التكفين بالنجس ولو بما عفي عنه في الصلاة - التكفين بالحرير 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5993


ــ[98]ــ

   [ 903 ] مسألة 4 : لا يجوز اختياراً التكفين بالنجس (1) حتّى لو كانت النجاسة بما عفي عنها في الصلاة على الأحوط ((1)) (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   كما أ نّه يلزمه تقييد الميتة بالنجسة ، لأنّ الميتة الطاهرة كجلد السمكة الميتة إذا كان كبيراً يسع الميِّت لا مانع من التكفين به ، إذ أن مطلق الميتة وإن كانت مانعة من الصلاة إلاّ أ نّه للتمسّك ببعض الاطلاقات(2) هناك ، وأمّا في المقام فلم يرد فيه أيّ دليل لفظي ليمكن التمسُّك باطلاقه فلا مانع من التكفين بالميتة الطاهرة .

    لا يجوز اختيار الكفن النجس

   (1) لما تقدّم (3) من الروايتين الدالّتين على أن كفن الميِّت إذا تنجّس بما يخرج من الميِّت وجب قرضه أو غسله ، فإذا لم يجز التكفين بالنجس بحسب البقاء فلا يجوز بحسب الحدوث أيضاً لعدم الفرق بينهما .

    النجاسة بما عفي عنه في الصلاة

   (2) والوجه في هذا الاحتياط : أن ما دلّ على اعتبار الطهارة في الكفن ـ  وهو الروايتان المتقدِّمتان (4) ـ لا إطلاق له حتّى يشمل النجاسة المعفو عنها في الصلاة وذلك لأ نّهما وردتا فيما يخرج من الميِّت ، وهما فيه وإن كانتا مطلقتين وشاملتين للدم المعفو عنه في الصلاة إلاّ أنّا نحتمل أن يكون للدم الخارج منه خصوصية ، لأ نّه من أجزاء الميتة ومن ثمة لا يمكننا التعدّي عن موردهما إلى غيره إذا كان ممّا يعفى عنه في الصلاة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأظهر ذلك .

(2) الوسائل 4 : 343 /  أبواب لباس المصلّي ب 1 .

(3) في ص 71 .

(4) في ص 71 .

ــ[99]ــ

ولا بالحرير الخالص (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   نعم ، نتعدّى عنه إلى غيره في غير المعفو عنه في الصلاة للقطع بعدم الفرق بينهما ، فما في كلام المحقق الهمداني(1) (قدس سره) وغيره من التمسُّك بالاطلاق ممّا لا نرى له وجهاً معقولاً .

   نعم ، الفتاوى مطلقة حيث ذكروا عدم جواز التكفين بالمتنجس ولم يستثنوا منه ما إذا كانت النجاسة معفواً عنها في الصلاة ، ومن ثمة احتاط الماتن في المسألة .

    عدم جواز التكفين بالحرير الخالص

   (1) وقد استدلّوا على ذلك بوجوه :

   منها :  الاستصحاب ، لأنّ الميِّت حال حياته كان يحرم عليه لبس الحرير فيحرم أن يلبس به بعد الممات أيضاً بالاستصحاب ، نعم هذا يختص بالرجال لعدم حرمة لبس الحرير على النِّساء .

   وفيه أوّلاً : أ نّه من الاستصحاب في الأحكام ولا نقول به .

   وثانياً : عدم بقاء الموضوع ، وذلك لأنّ الميِّت حال الحياة كان يحرم عليه لبس الحرير بالمباشرة وكان يحرم على غيره أن يلبسه ذلك ، لأنّ التسبيب إلى الحرام محرم على ما بيناه مراراً من أنّ العرف لا يفرق بين التسبيب والمباشرة ، فإذا حرم شيء على المكلّف بالمباشرة يستفاد منه حرمته بالتسبيب . إلاّ أن حرمة التسبيب متفرّعة على حرمة المباشرة ، فإذا مات المكلّف وسقطت عنه الحرمة بالمباشرة فمن أين تستفاد حرمة التسبيب ، إذ الميِّت جماد لا يكلف بشيء فكيف يحكم بحرمة إلباسه الحرير من جهة التسبيب إلى الحرام ، فالاستصحاب ساقط في المقام .

   وقد يستدل عليه بالاجماع ، ويندفع بأنّ الاجماع في أمثال المقام لا يمكن التشبّث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 393  السطر 10 .

ــ[100]ــ

به للاطمئنان ـ ولا أقل من الاحتمال ـ باعتمادهم فيه على أحد الوجوه المستدل بها في المسألة ومعه لا يعتمد عليه بوجه .

   وثالثاً :  يستدل عليه برواية محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلاّ بالكافور فانّ الميِّت بمنزلة المحرم» (1) . فانّها نزّلت الميِّت منزلة المحرم ، ومقتضى عموم التنزيل عدم جواز تلبيسه الحرير ، لأنّ المحرم يحرم عليه لبس الحرير ، بضميمة ما ذكره بعضهم من وجوب أن يكون ما يحرم فيه من جنس ما يصلّى فيه .

   ويردّه : أنّ التنزيل في الرواية يحتمل قريباً أن يكون من جهة حرمة الطيب فحسب ، لا أنّ التنزيل من جميع الجهات ، فانّ المحرم يحرم عليه تغطية رأسه ورجليه بالجورب أو الخف ونحوهما ، ورمسه في الماء ، وهذا لا تحرم على الميِّت قطعاً ، هذا .

   مضافاً إلى أنّها معارضة بما دلّ على أنّ المحرم إذا مات فهو كالمحل سوى أ نّه لا يقرب منه الطيب (2) فكيف بمن لم يكن محرماً قبل الموت ، بل الرواية في موردها غير معمول بها ، لعدم حرمة قرب الطيب من الميِّت بل هو أمر مكروه .

   على أن سندها ضعيف بمحمّد بن سنان وأحمد بن محمّد الكوفي وابن جمهور وأبيه أي جمهور نفسه ، لأ نّه مهمل ، وقد وردت في طريق آخر للصدوق وهو ضعيف أيضاً لوجود القاسم بن يحيى وجده الحسن بن راشد فيه ، وهما ضعيفان (3) والحسن هو مولى المنصور ، الضعيف بقرينة رواية القاسم عنه .

   ورابعاً :  يستدل عليه بما عن الفقه الرضوي(4) ودعائم الاسلام(5) من النهي عن التكفين في ثوب إبريسم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 18 /  أبواب التكفين ب 6 ح 5 .

(2) الوسائل 2 : 503 /  أبواب التكفين ب 13 .

(3) هما موجودان في أسناد كامل الزيارات فطريق الصدوق (قدس سره) معتبر .

(4) فقه الرضا : 169 .

(5) لاحظ الدعائم 1 : 232 .

 
 

ــ[101]ــ

   ويدفعهما : أنّ الاُولى لم يثبت كونها رواية أصلاً ، والثانية مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها .

   وخامساً :  يستدل عليه بجملة من الروايات الناهية عن التكفين بكسوة الكعبة وثوبها ولا وجه له سوى كونها من الحرير .

   منها : رواية مروان بن عبدالملك قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشترى من كسوة الكعبة فقضى ببعض (ببعضه) حاجته وبقي بعضه في يده هل يصلح بيعه ؟ قال : يبيع ما أراد ويهب ما لم يرده ويستنفع به ويطلب بركته ، قلت : أيكفن به الميِّت ؟ قال : لا» (1) .

   ومنها : رواية حسين بن عمارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل اشترى من كسوة البيت شيئاً هل يكفن به الميِّت قال : لا» (2) .

   ومنها : رواية عبدالملك بن عتبة الهاشمي قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن رجل اشترى من كسوة البيت شيئاً هل يكفن فيه الميِّت ؟ قال : لا» (3) .

   ويردّه : أنّ هذه الأخبار ضعيفة السند بأجمعها ، أمّا الرواية الاُولى فلأنّها مرسلة وفي سندها مروان بن عبدالملك وهو مهمل .

   وأمّا الثانية : فلوجود أبي مالك الجهني والحسين بن عمارة في سندها وهما غير موثقين .

   وأمّا الثالثة : فلوجود عبدالملك بن عتبة الهاشمي حيث لم يثبت توثيقه ويعبّر عنه باللهبي نسبة إلى أبي لهب .

   هذا كلّه بالاضافة إلى أ نّه لم يثبت أنّ كسوة الكعبة حرير دائماً ، والظاهر أنّ النهي عن جعلها كفناً من أجل احترامها ، لأ نّه معرض التنجس بما يخرج من الميِّت وهو ينافي الاحترام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 44 /  أبواب التكفين ب 22 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 44 /  أبواب التكفين ب 22 ح 2 .

(3) الوسائل 3 : 44 /  أبواب التكفين ب 22 ح 3 .

ــ[102]ــ

   وسادساً :  يستدل عليه بما رواه الحسن بن راشد وهو العمدة ، قال : «سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب (القصب) اليماني من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى ؟ قال : إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس» (1) حيث دلّت على عدم جواز جعل الكفن من الحرير المحض أو الممزوج منه ومن غيره إذا كان القز أكثر .

   وقد يناقش في الاستدلال بها من جهتين :

   إحداهما :  أنّ مدلولها عدم جواز التكفين بالممزوج من الحرير وغيره حتّى إذا كانا متساويين ، وهذا ممّا لم يلتزم به الأصحاب ، بل عن بعضهم أ نّه لم يعثر على قائل بعدم جواز التكفين به أصلاً ، فالرواية قد أعرض عنها الأصحاب وبذلك تسقط عن الاعتبار .

   ويمكن الجواب عنها بأ نّهم(2) أفتوا بعدم جواز التكفين بالممزوج من الحرير وغيره إذا كانا متساويين ، إلاّ أن فتاواهم في عدم جواز التكفين بالحرير مطلقة فتشمل ما إذا كان الحرير مساوياً لغيره ، فلم يعلم أنّ الرواية معرض عنها ، ولأجل إطلاق كلماتهم احتاط الماتن (قدس سره) لزومياً في المسألة السادسة في عدم جواز التكفين بالحرير الممزوج إذا كان مساوياً ، فالاعراض غير ثابت .

   على أ نّه لا يضر الرواية عدم إفتائهم على طبقها ولا يسقطها ذلك عن الاعتبار، بل لا بدّ من الالتزام بمضمونها وليكن هذا من مختصّات الكفن .

   وثانيتهما :  أنّ الحسن بن راشد مردد بين الثقة والضعيف ولم يظهر أ نّه من هو .

   ويدفعه : أنّ الظاهر بحسب القرائن أ نّه حسن بن راشد الثقة وهو البغدادي مولى آل المهلب الّذي وثقه الشيخ وعدّه من رجال الجواد والهادي (عليهما السلام) (3) وله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 45 /  أبواب التكفين ب 23 ح 1 .

(2) لعلّ المناسب : بأ نّهم وإن لم يفتوا ... .

(3) رجال الطوسي : 375 /  5545 ، 385 /  5673 .

ــ[103]ــ

روايات عديدة عن العسكري (عليه السلام) ويروي عنه محمّد بن عيسى ، منها : ما رواه في الوصية في سبيل الله حيث روى في الكافي والتهذيب والفقيه عنه عن العسكري أ نّه يصرف في الشيعة أو الحج . ومنها : روايته عنه في الارث للأرحام . وحيث إنّ الراوي عنه في المقام هو محمّد بن عيسى فلا نحتمل أن يكون الحسن الضعيف الّذي هو مولى بني العباس المعبّر عنه بمولى المنصور الّذي كان وزيراً لهارون من الشيعة ، وذلك لأ نّه من أصحاب الصادق (عليه السلام) وقد أدرك الكاظم (عليه السلام) على ما هو منقول في ترجمته(1) والراوي عنه حفيده القاسم بن يحيى .

   وعليه لا يتردد الحسن في هذه الرواية بين البغدادي وبين مولى المنصور(2) وإنّما هو مردّد بين البغدادي الثقة وبين الثالث الّذي عبّر عنه النجاشي بالطُفاويّ وضعّفه(3) وفي رجال المامقاني الطغاوي(4) وفي قاموس الرجال(5) أنّ الصحيح هو الطُفاويّ ، ويروي عنه علي بن إسماعيل السندي الّذي هو من أصحاب الرضا (عليه السلام) .

   ولكن الظاهر أنّ الرجل هو الثقة ، لما أشرنا إليه من روايته متكرراً عن العسكري (عليه السلام) يرويها عنه محمّد بن عيسى ، وبهذه القرينة ينصرف حسن بن راشد إلى الثقة حيث يرويها عنه محمّد بن عيسى ، وبذلك تتصف الرواية بالوثاقة لا محالة .

   نعم ، يبقى هنا شيء ، وهو أنّ الرجاليين لم يعدّوا الرجل من أصحاب العسكري (عليه السلام) ومعه كيف يمكننا قبول روايته عنه .

   والجواب عن ذلك : أ نّه يحتمل أن يكون ذلك غفلة من أهل الرجال ، كما يحتمل أن يراد بالعسكري هو الهادي (عليه السلام) لأ نّه كثيراً يطلق العسكري على الحسن العسكري (عليه السلام) لكن قد يطلق على الهادي (عليه السلام) أيضاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الطوسي : 181 /  2172 ، 334 /  4973 ، تنقيح المقال 1 : 276 /  2535 .

(2) مضافاً إلى ما تقدّم من أنّ الحسن بن راشد مولى منصور موجود في أسناد كامل الزيارات .

(3) رجال النجاشي 1 : 38 / 76 .

(4) تنقيح المقال 1 : 277 /  2536 .

(5) قاموس الرجال 3 : 233 /  1888 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net