[ 1017 ] مسألة 7 : يستثنى من حرمة النبش موارد :
الأوّل : إذا دفن في المكان المغصوب عدواناً أو جهلاً أو نسياناً فانه يجب نبشه مع عدم رضا المالك ببقائه (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا لا للاستصحاب التعبّدي بأن يقال كان الميِّت ولم يندرس سابقاً والأصل أنه الآن كذلك ، وذلك لعدم ترتب الأثر الشرعي على الاندراس أو عدمه في نفسه ، وإنما الأثر لما يلازمه عادة من استلزام النبش الهتك وعدمه ، بل لتحقق موضوع الحرمة بالوجدان كما إذا علمنا بعدم الاندراس ، وذلك لأن الهتك كما يصدق عند العلم بالاندراس(1) كذلك يتحقق عرفاً عند الاحتمال ، فان النبش مع احتمال عدم اندراسه هتك عرفاً فيحرم النبش .
الموارد المستثناة عن حرمة النبش
(1) لعدم كون الدّفن حينئذ دفناً مأموراً به شرعاً ، لأن الواجب إنما هو الدّفن في الأرض المباحة فاذا دفن في الأرض المغصوبة وجب إخراجه منها ، لحرمة إبقائه فيها مع عدم رضا المالك به ، ولا يتحقق الهتك باخراجه .
وليس المقام من موارد تزاحم حق الميِّت والمالك ، إذ لا حق للميت لعدم كون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصحيح : بعدم الاندراس .
ــ[353]ــ
الدّفن دفناً مأموراً به ، ومقتضى حق المالك إخراجه من أرضه حينئذ .
وهل يجب على المالك قبول القيمة إذا بذلت له ؟ الصحيح عدم الوجوب ، لأنه لا يجب عليه إيجاد الموضوع وهو الدّفن المأمور به بأن يرضى بدفنه في أرضه ليكون الدّفن مأموراً به ويحرم نبشه لكونه هتكاً حينئذ ، ومع عدم كون الدّفن مأموراً به يجوز للمالك أن لا يرضى ببقاء الميِّت في أرضه ولا يقبل الثمن ، لأنه مقتضى كون الناس مسلّطين على أموالهم ، هذا إذا كان هناك موضع ثان صالح لدفن الميِّت فيه .
وأمّا إذا انحصرت الأرض المدفون فيها بدون رضا المالك به فلايجوز نبشه وإخراجه منها لغير المالك ، لأنه إنما كان جائزاً في الصورة الاُولى مقدمة للدفن الواجب ، ومع انحصار الأرض بتلك الأرض وعدم وجود مدفن آخر قابل له لا يجب الدّفن لعدم كونه مقدوراً ، ومع عدم وجوبه لا موجب للنبش فالنبش على غير المالك محرم .
وأما المالك فهو من موارد تزاحم حق الميِّت وحق المالك . أما المالك فلأجل كونه مسلطاً على ماله ولا يجوز التصرف فيه إلاّ باذنه ، وأما الميِّت فلأجل وجوب دفنه وعدم رضا الشارع ببقائه من غير دفن لتنهتك حرمته وتأكله السباع وتخرج رائحته ونتنه ، فلو اُخرج من قبره بقي بلا دفن لانحصار الأرض بتلك الأرض .
والصحيح عدم جواز النبش للمالك أيضاً ، لما أشرنا إليه من أن الشارع لا يرضى ببقاء الميِّت بلا دفن لتأكله السباع أو ينتن وتهتك حرمته . ويكفي في ذلك إطلاقات أدلة الدّفن ، لأنه واجب على المكلفين الذين منهم المالك فلا يجوز له النبش لأنه خلاف الدّفن الواجب عليه .
ولا يقاس هذا بالكفن الذي قلنا بعدم وجوب بذله على المؤمنين إذا لم يكن للميت مال يشترى به الكفن ، إذ الواجب على المكلفين إنما هو الكفْن لا الكفَن ، فاذا لم يوجد كفَن يدفن عارياً ، فان الدّفن عارياً لا يوجب الهتك عليه إذ لا يبقى الكفَن إلاّ أياماً معدودة ، وهذا بخلاف الدّفن في مفروض الكلام ، فانه واجب وموجب لبذل الأرض لانحصـار المدفن بها ، فانه لو أخرجه من أرضه لبقي الميِّت بلا دفن وأكلته السباع وانتشرت رائحته ونتنه وأوجب ذلك هتكه وهو حرام .
ــ[354]ــ
وأمّا حديث «لا ضرر» فهو غير جار في المقام حتى يترتب عليه جواز إخراج الميِّت من أرضه ، كما لو أدخله الجائر في ملكه من دون اختياره حياً ، فان المالك يجوز له إخراجه من أرضه حينئذ فليكن الأمر بعد موته كذلك . والوجه في عدم جريانه :
أوّلاً : أن ذلك لا يوجب ضرراً على المالك إما لبذل ثمن الأرض له إذا كان هناك باذل له ، وإما لأنه لا يوجب نقصاً في أرضه ، إذ لا منافاة بين أن يدفن الميِّت في أرضه وبين جواز الانتفاع بأرضه كما كان ينتفع بها قبل الدّفن .
وثانياً : أن قاعدة «لا ضرر» إنما شرعت للامتنان ، فاذا لزم من جريانها في مورد خلاف الامتنان على غيره فلا مقتضي لجريانها ، والأمر في المقام كذلك ، لأنها لو جرت في حق المالك لتضرره ببقاء الميِّت في أرضه لأوجب ذلك خلاف الامتنان على الميِّت لاستلزامه بقاء الميِّت بلا دفن لتأكله السباع وتهتك حرمته وهو أيضاً من أفراد المسلمين . وعلى هذا لا يجوز للمالك إخراج الميِّت من أرضه ، هذا بحسب البقاء .
ومنه يظهر الحال في الحدوث كما لو لم يكن من الابتداء أرض صالحة للدفن سوى تلك الأرض ولو باجبار الظالم على دفنه فيها وعدم ترخيصه الدّفن في غيرها ، فانه يجب أن يدفن ابتداءً وحدوثاً في تلك الأرض لعين ما تقدم .
ثم إن ما ذكرناه من جواز النبش إذا دفن في أرض الغير من دون رضاه لا يختص بما إذا كانت الأرض ملكاً للغير ، بل يأتي فيما إذا كانت منفعتها ملكاً للغير كما لو كانت الأرض مستأجرة لأحد ولم يرض المستأجر بدفن الميِّت فيها ، فان الدّفن فيها تصرف في المنفعة من دون رضا مالكها ، هذا كله فيما إذا كان الدّفن محرماً حدوثاً .
وأما إذا كان الدّفن محرماً بقاء إلاّ أنه بحسب الحدوث كان جائزاً فهل يجوز النبش حينئذ أو لا يجوز ؟ فيه كلام ، وتوضيح ذلك أن في المسألة صوراً :
الصور المتصوّرة في المسألة
الاُولى : ما إذا دفن الميِّت في أرض الغير غفلة واشتباهاً أو نسياناً أو جهلاً بالغصبية وبعد ذلك التفت إلى أنها ملك الغير وهو غير راض بالدّفن فيها . مال صاحب الجواهر (قدس سره) في هذه الصورة إلى أن حكم البقاء حكم الحدوث
ــ[355]ــ
وحيث إنه كان سائغاً فهو سائغ بقاء فلا يجوز نبشه حينئذ ، ولكنه احتاط بدفع القيمة للمالك وإرضائه بالدّفن (1) وكأنه للجمع بين الحقين .
ولكن الصحيح هو جواز النبش حينئذ ، لأن الدّفن كان بحسب الواقع محرماً لأنه في ملك الغير من غير رضاه ، والحرمة الواقعية لا تنقلب عما هي عليه بالجهل والاشتباه ، غاية الأمر أن لا يعاقب الدافن لأنه معذور بسبب الجهل أو الغفلة ، وهذا أمر آخر أجنبي عن بقاء الميِّت في أرض الغير ، وحيث إن الدّفن لم يكن مأموراً به واقعاً فلا مانع من النبش مقدمة للدفن الواجب وهو الدّفن في الأرض المباحة ، هذا كلّه في صورة الجهل بالغصبية .
وأمّا إذا نسي الغصبية فدفن الميِّت فيها فلا يأتي فيه ما ذكرناه عند الجهل بالغصبية ، لأن الجهل لا يرفع الحرمة الواقعية كما مر ، والنسيان موجب لسقوط الحرمة واقعاً وكون الدّفن مباحاً واقعاً ، ومعه يقع مصداقاً للمأمور به فيسقط به الأمر بالدّفن ، فلا يبقى مقتض ومسوغ لإباحة النبش ، لأ نّا إنما أجزنا النبش مقدّمة للدفن المأمور به فيما إذا كان غير مأمور به ، وفي المقام حيث كان الدّفن مصداقاً للمأمور به فلا مرخص في النبش بوجه .
نعم هذا إذا كان ناسي الغصبية غير الغاصب للأرض ، فلو كان الغاصب هو الناسي فنسيانه غير رافع للحرمة الواقعية ، لأنه من الامتناع بالاختيار ، والحرمة حينئذ هي الحرمة السابقة على النسيان ، حيث حرم عليه جميع التصرفات فيما غصبه إلى آخر تصرفاته ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، وهذا بخلاف ما إذا كان الناسي شخصاً غير الغاصب .
وكيف كان ، فرق واضح بين الجهل والنسيان على ما فصلناه عند التكلّم عن التوضؤ من الماء المغصوب ، حيث قلنا إنه محرم واقعاً عند الجهل بالغصبية والوضوء باطل لا محالة، وأمّا عند النسيان فهو أمر محلّل واقعاً، لسقوط الحرمة عنه واقعاً وكونه مصداقاً للمأمور به وقابلاً للتقرّب به ، فان مجرّد المبغوضية الواقعية لا تمنع من التقرّب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ الجواهر 4 : 355 .
ــ[356]ــ
به بعد ترخيص الشارع فيه واقعاً(1) .
ثم إن هذا كله بالإضافة إلى غير مالك الأرض من سائر المكلفين ، وذلك لسقوط الواجب الكفائي بالدّفن في الأرض المغصوبة نسياناً فلا مرخص لهم في نبشه ودفنه في موضع مباح .
وأمّا بالإضافة إلى نفس المالك فلا يبعد جواز النبش حتى إذا دفن الميِّت في أرضه نسياناً ، وذلك لأنه من تزاحم الحقين ، حيث إن نبشه يوجب هتكه فرضاً ، فحق حرمة الميِّت يقتضي عدم جواز النبش ، مع أن تركه وإبقاءه في قبره ينافي حق المالك لتضرّره بذلك لدخول النقص على أرضه ولو لأجل كونه موجباً للخوف من القبر والميِّت ، ونحن لو لم نرجح الحق الراجع إلى الحي ولم نناقش في أن النبش لأجل كون الأرض مغصوبة ليست هتكاً له فالحقان متساويان ويتساقطان ، ويبقى عموم تسلط الناس على أموالهم بحاله وهو يقتضي جواز إخراج الميِّت من قبره ودفنه في أرض اُخرى مباحة .
وبهذا ظهر أن الميِّت كما يجوز نبشه عند دفنه في الأرض المغصوبة عمداً وعلماً بالغصبية كذلك يجوز نبشه إذا دفن فيها جهلاً أو نسياناً ، إلاّ أن ذلك بملاكين ، فانه عند العلم أو الجهل بالغصبية بملاك عدم كون الدّفن مأموراً به واقعاً فينبش مقدمة للدفن المأمور به ، ولا يفرق فيه بين المالك وغيره ، وأمّا عند النسيان فبملاك تزاحم الحقين وعموم «الناس مسلّطون على أموالهم»(2) ومن ثمة يختص الجواز بالمالك دون غيره من المكلّفين ، لكون الدّفن مأموراً به واقعاً وموجباً لسقوط الواجب الكفائي عنهم .
الصورة الثانية : ما إذا كان الدّفن في أرض الغير جائزاً ظاهراً وواقعاً بحسب الحدوث ، لعدم تمكن المالك من إظهار عدم الرضا حينئذ شرعاً لكنه أظهر عدم الرضا بدفن الميِّت في أرضه بحسب البقاء ، كما لو استأجر أحد أرضاً لخصوص دفن الأموات فيها أو لعموم التصرّفات التي يشاؤها ومنها دفن الميِّت فيها فدفن ميتاً في هذه الأرض لجوازه بالإجارة إلاّ أن المالك بعد انقضاء الإجارة أظهر عدم رضاه بدفنه فيها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 5 : 317 فما بعد .
(2) عوالي اللّئالي 1 : 222 ، البحار 2 : 272 / 7 .
ــ[357]ــ
والصحيح في هذه الصورة عدم جواز النبش لا للمالك ولا لغيره ، ذلك لأ نّا إنما جوزنا النبش لعدم كون الدّفن مأموراً به فينبش مقدمة للدفن الواجب ، وفي مفروضنا حيث إن الدّفن سائغ ومصداق للمأمور به وقد سقط به الأمر بالدّفن فلا مقتضي ولا مسوغ لنبش القبر حينئذ .
ودعوى أن ذلك موجب لتضرّر المالك ، مندفعة بأنه هو الذي أقدم على هذا الضرر حيث آجر أرضه للدفن خاصّة أو لما يعمه .
وقد يقال في هذه الصورة إن إجارة الأرض للدفن أو لما يعمه يقتضي بحسب الارتكاز جواز الدّفن فيها بقاء أيضاً ، وهو من الشرط في ضمن العقد ارتكازاً . وهذه الدعوى ليست بعيدة فيما إذا علم المؤجر والمستأجر بما ذكرناه من عدم جواز النبش لا للمالك ولا لغيره حينئذ وكانا ملتفتين إليه ، وأما إذا كانا جاهلين أو غافلين عنه فلا إذ لا اشتراط حينئذ بوجه ، والشرط الارتكازي الذي يثبت مطلقاً ولو مع غفلة المتبايعين إنما هو الشرط الذي يكون ثابتاً عند العقلاء كما في خيار الغبن ، فانه ثابت للمتعاقدين ولو مع غفلتهما ، وفي أمثال المقام حيث ثبت الشرط شرعاً لا عند العقلاء فلا يثبت إلاّ مع الالتفات .
الصورة الثالثة : ما إذا جاز الدّفن في أرض الغير باذن من المالك إلاّ أنه ندم بعد الدّفن وأظهر عدم رضاه بحسب البقاء .
ذكر المحقق الهمداني (قدس سره) أن النبش محرم حينئذ لأنه مناف لحق الميِّت حيث ثبت له حق الدّفن في تلك الأرض باجازة المالك فاخراجه منها بعد ذلك ينافي حق الميِّت ، وذكر أن من هذا القبيل ما إذا أجاز له في غرس شجر له في أرضه أو لأن يصلِّي في داره وبعد الغرس والدخول في الصلاة أظهر عدم رضاه ببقاء شجره أو صلاته فيها ، فانه لا يجب القلع وقطع الصلاة حينئذ لثبوت الحق لهما في الغرس والصلاة بإجازة المالك، فاظهاره عدم الرضا بذلك ينافي ذلك الحق، وذكر (قدس سره) أن عدم الجواز في المقام أظهر من المثالين المذكورين في كلامه (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 428 السطر 33 .
ــ[358]ــ
وكذا إذا كان كفنه مغصوباً (1) أو دفن معه مال مغصوب ، بل لو دفن معه ماله المنتقل بعد موته إلى الوارث (2) فيجوز نبشه لإخراجه (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه : أنه لم يقم دليل على ثبوت حق للميت أو للغارس والمصلي باجازة المالك وإنما هو إباحة محضة ، وحيث إنها ليست بلازمة فله الرجوع فيما أباحه لغيره ، فلا يكون إخراج الميِّت أو قلع الشجرة أو قطع الصلاة منافياً للحق .
وقد تقدم في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) أن حكم الدّفن بحسب البقاء هو حكمه بحسب الحدوث ، وحيث إنه كان سائغاً ابتداء وبحسب الحدوث فيكون سائغاً بقاء أيضاً (1) . وقد تقدّم أنه لا ملازمة بين الأمرين بوجه .
نعم في خصوص الدّفن الأمر كما أفاده ، فلا يجوز النبش في مفروض المسألة لكن لا لما ذكراه ، بل لما قدمناه من أن جواز النبش إنما هو فيما إذا كان الدّفن محرماً وغير مأمور به فيجوز النبش مقدمة لإيجاد الدّفن الواجب ، وحيث إن الدّفن في مفروض المسألة كان سائغاً ومصداقاً للمأمور به وقد سقط به الأمر بالدّفن فلا مسوغ حينئذ للنبش لا للمالك ولا لغيره ، وإلاّ فلا حق للميِّت ولا للمصلِّي ولا للغارس بوجه ، ولا مانع من قلع الشجرة فيما إذا لم يرض المالك بها بقاء ، وكذلك لا مانع من قطع الصلاة لعدم حرمته حينئذ ، إذ الدليل على حرمته هو الإجماع وهو لا يشمل ما إذا لم يرض المالك باتمام الصلاة .
(1) فان الكفن حينئذ محرم وليس كفناً مأموراً به ، فكأن الميِّت دفن من دون كفن فينبش مقدّمة للكفن المأمور به ، إلى آخر ما ذكرناه في الدّفن في الأرض المغصوبة .
(2) لأنه مال الوارث ، وحكمه حكم مال غيره من الملاك .
جواز النّبش لإخراج المال
(3) والسر في ذلك أنه من تزاحم الحقّين ، حق الميِّت لفرض أن النبش هتك في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدّم في ص 354 ـ 355 .
ــ[359]ــ
حقه وحق المالك لأن ترك النبش موجب لتضرره وذهاب ماله ، ونحن لو لم نرجح حق الحي ولم نناقش في أن النبش لأخذ المال لا يصدق عليه الهتك عرفاً فالحقان متساويان فيتساقطان ، ويبقى عموم «الناس مسلطون على أموالهم» بحاله وهو يقتضي جواز النبش كما تقدم في مسألة الدّفن في الأرض المغصوبة ، وهذا مما لا ينبغي التأمل فيه .
وإنما الكلام في أن النبش جائز في مطلق المال المدفون مع الميِّت ولو كان قليلاً وفي مطلق الميِّت ولو كان قبر معصوم (عليه السلام) أو من يأتي تلوه من العلماء العظماء ونحوهم ، أو يختص بالمال المعتد به لدى العقلاء وبغير المعصوم وشبهه ؟
الصحيح هو الثاني ، فان المال القليل لا يحتمل جواز النبش له وهتك الميِّت لأجل إخراج فلس ونحوه مما لا يعتد به العقلاء ، فحق الميِّت أقوى من حق المالك بلا كلام كما أن القبر إذا كان قبر معصوم لم يجز نبشه ولو لأجل مال معتد به لدى العقلاء ، لأنه هتك في حقه .
نعم ورد في رواية المغيرة بن شعبة أنه دفن مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتمه ثم نبش قبره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخرج الخاتم وأنه كان يفتخر بذلك لأنه آخر من عهد عهداً بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (1) إلاّ أن الرواية ضعيفة السند ، وهي مكذوبة ومروية من طرق العامة ، وراويها المغيرة من أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا يمكن الاعتداد بها ، إذ حكي أنه لم يكن حاضراً عند دفن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . على أن ظاهرها أنه دفن خاتمه معه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمداً ، والدّفن العمدي لا نرخص فيه النبش حتى في غير النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنه الذي أقدم على تضرره بدفنه مع الميِّت فكيف بقبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السيرة الحلبية 3 : 495 ، المهذب 1 : 145 .
ــ[360]ــ
نعم لو أوصى بدفن دعاء أو قرآن أو خاتم معه لا يجوز نبشه لأخذه (1) بل لو ظهر بوجه من الوجوه لايجوز أخذه(2) كما لايجوز عدم العمل بوصيّته من الأوّل.
الثاني : إذا كان مدفوناً بلا غسل أو بلا كفن أو تبين بطلان غسله أو كون كفنه على غير الوجه الشرعي كما إذا كان من جلد الميتة أو غير المأكول أو حريراً (3) فيجوز نبشه لتدارك ذلك ما لم يكن موجباً لهتكه ، وأما إذا دفن بالتيمّم لفقد الماء فوجد الماء بعد دفنه أو كفن بالحرير لتعذّر غيره (4) ففي جواز نبشه إشكال (5) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذا كانت الوصية نافذة .
(2) بل تجب إعادته معه عملاً بالوصيّة النافذة .
إذا دفن بلا غسل ونحوه
(3) والجامع أن يدفن الميِّت بلا غسل أو بلا كفن صحيح مأمور به شرعاً ، إما لعدم الغسل أو الكفن أصلاً أو لكون غسله أو كفنه على الوجه الباطل ، كما إذا غسله من غير الخليطين أو كفنه بالحرير ونحو ذلك ، فان الدّفن في هذه الصور دفن باطل وغير مأمور به شرعاً ، فلا مانع من النبش مقدمة للدفن الصحيح بأن يغسل أو يكفن صحيحاً ثم يدفن ، فان النبش حينئذ لا يعد هتكاً للميت كما هو حال النبش لو كان لغرض صحيح عند العقلاء .
(4) بأن يكون الميِّت قد غسل أو كفن غسلاً أو كفناً عذرياً ، بأن يغسل بالماء القراح بدلاً عن الخليطين لتعذّرهما ، أو يمم الميِّت بدلاً عن الغسل لفقد الماء ، أو كفن بالحرير لتعذر القطن وغيره ثم بعد الدّفن تمكن من الغسل والكفن الاختياريين .
(5) ولكنّه (قدس سره) يظهر منه في المسألة العاشرة من كيفية غسل الميِّت عدم جواز النبش حالئذ ، حيث ذكر أنه إذا ارتفع العذر عن الغسل أو عن خلط الخليطين أو أحدهما بعد التيمّم أو بعد الغسل بالقراح قبل الدّفن تجب الإعادة ، وكذا بعد الدّفن إذا اتفق خروجه على الأحوط ، حيث قيد الجواز أو الوجوب بما إذا خرج الميِّت من
ــ[361]ــ
وأمّا إذا دفن بلا صلاة أو تبيّن بطـلانها فلا يجوز النبش لأجلها بل يصلّى على قبره (1) ، ومثل ترك الغسل في جواز النبش ما لو وضع في القبر على غير القبلة ولو جهلاً أو نسيانا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبره بسيل أو زلزال ونحوهما ، وظاهره عدم جواز النبش لأجل الغسل أو الكفن في مفروض المسألة بالاختيار .
ولكن الصحيح ـ كما قدّمناه(1) ـ هو التفصيل بين ما إذا كان التمكّن من الغسل أو الكفن الاختياريين قبل مضي المدّة التي يمكن تأخير الدّفن إليها وبين ما إذا كان التمكن منهما بعد مضي المدّة ، مثلاً لو أمكن تأخير الدّفن إلى أربع وعشرين ساعة لمساعدة الهواء وعدم طروء الفساد عليه وقد غسل أو كفن بالغسل أو الكفن العذري ودفن ثم طرأ التمكّن من الغسل والكفن الاختياريين قبل مضي أربع وعشرين ساعة ، فيكشف ذلك عن كون الغسل والكفن العـذريين غير مأمور بهما شرعاً بالأمر الاضـطراري وإنما كانا مأموراً بهما بالأمر الخيالي أو الظاهري لو استند إلى استصحاب بقاء العذر أو قامت البينة على بقائه ، ولا يجزئ شيء منهما عن المأمور به الواقعي ، ومعه لا بدّ من الحكم بوجوب النبش مقدمة للغسل أو الكفن المأمور به .
وأمّا إذا طرأ التمكن بعد مضي تلك المدّة فلا يجوز النبش ، لأن الغسل والكفن حينئذ كانا مأموراً بهما بالأمر الواقعي الاضطراري ، وهو مجزئ عن الواجب الواقعي المتعذّر ولو كانا مع العلم بطروء التمكّن من الاختياريين بعد تلك المدّة ، فانه لا يجوز تأخير الدّفن عن تلك المدّة حينئذ ، ويجب تجهيزه بالغسل أو الكفن الاضطراريين فالدّفن كالغسل والكفن مأمور به وصحيح ، ومعه لا مسوغ للنبش بوجه ، وهذا التفصيل هو الصحيح .
النّبش لأجل الصّلاة
(1) قدّمنا أن ترك الصلاة على الميِّت قبل الدّفن إذا كان مستنداً إلى العصيان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في شرح العروة 9 : 51 .
|