قضاء غسل الجمعة يوم السبت
بقي الكلام في قضائه يوم السبت ، ولا ينبغي الإشكال في مشروعيته وجواز قضائه يوم السبت ، وهو متسالم عليه بين الأصحاب كما يقتضيه غير واحد من النصوص . والكلام في قضائه يقع من جهات :
الاُولى : أن قضاء غسل الجمعة الثابت مشروعيته نهار السبت هل يشرع في ليلة السبت أو لا يشرع لعدم الدليل على مشروعيته ؟
مقتضى الجمود على ظاهر النصوص(2) عدم مشروعيته ليلة السبت ، لاختصاصها بيومه ، لكن المشهور بينهم هو الجواز والمشروعية ليلاً . وقد استدل عليه بوجوه :
أدلّة المشروعية ليلاً
الأوّل : أن المشهور ذهبوا إلى استحبابه ، ومقتضى قاعدة التسامح في المستحبات كفاية فتوى المشهور في الحكم بالمشروعية والاستحباب .
وفيه : أن ذلك يبتني على أمرين :
ـــــــــــــ (2) الوسائل 3 : 320 / أبواب الأغسال المسنونة ب 10 .
ــ[17]ــ
أحدهما : دلالة أخبار «من بلغ» على أن العمل الواصل فيه الثواب مستحب في الشريعة المقدسة .
وثانيهما : شمول الوصول والبلوغ لفتوى الفقيه . وكلا الأمرين قابل للمناقشة على ما قدمناه في محلِّه(1) .
الثاني : استصحاب المشروعية للقطع بها يوم الجمعة فلو شككنا في بقائها وارتفاعها ليلة السبت فنستصحب بقاءها . ويرد عليه :
أولاً : أنه من استصحاب الحكم الإلهي الكلي ونحن نمنع جريانه فيه .
وثانياً : أنه من قبيل الاستصحاب الجاري في القسم الثالث من الكلي ، لأن المشروعية الثابتة يوم الجمعة إنما كانت ثابتة في ضمن الأداء وهي قد ارتفعت قطعاً ونشك في أنه هل وجد فرد آخر من المشروعية وهي المشروعية قضاء مقارناً لارتفاع الفرد الأوّل ، أو لا ، وهو مما لا يلتزم به القائل بجريان الاستصحاب في الأحكام .
الثالث : أن القيد الوارد في الأخبار(2) أعني يوم السبت قد ورد مورد الغالب ، فان الغالب هو الاغتسال في النهار دون الليل ، والقيد الوارد مورد الغالب لا مفهوم له ليقيد به الإطلاق ، فلا موجب لاختصاص الحكم بالمشروعية بيوم السبت بل هي ثابتة في ليله أيضاً .
وفيه أوّلاً : منع الغلبة ، لأن غلبة الاغتسال في اليوم إنما هي فيما إذا كان الهواء بارداً ولا سيما إذا لم يكن المكان مما تعارف فيه الحمامات الدارجة ، وأما إذا كان الهواء حاراً أو كان المكان مما تعارف فيه الحمامات المتعارفة فلا غلبة في الاغتسال في النهار بل النهار كالليل ، ولعل الأمر بالعكس والاغتسال في الليل أكثر من الاغتسال في النهار .
وثانياً : أن ورود القيد مورد الغالب إنما لا يوجب التقييد في الإطلاق فيما إذا كان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 2 : 319 ـ 321 .
(2) الوسائل 3 : 320 / أبواب الأغسال المسنونة ب 10 .
ــ[18]ــ
هناك دليل مطلق وورد في قباله دليل مقيد وكان القيد غالبياً فهو لا يوجب التقييد في الإطلاق ، وليس الأمر في المقام كذلك ، إذ لا دليل مطلق دل على جواز القضاء مطلقاً ليلاً ونهاراً ليدعى أن الأخبار الواردة في جواز القضاء يوم السبت لا تستلزم تقييد ذلك المطلق ، بل ليس عندنا إلاّ تلك الأخبار المقيدة . إذن لا دليل لنا على مشروعية القضاء ليلاً وهو كاف في عدم المشروعية .
ودعوى أن القضاء إذا كان ثابتاً في نهار السبت فيثبت في ليله بطريق أولى لقربه من الجمعة ، مندفعة بأن العبادات الشرعية توقيفية وهي تحتاج في مشروعيتها إلى دليل يدل عليها ، ومجرد الأولوية الاستحسانية لا يكفي في ثبوت المشروعية كما هو واضح .
الرابع : موثقة ابن بكير المتقدمة الدالّة على أن من فاته غسل الجمعة يأتي به فيما بينه وبين الليل وإلاّ ففي يوم السبت(1) . وهي تدل على مشروعية قضاء الغسل ليلة السبت على ما استدل به صاحب الجواهر (قدس سره) وذكر في تقريبه : أن السائل فرض فوت الغسل في مجموع نهار الجمعة ، ومعه لا معنى لقوله (عليه السلام) : يأتي به فيما بينه وبين الليل ، أي فيما بين النهار الذي فاته الغسل فيه وبين الليل ، إذ لا فاصل بين اليوم والليل ، فلا مناص من تقدير كلمة (الآخر) قبل الليل فيصير معنى الموثقة أنه يأتي به فيما بين النهار الذي فاته الغسل فيه وبين آخر الليل ، فتدل على مشروعية القضاء في ليلة السبت أيضاً (2) .
ويدفعه أوّلاً : ما قدمناه من أن الظاهر من الموثقة أن السؤال هو عن فوت الغسل في الوقت المتعارف فيه الغسل وهو ما قبل الزوال ، وعليه فمعنى قوله (عليه السلام) : «فيما بينه وبين الليل» أي فيما بين الشخص والليل ، أي من الزوال إلى الليل ، فلا دلالة فيها على مشروعية القضاء في الليل .
وثانياً : لو فرضنا المعنى كما أفاده (قدس سره) فما الموجب للإغلاق في كلام الإمام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 321 / أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 4 ، وقد تقدّمت في ص 12 .
(2) الجواهر 5 : 22 .
ــ[19]ــ
وآخر وقت قضائه غروب يوم السبت ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(عليه السلام) أعني قوله : «فيما بينه وبين الليل» بل كان اللازم أن يقول : يأتي به ليلاً . فلا وجه له إلاّ ما قدمناه من أن السؤال إنما هو عن فوت الغسل قبل الزوال. فالحديث لا دلالة فيه على مشروعية القضاء ليلة السبت بوجه .
نعم لا بأس بالإتيان به رجاء ، لأنه لم يقم دليل على عدم مشروعيته ليلاً ، وإنما لا نفتي بالمشروعية لعدم الدليل عليها فلا بأس معه من الإتيان به رجاء .
الجهة الثانية : الظاهر جواز القضاء إلى غروب يوم السبت وليس وقته محدداً بالزوال ، ولعله مما لا إشكال فيه ، فوقت القضاء ممتد إلى الغروب .
الجهة الثالثة : أن مشروعية القضاء يوم السبت هل تختص بمن ترك الغسل يوم الجمعة نسياناً أو لعذر من الأعذار فلا يشرع لمن تركه يوم الجمعة متعمداً ، أو لا يختص به ولا يفرق في مشروعيته بين من تركه عمداً أو تركه نسياناً أو لغيره من الأعذار ؟
نسب إلى الصدوق (قدس سره) الاختصاص(1) . وقد يستدل عليه بمرسلة الهداية (2) كما في الحدائق(3) والجواهر(4) وبالفقه الرضوي(5) .
ويرد على الاستدلال بهما أن الاُولى ضعيفة بارسالها والثانية لم تثبت كونها رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة . على أن المرسلة إنما دلت على أنه يقضيه يوم السبت إذا نسيه يوم الجمعة ، وأما أنه إذا تركه عمداً فلا يجوز له القضاء فهو مما لا يسـتفاد من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقيه 1 : 64 .
(2) الهداية : 23 .
(3) الحدائق 4 : 229 . وقد عبّر فيها بمرسلة حريز .
(4) الجواهر 5 : 22 .
(5) المستدرك 2 : 507 / أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 1 ، فقه الرضا : 175 وفيه : فان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت إلخ .
ــ[20]ــ
المرسلة . على أن لازم الاستدلال بهما اختصاص الحكم بمن تركه نسياناً وحسب مع أن الصدوق عممه إلى سائر الأعذار أيضاً .
والصحيح أن الصدوق إنما اعتمد في ذلك على رواية سماعة المتقدمة ، حيث ورد فيها : «فان لم يجد فليقضه من يوم السبت»(1) فقد أخذت في موضوع جواز القضاء يوم السبت عدم التمكن من الغسل يوم الجمعة وكون تركه مستنداً إلى العذر وعدم التمكن منه ، فمن تركه لا لعذر ليس له أن يقضيه يوم السبت ، لأن الغسل وإن كان مستحباً ولا يقيد المطلق في المستحبات بالمقيد بل يحمل على أفضل الأفراد مع بقاء المطلق على إطلاقه إلاّ أن ذلك إنما هو إذا كانا موجبين أو سالبين ، وأما إذا كان أحدهما إيجاباً والآخر سلباً فلا مناص من التقييد .
والمقام من هذا القبيل ، لأن للموثقة مفهوماً وهو عدم جواز القضاء لمن ترك الغسل لا لعذر ، ومع المفهوم تكون الموثقة سالبة والإطلاقات موجبة فيختلفان في السلب والإيجاب ولا بدّ من التقييد معه ، أي تقييد ما دل على جواز القضاء يوم السبت لمن ترك الغسل يوم الجمعة مطلقاً بهذه الموثقة ، فينتج اختصاص مشروعية القضاء بمن ترك الغسل يوم الجمعة لعذر لا ما إذا كان الترك عن تعمّد ، هذا .
وفيه : أن الرواية لا مفهوم لها ، فكأنه (عليه السلام) ذكر أن من ترك الغسل قبل الزوال إذا كان واجداً للماء أتى به بعد الزوال لفرض أنه قاصد للامتثال وأنه إذا لم يجد الماء أتى به يوم السبت ، وأما إذا تركه متعمداً فلا نظر للموثقة إلى حكمه وأنه أي شيء وظيفته ، فلا دلالة لها على المفهوم .
وحيث إن موثقة ابن بكير المتقدِّمة(2) دلت على جواز القضاء يوم السبت عند فوته يوم الجمعة ، والفوت أعم من أن يستند إلى الاضطرار والعذر أو إلى العمد كما في فوت الفريضة الواجب قضاؤها ، فلا فرق في مشروعية القضاء يوم السبت بين تارك الغسل يوم الجمعة عن عذر واضطرار وبين تركه عن عمد واختيار .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 321 / أبواب الأغسال المسنونة ب10 ح3. وتقدّم الكلام في سند الرواية ص 11.
(2) في صدر المسألة ص 12 .
ــ[21]ــ
واحتمل بعضهم جواز قضائه إلى آخر الاسبوع ، لكنه مشكل ، نعم لا بأس به لا بقصد الورود بل برجاء المطلوبيـة لعدم الدليل عليه إلاّ الرضوي الغير المعلوم كونه منه (عليه السلام) .
|