ــ[207]ــ
ومع فقد ما ذكر من وجه الأرض يتيمّم بغبار الثوب أو اللِبد أو عُرف الدابة ونحوها ممّا فيه غبار (1) إن لم يمكن جمعه تراباً بالنفض ، وإلاّ وجب ودخل في القسم الأوّل (2) والأحوط اختيار ما غباره أكثر (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جواز التيمّم بالغبار
(1) للأخبار الدالّة على ذلك وهي معتبرة ، وإليك بعضها :
صحيحة زرارة قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أرأيت المواقف ـ وهو المحارب مع عدوه ـ إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول ؟ قال (عليه السلام) : يتيمّم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فان فيها غباراً ويصلِّي» (1) .
وصحيحة رفاعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه ، فانّ ذلك توسيع من الله عزّ وجلّ . قال : فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شيء مغبر ... » (2) وغيرهما من الأخبار المعتبرة .
(2) لأ نّه متمكّن من التيمّم بالتراب ، حيث إنّ الغبار هو الأجزاء الصغار الّتي لو جمعت لكانت تراباً ، وهو كالبخار الّذي هو غير الماء لكنّه لو جمع في مكان صار ماءً ومع التمكّن من التراب لا يجوز التيمّم بالغبار .
(3) وهو احتياط في محلِّه لكنّه ليس بواجب ، وذلك لأن ما غباره أكثر قد تكون كثرته بمقدار يصدق عليه التراب ولا إشكال في أ نّه متمكّن من التراب حينئذ ولا بدّ من أن يتيمّم به ، وقد لا يبلغ تلك المرتبة إلاّ أن غبار أحدهما أكثر من غيره ولا دليل على تقديم ما غباره أكثر ، لأنّ مقتضى الأخبار عدم الفرق بين ما يكون غباره أقل وما يكون الغبار فيه أكثر ، لدلالتها على لزوم التيمّم بما فيه الغبار كان غباره أكثر من غيره أم لم يكن .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 353 / أبواب التيمّم ب 9 ح 1 .
(2) الوسائل 3 : 354 / أبواب التيمّم ب 9 ح 4 .
ــ[208]ــ
ومع فقد الغبار يتيمّم بالطين إن لم يمكن تجفيفه (1) وإلاّ وجب ودخل في القسم الأوّل ، فما يتيمّم به له مراتب ثلاث : الاُولى : الأرض مطلقاً غير المعادن . الثّانية : الغبار . الثّالثة : الطين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جواز التيمّم بالطين
(1) للنصوص المعتبرة الدالّة على ذلك مثل صحيحة رفاعة المتقدمة حيث ورد في ذيلها : «وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» . وصحيحتي زرارة «وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمّم منه . إذا كنت في حال ... »(1) وغيرها ، وهذا ممّا لا إشكال فيه .
وإنّما الكلام في أنّ الطين في طول الغبار أو أ نّه في عرضه .
قد يقال بأ نّهما في عرض واحد استناداً إلى ما رواه زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال «قلت : رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع ؟ قال : يتيمّم فانّه الصعيد ، قلت : فانّه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء ، قال : إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللّبد أو البرذعة ويتيمّم ويصلِّي»(2) .
نظراً إلى أ نّه (عليه السلام) جوّز التيمّم بالطين إذا قدر على النزول وإلاّ فبالغبار فلا تقدم للغبار على الطين .
وفيه : أنّ الرواية ضعيفة السند بأحمد بن هلال ، وقد وردت طعون كثيرة فيه . مع أنّ الأخبار الدالّة على أ نّه يتيمّم بالغبار أوّلاً وإلاّ فبالطين كثيرة معتبرة ، وهي ممّا اشتهر بين الأصحاب ، والرواية من الشاذ الّذي لا يعبأ به في قبال الأخبار المشهورة هذا .
على أ نّها بحسب الدلالة قابلة للمناقشة أيضاً ، لاحتمال أ نّها تبين حكم شخصين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 353 / أبواب التيمم ب 9 ح 2 ، 3 .
(2) الوسائل 3 : 354 / أبواب التيمّم ب 9 ح 5 .
ــ[209]ــ
بأن يسأل عن شخص دخل الأجمة ولا يقدر إلاّ على الطين ثمّ يسأله عن حكم من دخلها وهو متمكّن من الغبار للتيمم ، وأحد الحكمين لمن دخل الأجمة وليس عنده إلاّ الطين وحكمه التيمّم به ، وثانيهما لمن دخل الأجمة وهو متمكّن من التيمّم بالغبار وحكمه أن يتيمّم بالغبار ، وليس هذا حكم شخص واحد دخل الأجمة لتتوهم دلالة الرواية على عدم تقديم التيمّم بالغبار على التيمّم بالطين .
والمتحصل : أنّ المكلف الفاقد للماء يجب عليه أن يتيمّم بالتراب أو بغيره من الأجزاء الأرضية ، فان لم يتمكّن منها يتيمّم بالغبار الّذي هو ليس بتراب بل هو أجزاء صغار منه ، فان لم يتمكّن منه يتيمّم بالطين . هذا كلّه بحسب التعبّد والنصوص ولولاها لقدمنا الطين على الغبار لأ نّه صعيد كما مرّ في بعض الأخبار (1) بخلاف الغبار فانّه ليس بتراب .
بل لولاها لقلنا بجواز التيمّم به حتّى مع التمكّن من التراب لكونه صعيداً ، ولا فرق بينهما إلاّ بالرطوبة والجفاف ، وليس ذلك بفارق بمقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ التراب والأرض طهور ، اللّهمّ إلاّ بناءً على اعتبار العلوق في التيمّم فلا يجوز التيمّم بالطين مع التمكّن من التراب ، إذ لا علوق في الطين لأ نّه لا يعلق أثره باليد عند ضربها عليه الّذي هو معنى العلوق بل يتعلق هو بنفسه على اليد لا أثره وعلوقه .
وقد تحصل إلى هنا : أنّ المكلّف مع تمكّنه من الأرض يتيمّم بها ولو كانت رطبة يختار أجف موضع فيتيمم به ، وإلاّ فيتيمم بالغبار ، وإلاّ فبالطين لو أمكن .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كالرواية المتقدمة .
|