ــ[264]ــ
[ 974 ] مسألة 6 : إذا تبيّن بعد الصلاة أن الميِّت كان مكبوباً وجب الإعادة بعد جعله مستلقياً على قفاه (1) .
[ 975 ] مسألة 7 : إذا لم يصل على الميِّت حتى دفن يصلّى على قبره ، وكذا إذا تبيّن بعد الدّفن بطلان الصلاة من جهة من الجهات (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقدّم منّا تفصيل الكلام في ذلك في بحث الأولياء في غسل الأموات(1) .
(1) لعدم كون الصلاة حينئذ واجدة للشرائط فتبطل وتجب إعادتها واجدة لما يعتبر فيها .
لو لم يصل على الميِّت حتى دفن
(2) الكلام في هذه المسألة يقع من جهتين :
إحداهما : أن من لم يدرك الصلاة على الميِّت حتى دفن ـ يعني صلِّي عليه قبل الدّفن ولكنه لم يصل عليه بشخصه ـ فلا محالة تكون صلاته على قبره مستحبة في حقه على تقدير الجواز ، فهل يجوز(2) له الصلاة على قبره أو يستحب أو يكره ؟ يأتي الكلام عليه في الفروع المقبلة إن شاء الله(3) .
وثانيتهما : إذا دفن الميِّت ولم يصل عليه أو صلِّي عليه بصلاة فاسدة فهل تجب الصلاة على قبره أو لا تجب ؟
ذهب المحقق(4) والعلاّمة(5) وصاحب المدارك(6) إلى عدم الوجوب. والصحيح وجوب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 8 : 280 .
(2) لعلّ المناسب : فهو لا يجوز ... .
(3) في ص 269 .
(4) المعتبر 2 : 358 .
(5) المنتهى 1 : 450 السطر 6 .
(6) المدارك 4 : 188 .
ــ[265]ــ
الصلاة على قبره ، وذلك لأن مقتضى الإطلاقات وجوب الصلاة على كل ميت ، وإنما قيدناه بأن يكون قبل الدّفن عند التمكن والاختيار .
وتوضيحه : أن مقتضى صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس أن يصلِّي الرجل على الميِّت بعد الدّفن» (1) جواز الصلاة على الميِّت بعد الدّفن ومشروعيتها ، وإذا جازت وجبت بمقتضى المطلقات الآمرة بالصلاة .
ويؤيده رواية مالك مولى الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا فاتتك الصلاة على الميِّت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن»(2) . والوجه في جعلها مؤيدة عدم توثيق مالك مولى الحكم . ونظيرها رواية اُخرى(3) .
إلاّ أنه قد يتوهم أنها معارضة بجملة من الأخبار ، وهو الذي دعى المحقق والعلاّمة وصاحب المدارك أن يذهبوا إلى عدم الوجوب .
منها : ما رواه محمد بن مسلم أو زرارة قال : «الصلاة على الميِّت بعد ما يدفن إنما هو الدعاء ، قال قلت : فالنجاشي لم يصل عليه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟ فقال : لا ، إنما دعا له» (4) . وهذه الرواية على تقدير حجيتها شارحة لصحيحة هشام المتقدمة .
إلاّ أنها ضعيفة السند بنوح بن شعيب الظاهر كونه الخراساني بقرينة رواية ابن هاشم عنه . على أن دلالتها قاصرة على المدعى ، لأن ظاهرها إرادة الصلاة بعد الدّفن فيما إذا صلِّي على الميِّت قبل الدّفن بقرينة قضية النجاشي ، فانه كان قد صلِّي عليه قبل دفنه وأراد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يصلِّي عليه بعد دفنه ، وهذا خارج عما نحن فيه ، لأن كلامنا فيما إذا لم يصل على الميِّت قبل دفنه .
كذا ذكر أوّلاً ثم أفاد : أن الرواية لا تعارض الصحيحة وإنما تدل على جواز الدعاء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 104 / أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 1 .
(2) الوسائل 3 : 104 / أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 2 .
(3) الوسائل 3 : 105 / أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 3 .
(4) الوسائل 3 : 105 / أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 5 .
ــ[266]ــ
على الميِّت بعد ما دفن ، والصلاة في الصحيحة إنما هي بمعناها لا بمعنى الدعاء ، لعدم احتمال حرمة الدعاء للميت بعد ما دفن حتى ينفى عنه البأس ، فهي كالصريحة في إرادة الصلاة المتعارفة على الميِّت ولا يمكن حملها على الدعاء فلا معارضة بينهما .
ومنها : ما رواه جعفر بن عيسى قال : «قدم أبو عبدالله (عليه السلام) مكة فسألني عن عبدالله بن أعين فقلت : مات ، قال : مات ؟ قلت : نعم ، قال : فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلِّي عليه ، قلت : نعم ، فقال : لا ، ولكن نصلِّي عليه ههنا فرفع يده يدعو واجتهد في الدعاء وترحم عليه» (1) .
وهي كالرواية السابقة ضعيفة سنداً بالحسين بن موسى ، ودلالة لعين ما تقدم في السابقة فان عبدالله بن أعين قد صلِّي عليه ودفن لا محالة .
ومنها : رواية يونس بن ظبيان عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه قال : «نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه أو يتكأ عليه» (2) .
وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بزياد بن مروان قصور دلالتها على المدعى ، فان الظاهر إرادة الصلاة على القبر وجعله مصلى لا الصلاة على الميِّت بعد دفنه ، وهو مكروه لا محالة .
ومنها : ما رواه محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة قال «قلت للرضا (عليه السلام) : يصلّى على المدفون بعد ما يدفن ؟ قال : لا ، لو جاز لأحد لجاز لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، قال : بل لا يصلى على المدفون بعد ما يدفن ولا على العريان» (3) ولكنها ضعيفة السند من جهات فلاحظ .
ومنها : موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال في حديث : «ولا يصلى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 105 / أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 4 .
(2) الوسائل 3 : 106 / أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 6 .
(3) الوسائل 3 : 106 / أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 8 .
ــ[267]ــ
عليه وهو مدفون» (1) .
وهذه الرواية معتبرة من حيث السند ، إلاّ أن دلالتها على المدعى قاصرة ، وذلك لورودها في ذيل الرواية المتقدمة الواردة في الصلاة على الميِّت المقلوب وأنه إذا صلِّي عليه وهو مقلوب تعاد الصلاة عليه ، وإن كان قد حمل ودفن فقد مضت الصلاة عليه وهو مدفون ، أي بعد ما صلِّي عليه قبل دفنه . وهذا أجنبي عما نحن فيه من الصلاة على الميِّت بعد دفنه بلا صلاة عليه قبل ذلك ، وإنما نشأ توهم المعارضة منها من تقطيع صاحب الوسائل حيث روى الجملة الأخيرة في المقـام وروى تمامها في بابه (2) ويستفاد منها أن المقلوب إذا صلِّي عليه وكان مقلوباً ثم دفن لا تجب إعادة الصلاة عليه ثانياً .
ومنها : موثقة عمار بن موسى قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر فاذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس عليهم إلاّ إزار كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه (به) ؟ قال : يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته فيستر عورته باللبن وبالحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن ، قلت : فلا يصلى عليه إذا دفن ؟ فقال : لا يصلى على الميِّت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان» (3) .
ولا إشكال فيها من حيث السند ، إلاّ أنها قاصرة الدلالة على المدعى ، لأنها ناظرة إلى بيان الشرطية وأن الصلاة يشترط وقوعها بعد الغسل والكفن وقبل الدّفن ، ولا نظر لها إلى أنه إذا دفن من غير صلاة لا يصلى عليه وهو في قبره .
فلا دلالة في شيء من هذه الروايات على خلاف صحيحة هشام ولا معارض لها .
ثم لو تنـازلنا عن ذلك وفرضناهما متعارضين فنرجع إلى ما تقتضـيه المطلقات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 106 / أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 7 .
(2) لا يخفى أنه روى صدرها فقط في الوسائل 3 : 125 / أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 2 ، وروى الباقي في ص 107 / ب 19 ح 1.
(3) الوسائل 3 : 131 / أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1 .
ــ[268]ــ
الدالّة على وجوب الصلاة على كل ميت ومنه من دفن من دون الصلاة عليه ، فانه كغيره من الأموات لا يحتمل استثناؤه عن حكمه .
ثم إن مقتضى إطلاق كلام الماتن (قدس سره) في المقام وتصريحه فيما يأتي من الفروع أن بطلان الصلاة إذا استند إلى انقلاب الميِّت وكون رجليه موضع رأسه وبالعكس يوجب الصلاة على قبره أيضاً .
وفيه : أن مقتضى الموثقة المتقدمة الواردة في الصلاة على الميِّت المقلوب أنه إنما تجب إعادتها فيما إذا لم يدفن ، وأما إذا دفن فلا تجب الصلاة عليه بعد دفنه ، فما صلِّي عليه أجزأه ولو كان مقلوباً على الفرض ، وكأنه شرط ذكري . فهذا الفرد من الصلاة الفاسدة مستثنى عن بقية الصلوات الفاسدة .
ثم إن صاحب الجواهر (قدس سره) ذكر أن من لم يصل عليه قبل أن يدفن وجبت الصلاة عليه بعد دفنه وفي قبره بلا فرق في ذلك بين استناد ذلك إلى النسيان والغفلة أو إلى العمد (1) .
وفيه : أن مقتضى ما دل على أن الصلاة قبل الدّفن والأمر بها قبله هو اشتراط الدّفن بكونه واقعاً بعد الصلاة على الميِّت لكون تلك الأوامر إرشادية ، فاذا لم يصل عليه عمداً فدفن فهو دفن غير مأمور به فلا بدّ من أن ينبش الميِّت ويصلّى عليه ثم يدفن .
وعلى الجملة : إن الاحتمالات في المسألة ثلاثة(2) :
أحدها : أن يخرج الميِّت من قبره ويصلى عليه وهو خارج القبر ، لعدم جواز الصلاة عليه وهو مدفون . وهذا مجرّد احتمال لم يلتزم به أحد فهو ساقط .
وثانيها : ما ذهب إليه المحقق في المعتبر(3) ونسب إلى العلاّمة في بعض كتبه (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 12 : 112 .
(2) لعلّ المناسب أن يُقال : وأمّا إذا لم يصلّ عليه غفلة أو نسياناً فالاحتمالات في ... .
(3) المعتبر 2 : 358 .
(4) المنتهى 1 : 450 السطر 6 .
|