ــ[69]ــ
المناقشة في دلالة الآية
ثم إن الآية المباركة وقعت مورداً للكلام والإشكال ، وذلك لأن المذكور فيها اُمور أربعة وهي : المرض والسفر والمجيء من الغائط ولمس النساء . وقد عطف بعضها على البعض الآخر بحرف «أو» ، وظاهره أن المرض والسفر مثل الأخيرين سببان مستقلّان لوجوب التيمّم عند عدم وجدان الماء ، مع أنهما ليسا كذلك وإنما يوجبان التيمّم فيما إذا كان معهما شيء من الحدث الأصغر أو الأكبر أعني الأخيرين ، وإلاّ فمجرّد المرض أو السفر لا يوجب الحدث والتيمّم بوجه .
وقد ذكر الآلوسي في تفسيره(1) وكذا الزمخشري في الكشاف(2) أن الآية من الآيات المعضلة والمشكلة ، لما عرفت من كونها على خلاف فتوى الفقهاء .
وقد يجاب عن ذلك بأن «أو» في الآية المباركة بمعنى الواو فترتفع المناقشة ، إذ لا تكون الآية ظاهرة في سببية المرض والسفر للتيمم ، وإنما تدل على أن التيمّم مشروع عند تحقق الاُمور المذكورة فيها .
وفيه : أن (أو) لا تستعمل بمعنى الواو ، وحمله عليها خلاف الظاهر لا يمكن المصير إليه .
وذكر الشيخ محمد عبده وتلميذه (3) في تفسيره الآية المباركة في سورة المائدة وأشار إليه في سورة النساء : أن الآية ليس فيها أي إعضال وإشكال ، بل لا بدّ من الالتزام بظاهرها وهو كون المرض والسفر بنفسهما يوجبان التيمّم كما أن الحدث الأكبر والأصغر يوجبان التيمّم . ولا مانع من أن تكون المشقة النوعية في الوضوء والغسل في حق المريض والمسافر موجبة لتبدل حكمهما إلى التيمّم ، كما أوجبت المشقة النوعية تبدل حكم المسافر حيث تبدل حكمه إلى القصر في الصلاة والصيام مع أنهما أهمّ من الوضوء والغسل ، فاذا جاز التبدل في الأهم لأجل المشقة النوعية جاز التبدل في غير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روح المعاني 2 : 43 .
(2) لم نعثر عليه في تفسيره للآية .
(3) تفسير المنار 5 : 120 .
ــ[70]ــ
الأهم بالأولوية .
وظني أني رأيت سابقاً في بعض الكتب أن أبا حنيفة التزم بذلك . إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه كما سيظهر وجهه .
|