كيفية الصلاة على المستضعفين - كيفية الصلاة على المخالفين 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 12743


ــ[239]ــ

   وإن كان الميِّت مستضعفاً يقول بعد التكبيرة الرابعة : «اللّهمّ اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم»

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والأولى كما أشرنا إليه في التعليقة أن يجمع بين الأدعية بعد كل تكبيرة ، لما ورد في موثقة سماعة من الأمر بالشهادتين والصلاة على محمد وآله والدعاء للمؤمنين والدعاء للميت ، وقال : «فان قطع عليك التكبيرة الثانية ـ أي قطعها الإمام بأن كبّر قبله ـ فلا يضرّك ، تقول : اللّهمّ هذا عبدك ابن عبدك وابن أمتك ...» إلى آخر الحديث(1) .

   ثمّ إنّ المستفاد ممّا دلّ على التتابع في التكبيرات إذا رفعت الجنازة من محلِّها أن التتابع والتعاقب بين التكبيرات ليس جائزاً عند إبقاء الجنازة في محلِّها ، وعليه فلا يجوز الاتصال والتعاقب بينها في الصلاة على الميِّت ، بل لا بدّ من الفصل بينها بالصلاة على الميِّت(2) بعد واحدة منها والدعاء للميت بعد الاُخرى والتسبيح والتهليل والتحميد بعد الاُخريين حسبما يستفاد من موثقة يونس الدالّة على أن صلاة الميِّت تكبير وتسبيح وتهليل وتحميد (3) ، وعلى الجملة لا بدّ من الإتيان بشيء من ذلك بعد كل تكبيرة .

   هذا كلّه في الصلاة على المؤمن ، ويبقى الكلام في الصلاة على المستضعف ومن لم يعلم مذهبه والمخالف .

    الصلاة على المستضعفين

   أما المستضعف ـ وهو الذي لا يعاند الإسلام والحق وإنما لم يلتزم به لقصور فيه بحيث لو بيّن له الحق لقبله ، وهذا يتفق كثيراً في العجزة والنساء وعامّة القاصرين ـ فالصحيح أن الصلاة عليه إنما هي بخمس تكبيرات ، وذلك لإطلاق ما دل على أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 63 / أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 6 .

(2) الصحيح :  النبيّ .

(3) الوسائل 3 : 89 / أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 2 .

ــ[240]ــ

صلاة الميِّت خمس تكبيرات (1) ، ولا نعرف من يصرح بذلك من الأصحاب ولا من صرح بخلافه .

   نعم قد يتوهّم أن ما رواه إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن الصلاة على الميِّت فقال : أما المؤمن فخمس تكبيرات وأما المنافق فأربع ولا سلام
فيها»(2) يدل على أن التكبيرات الخمسة منحصرة بالصلاة على المؤمن ، ولما لم يكن المستضعف بمؤمن فلا تجب خمس تكبيرات في الصلاة عليه .

   ويندفع بأن الرواية لا دلالة لها على ذلك ، لأن المؤمن في الرواية مقابل المنافق لا مقابل المستضعف، فكما أنه ليس بمؤمن كذلك ليس بمنافق، فالرواية غير شاملة لحكمه فتبقى الإطلاقات شاملة له من دون مزاحم . على أنها ضعيفة السند ، لأن طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى قد ذكر مقسطاً ، ولم يعلم أن هذه الرواية من الجملة التي رواها بطريقه الصحيح أو من الجملة التي رواها عنه بطريق غير صحيح لاشتماله على أحمد بن محمد بن يحيى(3) ، فالرواية غير صحيحة وإن عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة(4) ، ولعلّه من جهة وثاقة أحمد بن محمد بن يحيى عنده ، وعليه لا خدشة في صحّة طريق الشيخ إلى الرجل .

   نعم ورد في جملة روايات معتبرة أن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا صلّى على ميت بأربع تكبيرات اتهم الميِّت بالنفاق وإذا صلّى على ميت بخمس عرف أنه مؤمن(5)، وظاهرها أن الخمس تختص بالمؤمن .

   إلاّ أنّ الصحيح عدم دلالتها على ذلك ، لأن المؤمن فيها في قبال المنافق ، وهي تدل على أن الأربع تكبيرات من مختصات المنافق ، ولم يعلم دلالتها على أن الخمس من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 72 / أبواب صلاة الجنازة ب 5 .

(2) الوسائل 3 : 74 /  أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 5 ، 91 / ب 9 ح 1 .

(3) وقد تبدل رأي الاُستاذ في طريق الشيخ إلى روايات أحمد بن محمد بن عيسى والتزم بصحّة الطريق من وجه آخر . راجع المعجم 3 : 88 ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى .

(4) الحدائق  10 : 420 .

(5) الوسائل 3 : 72 / أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 1 ، 18 ، 25 .

 
 

ــ[241]ــ

مختصات المؤمن لينفى وجوبه عن المستضعف هذا ، بل لولا التسالم على أن المخالف يصلى عليه بأربع تكبيرات أمكننا المناقشة في أصل هذا الحكم ، وذلك لأن المنافق الذي كان يصلِّي عليه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأربع هو الذي لم يكن مسلماً باطناً وإنما كان يظهر الإسلام كذباً ، لقوله تعالى : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ ا لْمُنَـفِقِينَ لَكَـذِبُونَ )(1) وقوله تعالى : (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَـطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءوُنَ )(2) وأين هذا من المنافق في عصر الأئمة وفي ألسنة الأخبار ، إذ المنافق فيهما بمعنى المسلم المنكر للولاية .

   ولكن الموجود في كلماتهم أن المنافق بمعنى المنكر للولاية يصلى عليه بأربع تكبيرات مستدلاً عليه بروايتين :

   إحداهما : ما رواه الصدوق عن الحسين بن النضر ، قال «قال الرضا (عليه السلام) : ما العلة في التكبير على الميِّت خمس تكبيرات ؟ قال : رووا أنها اشتقت من خمس صلوات ، فقال : هذا ظاهر الحديث فأما في وجه آخر فان الله فرض على العباد خمس فرائض : الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة واحدة فمن قبل الولاية كبّر خمساً ومن لم يقبل الولاية كبّر أربعاً ، فمن أجل ذلك تكبّرون خمساً ومن خالفكم يكبّر أربعاً» (3) .

   وثانيتهما : ما رواه أبو بصير قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : لأي علة (شيء) تكبّر على الميِّت خمس تكبيرات ويكبّر مخالفونا بأربع تكبيرات ؟ قال : لأن الدعائم التي بني عليها الإسلام خمس : الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية لنا أهل البيت ، فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة ، وإنكم أقررتم بالخمس كلها وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة ، فمن ذلك يكبّرون على موتاهم أربع تكبيرات وتكبّرون خمساً» (4) فان المصرح به في الروايتين أن المخالف يكبّر في صلاته بأربع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المنافقون 63 : 1 .

(2) البقرة 2 : 14 .

(3) الوسائل 3 : 76 / أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 16 ، عيون أخبار الرضا 2 : 82 / 20 .

(4) الوسائل 3 : 77 / أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 17 .

ــ[242]ــ

تكبيرات والمؤمن بخمس تكبيرات .

   والجواب عن هذا الاستدلال : أن الروايتين دلتا على حكم المصلي وأنه لو كان مؤمناً فيكبّر خمس تكبيرات ولو كان مخالفاً فأربع ، ولا تدل على حكم الميِّت ولا تتعرّض له وأنه إذا كان مؤمناً أو مخالفاً يصلى عليه بأية كيفية .

   على أن سند الروايتين ضعيف ، أما الاُولى : فلتردد الحسين بن النضر بين شخصين كلاهما غير موثق ، وإن سها المامقاني (قدس سره) ولم يتعرض للحسين بن النضر أصلاً .

   وأمّا الثانية : فلوجود علي بن أحمد الذي هو شيخ الصدوق ، ومحمد بن أبي عبدالله ـ  نعم لو كان هو في أول السند لحكمنا بوثاقته لأنه حينئذ «محمد بن محمد» الموثق دون ما إذا كان في وسطه كما في المقام  ـ  و «موسى بن عمران» و «الحسين بن يزيد» الذي هو النوفلي ، نعم «علي بن أبي حمزة البطائني» موثق وإن كان خبيثاً قد أكل أموال الإمام (عليه السلام) (1) .

   فالمتحصل : أن المستضعف يصلى عليه بخمس تكبيرات .

   وأمّا الدعاء في الصلاة على المستضعف فقد أطبقت الأخبار ـ وهي بين صحيحة وموثقة ـ على أن في الصلاة على المستضعف يدعى للمؤمنين لا للميت(2) وبهذا تفترق الصلاة على الميِّت المؤمن من الصلاة على المستضعف ، ففي الاُولى يصلِّي على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويدعو للميت ، وفي الثانية يصلِّي على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويدعو للمؤمنين .

    الصّلاة على المخالفين

   وأمّا الصلاة على المخالف فقد ذهب صاحب الحدائق (قدس سره) إلى عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا كلّه ما أفاده (دام ظلّه) لدى البحث، غير أنه عدل عن ذلك أخيراً فبنى على ضعف البطائني [ المعجم 12 : 234 ] ووثاقة محمد بن أبي عبدالله النوفلي [ المعجم 7 : 122 ] وابن عمران [ المعجم 20 : 66 ] ويظهر الوجه في ذلك كله بالمراجعة إلى معجم الرجال عند التعرض لترجمتهم.

(2) الوسائل 3 : 67 / أبواب صلاة الجنازة ب 3 .

ــ[243]ــ

وجوب الصلاة عليه كالكافر ، ونسبه إلى بعضهم(1) ، وهذا يبتني على مسلكه من كفر المخالفين وإنما اُمرنا بالمعاشرة معهم تقية .

   وهذا ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لما قدّمناه في محلِّه من أن المخالف مسلم محكوم بالطهارة ويترتب عليه ما يترتب على المسلم من الآثار التي منها وجوب الصلاة عليه بخمس تكبيرات (2) .

   والظاهر من كلمات الأكثرين وجوب خمس تكبيرات في الصلاة عليه ، وهذا الظهور في كلام العلاّمة في قواعده قوي بل كاد يكون صريحاً ، حيث إنه بعد ما بيّن أن صلاة الميِّت خمس تكبيرات قال : وتقول بعد الاُولى كذا وبعد الثانية كذا ... وتقول بعد الرابعة كذا إن كان مؤمناً ، وكذا إن كان مخالفاً ، ثم تكبّر الخامسة فتنصرف (3) . بل صرح به الصدوق في هدايته (4) ، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات بعضهم ، ولكن ذهب المحقق (قدس سره) إلى وجوب أربع تكبيرات في الصلاة على المخالف(5)، ولعلّ هذا هو المشهور فيما بين من تأخر عنه . وذهب بعضهم إلى التخيير بين التكبير عليه بأربع أو بخمس .

   والصحيح من هذه الأقوال هو الأوّل الموافق لظاهر إطلاق الأكثرين ، وذلك للمطلقات الدالّة على أن الصلاة على الميِّت خمس تكبيرات كالصحيحة الواردة في صلاة هبة الله بن آدم على أبيه آدم (عليه السلام) (6) حيث ورد في ذيلها أن الصلاة بخمس تكبيرات سنة جارية في ولد آدم إلى يوم القيامة ، وتخصيص المخالف يحتاج إلى دليل مخصص ولا دليل عليه إلاّ أمران ، كلاهما لا يمكن المساعدة عليهما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 10 : 360 .

(2) شرح العروة  3 : 63 ـ 64 .

(3) القواعد 1 : 231 .

(4) الهداية : 26 .

(5) الشرائع 1 : 106 .

(6) الوسائل 3 : 76 / أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 13 .

ــ[244]ــ

   أحدهما : الأخبار الواردة في أن الصلاة على المؤمن خمس تكبيرات وعلى المنافق أربع (1) ، وهي وإن كان بعضها صحيحاً ومعتبراً إلاّ أ نّا قدمنا عدم دلالتها على وجوب الأربع في المخالف ، لأن المنافق غير المخالف ، فان المنافق هو المضمر للكفر والمظهر للإسلام كذباً ، والمخالف مسلم وغير مضمر للكفر إلاّ أنه لا يعتقد بالولاية ، وأين أحدهما من الآخر ؟

   وثانيهما : ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى وقد اشتملت على أن المؤمن يصلّى عليه بخمس والمنافق بأربع(2) وهي ظاهرة في المدعى لو خليت ونفسها لكونها صادرة عن الإمام الرضا (عليه السلام) والمنافق في عصره في مقابل المؤمن المعتقد بالولاية وظاهره المخالف .

   إلاّ أنها أيضاً غير صالحة للاستدلال بها ، لأنها بملاحظة ما في قبالها من الروايات المتقدِّمة التي قلنا إن المراد بالمنافق فيها غير المخالف جزماً لا بدّ من حملها على غير المخالف . ويعضده الشهرة المنعقدة بين الأصحاب على العمل بالمطلقات المتقدمة وعدم الفرق في ذلك بين الشيعة والمخالفين . على أ نّا قد ناقشنا في سندها ، لأن طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى قد ذكر متبعضاً ولا يدرى أن ما يرويه من الأخبار التي رواها عنه بطريقه الصحيح أو مما رواه عنه بطريقه الضعيف .

   فالمتحصل : أن الصلاة على المخالف كالصلاة على المؤمن من حيث وجوب التكبير خمساً .

    حكم الصّلاة على المخالف من حيث الدعاء

   وأمّا من حيث الدعاء فيختلفان حيث يدعى على الميِّت المخالف ويدعى له في المؤمن ، وذلك لأن المخالف ـ غير المستضعف الذي قدمنا حكمه ـ إما معاند أو جاهل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 72 / أبواب صلاة الجنازة ب 5 .

(2) الوسائل 3 : 74 /  أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 5 ، التهذيب 3 : 192 / 439 .  وقد تقدّم اعتبار طريق الشيخ إلى جميع روايات أحمد بن محمد بن عيسى فلاحظ ص240 التعليقة (3).

ــ[245]ــ

مقصِّر وكلاهما عدو الله ، وقد ورد في صحيحة الحلبي الأمر بالدعاء على الميِّت إذا كان عدو
الله (1)، والمخالف لو لم يكن مبغضاً لأهل البيـت (عليهم السلام) إلاّ أنه بالأخرة يبغض عدو عدو أهل البيت فهو عدو الله ، فتشمله الصحيحة كما عرفت .

   على أنه ورد الدعاء على الميِّت إذا كان جاحداً للحق ، ولا إشكال في صدق هذا العنوان على المخالف ، إذ لا يعتبر في الجحد إلاّ إنكار الحق علم به أم لم يعلم .

   ولأن الدعاء للميت مختص بالمؤمن ، لما ورد في الميِّت الذي لا يعلم مذهبه من تعليق الدعاء له على كونه مؤمناً بقوله : اللّهمّ إن كان مؤمناً فكذا (2) فلو لم يكن الدعاء للميت مخصوصاً بالمؤمن لم يكن لهذا التعليق وجه، فالمخالف لا يجوز الدعاء له .
ــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 69 / أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 67 / أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1 ، 4 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net