ، إلاّ أن ذلك لا يخرج التكاليف المذكورة عن كونها كفائية لسقوطها بفعل واحد منهم كما عرفت .

    إيضاح لما تقدم :  لا إشكال ولا خلاف في وجوب الصلاة على الميِّت وتكفينه ودفنه ، ولا ينبغي الشبهة أيضاً في أنّها ثابتة لمراعاة حال الميِّت وأنّها كفائية ـ كما قدّمناه ـ فلا وجه لما ذهب إليه صاحب الحدائق من أنّها متوجّهة إلى الولي وهي عينية في حقّه ، وعلى تقدير امتناعه أو إذنه تجب على بقية المكلّفين وأ نّه حكم

ــ[282]ــ

طولي (1) فلا نعيد وجهه .

   وإنّما الكلام في أن هذا الوجوب الكفائي المشترك بين الجميع هل ينافيه كونه مشروطاً باذن الولي ، لأ نّه لو أتى به غير الولي من غير إذنه لا يكون مصداقاً للواجب بل هو أمر منهي عنه والمحرم كيف يقع مصداقاً للواجب ، أو أنّ الوجوب الكفائي لا ينافي كونه مشروطاً باذن الولي .

   فقد يجاب عن ذلك بأنّ الوجوب الكفائي مشترك بين الجميع ولا فرق فيه بين الولي وغيره ، وإنّما الواجب مشروط باذن الولي ، ولا مانع من أن يكون الوجوب مطلقاً كفائياً ويكون الواجب مشروطاً في حق بعض المكلّفين دون بعض ، لعدم كونه مشروطاً بالاضافة إلى الولي وإنّما هو مشروط باذن الولي في غيره .

   وقد أجبنا عنه بأنّ الواجب لا يمكن أن يكون مشروطاً بأمر غير اختياري ، ومن الواضح أن إذن الولي غير مقدور للمصلّي والمكفّن وغيرهما ، فلا مناص من أن يكون شرطاً وقيداً للوجوب ويكون مأخوذاً مفروض الوجود ، ومعه يكون التكليف بتلك الأفعال تكليفاً مطلقاً فعلياً في حق الولي ، ولا يكون كذلك في حق غيره ، وإنّما يكون أصل الوجوب مشروطاً باذن الولي بالاضافة إلى غيره ، وهو ما أفاده صاحب الحدائق من كون التكليف طولياً ومتوجهاً إلى الولي أوّلاً ، وعلى تقدير إذنه أو امتناعه يتوجه إلى غيره ، فالمحذور باق بحاله .

   والّذي ينبغي أن يقال ـ وهو الصحيح ـ إنّ التكليف بتلك الأفعال واجب كفائي يشترك فيه الجميع ، غاية الأمر أ نّه كما روعي فيها الميِّت من حيث الصلاة عليه وكفنه ودفنه كذلك روعي حال الولي والوارث حتّى لا يزاحمه غيره ، لأ نّه لا يناسب الوارث ، فجعل الحق له في المباشرة لتلك الاُمور أو الاستئذان منه ، لأ نّه كالتسلية والتعزية له ، إذ لا يناسبه مزاحمة الغير إيّاه في الصلاة على والده مثلاً أو تغسيله أو نحوه ، وهذا لا ينافي كون الوجوب كفائياً ، وذلك لا لأنّ الواجب مشروط بالإذن كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 3 : 359 .

ــ[283]ــ

تقدم ، بل لأنّ الواجب الكفائي كالواجب العيني مشروط بالشرائط العامّة ـ الّتي منها القدرة ـ فالوجوب الكفائي ثابت مجعول على الجميع إلاّ أ نّه يتّصف بالفعلية بالاضافة إلى من له القدرة عليه ، ولا يكون فعلياً بالاضافة إلى من لا يقدر عليه . وهذا لا يخرج الوجوب عن كونه كفائياً ـ كما هو ظاهر ـ لوضوح أنّا لا نتمكّن من الصلاة على الميِّت النائي عن بلدنا ولا نقدر على دفنه وكفنه ، ويتمكّن منها من هو عند الميِّت من المكلّفين فيكون الوجوب فعلياً في حقّهم وغير فعلي بالاضافة إلينا ولا يخرج عن كونه كفائياً بذلك بوجه .

   وأظهر من ذلك ، ما إذا وقع إنسان محترم في الحوض الواقع في دار أحد وأشرف على الغرق ، فان إنقاذه واجب على الجميع بل من أهمّ الواجبات الإلهيّة مع أنّ غير المالك لا يقدر على انقاذه لعدم جواز التصرّف في مال الغير من دون إذنه ، فلا يتمكّن من دخول الدّار ، وهذا بخلاف المالك فهو لقدرته عليه فعلي في حقِّه وليس فعليّاً في حقِّ غيره ، إلاّ أن يمتنع عن المباشرة والإذن في الدخول للإنقاذ فحينئذ يجوز الدخول في داره ، بل يجب ولو من دون إذنه ، لأهمية وجوب إنقاذ النفس المحترمة ، وهذا ظاهر . وبما أنّ الولي في المقام قادر على تلك الأفعال ، وغيره لا يقدر عليها لتوقفه على إذن الولي أو امتناعه عن المباشرة ، فيكون الوجوب الكفائي فعلياً في حقّه وغير فعلي بالاضافة إلى الغير مع بقائه على الكفائية كما عرفت ، فالاشتراط بالاذن غير مناف للوجوب الكفائي بوجه .

 ثمرة النزاع

   وتظهر ثمرة النزاع فيما إذا امتنع الولي عن المباشرة وعن الاذن فيها للغير مع علمه بقيام غيره بها ، فانّه بناءً على أنّ التكليف متوجّه إليه وعيني في حقّه يكون عاصياً لمخالفته التكليف المتوجّه إليه ، وأمّا بناءً على ما ذكرناه من أ نّه حكم كفائي يشترك فيه الجميع ولا فرق فيه بين الولي وغيره فلا عصيان للولي ، أمّا من جهة تركه المباشرة فلجواز ترك الواجب الكفائي عند العلم بقيام الغير به ، وأمّا من جهة تركه الاذن

ــ[284]ــ

للغير فلأنّ الاذن غير واجب عليه ، وإنّما هو ثابت له ، وجعل مراعاة لشأنه لأ نّه كالتسلية والتعزية في حقّه ، فله أن يأذن وأن لا يأذن . نعم ، الاذن يوجب حصول القدرة للغير إلاّ أنّ الامتناع عنه أيضاً يوجب القدرة لغيره ، فلا أثر لإذنه وتركه لتمكن الغير من القيام به على كلا التقديرين فلا معصية في البين .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net