النوح على الميت - اللطم وجز الشعر على الميت 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 14220


ــ[343]ــ

   [ 1012 ] مسألة 2 : يجوز النّـوح على الميِّت بالنظم والنثر ما لم يتضمّن الكذب (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وقد روت العامّة ـ كما في صحيحي البخاري ومسلم ـ (1) النهي عن البكاء على الميِّت لأن الميِّت يعذب ببكاء أهله .

   وهي مضافاً إلى ضعف سندها ليست قابلة للتصديق ولا بدّ من ضربها على الجدار ، لمخالفتها صريح الكتاب قال تعالى : (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُ خْرَى )(2) فانه بعيد عن العدل الإلهي أن يعذب الميِّت ببكاء شخص آخر وفعل غير الميِّت وإن ارتكب أعظم المحرمات ، أو تؤوَّل الرواية بأن الميِّت يتأذّى عند بكاء أهله كما كان يتأذّى ببكائهم حال حياته لا أنه يعذّب من قبل الله سبحانه . إذن فالبكاء على الميِّت سائغ من دون كراهة .

    جواز النّوح على الميِّت

   (1) للأصل والسيرة كما تقدم في المسألة السابقة ، ولأن النياحة لو كانت محرمة لوصلت إلينا حرمتها بالتواتر ، بل ورد أن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ناحت على أبيها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (3) وأوصى الباقر الصادق (عليهما السلام) بأن يقيم عليه النياحة في منى عشر سنوات (4) .

   نعم ورد في بعض الأخبار كراهة أن تشارط النائحة اُجرتها من الابتداء ، وورد الأمر بأن تقبل ما يعطى لها بعد العمل (5) وهو أمر آخر . وما دل عليه ضعيف السند

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري 2 : 100 ،  صحيح مسلم 2 : 638 .

(2) الأنعام 6 : 164 .

(3) الوسائل 3 : 242 / أبواب الدّفن ب 70 ح 4 .

(4) الوسائل 17 : 125 / أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 1 .

(5) الوسائل : الباب المتقدم ذكره .

ــ[344]ــ

واستحبابه يبتني على التسامح في أدلة السنن ، بل ورد في بعضها جواز أخذ الاُجرة على نياحتها ، فلو كانت النياحة محرمة لم يجز أن تأخذ عليها الاُجرة بوجه .

   نعم ذهب ابن حمزة(1) والشيخ(2) (قدس سرهما) إلى حرمة النياحة، وادعى الشيخ الإجماع عليها في مبسوطه(3) ، إلاّ أن هذه الدعوى غير قابلة التصديق منه (قدس سره) حيث إن جواز النياحة ممّا يلتزم به المشهور فكيف يقوم معه الإجماع على حرمتها. ولعلّه أراد بالنياحة النياحة المرسومة عند العرب ، ولا إشكال في حرمتها لاشتمالها على الكذب ، حيث كانوا يصفون الميِّت بأوصاف غير واجد لها في حياته ككونه شجاعاً  أو كريماً سخياً مع أنه جبان أو بخيل ، وهو كذب حرام .

   نعم  ورد النهي عن النياحة في جملة من الأخبار ، ففي رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «قلت له : ما الجزع ؟ قال : أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي ، ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقه»(4) إلاّ أنها ضعيفة السند بأبي جميلة مفضل بن عمر على طريق وبه وبسهل بن زياد على طريق آخر .

   وفي مرسلة الصدوق قال: من ألفاظ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الموجزة التي لم يسبق إليها : «النياحة من عمل الجاهلية»(5) وهي مضافاً إلى ضعف سندها قابلة الحمل على إرادة النياحة الباطلة المرسومة عند العرب بمناسبة قوله : «من عمل الجاهلية» أي بحسب مناسبة الحكم والموضوع ، إلى غير ذلك من الأخبار الضعاف(6) فراجع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسيلة : 69 .

(2) ،  (3) المبسوط 1 : 189 .

(4) الوسائل 3 : 271 / أبواب الدّفن  ب 83 ح 1 .

(5) الحديث 2 من المصدر المتقدِّم ،  الفقيه 4 : 271 / 828 .

(6) منها الحديث 5 من الباب المتقدِّم .

ــ[345]ــ

وما لم يكن مشتملاً على الويل والثبور(1) لكن يكره في الليل ، ويجوز أخذ الاُجرة عليه إذا لم يكن بالباطل ، لكن الأولى أن لا يشترط أوّلا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فتحصل : أن النياحة الصحيحة أمر جائز ولم تثبت كراهتها فضلاً عن حرمتها ما لم تشتمل على الكذب ونحوه ، فما عنون به الباب في الوسائل من كراهة النياحة ليس صحيحاً ، فان الكراهة كالحرمة حكم شرعي يحتاج إلى دليل ولا دليل عليها .

   (1) ذكروا أن الدعاء بالويل والثبور محرم منهي عنه لجملة من الأخبار كما عن مشكاة الأنوار نقلاً عن كتاب المحاسن عن الصادق (عليه السلام) : «في قول الله عزّ  وجلّ : (وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوف ) المعروف أن لا يشققن جيباً ولا يلطمن وجهاً ولا يدعون ويلاً» (1) ، وما ورد في وصية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لفاطمة (عليها السلام) : «إذا أنا متّ فلا تخمشي عليَّ وجهاً ... ولا تنادي بالويل ...» (2) وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لها حين قتل جعفر بن أبي طالب : «لا تدعي بذُل ولا ثكل ...» (3) .

   بل ورد اللعن على الداعية بالويل والثبور في بعض الروايات كما عن أبي أمامة : «أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور» (4) .

   إلاّ أن تلك الأخبار لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها والحكم بحرمة الدعاء بالويل والثبور ، بل هو أمر جائز ما لم يكن مستنداً إلى عدم الرضا بقضاء الله سبحانه لأنه أمر محرم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 2 : 450 / أبواب الدّفن ب 71 ح 6 ، مشكاة الأنوار : 204 .

(2) الوسائل 3 : 272 / أبواب الدّفن ب 83 ح 5 .

(3) الوسائل 3 : 272 / أبواب الدّفن ب 83 ح 4 .

(4) المستدرك 2 : 452 / أبواب الدّفن ب 71 ح 13 .

ــ[346]ــ

   [ 1013 ] مسألة 3 : لا  يجوز اللّطم والخدش (1) وجزّ الشعر (2) ، بل والصراخ الخارج عن حدّ الاعتدال على الأحوط (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عدم جواز اللّطم والخدش

   (1) وهذا كسابقه ، وإن ورد النهي عنه في بعض الأخبار ولعن الخامشة وجهها في رواية أبي أمامة ، وعن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد أنه أوصى عندما احتضر فقال : «لايلطمن عليَّ خداً ولا يشققن عليَّ جيباً ، فما من امرأة تشق جيبها إلاّ صدع لها في جهنم صدع كلما زادت زيدت» (1).

   إلاّ أن الأخبار لضعف أسنادها لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالحرمة بوجه .

    حكم جز الشعر

   (2) ورد النهي عن ذلك في رواية خالد بن سدير(2) وقد أثبت فيها الكفارة على جز الشعر ونتفه أيضاً ، إلاّ أن خالداً هذا ضعيف لعدم توثيقه ، بل ذكر الشيخ حسين آل عصفور أن الصدوق ذكر أن كتاب خالد بن سدير موضوع منه أو من غيره(3) ومعه لا يمكن الحكم بحرمة الجز فضلاً عن إثبات الكفارة فيه .

    حكم الصراخ العالي

   (3) ورد في خبر الحسن الصيقل عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال : «لا ينبغي الصياح على الميِّت ولا شق الثياب» (4) واُورد على الاستدلال به أن كلمة «لا ينبغي»

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 2 : 456 / أبواب الدّفن ب 72 ح 2 ، دعائم الإسلام 1 : 226 .

(2) الوسائل 22 : 402 / أبواب الكفّارات  ب 31 ح 1 ، وقد استبعد سيِّدنا الاُستاذ موضوعية كتابه .  راجع [ المعجم 8 : 72 ] ترجمة خالد بن سدير .

(3) عيون الحقائق الناظرة  2 : 312 .

(4) الوسائل 3 : 273 / أبواب الدّفن ب 84 ح 2 ، وفيه امرأة الحسن الصيقل ، وفي السند سهل ابن زياد أيضاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net