تغسيل الزوجة زوجها بعد عدّة الوفاة - استثناء المحارم من اعتبار المماثلة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 12360


ــ[342]ــ

وإن كان الأحوط ترك تغسيل المطلقة مع وجود المماثل خصوصاً إذا كان بعد انقضاء العدّة ((1)) ، وخصوصاً إذا تزوّجت بغيره إن فرض بقاء الميِّت بلا تغسيل إلى ذلك الوقت وأمّا المطلقة بائناً فلا اشكال في عدم الجواز فيها (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    تغسيل الزّوجة زوجها بعد عدّة الوفاة

   (1) ذكرنا أن كلاً من الزوج والزوجة يجوز لكل منهما أن يغسل الآخر وينظر إلى بدنه حتّى إذا كانت في عدّة الطلاق .

   وهل يجوز ذلك للزوجة بعد انقضاء عدّة الوفاء ؟

   فيه خلاف بين الأصحاب ، والظاهر من محكي كلام الشهيد (2) أنّ الجواز هو المشهور بيننا ، بل الأمر كذلك وإن تزوجت ، وذلك للاطلاقات الدالّة على أنّ الزوج والزوجة يجوز لكل منهما أن يغسل الآخر حيث يستفاد منها كفاية الزوجية حال الممات في جواز تغسيل كل منهما الآخر ـ كانت في عدّة الوفاة أو بعد انقضائها متزوجة كانت أم غير متزوجة ـ وإن كانت المسألة بعيدة الوقوع والاتفاق ، لبعد بقاء الميِّت بحاله من دون أن يتلاشى في مدّة العدّة ، وهي أربعة أشهر وعشراً أو بوضع الحمل أو بأبعد الأجلين وتزوجها من زوج ثان ، إلاّ أ نّه يمكن أن يفرض ذلك بسهولة في البلاد الباردة جداً ، لأنّ الميِّت إذا بقيت جثته تحت الثلوج يبقى مدّة مديدة كسنة ونحوها من دون أن تتلاشى أعضاؤه وأجزاؤه .

   إلاّ أ نّه قد يقال بعدم الجواز ، نظراً إلى أن طول المدّة يصيّر المرأة أجنبية عرفاً ، وبه تزول علقة الزوجية بينهما ، والأجنبية لا يجوز لها أن تغسل الأجنبي .

   وفيه : أنّ علقة الزوجية إنّما تنقطع بالموت عرفاً لا بانقضاء العدّة ، والعدّة إنّما هي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يترك الاحتياط في هذا الفرض .

(2) حكاه عنه في الجواهر 4 : 56 ، وراجع الذكرى : 40  السطر 1 .

ــ[343]ــ

حكم شرعي تعبّدي إنّما جعلت تجليلاً للميت واحتراماً له لا لبقاء علقة الزوجية ، إذ لا معنى لاعتبار الزوجية للجماد الّذي منه الميِّت .

   فالأخبار دلّت على ترتب الحكم على الزوجية حال الموت وأنّها الموضوع لجواز تغسيل كل منهما الآخر بعد الموت ، وهي أمر لا ينقلب عمّا وقع عليه بعد الوقوع .

   على أن ذلك تنافيه التعليلات الواردة في الأخبار «بأنّ الزوجة منه في عدّة» كما في صحيحة عبدالله بن سنان وغيرها من الأخبار المتقدِّمة (1) المصرحة بأنّ الزوجة لها أن تغسل زوجها وتنظر بدنه مادام لم تنقض عدّتها ـ وهي أربعة أشهر وعشراً ، أو غيره كما مرّ  ـ  ومنها يستكشف أن طول المدّة كأربعة أشهر وعشراً غير موجب لزوال علقة الزوجية تعبّداً ، فإذا لم تنقطع العلقة بتلك المدّة لم تنقطع بزيادة ساعة أو يوم عليها كما إذا انقضت عدّتها وبعد ساعة أرادت أن تغسل الرجل فطول المدّة غير مانع عن المدّعى .

   وقد يستدل عليه بأنّ الأخبار الدالّة على جواز تغسيل الزوج أو الزوجة صاحبه تنصرف إلى الغسل المتعارف كالغسل بعد ساعة من الموت أو ساعتين ونحو ذلك ولا يشمل الفروض النادرة .

   وفيه : أنّ الانصراف بدوي وهو ممّا لا موجب له .

   على أن ذلك ممّا تدفعه التعليلات الواردة في الأخبار ، لأن مقتضاها جواز تغسيل الزوجة زوجها ما دامت لم تنقض عدّتها، وظاهر أنّ الغسل في آخر أيّام العدّة كالعشرة بعد أربعة أشهر أمر نادر أيضاً ، ومع ذلك تشمله الأخبار من غير شبهة .

   على أ نّه لا فرق في الندرة بين تغسيلها قبل انقضاء عدّتها وتغسيلها بعده بساعة وقد صرّحت الأخبار المتقدِّمة بأنّ الزوجة لها أن تغسل زوجها ما دام لم تنقض عدّتها الشاملة لتغسيلها في آخر أزمنة عدّتها. وعن بعضهم الاستدلال على ذلك بأنّ الأخبار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 335 .

ــ[344]ــ

المتقدِّمة (1) قد صرّحت بجواز تغسيل الزوجة زوجها إلى أن تنقضي عدّتها ، لتعليلها ذلك بأنّها منه في عدّة ، فهذه تدلّنا على أ نّه إذا انقضت عدّتها ليس لها ذلك ، لأنّها ليست منه في عدّة .

   وهذا الاستدلال لعلّه أحسن ما استدلّ به في المقام ، إلاّ أ نّه لا يمكن المساعدة عليه أيضاً ، لما عرفت من أن تلك الأخبار لا بدّ من التصرّف فيها بقرينة صحيحة الحلبي الدالّة على جواز تغسيل الزوج زوجته ولو من وراء الثياب (2) مع أنّ الزوج ليس في عدّة من زوجته .

   ومن الجمع بين الأخبار يظهر أن تلك التعليلات ليست تعليلات لجواز التغسيل وإنّما هي تعليلات لجواز النظر إلى البدن ، لأنّ الزوج ليس في عدّة من زوجته ومع ذلك جاز له تغسيل زوجته كما مرّ .

   فلا بدّ من حملها على جواز النظر إلى بدن زوجها لا إلى جواز تغسيلها فانّ التغسيل جائز ـ كان هناك عدّة أم لم تكن كما في الزوج ـ نعم ، الزوج ليس له أن ينظر إلى بدن زوجته كراهة أو تحريماً ، لعدم كونه من زوجته في عدّة والزوجة لها ذلك لكونها منه في عدّة . وعليه فبعد انقضاء العدّة يكون حال الزوجة حال الزوج قبل الانقضاء فيجوز لها أصل التغسيل ، وليس لها أن تنظر إلى بدن زوجها حينئذ كراهة أو تحريماً كما تقدم .

   فالصحيح في المسألة هو الجواز وإن كان الأحوط ترك ذلك بعد انقضاء العدّة ، ولو لاحتمال كون طول المدّة قاطعاً لعلقة الزوجية كما قيل .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 335 .

(2) الوسائل 2 : 532 /  أبواب غسل الميِّت ب 24 ح 11 .

ــ[345]ــ

الثالث : المحارم بنسب أو رضاع(1)، لكن الأحوط بل الأقوى((1)) اعتبار فقد المماثل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    من الموارد المستثناة :  المحارِم

   (1) كما هو المشهور ، بل لعل المسألة ممّا لا خلاف فيها ، فمع وجود المحرم لا يدفن الميِّت من غير غسل .

   وإنّما الكلام في أن جواز تغسيل المحارم مشروط بفقد المماثل والزوج أو الزوجة أو أنّ الحكم عام ويجوز تغسيل المحرم ولو مع وجود المماثل والزوج والزوجة ؟

   الصحيح هو الاختصاص وكونه مشروطاً بفقد المماثل والزوج أو الزوجة ، وذلك لأنّ الأخبار الدالّة على جواز تغسيل المحارم كلّها واردة في فرض الاضطرار وفقد المماثل أو الزوج والزوجة ، فيستفاد من مجموعها أن اعتبار المماثلة في صورة الاختيار كان مرتكزاً في أذهان المتشرعة .

   ويؤيّد هذا الارتكاز ما ورد من أنّ المرأة لا يغسلها إلاّ المرأة (2) وإن كانت هذه الرواية ضعيفة من حيث السند (3) فجواز تغسيل غير المماثل من الزوج والزوجة أو المحارم يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على جوازه إلاّ في فرض الاضطرار وفقد المماثل والزوج والزوجة ، بل إن موثقة أو حسنة عبدالله بن سنان ـ بالوشاء ـ : قال «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إذا مات الرجل مع النِّساء غسلته امرأته ، وإن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهنّ به وتلّف على يديها خرقة» (4) تدل على أنّ النوبة لا تصل إلى المحارم مع وجود الزوجة ، وقد مرّ ويأتي أنّ المراد بأولاهنّ هو المحارم ، لصراحة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في القوّة بالنسبة إلى كونه من وراء الثِّياب إشكال نعم هو أحوط .

(2) الوسائل 2 : 519 /  أبواب غسل الميِّت ب 20 ح 10 ، 525 /  ب 22 ح 7 . (وفيهما : لا يغسّل الرجل المرأة إلاّ أن لا توجد امرأة)

(3) في السند محمّد بن سنان وهو ممّن لم تثبت وثاقته .

(4) الوسائل 2 : 518 /  أبواب غسل الميِّت ب 20 ح 6 .

ــ[346]ــ

الأخبار في أنّ الميِّت إذا لم يكن عنده المحارم دفن من غير غسل لاعتبار المماثلة في غير
المحارم(1) وبما أنّ الأخبار الواردة في اعتبار المماثلة مطلقة فمقتضى إطلاقها عدم جواز تغسيل المحارم مع الاختيار ووجود المماثل أو الزوج والزوجة ، لأنّ الخروج عن تلك المطلقات يحتاج إلى دليل ، وهو إنّما دلّ على سقوط هذا الاشتراط في المحارم عند فقدان المماثل والزوج والزوجة ، فمرتبة المحارم متأخرة عن مرتبة الزوج والزوجة المساوية مع المماثل ـ على الصحيح ـ أو المتأخرة عنه ـ على بعض الأقوال ـ والحسنة أو الموثقة هي المحكّمة في المقام .

   إعادة وتوضيح :  ذكرنا أن جواز تغسيل المحرم محرمه هو المشهور ، بل هو أمر متسالم عليه وممّا لا خلاف فيه في الجملة .

   وإنّما الكلام في أن جواز تغسيل المحارم مشروط بفقد المماثل والزوج والزوجة أو أ نّه غير مشروط بفقدهم ؟

   المعروف بينهم هو الاشتراط ، وذهب جماعة إلى عدم الاشتراط .

   وقد استدلّ عليه بالاطلاقات الدالّة على وجوب تغسيل الميِّت كفائياً ، وإنّما خرجنا عن تلك المطلقات في غير المحارم ، لما دلّ على اعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت وأ نّه يدفن من غير تغسيل فيما إذا لم يوجد المماثل . وأمّا في المحارم فلم يقم على اعتبار المماثلة دليل ، فمقتضى الاطلاقات جواز تغسيل المحرم محرمه كان هناك مماثل أم لم يكن ، لأنّ المحرم من أحد أفراد المكلّفين حتّى فيما إذا كان المماثل موجوداً .

   وفيه : أنّ الاستدلال بالمطلقات وإن كان صحيحاً في نفسه إلاّ أ نّه متوقف على عدم قيام الدليل على اعتبار المماثلة في المحارم في حال الاختيار وإلاّ فهو المتبع دون المطلقات كما يأتي إن شاء الله .

   واُخرى : يستدل عليه بصحيحة منصور بن حازم قال «سألت أبا عبدالله (عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 520 /  أبواب غسل الميِّت ب 21 .

ــ[347]ــ

السلام) عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها ؟ قال (عليه السلام) : نعم ، واُمّه واُخته ونحو هذا يلقي على عورتها خرقة» (1) حيث دلّت على جواز تغسيل المحارم مطلقاً من دون تقييد بما إذا لم يوجد مماثل .

   وفيه : أنّ الصحيحة لا دلالة لها على المدّعى ، لأنّ السؤال فيها إنّما هو عن الرجل يخرج في السفر ، والسفر من موارد الاضطرار ، إذ لا يوجد فيه مماثل يغسل الميِّت غالباً ، فالصحيحة واردة في مورد فقد المماثل والاضطرار لا في صورة الاختيار .

   وقد يقال : إنّ السفر ليس من موارد الاضطرار ، إذ كثيراً ما يوجد فيه المماثل من النِّساء والرجال ولو من غير ذوات الأرحام .

   ويندفع بأن مطلق وجود المماثل لايكفي في ارتفاع الاضطرار، وإنّما يرتفع الاضطرار بوجود مماثل مقدم للتغسيل ، وهو لا يوجد في السفر إلاّ نادراً ، فالإتيان بهذا القيد ـ  أعني السفر  ـ كاشف عن اختصاص الحكم بموارد الاضطرار ، إذ لو لم يكن له دخل في الحكم لم يكن لذكره وجه في الكلام، وللزم أن يسأل عن مجرّد جواز تغسيل الرجل زوجته ، فاضافة قيد السفر من جهة اختصاص الحكم بالاضطرار .

   إذن لا تكون هذه الصحيحة موجبة للخروج عمّا دلّ على اعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت إلاّ في حال الاضطرار ، فان لم يقم دليل على عدم اعتبارها في حال الاختيار لا بدّ من اختصاص الحكم ـ أعني جواز تغسيل المحرم ـ بما إذا لم يوجد هناك مماثل ، وهذا هو الصحيح ، أي لم يقم دليل على عدم اعتبار المماثلة في المحارم ، وحيث إنّ الدليل يدل على اعتبارها ، وهو الارتكاز المتشرعي في الأذهان المؤيّد بما ورد في رواية أبي حمزة من أنّ المرأة لا يغسلها إلاّ امرأة (2) فلا بدّ من تخصيص جواز تغسيل المحارم بصورة فقد المماثل والاضطرار .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 516 /  أبواب غسل الميِّت ب 20 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 519 /  أبواب غسل الميِّت ب 20 ح 10 ، 525 ب 22 ح 7 . (وفيهما : لا يغسل الرجل المرأة إلاّ أن لا توجد امرأة)




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net