ــ[41]ــ
[ 882 ] مسألة 7 : إذا لم يكن عنده من الماء إلاّ بمقدار غسل واحد فان لم يكن عنده الخليطان أو كان كلاهما أو السدر فقط صرف ذلك ((1)) الماء في الغسل الأوّل . ويأتي بالتيمم بدلاً عن كل من الآخرين على الترتيب ، ويحتمل التخيير في الصورتين الاُوليين في صرفه في كل من الثلاثة في الاُولى ، وفي كل من الاُولى والثاني في الثانية . وإن كان عنده الكافور فقط فيحتمل أن يكون الحكم كذلك ويحتمل أن يجب صرف ذلك الماء((2)) في الغسل الثاني مع الكافور ، ويأتي بالتيمم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
له وجود ودوام ، ومن هنا بنينا على أنّ الطهارة هي نفس تلكم الأفعال وفاقاً لتعبير الأصحاب : الطهارات الثلاثة ، ويعنون بها الوضوء والغسل والتيمم .
فعليه الطهارة متعدِّدة في المقام ، فانّ الواجب قد يكون طهارة واحدة كما في الوضوء ، وقد يكون طهارتين كالغسل والوضوء كما في الاستحاضة المتوسطة وغير الجنابة من الأغسال على غير مسلكنا ، وقد يكون طهارات ثلاثاً كما في المقام ، فانّ الواجب ثلاثة أغسال للميت ـ أي ثلاث طهارات ـ ومع التعذّر يجب التيمم ثلاث مرّات .
نعم ، الأحوط خروجاً عن الخلاف أن ينوي في التيمم الثالث البدلية من المجموع أو عن الغسل بالقراح ـ أي على ما هو الواجب واقعاً ـ لأ نّه بذلك يجزم بالامتثال ، إذ الواجب إن كان هو التيمم الواحد بدلاً عن الجميع فقد أتى به ، وإن كان هو التيممات المتعدِّدة فقد أتى بها على الفرض ، ومن ثمة ذكر الماتن : «وإن نوى في التيمم الثالث ما في الذمّة من بدلية الجميع أو خصوص الماء القراح كفى في الاحتياط» وظاهره أن طريق الاحتياط منحصر بذلك ، إلاّ أ نّه لا ينحصر به ، لأ نّه لو نوى البدلية عن الجميع أو عن أحد الأغسال في غير التيمم الثالث ، أيضاً يتحقق الاحتياط ، كما لو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا في الصورتين الأخيرتين، ولايبعد وجوب صرفه في الصورة الاُولى في الغسل الأخير ويتيمم للأوّلين ، والأحوط أن يقصد به ما في الذمّة مع تقديم تيممين عليه وتأخير تيممين عنه .
(2) هذا الاحتمال هو الأظهر .
ــ[42]ــ
بدل الأوّل والثالث ، فييممه أوّلاً ثمّ يغسله بماء الكافور ثمّ ييممه بدل القراح(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نوى ذلك في التيمم الثاني أو الأوّل مع فرض الاتيان بالباقي بعد ذلك .
صور المسألة
(1) ذكر للمسألة صوراً أربعة :
الاُولى : ما إذا تعذّر الخليطان .
الثانية : ما إذا أمكن السدر دون الكافور .
الثالثة : عكس الصورة الثانية .
الرابعة : ما إذا أمكن الخليطان .
أمّا الصورة الاُولى
فقد ذكر (قدس سره) أنّ المتعيّن صرف الماء بدلاً عن الغسل بالسدر ، ثمّ يأتي بالتيمم بدلاً عن الغسل بالكافور والقراح ، وبعده احتمل التخيير بين صرفه في الغسل الأوّل وصرفه في الغسل الثاني أو الثالث، وقد التزم جمع من الأصحاب بهذا التخيير.
وعن الشهيد (1) والمحقق (2) الثانيين (قدس سرهما) تعين صرفه في الغسل الأوّل ، وذلك نظراً إلى الترتيب المعتبر بين الأغسال ولزوم الاتيان بالثاني بعد الأوّل والثالث بعد الثاني ، وإذا صرفه في الأوّل ينطبق عليه فاقد الماء فيجوز له التيمم بدلاً عن الثاني والثالث .
والصحيح لا هذا ولا ذاك ـ لا التخيير ولا تعين الأوّل ـ بل اللاّزم هو الصرف في الغسل الأخير ـ أعني الغسل بالماء القراح ـ وذلك لأنّا إن قلنا بأنّ الأغسال الثلاثة بمنزلة الغسل الواحد وله أثر واحد وهو الطهارة ، والغسل الأوّل جزء والثاني جزء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المسالك 1 : 85 / أحكام الأموات .
(2) جامع المقاصد 1 : 373 ، رسائل المحقق 1 : 93 .
ــ[43]ــ
آخر والثالث جزء ثالث ، غاية الأمر يتميّز هذا الغسل عن باقي الأغسال بأ نّه يعتبر فيه غسل الرأس ثلاث مرّات بالسدر والكافور والقراح ، وكذا الجانب الأيمن يعتبر غسله ثلاثاً ، وكذا الجانب الأيسر يعتبر فيه الغسل ثلاثاً على الترتيب المذكور في محلِّه، وقد قوّاه صاحب الجواهر(1) وشيخنا الأنصاري(2) والمحقق الهمداني(3) وغيرهم فمقتضى القاعدة عدم وجوب الغسل أصلاً والانتقال إلى التيمم لتعذّر جزء أو جزأين من المأمور به فيسقط . ولا يلتزمون بجريان قاعدة الميسور في أجزاء الغسل الواحد كما إذا فرضنا أنّ الجنب لا يتمكّن إلاّ من غسل ثلثي بدنه ، فانّه لم يتوهّم أحد وجوبه وكفايته عن التيمم .
وكذا الحال فيما نحن فيه ، كما إذا لم يف ماء السدر إلاّ بنصف الميِّت أو ثلثيه لا يلتزمون بوجوب هذا الميسور وإغنائه عن التيمم ، إذن لا يجب الغسل في المقام أصلاً حتّى نتكلّم في أ نّه يجب صرف الماء في الأوّل أو يتخيّر حينئذ ، فلا موضوع لهذا البحث أصلاً .
ثمّ لو تنازلنا عن ذلك وقلنا بجريان القاعدة ووجوب الغسل حينئذ لأ نّه ميسور من المعسور فرضاً ، فلماذا يجب التيمم معه ، فانّ الغسل الواحد قد تحقق الميسور منه ولا معنى لوجوب التيمم بدلاً عن الجزء المعسور ، لأنّ التيمم بدل عن الغسل والطهور ولا بدلية له عن جزء الغسل أو الوضوء ، فالجمع بين الغسل والتيمم غير صحيح ، بل اللاّزم على هذا القول سقوط الغسل والانتقال إلى التيمم .
وأمّا إن قلنا بتعدد الواجب وأن كل غسل من الثلاثة غسل مأمور به مستقلاًّ ويترتب عليه الطهارة مستقلاًّ ، نعم الطهارة المطلقة للميت تتوقف على إكمال الثلاث كما هو الصحيح ، فهو مورد للأقوال من التخيير أو تعين الأوّل أو الأخير ، لأ نّه إذا تعذّر شرط لا يستتبع هذا سقوط شرط آخر عن الوجوب ، كما إذا لم يتمكّن من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 4 : 120 / لزوم النيّة في غسل الميِّت .
(2) كتاب الطّهارة : 294 السطر 22 .
(3) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 385 السطر 14 .
ــ[44]ــ
التستّر في الصلاة فانّه لا يسقط به شرطية الاستقبال وبالعكس ، فالتكلّم في المسألة يبتني على تعدّد المأمور به .
إذا عرفت هذا فنقول : الصحيح تعين الصرف في الغسل الأخير ، لأنّ المدرك في وجوب الغسل بالقراح عند تعذّر الغسل بالسدر أو الكافور منحصر بقاعدة الميسور ـ كما مرّ ـ وهي غير تامّة في نفسها ، ولا تنطبق على المقام ، لأنّ الغسل بالقراح مغاير للغسل بالسدر ، لا أ نّه ميسور من المعسور ، نظير ما إذا وجب إكرام العالم فتعذّر وأكرم الرجل الجاهل بدعوى أ نّه ميسور من المعسور ، لأ نّه يعد مغايراً للمعسور لا ميسوراً منه . إذن لا بدّ عند تعذّر الغسل بالسدر أو الكافور من الانتقال إلى التيمم بدلاً عنهما .
وأمّا الغسل الثالث فبما أ نّه ممكن للمكلّف فيجب الاتيان به بنفسه ، هذا .
ثمّ لو تنازلنا عن ذلك وبنينا على تمامية القاعدة وانطباقها على المقام فالأمر كما ذكرنا أيضاً ، وذلك لعدم دلالة الدليل على جواز تفويت الواجب إبقاءً لميسور الواجب المتعذّر ، فلا مسوغ لترك الغسل بالقراح ابقاءً للميسور من الغسل بالسدر المتعذّر على الفرض . بل مقتضى قاعدة الميسور خلافه ، لأنّها تقتضي الاتيان بالواجب الميسور وهو الغسل بالقراح وعدم سقوطه بتعذّر الواجبين الأوّلين .
نعم ، الأحوط أن يأتي بتيممين بعد الغسل بالقراح خروجاً عن شبهة الخلاف وتحصيلاً للجزم بالامتثال ، لأنّ الواجب لو كان ما ذكرناه من صرف الماء في الأخير فقد أتى به ، كما أ نّه لو كان الواجب صرفه في الأوّل والتيمم للأخيرين فقد أتى به أيضاً .
وأمّا الصورة الثانية
وهي ما إذا أمكن السدر وتعذّر الكافور ، فلا يجوز حينئذ صرف الماء في الغسل الثاني ـ أي في الغسل بالكافور ـ لقاعدة الميسور ، وذلك لعين ما تقدم من عدم تمامية القاعدة في نفسها وعدم انطباقها في المقام ، بل وعدم جواز تفويت الواجب إبقاءً
ــ[45]ــ
للميسور من المعسور ولو بناءً على تمامية القاعدة ، فالمتعيّن صرفه إمّا في الغسل بالسدر الممكن وإمّا في الغسل بالقراح .
ولكن الصحيح صرفه في خصوص الغسل بالسدر ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في المقام لاشتمالها على كلمة «ثمّ» دلّتنا على اعتبار الترتيب في الأغسال ، فيعتبر في صحّة الغسل بالكافور أو القراح أن يتأخّرا عن الغسـل بالسدر بحيث لو أتى بهما قبله عصياناً أو نسـياناً وقعا باطلين ، وإن كان الغسل بالسدر صحيحاً ، نظير اعتبار الترتيب في العصر بالاضافة إلى الظهر ، وحيث إنّ السدر موجود فيجب صرف الماء فيه بمقتضى الأخبار ، وبعده يكون المكلّف فاقداً للماء فيجوز له التيمم بدلاً عن الكافور والقراح .
وبعبارة اُخرى : المسوغ للتيمم أحد أمرين : إمّا الفقدان الحقيقي الوجداني ، أو الفقدان التعبّدي كما إذا كان متمكّناً من الماء عقلاً إلاّ أنّ الشارع منعه عن التصرف فيه لأ نّه مغصوب أو موجب لهلاكته ، فانّ الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، وليس شيء منهما متحققاً بالاضافة إلى الغسل بالسدر ، أمّا الوجدان فظاهر ، لأ نّه متمكّن منه على الفرض لوجود الماء والسدر ، وأمّا التعبّد فلعدم دلالة الدليل على وجوب صرف الماء في الثالث ، إذ المشهور إنّما يقول بالتخيير لا بتعين صرفه في الأخير حتّى يحرم استعماله في الأوّل ، فهو متمكّن منه تعبّداً ووجداناً فلا يسوغ له التيمم بدلاً عن الغسل بماء السدر ، بل لا بدّ من أن يأتي به بنفسه ، وبعده يصدق عليه أ نّه فاقد الماء حقيقة فيجوز له التيمم بدلاً عن الغسل بالكافور والقراح .
وهذا نظير المستحاضة القليلة الّتي يجب أن تتوضأ لكل صلاة ، فانّها إذا لم تتمكّن من الوضوء إلاّ لإحدى الصلاتين كالظهر والعصر لم يجز لها التيمم لصلاة الظهر وإبقاء الماء لصلاة العصر ، لما تقدم من أنّ المسوّغ للتيمم إمّا هو الفقدان الحقيقي أو التعبّدي وليس في المقام شيء منهما ، فيتعيّن صرفه في الوضوء للظهر وبعد ذلك يجوز لها أن تتيمم للعصر ، لأنّها فاقدة للماء حقيقة .
ــ[46]ــ
وأمّا الصورة الثالثة
وهي ما إذا أمكن الكافور دون السدر فهل يتخيّر بين صرف الماء في الغسل بالكافور وصرفه في الغسل بالقراح ، بعد سقوط الغسل بالسدر للتعذّر ووصول النوبة فيه إلى التيمم ؟
فقد ظهر ممّا قدّمناه في الصورتين المتقدمتين تعين صرف الماء في الغسل بالكافور مع التيمم قبله بدلاً عن الغسل بالسدر وبعده بدلاً عن الغسل بالقراح ، وذلك لما تقدّم من عدم جريان قاعدة الميسور في نفسها ، وعدم انطباقها في المقام ـ لو جرت ـ لمغايرة الغسل بالماء مع الغسل بالسدر وعدم كونه ميسوراً منه ، فينتقل الأمر في الغسل بالسدر إلى التيمم لتعذّره ، وبما أنّ الغسل بالكافور متمكّن منه في حقّه لوجود الماء مع الكافور فيجب صرفه فيه ، إذ لا مسوغ للتيمم بدلاً عنه ، فانّ المسوغ إمّا هو الفقدان الحقيقي وهو ظاهر الانتفاء ، وإمّا هو الفقدان التعبّدي فلعدم الدليل على وجوب صرفه في الغسل بالقراح ، لأنّ المخالف يدّعي التخيير لا التعيين فيجوز معه صرف الماء في الغسل بالكافور ، وغسل الميِّت إذا جاز وجب ، وبعده يكون المكلّف فاقداً للماء حقيقة فيسوغ له التيمم بدلاً عن القراح .
وأمّا الصورة الرابعة
وهي ما إذا أمكن كلا الخليطين ، فالمحتمل فيها إبتداءً هو التخيير بين الأغسال الثلاثة للتمكّن من أحدها ـ وإن لم يتعرّض الماتن له وإنّما تعرّض للتخيير بين الغسلين ـ إلاّ أنّ الصحيح وجوب صرفه في الغسل بالسدر ، لأ نّه متمكّن منه وجداناً وهو واضح ، وتعبّداً لعدم احتمال تعين الثاني والثالث فيجوز صرفه في الأوّل ، وقد عرفت أنّ غسل الميِّت إذا جاز وجب ، وبعده ينتقل إلى التيمم في الغسل بالكافور والقراح ، لعدم التمكّن منهما عقلا .
ــ[47]ــ
[ 883 ] مسألة 8 : إذا كان الميِّت مجروحاً أو محروقاً أو مجدوراً أو نحو ذلك ممّا يخاف معه تناثر جلده ييمم ـ كما في صورة فقد الماء ـ ثلاثة تيممات (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما ذكرناه في هذه الصورة يبتني على تعدّد الواجب في غسل الميِّت ، وأمّا إذا قلنا بأنّ الواجب هو أمر واحد فقد عرفت أن مقتضى القاعدة حينئذ هو سقوط الغسل ، وقاعدة الميسور لا تجري في أجزاء الغسل الواحد لما مرّ .
وما ذكرناه في الصور المتقدمة بناءً على تعدّد الواجب المأمور به فهو يبتني على أمرين :
أحدهما : عدم جريان قاعدة الميسور في المقام ، إمّا لعدم تماميتها في نفسها أو لعدم انطبـاقها عليه ، لعـدم كون الغسـل بالقراح ميسـوراً من المأمور به المعسور، أو لأنّ تفويت الواجب لادراك الميسور من الواجب الآخر غير جائز ولا تشمله القاعدة .
وثانيهما : أن أمر الماء إذا دار صرفه بين أمرين مترتبين لا يجوز صرفه في الأخير مع التمكّن من الصرف في الأوّل ، بلا فرق في ذلك بين المقام وغيره كما في المستحاضة .
ولا يقاس هذا بما إذا دار الأمر بين الاتيان بجزء من الواجب أو جزء آخر ، فانّه يجب الاتيان بالأخير دون الأوّل عند بعضهم إذا كان أهم ، أو لا يجب شيء منهما للتعارض عندنا .
هذا كلّه فيما إذا أمكن واحد من الأغسال الثلاثة ، ومنه يظهر الحال فيما إذا أمكن اثنان منها وتعذّر واحد : إمّا الأوّل والثاني أو الثاني والثالث أو الأوّل مع الثالث ، فانّه يأتي بالمتمكّن منه وينتقل في المتعذّر إلى التيمم على النحو المتقدم في المسألة .
إذا كان الميِّت مجروحاً أو نحوه
(1) ظهر الحال في هذه المسألة ممّا ذكرناه في المسألة السادسة ، وهي ما إذا تعذّر الماء عقلا ، وذلك لأن المتعذّر شرعاً كالمتعذّر عقلا فينتقل الأمر معه إلى التيمم مرّة واحدة أو متعدداً على الخلاف المتقدم ، لعموم أدلّة البدلية ـ بدلية التراب عن الماء ـ .
|