حكم الموت في السفينة - تعذر دفن من مات في البر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9499


   [ 994 ] مسألة 2 : إذا مات ميت في السفينة (2) فان أمكن التأخير ليدفن في

ــــــــــــــــــــــــــ
    إذا مات في السفينة

   (2) الكلام في هذه المسألة يقع في جهات .

   الاُولى : أن الاستقبال المعتبر في دفن الميِّت هل يعتبر في إلقاء الميِّت في البحر ؟

   الصحيح عدم اعتبار الاستقبال حينئذ ، لأن الصحيحة إنما دلت على اعتباره في الدّفن ، والإلقاء في البحر ليس بدفن وإنما هو بدل عنه ، ولم يقم دليل على اعتبار

ــ[298]ــ

الأرض بلا عسر وجب ذلك ، وإن لم يمكن لخوف فساده أو لمنع مانع يغسّل ويكفّن ويحنّط ويصلّى عليه ويوضع في خابية ويوكأ رأسها ويلقى في البحر مستقبل القبلة على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوب الاستقبال ، أو يثقل الميِّت بحجر أو نحـوه بوضعه في رجله ويلقى في البحر كذلك ، والأحوط ((1)) مع الإمكان اختيار الوجه الأوّل ، وكذا إذا خيف على الميِّت من نبش العدو قبره وتمثيله .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاستقبال في البدل أيضاً ، نعم الوجه الاعتباري يساعد الاشتراط في البدل أيضاً ، إلاّ أنه غير قابل للاعتماد عليه .

    تعيين الوظيفة في المسألة

   الثانية : هل المكلف مخير بين جعل الميِّت في خابية وسد رأسها وإلقائها في البحر وبين تثقيل الميِّت بحجر أو نحوه وإلقائه فيه فيما إذا مات في السفينة لعدم إمكان الإقبار فيها لأنها ليست بأرض ، أو أن المتعين هو الأوّل فحسب ؟

   الذي دلّت عليه صحيحة أيوب بن الحر قال : «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به ؟ قال : يوضع في خابية ويوكأ رأسها وتطرح في الماء» (2) تعيّن الأوّل فقط ، لأنها ظاهرة في ذلك ، ولا موجب لرفع اليد عن ظهورها بوجه .

   نعم المشهور بينهم هو التخيير ، ولا مستند لهم سوى الجمع بين الصحيحة وبين الأخبار الآمرة بتثقيل الميِّت وإلقائه في الماء .

   منها : رواية أبي البختري وهب بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إذا مات الميِّت في البحر غسل وكفن وحنط ثم يصلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا الاحتياط لا يترك .

(2) الوسائل 3 : 205 / أبواب الدّفن ب 40 ح 1 .

ــ[299]ــ

عليه ثم يوثق في رجليه حجر ويرمى به في الماء» (1) .

   وقد رواها الصدوق بعينها مرسلة(2) كما رواها الحميري عن السندي بن محمد عن أبي
البختري(3) . وهي بجميع طرقها ضعيفة السند ، لوجود وهب بن وهب الذي قيل في حقه : إنه أكذب أهل البرية .

   ومنها : مرسلة أبان عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال : «في الرجل يموت مع القوم في البحر ، فقال : يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمى في البحر»(4) وهي مرسلة . ويحتمل أن يكون المراد بالرجل فيها هو وهب بن وهب الراوي للرواية السابقة .

   ومنها : مرفوعة سهل بن زياد رفعه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط ، قال : يكفن ويحنط في ثوب (ويصلى عليه) ويلقى في الماء»(5) .

   ومنها : ما في الفقه الرضوي : «وإن مات في سفينة فاغسله وكفنه وثقّل رجليه وألقه في البحر»(6) وهي لم يثبت كونها رواية فضلاً عن كونها معتبرة ، ومعه لا وجه للاستدلال بها على ما ذهب إليه المشهور ، لضعفها وعدم صلاحيتها لمعارضة الصحيحة المتقدمة الدالّة على تعين وضع الميِّت في خابية وإلقائه في البحر .

   وقد علل المحقق الهمداني (قدس سره) الاستدلال بتلكم الروايات بأنها مستفيضة الرواية (7) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 206 / أبواب الدّفن ب 40 ح 2 .

(2) الفقيه 1 : 96 / 441 .

(3) قرب الإسناد : 138 / 491 .

(4) الوسائل 3 : 206 / أبواب الدّفن ب 40 ح 3 .

(5) الوسائل 3 : 207 / أبواب الدّفن ب 40 ح 4 .

(6) المستدرك 2 : 345 / أبواب الدّفن ب 37 ح 1 ، فقه الرضا : 173 .

(7) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 420  السطر 30 .

ــ[300]ــ

   وفيه : أن الرواية المستفيضة هي التي توجب أقل مراتب الاطمئنان بصدورها عن المعصوم (عليه السلام) ، ومع انحصار الرواية في ثلاث أو أربع وكلها ضعاف كيف تكون الرواية مستفيضة وموجبة للاطمئنان بصدورها ؟

   نعم إذا لم توجد خابية ولم يتمكن المكلف منها يتعين تثقيل الميِّت بحجر أو حديد وإلقاؤه في البحر . وهذا لا يستند إلى تلكم الروايات الضعيفة ، بل لأنه مقتضى القاعدة ، للعلم الخارجي بأن الشارع لا يرضى باهانة المؤمن أو أكله الحيوانات ، فهو أقل مراتب الستر والحفظ حينئذ ، وعليه فيكون التثقيل في طول الوضع في الخابية لا أنه في عرضه كما هو المشهور .

    الوجوب في المسألة مشروط بالعجز عن الدّفن

   الجهة الثالثة : في أن وجـوب الوضع في الخابية بالكيفية المتقـدمة هل يختص بما إذا لم يمكن دفنه في الأرض كالشاطئ، أو يعمه وما إذا كان الدّفن في الأرض ممكناً للمكلفين ؟ نسب إلى المفيد في المقنعة (1) وإلى المحقق في المعتبر (2) الجواز أخذاً باطلاق الصحيحة .

   وهذه النسبة على تقدير صحّتها وإمكان اسـتفادتها من كلامهما (قدس سرهما) لا  يمكن المساعدة عليها ، وهذا لا لأجل انصراف الصحيحة إلى صورة العجز وعدم التمكن من الدّفن ـ كما قيل ـ بل لأن في نفس الصحيحة قرينة على الاختصاص وهي قوله : «كيف يصنع به» فانها ظاهرة في عدم إمكان إيصاله إلى الأرض ودفنه ، وإلاّ فمع إمكانه لا وجه لقوله في السؤال : «كيف يصنع به» فانه نظير السؤال عن أن الميِّت إذا مات في بيته كيف يصنع به ، فانه يصنع به كما يصنع بسائر الموتى .

   وعليه ـ  أي بناء على الاختصاص  ـ لا يجوز الإلقاء في البحر إذا أمكن دفنه في الأرض أو في شاطئ البحر ولو بعد تأخير ساعة أو يوم مع الأمن من طروء الفساد على الميِّت حينئذ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ المقنعة : 86 .

(2) المعتبر 1 : 291 .

 
 

ــ[301]ــ

    إذا لم يمكن الدّفن في من مات في البر

   الجهة الرابعة : إذا مات الميِّت في غير السفينة والبحر ولم يمكن دفنه في الأرض لمنع الحكومة أو منع ظالم آخر أو لصلابة الأرض أو نحو ذلك فهل يجب إلقاؤه في البحر حينئذ ، أو أن ذلك يختص بمن مات في البحر والسفينة ؟

   الصحيح وجوب ذلك ، لأنه الذي تقتضيه القاعدة ، لأن حرمة المؤمن ميتاً  كحرمته حيّاً ، ولا يرضى الشارع باهانته أو باحراقه أو بأكل السباع إيّاه، والميسور من التحفّظ عليه حينئذ هو إلقاؤه في البحر وإن كان موته في خارج البحر .

   ويؤيده ما ورد في حق زيد (عليه السلام) في رواية سليمان بن خالد قال : «سألني أبو عبدالله فقال : ما دعاكم إلى الموضع الذي وضعتم فيه عمي زيداً ـ  إلى أن قال  ـ كم إلى الفرات من الموضع الذي وضعتموه فيه ؟ فقلت : قذفة حجر ، فقال : سبحان الله أفلا كنتم أوقرتموه حديداً وقذفتموه في الفرات وكان أفضل» (1) .

   وهي ضعيفة بأبي المستهل لتردده بين الممدوح والضعيف . والمراد بيحيى الحلبي هو يحيى بن عمران الثقة .

   وفي مرسلة ابن أبي عمير عن رجل ذكره عن سليمان بن خالد قال «قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : كيف صنعتم بعمي زيد ؟ قلت : إنهم كانوا يحرسونه فلمّا شف الناس أخذنا جثته وقذفناه في حرف ـ  أي في طرف ـ على شاطئ الفرات، فلمّا أصبحوا جالت الخيل يطلبونه فوجدوه فأحرقوه ، فقال : ألا أوقرتموه حديداً أو ألقيتموه في الفرات ، صلّى الله عليه ولعن الله قاتله»(2) ويحتمل اتحاد الروايتين وكون الاختلاف لفظيّاً فقط .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 207 / أبواب الدّفن ب 41 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 207 / أبواب الدّفن ب 41 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net