الثاني : مسح الجبهة والجبينين 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5438


   الثّاني :  مسح الجبهة بتمامها والجبينين بهما من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى وإلى الحاجبين ، والأحوط مسحهما أيضاً (2) .

 ــــــــــــــــــــــ
    اعتبار مسح الجبهة والجبينين

   (2) اختلفت كلمات الفقهاء وتعبيراتهم عن المحل الممسوح من الوجه ، فالمشهور عبروا بوجـوب مسح الجبهة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى ، وعن السيدين(1) وكثير من القدمـاء التعبير بمسح الوجه من القصاص إلى طرف الأنف وعن جامع المقاصد(2) وغيره التعبير بمسح الجبهة والجبينين ، وعن بعضهم التعبير بمسح الجبهة والجبينين والحاجبين، وعن علي بن بابويه التعبير بمسح الوجه(3) وظاهره إرادة الاستيعاب ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الانتصار : 124 ، الغنية : 63 .

(2) جامع المقاصد 1 : 490 .

(3) حكاه المحقق في المعتبر 1 : 384 والعلاّمة في المختلف 1 : 267 .

ــ[265]ــ

   والظاهر أنّ المسألة ذات قولين :

   أحدهما :  اعتبار مسح الجبهة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف .

   وثانيهما :  اعتبار مسح الوجه بتمامه كما لعله الّذي أشار إليه المحقق في شرائعه ، فانّه بعدما ذكر الوجه الأوّل أشار إلى الثّاني فقط بقوله : قيل باستيعاب مسح الوجه (1) . والوجوه الاُخر متحدة وإنّما الاختلاف في التعبير .

   وكيف كان ، فالمتبع هو الأخبار الواردة في المقام . وهنا عناوين أربعة : الوجه والجبهة والجبينان والجبين .

   أمّا الوجه فهو واقع في كثير من الأخبار منها صحيحة الكاهلي حيث ورد فيها : «فمسح بهما وجهه» (2) ومنها حسنة أبي أيّوب الخزاز وقد ورد فيها : «ثمّ رفعها فمسح وجهه» (3) وغير ذلك من الأخبار (4) .

   وأمّا عنوان الجبهة فلم يرد إلاّ في رواية الشيخ عن المفيد بإسناده إلى ابن بكير عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التيمّم ، فضرب بيده على الأرض ثمّ رفعها فنفضها ثمّ مسح بهما جبهته ... » (5) .

   إلاّ أن هذه الرواية بعينها قد رواها في الكافي بإسناده إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن ابن بكير عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التيمّم ... إلى أن قال : ثمّ مسح بها جبينه وكفيه مرّة واحدة» (6) ومن البعيد جدّاً بل غير محتمل عادة أن تكون هناك روايتان رواها ابن بكير عن زرارة وقد وقع في إحداهما عنوان الجبهة وفي الاُخرى عنوان الجبين ، إذن لا يعلم أن اللفظ الوارد عن الإمام هو الجبين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرائع الإسلام 1 : 48 .

(2) الوسائل 3 : 358 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 1 .

(3) الوسائل 3 : 358 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 2 .

(4) المصدر المتقدم ح 4 ، 5 ، 7 .

(5) الوسائل 3 : 359 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 3 . والوارد في التهذيب 1 : 207 /  601 هو : فضرب بيديه الأرض ثمّ رفعهما فنفضهما ...

(6) الكافي 3 : 61 / 1 .

ــ[266]ــ

أو الجبهة فتصبح الرواية مجملة من هذه الجهة .

   على أن رواية الشيخ ضعيفة السند بأحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، بخلاف رواية الكليني الّتي لها طريقان وأحدهما معتبر وهي الحجّة شرعاً ، والوارد فيها هو الجبين .

   ويؤيد صحّة نسخة الكليني ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر عن البزنطي عن ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : أتى عمار بن ياسر ... إلى أن قال : مسح بجبينه ... »(1) لأ نّها مروية عن البزنطي ، هذا .

   وقد ورد في الفقه الرضوي ما هو بمعنى الجبهة حيث ورد فيه : «ثمّ تمسح بهما وجهك موضع السجود»(2) فان موضع السجود هو الجبهة. وهذا مبني على ما نقله في المستدرك لكن المنقول عن الفقه الرضوي في جامع الأحاديث مغاير له ، ونصّه : «ثمّ تمسح بهما وجهك من حدّ الحاجبين إلى الذقن، وروي: أن موضع السجود من مقام الشعر... »(3) فانّه على هذا يكون قوله : «روي : أنّ موضع السجود» مطلباً آخر ولا يكون تفسيراً للوجه كما هو كذلك على نقل المستدرك ، ولعل الاختلاف من جهة نسخ الكتاب .

   إلاّ أنّ الفقه الرضوي لم يثبت كونه رواية فضلاً عن اعتبارها .

   نعم نقل الوافي عن كل من الشيخ والكليني هذه الرواية بعنوان الجبهة (4) ، وهو محمول على الاشتباه وعدم توجهه إلى الاختلاف، أو مستند إلى اختلاف نسخ الكافي. وكيف كان ، لم يثبت ورود لفظ الجبهة في الرواية .

   وأمّا الجبينان فقد ورد في رواية عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبدالله (عليه السلام): «أ نّه وصف التيمّم فضرب بيديه على الأرض ثمّ رفعهما فنفضهما ثمّ مسح على جبينيه وكفيه مرّة واحدة» (5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 360 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 9 ، السرائر 3 : 554 ،

(2) المستدرك 2 : 535 /  أبواب التيمّم ب 9 ح 1 ، فقه الرضا : 88 .

(3) جامع أحاديث الشيعة 3 : 111 /  باب كيفيّة التيمّم ب 10 ح 24 .

(4) الوافي 6 : 581 /  أبواب التيمّم / باب صفة التيمّم ح 5 .

(5) الوسائل 3 : 360 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 6 .

ــ[267]ــ

   نعم ورد ذلك في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) الواردة في قضيّة عمار ابن ياسر(1) وقد اشتملت على عنوان الجبينين على نسخة . وورد لفظ الجبينين في الفقه الرضوي على ما في جامع الأحاديث (2) دون المستدرك .

   وأمّا الجبين فقد ورد في صحيحة زرارة المتقدّمة عن طريق الكافي(3) وما رواها الصدوق على نسخة وما رواه ابن إدريس في آخر السرائر أيضاً (4) . ولم يثبت أنّ الوارد في رواية زرارة أ يّهما ، هذا ما ورد في الأخبار .

   وأمّا ما عن ابن بابويه من اعتبار مسح الوجه بتمامه فهو مقطوع الخلاف لوجهين :

   أحدهما : صحيحة زرارة(5) في تفسير قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ )حيث صرّحت بأنّ المسح ليس كالغسل ليجب في تمام الوجه ، حيث قال : «أثبت بعض الغسل مسحاً لأ نّه قال: بوجوهكم» أي: ولم يقل: «وجوهكم» والباء للتبعيض كما هو الحال في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) . إذن نستفيد من هذه الصحيحة أنّ المسح لا يجب في جميع الوجه .

   ثانيهما :  أنّ الأخبار المتقدمة المشتملة على الجبينين أو الجبين أخبار معتبرة ، ومن المستهجن جدّاً أن يعبر الإمام (عليه السلام) عن تمام الوجه بالجبين أو الجبينين ، لأ نّه مثل إطلاق الأنف وإرادة تمام الوجه ، وهو تعبير غير مألوف ، فلو كان الواجب مسح تمام الوجه لما عبر عنه في الأخبار المذكورة بالجبين أو الجبينين . فالقول بوجوب المسح لتمام الوجه ساقط قطعا .

   وقد تحصل من استعراض الألفاظ الواردة في الأخبار أنّ الثابت هو لفظ الوجه والجبين أو الجبينين . ولا يمكن تقييد الأخبار المشتملة على الوجه بما اشتمل على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 360 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 8 .

(2) جامع أحاديث الشيعة 3 : 109 /  باب كيفية التيمّم ح 16 .

(3) ، (4) تقدّمتا في ص 265 ، 266 . التعليقة 6 ، 1 .

(5) الوسائل 3: 364 / أبواب التيمم ب 13 ح 1 . ولعلّ الأنسب : في تفسير قوله (تع) : فامسحوا بوجوهكم .

ــ[268]ــ

الجبين أو الجبينين(1) ، وذلك لعدم صحّة إطلاق الجبين بمعناه الجنسي الشامل للواحد والاثنين وإرادة الوجه ، وذلك لأنّ الوجه إنّما يطلق عليه الوجه لأ نّه ممّا يواجه به الإنسان ، والجبين الواحد ليس ممّا يواجه به . فاطلاق الجبين وإرادة الوجه كإطلاق الاُذن وإرادة الوجه ليس صحيحاً لعدم كونها ممّا يواجه به ، هذا .

   على أنّ الأخبار قد اشتملت على أ نّهم مسحوا وجوههم بالأيدي والأكف أو أمروا بذلك ، ولا يمكن مسح الجبين الواحد بالكف ، لأنّ الجبين اسم لموضع خاص وهو لا يمسح عند مسح الوجه ـ بتمامه ـ نعم يمكن مسحه ثانياً ، إلاّ أنّ المسح المأمور به في الأخبار هو المسحة الواحدة والمسح مرّة واحدة ، والجبين في مسح الوجه مرّة لا يقع ممسوحاً بوجه .

   وأمّا الجبينان فهما وإن أمكن مسحهما بالكفين عند المسح مرّة واحدة إلاّ أ نّهما لا يطلق عليهما الوجه أيضاً ، لعدم كونهما ممّا يواجه به الإنسان . فاحتمال تقييد الأخبار المشتملة على الوجه(2) أو الجبينين ساقط .

   والّذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الأخبار الواردة في مسح الجبين أو الجبينين إنّما وردت لبيان حدّ الوجه الّذي يجب مسحه عرضاً ، لأنّ الوجه لا يجب مسحه بحسب الطول بالتمام ، لصحيحة زرارة الدالّة على أنّ المقدار الّذي كان يجب غسله في الوضوء ليس بلازم المسح في التيمّم وإنّما اللاّزم في مسح التيمّم هو مسح بعض الوجه(3) هذا بحسب الطول . وأمّا بحسب العرض فتدلّنا روايات الجبين والجبينين على أنّ الوجه الواجب غسله بحسب العرض في الوضوء يجب أن يمسح في التيمّم ، وبهذا يظهر أنّ المقدار الممسوح في التيمّم هو الجبينان والمقدار المتوسط بينهما أيضاً ، إذ لولاه لم يصدق الوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لعلّ المناسب : .... المشتملة على الجبين أو الجبينين بما اشتمل على الوجه .

(2) لعلّ المناسب : الجبين .

(3) الوسائل 3 : 364 /  أبواب التيمّم ب 13 ح 1 .

ــ[269]ــ

ويعتبر كون المسح بمجموع الكفين ((1)) على المجموع فلا يكفي المسح ببعض كل من اليدين ولا مسح بعض الجبهة والجبينين ، نعم يجزئ التوزيع فلا يجب المسح بكل من اليدين على تمام أجزاء الممسوح .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولكي يصدق الوجه تحقيقاً لا بدّ من إدخال ما بين الجبينين في الممسوح . إذن عملنا بكل من الطائفتين ويكون المقدار الممسوح هو الوجه والجبينين .

   وهل يدخل الحاجبان في الممسوح أو لا ؟ مقتضى سكوت الأخبار الواردة في مقام البيان عن التعرّض للحاجبين عدم لزوم مسحهما وكفاية المسح للجـبينين وما بينهما ، لما تقدّم من كفـاية المسح ببعض الوجه طولاً ، وإن كان الأحـوط مسح الحاجبين أيضاً .

   نعم لا ينفك مسح الحاجبين عادة عن مسح الجبينين وما بينهما باليدين إلاّ أ نّهما خارجان عن المقدار الممسوح شرعاً .

   وتظهر الثمرة فيما لو كان حاجب على الحاجبين بحيث لم يمكن مسحهما فانّ التيمّم حينئذ بمسح الجبينين وما بينهما كاف في صحّته ، وأمّا بناءً على دخولهما في الممسوح فلا بدّ من رفع الحاجب عن الحاجبين للزوم مسحهما حينئذ ، هذا كلّه في الممسوح .

   وأمّا الماسح فالصحيح لزوم المسح بجميع الكفين واليدين بحكم المناسبة والإطلاق.

   أمّا المناسبة فلأجل الأمر الوارد في الأخبار بضرب الكفّين أو اليدين على الأرض(2) والمراد منهما جميع الكفين، لأن ضربهما على الأرض يقتضي الاستيعاب . وهذه المناسبة تقتضي أن يكون المراد بالماسح جميع الكفين ، فانّ الكفين اللّتين يجب ضربهما على الأرض في التيمّم هما اللّتان يجب المسح بهما على الوجه والجبينين .

   وأمّا الإطلاق فلأن قوله (عليه السلام) : «فضرب بيده على البساط فمسح بهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على نحو يصدق في العرف أ نّه مسح بهما .

(2) الوسائل 3 : 358 /  أبواب التيمم ب 11 ، 12 .

ــ[270]ــ

وجهه» كما في صحيح الكاهلي (1) أو قوله (عليه السلام) : «ثمّ مسح بها جبينه» كما في صحيحة زرارة (2) وغيرهما من الأخبار مطلق ، ومقتضى الإطلاق المسح بمطلق اليد والكف لا ببعضها .

   نعم لا يلزم أن يمسح بكل من أجزاء الماسح جزءاً من الممسوح ، وذلك لأن سعة مجموع الكفين المنضمتين أكثر من سعة الجبينين وما بينهما فيقع بعض أجزاء الكفين خارجاً عن الممسوح لا محالة . كما لا يكفي المسح ببعض الكفين كما لو مسح جبينيه بنصف كل كف من كفيه ، بل لا بدّ أن يكون المسح بحيث يصدق عليه عرفاً أ نّه مسح بالكفين على الجبينين وما بينهما ، وهذا إنّما يصدق بمسحهما بجميع كفيه وإن كان مقدار من الكفين خارجاً عن الممسوح . فالمدار على الصدق العرفي لا التدقيق في مسح الجبينين بالكفين مع اعتبار الاستيعاب في الماسح كما مرّ ، هذا .

   وقد يقال بكفاية المسح ببعض الكف ، وذلك لما ورد في صحيحة زرارة الّتي رواها الصدوق في الفقيه أ نّه (عليه السلام) مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه(3) ولكن الظاهر أنّ الصحيحة لا تدل على خلاف ما يستفاد من غيرها من الأخبار المتقدمة ، بل هي تدل أيضاً على إرادة المسح بتمام الكف ، وذلك لأنّ الظاهر من الأصابع هو الأصابع الخمسة أعني مجموعها ، وحيث إنّ الخنصر(4) ـ وهي الإصبع الاُولى ـ وقعت أسفل من الأصابع الاُخرى فلازم المسح بجميع الأصابع هو المسح بمجموع الكف ، فانّه لو وقع المسح بالأصابع الأربعة لم يكن المسح بمجموع الأصابع .

   إذن فالصحيحة كغيرها تدلّنا على اعتبار الاستيعاب في الماسح ، نعم في الممسوح لا يعتبر إلاّ الاستيعاب العرفي لا الدقي .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 3 : 358 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 1 ، 3 .

(3) الوسائل 3 : 360 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 8 ، الفقيه 1 : 57 / 213 .

(4) الصحيح : الإبهام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net