ــ[106]ــ
وأمّا من وبره وشعره فلا بأس وإن كان الأحوط فيهما أيضاً المنع (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنّ الساتر الصلاتي يعتبر فيه كونه ثوباً كما دلّت عليه الرواية الواردة في سفينة غرقت حيث ورد فيها إنّ المكلّف إن وجد ثوباً يصلّي فيه وإلاّ فيتستر في الصلاة بالحشيش ونحوه (1) .
وكذا لم يستشكلوا في شمول الثوب للجلد في الحبوة الّتي تشمل أثواب الميِّت ويدخل الفرو فيها من غير شبهة .
فهذا الحكم مبني على الاحتياط ولو للخروج عن مخالفة من ذهب إلى أنّ الجلد ليس بثوب .
احتياط الماتن (قدس سره) بالمنع
(1) احتاط (قدس سره) في جعل الكفن من وبر المأكول وشعره ، والاحتياط فيه استحباباً لا بأس به ، لما ورد في موثقة عمار : «الكفن يكون برداً فان لم يكن برداً فاجعله كلّه قطناً» (2) فدلّت على عدم جعل الكفن صوفاً أو شعراً ، وأمّا وجوباً فلا ، وذلك لما ورد من أفضلية التكفين بثوب الميِّت أو ردائه الّذي كان يصلّي فيه ، فانّ الثوب والرداء إلى قريب عصرنا كان ينسج من الصـوف ، ومعه تحمل الرواية على الاستحباب .
بل في نفس الرواية ما يدل على عدم وجوب جعل الكفن قطناً ، لأنّها دلّت على أنّ الكفن يكون برداً وإذا لم يكن فالقطن ، لا أنّ القطن واجب من الابتداء .
والبرد على ما في بعض كتب اللّغة كالمنجد : ثوب يتّخذ من الصوف(3) إذن فتدلّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 448 / أبواب لباس المصلّي ب 50 ح 1 .
(2) الوسائل 3 : 30 / أبواب التكفين ب 13 ح 1 .
(3) المنجد : 33 .
ــ[107]ــ
الرواية على أ نّه إذا لم يكن برد ـ كما في الوافي(1) ، أو برداً كما في غيره : أي لم يكن الكفن برداً وهو الثوب الشـامل من الصوف ـ يجعل الكـفن كلّه قطناً حتّى الثوب الشامل والعمامة وغيرهما .
استدراك
حاصل ما ذكرناه في الجواب عن هذه الرواية أنّ الأمر بجعل الكفن كلّه قطناً محمول على الاستحباب ، وذلك لجريان السيرة على التكفين بغيره ، فلو كان التكفين بالقطن واجباً لبان واشتهر .
على أ نّه ورد في بعض الروايات استحباب تكفين الميِّت بثوبه أو ردائه اللّذين كان يصلِّي فيهما(2) ، والرداء والثوب إلى قريب عصرنا كانا ينسجان من الصوف .
على أن أهل البوادي لا يوجد عندهم القطن إلاّ قليلاً . وفي بعض الأخبار أ نّه (عليه السلام) أوصى أن يدفن في الثوبين الشطويين له(3) . والثوب المعد للشتاء يتّخذ من الصوف .
على أنّ الرواية لعلّها على خلاف المطلوب أدل حيث لم توجب التكفين بالقطن من الابتداء بل علّقت جعله من القطن على فقدان البرد ، فيعلم منه أن جعل الكفن من القطن ليس بواجب أوّلاً .
وقد فسّر صاحب المنجد البرد بما يتّخذ من الصوف ، فتكون الرواية صريحة فيما ادّعيناه من عدم وجوب التكفين بالقطن ، إلاّ أنّا راجعنا قواميس اللّغة الوسيعة مثل لسان العرب وتاج العروس ولم نعثر على هذا التفسير ، ولا ندري من أين جاء صاحب المنجد بهذا التفسير للبرد ، نعم في اللسان فسّر البردة بما يتّخذ من الصوف (4) وهي غير البرد ، والظاهر اشتباه الأمر على صاحب المنجد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوافي 24 : 376 .
(2) الوسائل 3 : 15 / أبواب التكفين ب 4 .
(3) الوسائل 3 : 10 / أبواب التكفين ب 2 ح 15 وليس فيه : «أوصى» بل فيه : «إنِّي كفّنت أبي في ثوبين شطويين» .
(4) لسان العرب 3 : 87 .
ــ[108]ــ
تتمّة الكلام : وقد ورد في رواية يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) أ نّه قال : «كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه وفي عمامة كان لعليّ بن الحسين (عليهما السلام) وفي برد اشتريته بأربعين ديناراً لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار»(1) .
وقال الشيخ في الاستبصار بعد إيراد الرواية ما ملخّصه: أنّ الرواية تدل على جواز التكفين بغير القطن ، ومن ثمة تحمل على ما إذا لم يوجد هناك قطن أو على أ نّه حكاية فعل من الإمام ، ويجوز أن يكون ذلك مختصّاً بهم (عليهم السلام) فلا يعمل بمضمون الرواية في غيرهم (2) .
وقال في الوافي إيراداً على الشيخ : وليت شعري ما في هذا الخبر يدل على تقديم غير القطن ، فان كان البرد غير قطن فالأخبار مملوءة بذكر البرد في جملة الكفن وتقديمه على غيره فينبغي حمل أفضلية القطن بغير الفوقاني ، وإن كان الشطوي يكون من غير القطن البتة ، فنحن لا نعلم ذلك وهو أعلم بذلك (3) .
وقد فسر «شطا» في الوافي بأ نّه قرية بمصر تنسب إليها الثِّياب الشطوية .
وقال في أقرب الموارد في مادّة شطو شطاة : بلدة تنسج فيه ثياب الكتان (4) .
والصحيح أن ما ذكره الشيخ من دلالة الرواية على جواز جعل الكفن من غير القطن هو الصحيح ، لما عرفت من أنّ الثوب الشطوي هو الّذي ينسج في شطاة من الكتان وهو غير القطن ، والّذي يسهل الخطب أنّ الرواية في سندها سهل بن زياد وقد ناقشنا فيه مراراً (5) ، هذا .
ثمّ لو شككنا في ذلك واحتملنا أن يكون التكفين بالقطن متعيّناً فنرجع إلى البراءة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نفس المصدر .
(2) الاستبصار 1 : 211 / 742 .
(3) الوافي 24 : 375 .
(4) أقرب الموارد 1 : 592 .
(5) راجع المصدر المتقدّم فان للكليني (قدس سره) طريقين أحدهما فيه سهل دون الثاني وهو معتبر .
ــ[109]ــ
وأمّا في حال الاضطرار فيجوز بالجميع (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك لدوران الأمر بين التعيين والتخيير حينئذ ، إذ نحتمل أن يكون الواجب هو التكفين بالأعم من القطن وغيره كما نحتمل أن يكون الواجب خصوص التكفين بالقطن ، وقد بيّنا في محلِّه(1) أن مقتضى البراءة عدم تعين ما يحتمل تعينه .
الوظيفة عند الاضطرار
(1) سوى المغصوب كما تقدّم(2) ، لأنّ التصرّف في مال الغير محرم مطلقاً والاضطرار وانحصار الكفن في المغصوب لا يسوّغ التصرف في مال الغير ، وكذلك الميتة إن قلنا بعدم جواز الانتفاعات غير المتوقفة على الطهارة منها .
ثمّ إنّ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :
أحدهما : في أنّ الكفن إذا كان منحصراً بالنجس فقط أو بالحرير فقط أو بغيرهما من المذكورات المتقدمة فهل يجوز التكفين به أو لا يجوز ؟
ثانيهما : أ نّه بعد البناء على الجواز في المقام الأوّل إذا دار الأمر بين التكفين بالنجس أو بالحرير أو بينه وبين غيره من الاُمور المتقدمة فهل يتقدم بعضها على بعض أو يتخيّر المكلّف ، أو أن له حكماً آخر ؟ وهذه صورة التزاحم وهي تأتي في مسألة مستقلّة بعد ذلك(3) إن شاء الله .
المقام الأوّل : وفيه صور عديدة
الصورة الاُولى : إذا كان الكفن منحصراً بالنجس فهل يجب التكفين به ؟ ذهب الماتن إلى الجواز وهو الصحيح .
وقد يقال بعدم الجواز ، وذلك لأنّ الدليل الدال على اعتبار الطهارة في الكفن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 2 : 450 .
(2) في ص 95 .
(3) في ص 113 المسألة [ 904 ] .
ــ[110]ــ
مطلق ، فإذا انضمّ إلى المطلقات الدالّة على أنّ الكفن أثواب ثلاثة (1) فينتج اعتبار الطهارة فيها مطلقاً ، بلا فرق في ذلك بين صورتي الاضطرار وغيرها ، ومعه إذا لم يتمكّن المكلّف من الكفن الطاهر سقط الأمر بالتكفين من الابتـداء ، لأ نّه مقتضى إطلاق الدليل المقيّد .
وكذلك الحال فيما إذا انحصر الكفن بالحرير ، لأن رواية الحسن بن راشد(2) الّتي دلّت على اعتبار عدم كون الكفن حريراً محضاً ، أو عدم كون أكثره قزاً ، أو كون القز مساوياً مع القطن ، مطلقة تشمل حالة الاضطرار وغيره ، ومقتضاها سقوط الأمر بالتكفين عند الاضطرار لتعذّر المقيّد بتعذّر قيده ، فلا يجوز التكفين بالنجس أو الحرير عند انحصار الكفن بهما .
وأمّا ما ورد من أنّ التكفين لأجل ستر عورة الميِّت (3) أو أ نّه لأجل احترام الميِّت ، لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً (4) فيستفاد منهما أن ستر بدن الميِّت مطلوب بنحو الاطلاق ، فيندفع بأن شيئاً من ذلك لا يقتضي الجعل والتشريع ولا يدل على أنّ التكفين غير المشروع احترام للمؤمن أو أ نّه مطلوب للشارع ، لما عرفت من إطلاق دليل المقيّد .
وحيث إن قاعدة الميسور لا تجري في المقام ، لأنّ العمل بها على مسلكهم يتوقف على أن تكون مجبورة بالعمل على طبقها ولم يعمل بها في المقام ، فلا مناص من الحكم بسقوط الأمر بالتكفين في تلك المقامات .
ويرد عليه : أن ما دلّ على اعتبار الطهارة في الكفن منحصر بالروايتين الآمرتين بقرض الكفن إذا تنجّس بما يخرج من الميِّت (5) وهما غير ظاهرتين في الشرطية بوجه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 6 / أبواب التكفين ب 2 .
(2) الوسائل 3 : 45 / أبواب التكفين ب 23 ح 1 . ثمّ إنّ الموجود في عدّة من الكتب هو الحسن وفي الوسائل (حسين بن راشد) .
(3) الوسائل 3 : 5 / أبواب التكفين ب 1 .
(4) الوسائل 3 : 55 / أبواب التكفين ب 33 .
(5) الوسائل 2 : 542 ، 543 / أبواب غسل الميِّت ب 32 ح 3 ، 4 .
|