الجهة الخامسة : روى في الوسائل في كتاب الأشربة المحرمة روايتين تدلان بظاهرهما على أن شارب الخمر لا يصلى عليه :
إحداهما : ما عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لا اُصلِّي على غريق خمر» (1) .
وثانيتهما : موثقة عمار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون مسلماً عارفاً إلاّ أنه يشرب المسكر هذا النبيذ ، فقال : يا عمار إن مات فلا تصل عليه» (2) ولا دلالة في شيء منهما على عدم جواز الصلاة على شارب الخمر .
أما الرواية الاُولى فلأن الوارد فيها «غريق خمر» بفتح الغين وكسرها ـ لأنهما بمعنى واحد ، غاية الأمر أن الماء إذا أحاط به فمات فيقال له غريق بالفتح وإن لم يمت فهو غريق بالكسر ـ وهذا لا يصح إطلاقه إلاّ على من كان مدمن الخمرة ومستمرّاً على شربها على الدوام بحيث صح أن يقال إنه غريق في الخمر ، وهذا غير شارب الخمر كما لا يخفى .
على أنها لا تدل إلاّ على أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان لا يصلِّي عليه ولعله لأجل مبغوضيته عند الله ، ولم تدل على نهي الناس عن الصلاة عليه ، مضافاً إلى أنها ضعيفة السند بمحرز فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه .
وأما الرواية الثانية فهي من حيث السند موثقة ، لأن طريق الشيخ إلى عمار صحيح ، إلاّ أن دلالتها قاصرة ، لأن نهي شخص عن المباشرة والتصدي للواجب الكفائي لا يدل على سقوطه عن ذمة الجميع ، ولعله إنما أراد أن لا يقوم عمار بذلك الواجب الكفائي لما فيه من الحزازة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 25 : 310 / أبواب الأشربة المحرمة ب 11 ح 3 .
(2) الوسائل 25 : 312 / أبواب الأشربة المحرمة ب 11 ح 6 .
ــ[185]ــ
ولا تجوز على الكافر بأقسامه حتى المرتد فطريّاً (1) أو ملِّيّاً مات بلا توبة (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أ نّا لو سلمنا دلالتها عليه فهي معارضة بما هو أقوى منها دلالة وسنداً ، وهو صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت له : شارب الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا ماتوا ؟ فقال : نعم» (1) فانها صريحة في الجواز وصحيحة السند ، غاية الأمر أن نحمل الموثقة على الكراهة جمعاً بين الروايتين . هذا تمام الكلام في الجهات التي ينبغي التعرض لها في المقام .
الكافر لا يُصلّى عليه
(1) لقوله تعالى : (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُم مَاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ )(2) .
وموثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «أنه سئل عن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت ، قال : لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا يدفنه ولا يقوم على قبره وإن كان أباه» (3) . وهي وإن كانت واردة في النصراني إلاّ أنها تدل على ثبوت الحكم في غيره من فرق الكفار كالمجوسي واليهودي والملحد والمشرك وغيرها بالأولوية ، لأن النصراني أقل خبثاً وكفراً من غيره فاذا ثبت الحكم في حقه ثبت في غيره بالأولوية .
والمرتد داخل في أقسام الكفار ومشمول لهذا الحكم ، هذا كله . مضافاً إلى السيرة القطعية الجارية على عدم إقامة الصلاة على الكفار مطلقاً نصرانياً كان أو غيره .
(2) ظاهر ذلك أنه راجع إلى المرتد عن ملة وأنه إذا تاب قبل أن يموت يصلى عليه وتجري عليه بقية أحكام المسلمين ، وهذا بخلاف المرتد عن فطرة فانه تاب أم لم يتب لا يُصلّى عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 133 / أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 1 .
(2) التوبة 9 : 84 .
(3) الوسائل 2 : 514 / أبواب غسل الميِّت ب 18 ح 1 .
|