الوظيفة عند اشتباه التراب المباح بالمغصوب 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4460


ــ[234]ــ

   [ 1110 ] مسألة 2 : إذا كان عنده ترابان مثلاً أحدهما نجس يتيمّم بهما(1) كما أ نّه إذا اشتبه التراب بغيره يتيمّم بهما ، وأمّا إذا اشتبه المباح بالمغصوب اجتنب عنهما (2) . ومع الانحصار انتقل إلى المرتبة اللاّحقة ، ومع فقدها يكون فاقد الطهورين ((1)) كما إذا انحصر في المغصوب المعين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تندرج المسألة في الفرع المتقدم ويأتي فيها ما قدمناه هناك ، فيحكم بالبطلان في صورتي العلم والجهل ، ويفرق في صورة النسيان بين كونه لا بسوء الاختيار كما لو كانت الآنية لغيره فتيمم هو بما فيها من التراب نسياناً فيحكم بصحّته ، وبين كونه بسوء الاختيار كما لو اشتراها للاستعمال واستعملها في التيمّم نسياناً فيحكم ببطلانه .

   (1) وإن كان أحد التيممين باطلاً، ولا ينتقل معه إلى المرتبة اللاّحقة بوجه، لوجود التراب الطاهر وتمكّنه من التيمّم به على الفرض .

    اشتباه التراب المباح بالمغصوب

   (2) الصحيح في هذه المسألة أن كل واحد من الترابين من موارد دوران الأمر بين المحذورين ، لأ نّه إن كان مغصوباً فهو يحرم التصرف فيه لتمكّن المكلّف من تركه ومعه تتنجز الحرمة في حقّه ، كما أ نّه إذا كان هو المباح فهو يجب التيمّم به لتمكّن المكلّف من التيمّم بالتراب المباح ، غاية الأمر أ نّه لا يتمكّن من إحراز أ نّه التيمّم الواجب أو الحرام .

   إلاّ أ نّه يتمكّن من التيمّم بكل منهما فيقطع بامتثال الواجب كما يقطع بارتكاب الحرام ، وحيث إنّ المخالفة القطعية غير جائزة ولا يتمكّن المكلّف من الموافقة القطعية كما لا يتمكّن من المخالفة القطعية فينتقل الأمر إلى الموافقة والمخالفة الاحتماليتين .

   إذن لا بدّ من الحكم بتخيير المكلّف بين التيمّم بهذا التراب أو بذاك ، لأ نّه موافقة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد وجوب التيمّم بأحد الترابين حينئذ .

ــ[235]ــ

للتكليف الوجوبي احتمالاً ومخالفة للتكليف التحريمي احتمالاً .

   ومن هذا يظهر ما في كلام الماتن (قدس سره) من جعل المكلّف فاقد الطهورين عند فقد المرتبة اللاّحقة وتنظير المقام بما إذا انحصر المغصوب في المعين ، حيث ظهر أنّ المكلّف واجد للطهور ومتمكّن من استعماله واقعاً غير أ نّه ليس قادراً على التمييز فليست وظيفته وظيفة فاقد الطهورين ، كما أنّ المقام مغاير لصورة انحصار المغصوب في المعين ، لأنّ المكلّف في تلك الصورة ليس قادراً على التيمّم كما أ نّه غير متمكّن من الوضوء أو الغسل فيدخل في موضوع فاقد الطهورين .

   إذن لا يمكن قياس المقام بصورة انحصار ما يتيمّم به في المغصوب المعين بوجه بتخيل أنّ العلم الإجمالي بالغصبية مثل العلم التفصيلي بها ، وذلك لما عرفت من تمكّن المكلّف من كلا التكليفين ـ التحريمي والوجوبي ـ غير أ نّه ليس قادراً على التمييز فالمقام من دوران الأمر بين المحذورين ووظيفة المكلّف هو التخيير فيختار أحد الترابين ويتيمّم به .

   وتوضيح ما ذكرناه في المقام هو أنّ قوله تعالى : (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلـوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... )(1) والأخبار الواردة في التيمّم الدالّة على أ نّه إذا وجد تراباً يتيمّم به أو طيناً يتيمّم به(2) يدل على أنّ الوضوء والتيمّم اعتبر فيهما الوجدان أي وجدان الماء والتراب ونحوه .

   والوجدان بمعنى (يافتن) قد اُخذ في مفهومه الإحراز ، ومعه لا بدّ من أن يكون المكلّف المأمور بالوضوء أو بالتيمّم محرزاً بأ نّه قد توضأ بالماء أو تيمّم بالتراب الحائز للشروط من الإباحة والطّهارة ونحوهما .

   فإذا فرضنا أنّ أحد الماءين مغصوب أو أحد الترابين مغصوب والمرتبة الثّانية من التيمّم ميسورة لم يتمكّن المكلّف من إحراز أ نّه توضأ أو تيمّم بالماء أو التراب المباح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) الوسائل 3 : 349 /  أبواب التيمّم ب 7 ، 9 .

ــ[236]ــ

لأن إحراز الامتثال يتوقف على الوضوء بكلا الماءين أو التيمّم بكلا الترابين وهو غير سائغ ، لاستلزامه المخالفة القطعية لحرمة الغصب ، فالامتثال القطعي والإحرازي غير ممكن .

   والموافقة الاحتمالية بالوضوء أو التيمّم بأحدهما غير مفيدة، لاعتبار إحراز الوضوء بالماء أو التيمّم بالتراب، ولايحرز ذلك بالوضوء بأحد الماءين أو بالتيمّم بأحد الترابين لاحتمال أن يكون ما امتثل به هو المغصوب .

   ومجرد المصادفة الواقعية وكون ما امتثل به مباحاً ليس كافياً في إحراز الامتثال ومعه ينتقل الأمر إلى المرتبة الثانية من التيمّم أو إلى الثالثة وهو التيمّم بالطين ونحوه . ولا دليل على كفاية الامتثال الاحتمالي حينئذ ، لتمكّنه من المرتبة الثّانية واعتبار الإحراز في مفهوم الوجدان ، هذا .

   على أنّ المورد ليس من موارد التنزل إلى الموافقة الاحتمالية ، وذلك لاستصحاب عدم التوضي بالماء المباح أو عدم التيمّم بالتراب المباح ، ومعه لا مناص من الانتقال إلى المرتبة الثّانية وإن كان المكلّف عالماً بوجود الماء المباح أو التراب المباح في البين إلاّ أ نّه لعدم تمكّنه من الإحراز يصدق أ نّه ليس واجداً لهما، لما تقدم من اعتبار الإحراز في مفهوم الوجدان ، فلا مناص من الانتقال إلى المرتبة المتأخّرة كما مرّ .

   وأمّا إذا لم تكن هناك مرتبة أخيرة للتيمم أو فرضنا العلم الإجمالي في المرتبة الأخيرة فلا يأتي حينئذ ما قدّمناه من اعتبار الإحراز في الامتثال والتوضؤ بالماء المباح أو التيمّم بالتراب المباح، بل المورد مورد التمسّك باطلاقات وجوب الصلاة وأ نّها ( كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً )(1) وأ نّها المائزة بين الكفّار والمسلمين (2) وقوله (عليه السلام) «إذا زالت الشمس فقد وجبت الصلاتان»(3) وغير ذلك من المطلقات فان مقتضاها وجوب الصلاة ، وهي مشروطة بالطهور ، وحيث لا يمكن امتثال الأمر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النِّساء 4 : 103 .

(2) الوسائل 4 : 41 /  أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11 .

(3) الوسائل 4 : 125 /  أبواب المواقيت ب 4 .

ــ[237]ــ

بالصلاة المشروطة بالطهور امتثالاً جزمياً لاستلزامه المخالفة القطعية فالعقل يستقل بالتنزل إلى الامتثال الاحتمالي وإلغاء استصحاب عدم الوضوء بالماء المباح أو عدم التيمّم بالتراب المباح .

   وذلك لدوران الأمر بين المحذورين ، لأنّ المكلف حيث يتمكّن من الطهور بالمباح يتنجز في حقّه الأمر بالصلاة مع الماء أو التراب ، وبما أ نّه متمكّن من امتثال النهي عن الغصب يتنجز في حقّه تحريم الغصب . والأوّل يقتضي الوضوء أو التيمّم بكلا الطرفين تحصيلاً للعلم بالفراغ ، والثّاني يقتضي التجنّب عن كليهما تحصيلاً للعلم بامتثال النهي عن الغصب، وحيث إنّ كلاًّ من الطرفين يحتمل فيه الوجوب والحرمة ولايمكن الاحتياط فهو من دوران الأمر بين المحذورين والوظيفة حينئذ لدى العقل هي التخيير والتنزل إلى الامتثال الاحتمالي ، فان مقتضى قاعدة الاشتغال هو وجوب الامتثال القطعي وحيث إنّه أمر غير ممكن في المقام يتنزل إلى الامتثال الاحتمالي كما قدّمناه ، هذا .

   وقد يقال : إنّ المورد من موارد العلم الإجمالي ، لأنّ ذلك الطرف الّذي يتوضأ أو يتيمّم به إن كان مباحاً وجب عليه الإتيان بالصلاة في وقتها مع الماء أو التراب ، وإن كان مغصوباً وجب عليه القضاء خارج الوقت لكونه فاقد الطهورين حينئذ، ومقتضى العلم الإجمالي لزوم الجمع بين الأمرين فلا بدّ من أن يتوضأ أو يتيمّم بواحد منهما ويصلِّي في الوقت ثمّ يقضي صلاته خارج الوقت مع الماء المباح أو التراب المباح .

   ويدفعه : أنّ العلم الإجمالي إنّما يتنجز فيما إذا جرت الاُصول في أطرافه وتساقطت بالمعارضة ، وليس الأمر في المقام كذلك ، وذلك لأ نّه في الوقت لا بدّ من الوضوء أو التيمّم بأحد الماءين أو الترابين ـ أي الموافقة الاحتمالية ـ بمقتضى قاعدة الاشـتغال وأمّا القضاء فحيث نشك في موضوعه وهو الفوت فنرجع إلى البراءة عنه، لأنّ القضاء بأمر جديد .

   وعليه فالصحيح ما ذكرناه من تخيير المكلّف بين التيمّم بأحد الترابين أو الوضوء بأحد الماءين لأ نّه من دوران الأمر بين المحذورين .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net