اشتراط تغسيل المحارم بكونه من وراء الثِّياب - استثناء المولى والأمة من اعتبار المماثلة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6191


ــ[348]ــ

وكونه من وراء الثِّياب (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ويؤيّده أيضاً : أنّ الأخبار الواردة في المقام كلّها مختصّة بصورة فقد المماثل أو السفر ولو في الأسئلة الواردة فيها ، فلم يقم دليل مخرج عن ذلك في صورة الاختيار هذا .

   بل مقتضى حسنة ابن سنان أو موثقته عدم الجواز مع وجود المماثل أو الزوج، قال «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إذا مات الرجل مع النِّساء غسلته امرأته وإن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به ، وتلف على يديها خرقة» (1)  حيث دلّت على أنّ المحارم إنّما يغسلن الرجل إذا لم تكن امرأته معه فمرتبة المحارم متأخرة عن الزوجة . نعم ، هي مختصّة بالزوجة ولم يذكر فيها المماثل ، إلاّ أنّها تدل على أن مرتبة المحرم متأخرة عن مرتبة الزوجة ، والزوجة إمّا مرتبتها متساوية مع المماثل أو متأخرة عن مرتبته ، وعلى كلا التقديرين تدل على أن مرتبة المحارم متأخرة عن مرتبة المماثل .

   فالمتحصل : أن مقتضى العموم المستفاد من الارتكاز والروايات المؤيد برواية أبي حمزة والمؤيّد باشتمال الأخبار واختصاصها بمورد الاضطرار هو اعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت مطلقاً حتّى في حقّ المحارم ، وإنّما لا تعتبر المماثلة في المحارم عند الاضطرار وفقد المماثل .

    اشتراط تغسيل المحارم بكونه من وراء الثِّياب

   (1) هل يعتبر في تغسيل المحارم أن يكون الغسل من وراء الثِّياب أو يجوز تغسيل الميِّت مجرّداً ؟

   المعروف هو الأوّل ، وذهب جماعة إلى الثاني وأنّ المحرم يجوز له أن يغسل محارمه ولو مجرّداً ، وإنّما لا يجوز له أن ينظر إلى عورته ، لأنّ المحرم يحرم عليه النظر إلى عورة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 518 /  أبواب غسل الميِّت ب 20 ح 6 .

ــ[349]ــ

محارمه ، وهذا هو الأظهر ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في المقام وإن اشتملت على أ نّه لا يخلع ثوبه ويصب عليه الماء صباً ، أو من وراء الثِّياب وغير ذلك من التعابير ، إلاّ أنّها لا تدل على أنّ الغسل من وراء الثِّياب واجب مولوي تعبّدي ، بل إنّما يستفاد منها عرفاً أ نّه من جهة حرمة النظر إلى عورة الميِّت والأمر به إرشاد إلى التخلص من الحرام .

   ويدل على ذلك ما ورد في صحيحة منصور المتقدِّمة (1) من الأمر بالقاء الخرقة على عورتها ، لأ نّه إنّما يصح فيما إذا كان بدن الميِّت عارياً وإلاّ فمع القميص أو الدرع على بدنه لا معنى للأمر به .

   وبهذا يظهر أنّ التغسيل مجرداً لا محذور فيه ، وإنّما المحرّم النظر إلى عورته ، ومن ثمة أمر (عليه السلام) بالقاء الخرقة على عورته حتّى يتخلص به عن ذاك الحرام .

   بل يمكن أن يقال : إنّ التغسيل من وراء الثِّياب لأجل عدم وقوع النظر على عورة الميِّت ليس واجباً شرطياً في صحّة الغسل أيضاً ، وذلك لأ نّه بحسب الفهم العرفي إنّما هو مقدمة لعدم وقوع النظر على عورة الميِّت بحيث لو غسله ليلاً أو كان المغسّل أعمى لم يشترط في صحّة الغسل أن يكون تغسيله من وراء الثِّياب ، بل لو غسله مع النظر إلى عورته وارتكابه عصياناً لم يبطل غسله وإن ارتكب محرماً .

   وعلى الجملة : حمل الأمر أو النهي الواردين في الأجزاء والشرائط على بيان الشرطية أو الجزئية أو المانعية إنّما هو لأجل الظهور ، وبما أنّ الأخبار الآمرة بالتغسيل من وراء الثِّياب غير ظاهرة في الارشاد إلى الشرطية ، فلا جرم يحمل الأمر بها على بيان الوجوب النفسي دون الشرطي ، بل مقتضى المناسبة أن يكون ذلك واجباً نفسياً ، لأ نّه بعد تجويز تغسيل المحرم محرمه أمر (عليه السلام) بالقاء الخرقة على عورته ، وظاهره أن ذلك واجب في نفسه وليس شرطاً في صحّة التغسيل بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 346 .

ــ[350]ــ

   الرابع : المولى والأمة فيجوز للمولى تغسيل أمته ((1)) إذا لم تكن مزوّجة ولا في عدّة الغير ولا مبعّضة ولا مكاتبة (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إذن فلا وجه لرفع اليد عن ظواهر الأخبار في الوجوب النفسي المولوي ، بل نلتزم بوجوب كون التغسيل من وراء الثِّياب ، من غير أن يكون الاخلال به موجباً لبطلان التغسيل .

   بقي هناك شيء :  وهو أن حسنة أو موثقة ابن سنان المتقدِّمة (2) اشتملت على الأمر بلف الخرقة على يدها فهل هذا واجب معتبر في صحّة تغسيل المحارم أو غير معتبر في صحّته ؟

   الظاهر عدم اعتباره في التغسيل ، وذلك لأن كون اللف واجباً تعبّدياً أمر لا نحتمله ، وليس ذلك إلاّ من جهة التحفظ عن وقوع النظر على عورة الميِّت أو مسّها إلاّ أ نّه لما لم يكن محرّماً على المحرم ، لجواز أن يمس بدنه وينظر إليه ، فلا مناص من أن يكون إرشاداً إلى التحفظ عن مسّ عورة الميِّت من القبل والدبر ، لأ نّه محرم عليه فلا يكون شرطاً معتبراً في صحّة التغسيل .

   فكما أنّ الأمر بالتغسيل من وراء الثِّياب إرشاد إلى عدم جواز النظر إلى عورة الميِّت ، كذلك الأمر بلف الخرقة على يدها إرشاد إلى عدم جواز مسّ عورتي الميِّت .

    من الموارد المستثناة : المولى والأمة

   (1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

   أحدهما : في تغسيل المولى أمته .

   وثانيهما : في تغسيل الأمة مولاها إذا مات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال والاحتياط لا يترك .

(2) في ص 348 .

ــ[351]ــ

   ومحل الكلام في المقامين إنّما هو الأمة الّتي يجوز وطؤها للمولى كما إذا لم تكن مزوّجة أو معتدة أو مبعضة أو مكاتبة قد أدّت بعض ما عليها من الثمن . وأمّا إذا كانت محرّمة الوطء فهي خارجة عن محل الكلام ، لحرمة وطئها وعدم جواز نكاحها.

   أمّا المقام الأوّل ، تغسيل المولى أمته : فقد ادّعي الاجماع على جواز تغسيل المولى أمته وأ نّه لا يشترط فيه المماثلة ، وفي كلام بعض آخرين أنّ الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، فالمسألة متسالم عليها بينهم ، ولم ينسب فيها الخلاف صريحاً إلى أحد .

   وإنّما الكلام في مدرك هذا الحكم المتسالم عليه ، وأنّ الأمة لماذا قد استثنيت عن كبرى ما دلّ على اعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت .

   والمدرك في ذاك الحكم إن كان هو الاجماع فلا كلام ، إلاّ أن تحصيل إجماع تعبّدي يوجب القطع أو الاطمئنان بقول الإمام (عليه السلام) في المسألة صعب غايته ، وذلك لاحتمال استنادهم في الحكم إلى الوجهين الآتيين ، فلا يكون الاجماع تعبّدياً لا محالة .

   وقد يستدل عليه بانصراف ما دلّ على اعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت إلى ما إذا لم يجز للغاسل النظر إلى الميِّت ومسّه ، إذ المماثلة إنّما اعتبرت من أجل حرمة نظر غير المماثل إلى الميِّت وحرمة مسّه ، فالموارد الّتي يجوز فيها النظر إلى الميِّت ويجوز مسّه خارجة عن تلك الأدلّة ، لانصرافها إلى الموارد الّتي يحرم فيها المسّ والنظر .

   وفيه : أن ما دلّ على اعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت مطلق لا يفرق فيه بين الأمة وغيرها ، لأن اعتبار المماثلة حكم تعبّدي وليس من أجل حرمة نظر الغاسل ومسّه لبدن الميِّت ، ومن ثمة لو غسّل الميِّت أجنبي في الظلمة أو كان أعمى من غير أن يمس بدنه لم نكتف به في الجـواز ، لاعتبار المماثلة بين الغاسل والميِّت مطلقاً ، فدعـوى الانصراف ساقطة .

   وقد يستدل عليه بما دلّ على جواز تغسيل الزوج زوجته وعدم اعتبار المماثلة بينهما ، وذلك لأنّ الزوجة ـ بمفهومها اللغوي ـ وإن لم تشمل الأمة ، إلاّ أنّها بحسب ما يفهم منها عرفاً ـ ولو بمناسبة الحكم والموضوع ـ شاملة للأمة أيضاً ، لأن مفهومها

ــ[352]ــ

عرفاً هو من يجوز وطؤها والاستمتاع بها .

   وفيه : أن علقة الزوجية والملكية قد انقطعت وارتفعت بالموت ، لأن طرف الاضافة فيهما إنّما هو الحي لا الجماد ، ومقتضى إطلاق ما دلّ على اعتبار المماثلة عدم جواز التغسيل من غير المماثل حتّى في الزوجة والأمة ، وإنّما خرجنا عنه في الزوجة لقيام الدليل على أنّ المماثلة غير معتبرة بين الزوج وزوجته ، بمعنى أنّ الدليل قام على أن من كانت زوجة للغاسل قبل موتها يجوز لزوجها أن يغسلها ، ولولا ذلك الدليل لقلنا باعتبار المماثلة حتّى بينهما ، ولم يقم مثله على عدم اعتبارها بين الأمة والمولى، فلا محالة تبقى تحت المطلقات . وتسرية حكم الزوجة إلى الأمة قياس ، لاحتمال أن تكون للزوجة خصوصية تستتبع الحكم بعدم اعتبار المماثلة فكيف يمكن التعدّي معه إلى الأمة .

نعم ، ورد في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها ؟ قال : نعم ، واُمّه واُخته ونحو هذا ، يلقي على عورتها خرقة»(1) فلو اُريد من «نحو هذا» نحو ما ذكر من المرأة والاُم والاُخت، شملت الصحيحة الأمة أيضاً ، لأن معنى اللفظة حينئذ هو من يجوز النظر إليه ، أعم من أن يجوز وطؤها أو من يحرم ، والأمة من يجوز للمولى النظر إليها .

   نعم ، لو اُريد منه نحو الاُم والاُخت فحسب ، كان معـناه من يحرم نكاحها ، فلا يشمل الأمة لعدم حرمة نكاحها على المولى ، وهذا الاحتمال هو الأظهر ، بقرينة قوله (عليه السلام) بعد ذلك «يلقي على عورتها خرقة» لما قدمناه من عدم اعتبار ذلك في الزوجة ، ومنه يستفاد اختصاص الحكم بالاُم والاُخت وعدم شموله للأمة فقوله (عليه السلام) : «ونحو هذا» إمّا مختص بالاُم والاُخت أو أ نّه مجمل .

   فالمتحصل : أنّ الحكم بجواز تغسيل المولى أمته مشكل وإن كانت المسألة مورداً للتسالم كما مرّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 516 /  أبواب غسل الميِّت ب 20 ح 1 .

ــ[353]ــ

وأمّا تغسيل الأمة مولاها ففيه إشكال وإن جوّزه بعضهم بشرط إذن الورثة فالأحوط تركه ، بل الأحوط الترك في تغسيل المولى أمته أيضاً (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وأمّا المقام الثاني ، في تغسيل الأمة مولاها ، فهي خلاف المسألة السابقة مورد الخلاف وفيها أقوال ثلاثة :

   أحدها : الجواز مطلقاً ، ويمكن الاستدلال عليه بالوجهين المتقدمين في المسألة السابقة ، ففيهما ما عرفت من عدم انصراف الأدلّة وعدم شمول الزوجة للأمة فلا نطيل .

   ثانيها :  التفصيل بين الأمة اُم الولد فيجوز ، وبين غيرها فلا يجوز . ذهب إليه جمع منهم المحقق في المعتبر(1) مستدلاًّ عليه برواية إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه الباقر (عليه السلام) «إن علي بن الحسين (عليه السلام) أوصى أن تغسّله اُمّ ولد له إذا مات ، فغسلته» (2) . وحيث إنّ الوصية بالأمر غير المشروع غير جائزة ، فمنه يستكشف أن تغسيل اُمّ الولد لمولاها جائز في الشريعة المقدسة .

   وقد ناقش فيها صاحب المدارك (قدس سره) بضعف السند (3) .

   ويدفعه : أنّ الخدشة فيها مبتنية على مسلكه (قدس سره) من عدم اعتبـار غير الصحاح ، وأمّا على ما بنينا عليه من عدم الفرق في الحجية بين الصحاح والموثقات والحسنات فلا شبهة في سندها بوجه، لأنّ الشيخ يرويها عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري وطريقه إليه صحيح في المشيخة (4) والفهرست(5) ، وهو يروي عن الحسن ابن موسى الخشاب وهو حسن ، والخشاب يروي عن غياث بن كلوب أو كلتوب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المعتبر 1 : 321 /  أحكام الأموات .

(2) الوسائل 2 : 534 /  أبواب غسل الميِّت ب 25 ح 1 .

(3) المدارك 2 : 63 /  تغسيل الميِّت .

(4) التهذيب (المشيخة) 10 : 71 .

(5) الفهرست : 144 /  622 .

ــ[354]ــ

   والظاهر أن خدشة صاحب المدارك (قدس سره) إنّما هي من جهته ، لأ نّه عامي إلاّ أنّا ذكرنا أن غياث بن كلوب وغيره من غير الاثنى عشرية قد وثقهم الشيخ في عدّته(1) وهو كاف في جواز الاعتماد على روايتهم فلا خدش في سندها .

   نعم ، ناقش فيها صاحبا الحدائق(2) والوسائل(3) (قدس سرهما) بأنّها محمولة على التقيّة ، أو مؤولة بارادة المعاونة في التغسيل ، لما ورد في غير واحد من الروايات من أنّ المعصوم لا يغسّله إلاّ معصوم مثله(4) .

   فوصيّة علي بن الحسين إنّما هي في إعانة اُم ولده في تنظيف بعض المواضع الّتي كان يكره الباقر (عليه السلام) من أن ينظر إليها أو يمسّها .

   وهذه المناقشـة جيّدة جدّاً وقد تقدّم (5) في أخـبار تغسـيل علي فاطمة (عليهما السلام) من أنّها صدّيقة والصدّيق لا يغسله إلاّ صدّيق . ويؤيّد ذلك ما ورد في الفقه الرضوي من قوله : «ويروى أن علي بن الحسين (عليه السلام) لما أن مات ، قال الباقر (عليه السلام) لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في حياتك ، فما أنا بالّذي أنظر إليها بعد موتك ، فأدخل يده وغسل جسده ، ثمّ دعى اُم ولد له فأدخلت يدها فغسلت عورته»(6) .

   وروايات الفقه الرضوي وإن لم تكن حجّة ـ كما مرّ غير مرّة ـ إلاّ أنّها صالحة للتأييد كما ذكرناه .

   فتحصل : أن استثناء تغسيل الأمة مولاها عن إطلاق أدلّة اعتبار المماثلة غير ثابت ، والتفصيل أيضاً لا أساس له .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العدّة : 56 السطر 12 .

(2) الحدائق 3 : 392 .

(3) الوسائل 2 : 535 /  أبواب غسل الميِّت ب 25 .

(4) الكافي 1 : 384 .

(5) في ص 333 .

(6) المستدرك 2 : 187 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 1 ، فقه الرضا : 188 / ب 25.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net