موارد استحباب إعادة الصلاة لو زال العذر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4768


ــ[348]ــ

   نعم الأحوط استحباباً إعادتها في موارد :

   أحدها : من تعمّد الجنابة مع كونه خائفاً من استعمال الماء فانّه يتيمّم ويصلِّي(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وذكر صاحب الوسائل أنّ هذه الرواية واضحة الدلالة على الاستحباب .

   والأمر كما أفاده (قدس سره) لقوله (عليه السلام) : «أمّا أنا فكنت فاعلاً» وهي حكاية فعل منه (عليه السلام) فهو أمر كان يفعله ولا يجب على غيره ، بل لا بدّ من الحمل على الاستحباب على تقدير ظهورها في الوجوب في مقابل الأخبار المتقدمة الدالّة على عدم وجوب الإعادة حينئذ .

   وهناك رواية اُخرى دالّة على وجوب الإعادة أيضاً وهي صحيحة عبدالله بن سنان الّتي رواها الصدوق(1) بإسناده عنه ، وإسناده إليه صحيح . قال : «إنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل تصيبه الجنابة في اللّيلة الباردة فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : يتيمّم ويصلِّي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة» (2) .

   والجواب عن ذلك : أنّ الصحيحة واردة في خصوص من أصابته الجنابة ، وقد دلّت على وجوب الإعادة عليه عند ارتفاع عذره . إلاّ أ نّا نبيّن في التعليقة الآتية أ نّها معارضة بغيرها ممّا دلّ بصراحته على أن من أصابته الجنابة لا يعيد صلاته ، وحيث إنّها نص في مدلولها ودلالة الصحيحة هذه بالظهور فلابدّ من رفع اليد بها عن ظهورها وحملها على الاستحباب بعد تقيدها بما إذا أتى بالتيمّم آيساً من ارتفاع عذره إلى آخر الوقت بمقتضى الأخبار المتقدمة .

    المورد الأوّل لاستحباب الإعادة

   (1) ذهب جماعة قليلون إلى أن متعمد الجنابة لو تيمّم وصلّى ثمّ وجد الماء وارتفع عذره وجب عليه إعادة الصلاة . واستدلّ عليه بالصحيحة المتقدمة في التعليقة السابقة عن ابن سنان ، حيث دلّت على أن من أصابته جنابة وتيمّم لخوفه من التلف لو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الفقيه 1 : 60 / 224 .

(2) الوسائل 3 : 372 /  أبواب التيمّم ب 16 ح 1 .

ــ[349]ــ

اغتسل ثمّ ارتفع عذره وجب عليه إعادة الصلاة .

   وهذه الرواية وإن رويت بطرق متعددة فانّها مروية بطريق الكليني(1) وطريق الشيخ(2) إلاّ أنّ الأوّل مرسل والثّاني مردد ، لأ نّه عن عبدالله بن سنان أو غيره ، أو هي مرسلة على روايته الاُخرى عن الكليني(3) .

   فالاستدلال برواية الصدوق بسنده إلى عبدالله بن سنان ، وهو صحيح .

   إلاّ أنّ الصحيحة لا دلالة فيها على أن ذلك وظيفة من تعمّد الجنابة ، لأن قوله : «تصيبه الجنابة» أعم من العمدية وغير العمدية ـ  كالاحتلام  ـ لو لم ندع ظهورها في غير العمدية ، لأن ظاهرها أنّ الجنابة تصيب الشخص لا أ نّه يحدثها . فهي تدل على أنّ الجنب أعم من المتعمد وغيره لو ارتفع عذره وجبت عليه الإعادة .

   إلاّ أن في مقابلها عدّة صحاح تنص على عدم وجوب الإعادة على الجنب المتعمّد وغيره .

   منها :  حسنة أو صحيحة الحلبي قال : «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً فليتمسح من الأرض وليصل ، فإذا وجد ماءً فليغتسل وقد أجزأته صلاته الّتي صلّى» (4) .

   ومنها :  صحيحة عبدالله بن سنان بعين مضمون الصحيحة المتقدمة (5) .

   وأصرح منها صحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلّى ثمّ وجد الماء ، قال : لا يعيد ، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين» (6) فان تعليلها هذا ممّا لا يختص بالمتعمّد وغيره .

   ومنها :  صحيحة الحلبي «أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل إذا أجنب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3 : 67 / 3 .

(2) التهذيب 1 : 196 / 568 ، 567 .

(3) لم يرد الكليني في الطريق المذكور .

(4) الوسائل 3 : 367 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 4 .

(5) الوسائل 3 : 368 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 7 .

(6) الوسائل 3 : 370 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 15 .

ــ[350]ــ

لكن الأحوط إعادتها بعد زوال العذر ولو في خارج الوقت (1) .

   الثّاني :  من تيمّم لصلاة الجمعة ((1)) عند خوف فوتها لأجل الزحام ومنعه (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولم يجد الماء ، قال : يتيمّم بالصعيد ، فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة» (2) .

   وحيث إن تلك الصحاح صريحة الدلالة على عدم وجوب الإعادة وتلك الصحيحة المتقدِّمة ظاهرة في وجوب الإعادة فنرفع اليد عن ظهورها بنص تلكم الصحاح فنحمل الصحيحة على استحباب الإعادة في الوقت بعد تقييد هذه الصحاح بما إذا أتى بالتيمّم آيساً من ارتفاع عذره في الوقت بمقتضى الأخبار المتقدمة .

   (1) لا استحباب في الإعادة خارج الوقت ، لصحيحة يعقوب بن يقطين « ... فان مضى الوقت فلا إعادة عليه» (3) .

    المورد الثّاني لاستحباب الإعادة

   (2) وذلك لموثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) : «أ نّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج عن المسجد من كثرة الناس ، قال : يتيمّم ويصلِّي معهم ويعيد إذا انصرف» (4) .

   وموثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه عن علي (عليهما السلام) : «أ نّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر أ نّه على غير وضوء ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام ، قال : يتيمّم ويصلِّي معهم ويعيد إذا هو انصرف»(5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر وجوب الإعادة في هذا الفرض .

(2) الوسائل 3 : 366 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 1 .

(3) الوسائل 3 : 368 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 8 .

(4) الوسائل 3 : 371 /  أبواب التيمّم ب 15 ح 1 .

(5) الوسائل 3 : 371 /  أبواب التيمّم ب 15 ح 2 . المراد بأبي جعفر الواقع في سند الرواية هو    أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبيه محمّد بن عيسى ، وهو وجه القميين وشيخ الأشاعرة ، وهذا يدل على حسنة فلا مانع من الاعتماد على روايته، وإن  لم  يوثقه  إلاّ بعض  المتأخرين كالشهيد ـ كما حكاه عنه الشهيد الثّاني في الرعاية في علم الدراية: 371 ـ ونحن لانعتمد على توثيقاتهم.

ــ[351]ــ

   حملاً للأمر بالإعادة فيهما على الاستحباب ، إذ لا تجب على المكلّف في كل يوم إلاّ خمس صلوات لا ست صلوات فتكون إعادة الظهر مستحبّة لا محالة ، والمراد بها إعادتها ظهراً ، لأ نّه لا معنى لإعادة صلاة الجمعة في غير وقتها ، هذا .

   ولا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ الوارد في الروايتين إن كان هو صلاة الجمعة كان لما ذكروا من استحباب الإعادة في مفروض الكلام وجه ، بناءً على أن إقامة الجمعة واجب تعييني أو أ نّها واجب تخييري ويجب الحضور لها إذا نودي لصلاتها يوم الجمعة كما استظهرناه وقوّيناه لأ نّه الموافق لما هو ظاهر الآية الكريمة ، فيمكن أن يقال على هذا : بما أنّ المكلّف كان مأموراً بإقامة صلاة الجمعة أو بحضورها ولم يتمكّن من الطّهارة المائية للزحام فيتيمم ويأتي بما هو وظيفته ثمّ يستحب له أن يعيدها ظهراً بمقتضى الأمر بالإعادة في الروايتين .

   إلاّ أنّ المذكور فيهما ليس هو صلاة الجمعة ، بل المذكور فيهما يوم الجمعة ويوم عرفة ، ومن الواضح أ نّه لا صلاة جمعة يوم عرفة . فلا يمكن حمل الروايتين على إرادة صلاة الجمعة ، بل لا بدّ من حملها على إرادة صلاة الجماعة ، وحيث إنّها أمر مستحب فتدل الروايتان على أنّ من كان في المسجد عند إقامة صلاة الجماعة ولم يمكنه الخروج لتحصيل الطّهارة المائية فيجوز له أن يتيمّم ويصلِّي جماعة تحفظاً على فضيلة الوقت .

   إلاّ أ نّه من الظاهر أ نّها حينئذ صورة جماعة وليست جماعة حقيقة ، لأ نّه متمكّن من الماء ، فيتحفظ على ظهور الروايتين في وجوب الإعادة لعدم إتيانه بما هو وظيفته ولكنّه لمّا لم يجز له الإقدام على الصلاة أوّل وقتها عند عجزه عن الماء حينئذ أمر (سلام الله عليه) بالتيمّم والصلاة عند إقامة الجماعة للتحفظ على فضيلة الوقت مع إيجـاب الإعـادة عليه بعد ذلك . فلا دلالة في الروايـتين على وجوب التيمّم حينئذ واستحباب الإعادة كما ادعي ، بل دلالتهما على العكس وهو استحباب التيمّم ووجوب

ــ[352]ــ

   الثّالث :  من ترك طلب الماء عمداً إلى آخر الوقت وتيمّم وصلّى ثمّ تبيّن وجود الماء في محل الطلب (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإعادة كما أوضحناه .

   ويؤكّد ما ذكرناه أنّ الظاهر أنّ الجماعات المنعقدة في زمان صدور الأخبار في الأماكن المفروضة لا سيما بملاحظة كثرة الناس على وجه يمنع المكلّف عن الخروج إنّما كانت للعامّة ، إذ لم يكن في تلك الأعصار جماعة للخاصّة في المساجد المعروفة ولم يكن لهم تلك الكثرة ، فيكون الأمر بالتيمّم لأجل إدراك الجماعة ـ على ذلك ـ مبنيّاً على التقية ومراعاة لعدم إظهار المخالفة لهم عند إقامتهم الصلاة ، ومعه كيف يمكن أن يقال : إنّ الإعادة مستحبّة ؟

   بل لو فرضنا أنّ الروايتين واردتان في صلاة الجمعة لم نتمكّن من الحكم باستحباب الإعادة ، لأن من يرى وجوب إقامة الجمعة أو الحضور لها إنّما يراه واجباً على من يكون واجداً للشرائط ، ولا يلتزم بوجوب الإقامة أو الحضور على من كان بدنه أو ثوبه متنجساً ليصلّي مع الثوب النجس أو عارياً أو مع البدن المتنجس ، وكذا من لا يتمكّن من الوضوء وهو خارج المسجد ، إذ لا يحتمل أن تكون إقامتها أو الحضور لها واجباً على مثله بأن يتيمّم ويدخل الصلاة .

   وعليه فمن لم يكن متطهراً حال إقامتها لا يحكم عليه بوجوب إقامة الصلاة ليسوغ له التيمّم ثمّ يستحب له الإعادة . فالصحيح هو التحفظ على ظاهر الروايتين أي وجوب الإعادة في موردهما واستحباب التيمّم لدرك فضيلة الوقت كما مرّ .

    مَن تبدّلت وظيفته لأجل التفويت متعمِّداً

   (1) تعرّض (قدس سره) لجملة من الموارد الّتي قدّمناها سابقاً  (1) ، ويجمعها من فوّت المأمور به في حقّه حتّى تبدّلت وظيفته من الطّهارة المائية إلى الترابية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 159 ، 105 ، 98 .

ــ[353]ــ

   الرّابع :  من أراق الماء الموجود عنده مع العلم أو الظن بعدم وجوده بعد ذلك وكذا لو كان على طهارة فأجنب مع العلم أو الظن بعدم وجود الماء .

   الخامس :  من أخّر الصلاة متعمداً إلى أن ضاق وقته فتيمّم لأجل الضيق .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net