الوضوء مع غسل الميت \ العُجب 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6677


ــ[19]ــ

   [ 878 ] مسألة 3 : لا يجب مع غسل الميِّت الوضـوء قبله أو بعده وإن كان مستحبّاً ، والأولى أن يكون قبله (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يضر بالخلوص في الماء في الغسلة الثالثة .

   وهل يعتبر الخلوص من غير الخليطين بحيث لو كان الماء مخلوطاً بشيء من السكر أو التراب لم يصح التغسيل به ؟

   الصحيح عدمه ، لأنّ الأخبار المقيدة للماء بالقراح في المرّة الثالثة بقرينة التقييد في الاُوليتين  بالسدر والكافور، ظاهرة في إرادة الخلوص من الخليطين لا في إرادة الخلوص مطلقاً حتّى من غيرهما ، كيف ولا يوجد الخالص من الماء في تلك الأزمنة ، بل في الأزمنة المتأخّرة الّتي أدركناها ـ  إلاّ نادراً  ـ لاختلاطه بالطين على الأقل ، فلا بأس بالتغسيل بماء الشط ونحوه من المياه المخلوطة بالطين أو بغيره ممّا لايخرجه عن الاطلاق.

   وقد ورد في رواية معاوية بن عمار الأمر بطرح سبع ورقات سدر في الماء القراح(1) وكذا في رواية عبدالله بن عبيد مقيّداً بالصحاح حيث قال : «ثمّ بالماء القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح من ورق السدر في الماء» (2) وظاهرهما الوجوب ، ولا يوجب ذلك خروج الماء عن الاطلاق والخلوص ، فانّه إنّما يوجبه إذا امتزج واختلط مع الماء ، والورق لا يختلط معه .

   إلاّ أ نّه لا بدّ من حملهما على الاستحباب ، لما عرفت من نظائره من أنّ الحكم في المسائل الّتي يكثر الابتلاء بها لو كان موجوداً لاشتهر ، ومع عدمه يستكشف عدم ثبوته في الواقع ، فالوجوب غير محتمل ولا بدّ من حملهما على الاستحباب .

    وجوب الوضوء مع غسل الميِّت

   (1) يقع الكلام في هذه المسألة من جهات :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 484 /  أبواب غسل الميت ب 2 ح 8 .

(2) الوسائل 2 : 492 / أبواب غسل الميِّت ب 6 ح 2 .

ــ[20]ــ

    هل الوضوء واجب مع غسل الميِّت ؟

   الجهة الاُولى :  هل أنّ الوضوء مع غسل الميِّت واجب أو غير واجب ؟

   المعروف بينهم عدم الوجوب ، ونسب إلى المفيد وابن البرّاج وأبي الصلاح وجوبه(1) استناداً إلى الأخبار الآمرة بالوضوء في غسل الميِّت منها : صحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «الميِّت يبدأ بفرجه ثمّ يوضأ وضوء الصلاة ... »(2) وليس بازائها رواية صريحة في نفي الوجوب ، ولو كنّا نحن وهذه الأخبار لالتزمنا بوجوب الوضوء في غسل الميِّت إلاّ أن هناك وجوهاً تمنعنا عن حملها على الوجوب .

   منها :  ما قدّمناه من أنّ الحكم في مثل غسل الميِّت الّذي يبتلى به كثيراً لو كان لبان واشتهر ، ولم ينحصر قائله بثلاثة أشخاص ـ كما في المقام ـ ، والسيرة جارية على خلاف ذلك ، فلا يمكن الالتزام بوجوب الوضوء في غسل الميِّت .

   ومنها :  المطلقات الدالّة على أ نّه «أيّ وضوء أنقى من الغسل» (3) فان غسل الميِّت أيضاً غسل فلا تصل النوبة معه إلى الوضوء ، وإنّما خرجنا عنها في غسل الاستحاضة حيث يجب فيها الوضوء مع الغسل .

   ومنها :  سكوت الأخبار البيانية عن وجوب الوضوء ، هذه صحيحة ابن مسكان سئل فيها عن غسل الميِّت فأجاب (عليه السلام) : «اغسله بماء وسدر» (4) من دون تعرّض لوجوب الوضوء مع ورودها في مقام البيان ، فالسكوت في ذلك المقام دليل على عدم اعتبار الوضوء في غسل الميِّت ، وإلاّ كان السكوت إخلالاً لما هو المعتبر في الواجب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نسبه إليهما في الجواهر 4 : 135 وراجع المقنعة : 79 والمهذب 1 : 59 وعبارتهما ليست صريحة في ذلك كما قاله صاحب الجواهر ، وأمّا النسبة إلى الحلبي فحكاها صاحب الجواهر عن كشف اللّثام وأيضاً نسبه إليه في الحدائق 3 : 444 وراجع الكافي في الفقه : 134 .

(2) الوسائل 2 : 491 /  أبواب غسل الميت ب 6 ح 1 .

(3) الوسائل 2 : 244 /  أبواب الجنابة ب 33 ، 246 / ب 34 خصوصاً ح 4 .

(4) الوسائل 2 : 479 /  أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 1 .

 
 

ــ[21]ــ

   ومنها :  صحيحة يعقوب بن يقطين قال : «سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن غسل الميِّت أفيه وضوء الصلاة أم لا ؟ فقال : غسل الميِّت تبدأ بمرافقه فتغسل بالحرض ... » (1) . فانّ السؤال فيها عن وجوب الوضوء في غسل الميِّت ، والإمام (عليه السلام) أجابه بشيء آخر ، فلو كان واجباً لأجاب بقوله نعم ، فعدم الجواب عنه والاجابة بشيء آخر كالصريح في عدم اعتبار الوضوء في غسل الميِّت .

   ومنها :  أن غسل الميِّت كغسل الجنابة ولا يعتبر الوضوء في غسل الجنابة . ومقتضى هذه الوجوه عدم وجوب الوضوء في غسل الميِّت بوجه .

    هل يستحب الوضوء في غسل الميِّت ؟

   الجهة الثانية :  هل يستحب الوضوء في غسل الميِّت أو لا دليل على مشروعيته ؟

   المعروف بينهم هو الاستحباب ، وقد قوى في الحدائق عدم مشروعيته (2) والوجه في الحكم باستحبابه هو الأمر بالوضوء في أخبار غسل الميِّت المتقدمة ، فان مقتضى الجمع بينها وبين الوجوه المتقدمة النافية لوجوبه من المطلقات وغيرها ، رفع اليد عن ظهورها في الوجوب بحملها على الاستحباب .

   والعامّة وإن نسب إليهم الوضوء في غسل الميِّت إلاّ أ نّه لا وجه لحمل الأخبار الآمرة بالوضوء على التقية ، لأنّ الحمل على التقية إنّما هو في صورة المعارضة ولا معارضة في المقام ، لوجود الجمع الدلالي ، وهو رفع اليد عن ظهور الأخبار الآمرة في الوجوب وحملها على الاستحباب .

   وأمّا ما ذكره صاحب الحدائق (قدس سره) من أنّ الحمل على التقيّة غير موقوف على المعارضة ، بل ذكر في مقدّماته أنّ الحمل على التقيّة غير موقوف على القول به من المخالفين ، لدلالة الأخبار على أنّهم (عليهم السلام) ألقوا الخلاف بين الناس حقناً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 483 /  أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 7 .

(2) الحدائق 3 : 447 .

ــ[22]ــ

لدماء الشيعة وتحفظاً عليهم (1) ، فممّا لا يصغى إليه ، لحجية الظهور والسند ، وهي تقتضي العمل بالرواية إلاّ أن يكون لها معارض وتنتهي النوبة إلى الترجيح بموافقة العامّة ومخالفتهم ، ليحمل الموافق على التقيّة ويؤخذ بالمخالف .

   فالصحيح استحباب الوضوء في غسل الميِّت ، ولا سيما على مسلكنا من أنّ الوجوب والاستحباب خارجان عن المداليل اللّفظية والصيغ ، وإنّما يستفادان من وجود القرينة على الترخيص وعدمها ، فالحاكم بالوجوب أو الاستحباب هو العقل فانّه في المقام نرى القرينة على الترخيص موجودة وهي الوجوه المتقدِّمة المستدل بها على عدم الوجوب ، فالعقل ينتزع الاستحباب من ذلك لا محالة .

    هل الاستحباب خاص بما قبل الغسل ؟

   الجهة الثالثة :  هل الاستحباب يختص بما قبل الغسل أو أ نّه مستحب قبله وبعده ؟ .

   قد يقال : بعدم مشروعية الوضوء بعد التغسيل ، لأنّ الأخبار الآمرة به مشتملة على كلمة «ثمّ يوضأ الميِّت ثمّ يغسل رأسه ووجهه» ففي رواية معاوية بن عمار قال : «أمرني أبو عبدالله (عليه السلام) أن أعصر بطنه ثمّ اُوضيه بالأشنان ثمّ أغسل رأسه بالسدر ولحييه ... »(2) وهي تدل على التراخي فلا دليل على مشروعية الوضوء بعد التغسيل .

   هذا ، ولكن يمكن القـول باسـتحباب الوضوء مطلقاً ولو بعد التغسـيل ، وذلك للمطلقات الدالّة على أن كل غسل معه وضوء إلاّ غسل الجنابة ، وأنّ الجنابة ليس قبلها ولا بعدها وضوء(3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 1 : 5 / المقدمة الاُولى .

(2) الوسائل 2 : 484 /  أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 8  وهي معتبرة وقد قدّمنا [ في ص 3 ] أن في التهذيب : «ثمّ أوضيه ثمّ اغسله بالأشنان ... » .

(3) الوسائل 2 : 248 /  أبواب الجنابة ب 35 ح 1 ، 2 .

ــ[23]ــ

   وأمّا هذه الأخبار الدالّة على التقييد بكون الوضوء قبل التغسيل فلا تنافي بينها وبين الأخبار المطلقة ليحمل على المقيد ، فان حمل المطلق على المقيد إنّما هو من جهة التنافي بينهما ، لدلالة المقيد على الالزام بالتقييد ، والمطلق ينفيه ومن ثمة حمل المطلق على المقيد في الواجبات . وأمّا في غير الالزاميات فلا تنافي بينهما كي يحتاج إلى الحمل ، إذ لا إلزام في المقيد ، بل يؤخذ بكلا الدليلين ويحمل المقيد على أفضل الأفراد ومن هنا ذكر الماتن (قدس سره) أنّ الوضوء مستحب وإن كان الأولى أن يكون قبل الغسل ، هذا .

   والصحيح عدم استحباب الوضوء بعد غسل الميِّت ، وذلك لأ نّه يتوقف على أمرين لا نلتزم بشيء منهما .

   أحدهما : أن يقال باستحباب العمل الّذي بلغ فيه الثواب ، والالتزام بالتسامح في أدلّة السنن بالمعاملة مع الرواية الضعيفة معاملة الرواية المعتبرة ، أو القول بأن مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده في الاعتبار ، لأ نّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة .

   وثانيهما : أنّ الرواية الضعيفة تقتضي استحباب العمل ولو كانت معارضة بما يدل على عدم استحبابه ، وذلك تمسّكاً باطلاق أخبار من بلغ ، لدلالتها على استحباب العمل الّذي بلغ فيه الثواب عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عارضتها رواية اُخرى أم لم تعارضها ، وذلك لاحتمال أن تكون الرواية الدالّة على الاستحباب مطابقة للواقع . إذن يمكننا في المقام الحكم باستحباب الوضوء بعد غسل الميِّت للرواية المتقدِّمة الدالّة على أن في كل غسل وضوءاً إلاّ الجنابة ، وإن كانت ضعيفة بالارسال لأن ابن أبي عمير يرويها عن حماد بن عثمان أو غيره ، ومعارضة بصحيحة سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «الوضوء بعد الغسل بدعة» (1) فان كل بدعة ضلالة ، والضلالة في النار .

   إلاّ أنّ شيئاً من الأمرين المتقدمين بل الاُمور الثلاثة لم يثبت بدليل ، لعدم دلالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 245 /  أبواب الجنابة ب 33 ح 9 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net