وممّا استدلّ به على ذلك أيضاً قوله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(5) فانّ الصعيد بمعنى التراب على ما فسّره به جملة من اللّغويين كالجوهري (6) وابن فارس في المجمل (7) وعن أبي عبيدة أ نّه هو التراب الخالص (8) .
ويدفعه : أنّ تفسير الصعيد بالتراب لم يتحقق ، لأنّ المحكي عن الأكثرين أنّ
ـــــــــــــ (5) المائدة 5 : 6 .
(6) الصحاح 2 : 498 .
(7) مجمل اللّغة 2 : 534 .
(8) جمهرة اللّغة 2 : 654 .
ــ[192]ــ
الصعيد بمعنى مطلق وجه الأرض ، كما يراد به هذا المعنى في غير الآية الكريمة المذكورة مثل قوله تعالى: (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً )(1) ومثل قوله (صلّى الله عليه وآله): «ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة على صعيد واحد» (2) أي أرض واحدة، بل عن الزجاج أ نّه قال : لا أعلم خلافاً بين أهل اللّغة في أنّ الصعيد وجه الأرض (3) .
إذن لا يمكننا تفسير الصعيد في آية التيمّم بشيء من المحتملين بل يصبح اللّفظ مجملاً ، لأنّ التفسير إذا كان مختلفاً فيه لا يمكن الاعتماد على شيء من الأقوال ولا يطمأن به ، هذا .
وقد يقال بأنّ الآية المباركة وإن كانت مجملة في نفسها إلاّ أ نّها قد فسّرت في بعض الأخبار بأنّ الصعيد أعالي الأرض ، فقد ورد في الفقه الرضوي(4) ومعاني الأخبار للصدوق(5) أنّ الصعيد هو الموضع المرتفع عن الأرض ، فتكون الآية دليلاً على عدم اختصاص ما يتيمّم به بالتراب .
إلاّ أ نّه أيضاً ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لأن تفسير الصعيد بهذا المعنى وإن كان يقتضيه المناسبة بين الحكم وموضوعه ، لأنّ الصعيد لعلّه مأخوذ من الصعود بحسب مفهومه الوضعي وهو بمعنى الارتفاع ، والموضع المرتفع الّذي ينحدر عنه الماء طبعاً يكون طيباً لأ نّه لا تطؤه الأقدام ولا تمشي عليه الأرجل ، فمعنى الآية اقصدوا مكاناً عالياً لا تطؤه الأقدام وهو طاهر . إلاّ أن تفسيره بذلك قد ورد في الفقه الرضوي وهو لم يثبت كونه رواية فضلاً عن كونها معتبرة ، كما ورد في معاني الأخبار مرسلاً ولا يمكن الاعتماد عليه بوجه وإن كان صاحب الحدائق (قدس سره)(6) قد اعتمد عليها في تفسير الآية الكريمة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكهف 18 : 40 .
(2) معالم الزلفى : 145 / ب 22 في صفة المحشر .
(3) لسان العرب 3 : 254 .
(4) المستدرك 2 : 528 / أبواب التيمّم ب 5 ح 2 ، فقه الرضا : 90 .
(5) حكي ذلك عن تفسير الصافي 1 : 420 / سورة النِّساء الآية 43 فليراجع ، ثمّ إنه لم نعثر على رأي الصدوق في المصدر المذكور .
(6) الحدائق 4 : 245 .
|