ــ[166]ــ
[ 1087 ] مسألة 29 : من كانت وظيفته التيمّم من جهة ضيق الوقت عن استعمال الماء إذا خالف وتوضأ أو اغتسل بطل (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يغتسل» (1) حيث استفيد منها أمران :
أحدهما : أن وجدان الماء ناقض للتيمم ، وبهذه المناسبة روى في الوسائل الرواية في باب انتقاض التيمّم بوجدان الماء .
وثانيهما : أنه إذا تمكن من تحصيل الماء وخاف فوت الصلاة لضيق الوقت على تقدير الطهارة المائية جاز له التيمّم .
إلاّ أن وجود النص وعدمه سيان بعد كون الحكم في المسألتين مطابقاً للقاعدة وصدق الفقدان بمعناه المتقدم ، على أن النص ضعيف من جهات :
الاُولى : كونها مروية عن حسين العامري وهو ممن لم يوثق في الرجال .
والثانية : كونها مرسلة ، لأن الحسين رواها عمن سأله ولا يعلم أنه من هو .
والثالثة : كونها مضمرة . ونحن وإن كنّا نعمل بالمضمرات لكنه فيما إذا كان المضمر من أجلاء الرواة وأكابرهم لا في مثل المقام ، إذ من المحتمل أن يكون سؤاله متوجهاً إلى غير الإمام (عليه السلام) مثل رؤساء المذاهب الباطلة أو أحد العلماء أو نحوهما .
المأمور بالتيمّم إذا خالف وظيفته
(1) للمسألة صور ثلاث : وذلك لأن المكلف الآتي بالوضوء أو الغسل مع كونه مأموراً بالتيمّم قد يكون عالماً بضيق الوقت وبأنه مأمور بالتيمّم وخالف ، وقد يكون جاهلاً بالحال . ثم الجاهل قد يأتي بهما بقصد الوضوء أو الغسل للصلاة وقد يأتي بهما بقصد غير الصلاة من الغايات كقراءة المصحف أو دخول المسجد أو لغاية استحبابهما النفسي ، فهذه صور ثلاث :
الصورة الاُولى : ما إذا كان المكلف عالماً بالحال ، فان أتى بهما لأجل استحبابهما النفسي أو لسائر الغايات المترتبة عليهما فلا ينبغي الإشكال في صحتهما، حيث أتى بهما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 377 / أبواب التيمّم ب 19 ح 2 .
ــ[167]ــ
لأنه ليس مأموراً بالوضوء لأجل تلك الصلاة ، هذا إذا قصد الوضوء لأجل تلك الصلاة ، وأما إذا توضأ بقصد غاية اُخرى من غاياته أو بقصد الكون على الطهارة صح على ما هو الأقوى من أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه . ولو كان جاهلاً بالضيق وأن وظيفته التيمّم فتوضأ فالظاهر أنه كذلك ، فيصح إن كان قاصداً لإحدى الغايات الاُخر ويبطل((1)) إن قصد الأمر المتوجه إليه من قبل تلك الصلاة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصداً التقرّب بهما وهما مأمور بهما واقعاً ، وقد ذكرنا في محلِّه أ نّا لا نلتزم بكون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضده بل كلا الضدين يقعان مأموراً بهما على وجه الترتب .
وإن أتى بهما بقصد الصلاة فان قصد التشريع بعمله ـ أي مع علمه بعدم الأمر بهما من قبل الأمر بالصلاة أتى بهما بانياً على كونهما مأموراً بهما من قبل الصلاة ـ فلا تأمّل في بطلانهما لحرمة التشريع ، ولا يمكن أن يقع المحرم عبادة ومحبوباً .
ولو لم يقصد بهما التشريع ، كما لو نوى بهما المقدمية لطبيعي الصلاة ولو قضاءً ، ولم يقصد كونهما مأموراً بهما بالأمر الفعلي ، فلا مانع من الحكم بصحتهما في هذه الصورة لكونه مأموراً بهما ولو لأجل القضاء . إلاّ أن هذا أمر نادر جداً ، لأن من يأتي بالوضوء أو الغسل من جهة المقدمية للصلاة يقصد بطهارته كونها مأموراً بها بالفعل .
الصورة الثانية : ما إذا كان المكلف جاهلاً بالحال وأتى بهما لا بقصد الصلاة . ولا ينبغي الارتياب في صحتهما ، لأنهما مأمور بهما من جهة استحبابهما النفسي أو المقدمية لسائر الغايات وقد قصد بهما التقرب فيقعان صحيحين لا محالة .
اللّهمّ إلاّ أن يقال بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده وأن النهي الواقعي يقتضي فساد العبادة وإن كان مجهولاً للمكلف على ما قويناه في محلِّه(2) ، فانه يقتضي الحكم بفساد الغسل أو الوضوء في مفروض الكلام ، وذلك لأنه مأمور بالتيمّم ، وهو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا تبعد الصحّة في فرض الجهل بل مع العلم أيضاً إذا لم يقصد به التشريع .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 4 : 234 .
ــ[168]ــ
يقتضي النهي عن الغسل أو الوضوء ، والمحرم والمنهي عنه لا يقع عبادة لأنه مبغوض . إلاّ أ نّا لا نلتزم بكون الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، بل كلا الضدّين مأمور بهما على وجه الترتب كما حققناه في محلِّه(1) .
الصورة الثالثة : ما إذا كان المكلف جاهلاً بالضيق وقد أتى بالوضوء أو الغسل بقصد المقدمية للصلاة . وقد ذكر الماتن (قدس سره) أنهما محكومان بالبطلان ، لأن ما قصده من المقدمية للصلاة لا واقع له ، وما له واقع من المحبوبية النفسية أو المقدمية لسائر الغايات ليس مقصوداً له .
ولكن الصحيح صحّة الغسل والوضوء في هذه الصورة أيضاً ، لأن المطلوب في العبادات أمران : الإتيان بذات العمل ، وإضافته إلى الله سبحانه نحو إضافة . وكلا الأمرين واقع ومتحقق في المقام ، غاية الأمر أنه تخيل أن الإضافة والمقربية من جهة أنهما مقدمتان للصلاة ، وأخطأ في هذا الخيال ، فان إضافتهما ومقربيتهما إنما هي من جهة المحبوبية الذاتية أو سائر الغايات ، وهو خطأ في التطبيق وتخلف في الداعي وهو لا يوجب البطلان .
نعم لو قلنا بما التزم به الماتن (قدس سره) في مبحث الوضوء(2) من أن الوضوء والغسل أمران قابلان للتقييد ، وأتى بهما المكلف بقيد كونهما مقدمة للصلاة لا بدّ من الحكم ببطلانهما ، إذ لا واقع لما أتى به لعدم كونهما مقيدين بذاك القيد .
إلاّ أ نّا ذكرنا أن الوضوء والغسل طبيعة واحدة وشيء فارد لا يقبل التقييد ، وإنما يمكن فيهما تخلف الداعي والخطأ في التطبيق ومعه لا بدّ من الحكم بصحتهما .
فتحصل : أن الغسل أو الوضوء محكومان بالصحّة على جميع التقادير المذكورة سوى ما وقع على وجه التشريع .
إلى هنا نختم الكلام في هذا الجزء حامـدين مصـلِّين ، ونشرع الجزء العاشر من المسألة (30 ) التيمّم لأجل الضيق مع وجدان الماء ... إن شاء الله .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 94 .
(2) في الثامن من شرائط الوضوء قبل المسألة [ 560 ]
|